بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة وازكي التسليم علي الهادي الأمين نبينا محمد وأله الطاهرين ، السلام عليكم مستمعينا الكرام واهلا بكم في هذا اللقاء القرآني الجديد . كونوا معنا
يقول تعالي في الآية الثالثة والثلاثين والرابعة والثلاثين من سورة آل عمران المباركة ( أن الله اصطفي ادم ونوحا وآل عمران علي العالمين ، ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم ) أن الله تبارك وتعالي ومن أجل هداية البشرية الي الطريق الصحيح ، أختار من بين عباده الصالحين من يبلغون دينه ، فبعثهم انبياء ورسلا مبشرين ومنذرين . وهذا الاختيار يأتي من ناحية ذاتية وأخري مكتسبة . أي ان الله تعالي ومن اجل الأضطلاع بأعباء الرسالة علي النحو الأحسن قد اصطفي لها من عباده لائقين بهذه المهام الرفيعة وهذا الاصطفاء الالهي لايعني ان يكون المختار من قبل الذات المقدسة مجبرا علي نهج الحق ، بل انه يتخذ للحق سبيلا بملئ ارادته وانطلاقا من ايمانه ونتعلم من هذه الآية:
أولا: أن بين الناس من هم القدوة الحسنة لغيرهم.
ثانيا: الوراثة لاتعمل علي نقل الصفات المادية من جيل لآخر فحسب، بل تؤثر كذلك في نقل الصفات المعنوية من الفضائل والاخلاق والكمالات النفسية .
ولاغرو ان قيل ان الولد علي سر أبيه ، ومن يشابه ابه فما ظلم ، ولكن كل ذلك بالطبع ليس علي سبيل الاجبار والاكراه بل هو عامل مساعد ويقول تعالي في الايتين الخامسة والثلاثين والسادسة والثلاثين من سورة آل عمران:
اذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك مافي بطني محررا فتقبل مني انك السميع العليم / فلما وضعتها قالت ربي اني وضعتها انثي والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثي واني سميتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم
في سورة آل عمران المباركة آيات كريمات تعكس جانبا من تاريخ النبوة الزاهر، حيث يتحدث هذا النص القرآني المبارك عن ولادة مريم سلام الله عليها والدة النبي عيسي علي نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام ، علي ان في آيات اخري من هذه السورة كذلك عرض لولادة السيد المسيح (ع)
وتذكر كتب التاريخ والتفاسير أن عمران وزكريا كانا شخصيتان بارزتان ومن أنبياء بني أسرائيل وقد أقترنا بأختين ولم يرزقا بذرية ، حتي نذرت زوجة عمران ان وهبها الله ولدا جعلته في بيت المقدس خادما واستجاب الله لدعاء هذه المرآة فلما وضعت حملها كانت انثي واصاب هذه السيدة القلق تري كيف ستفي بنذرها اذ لم يسبق ان تخدم في بيت المقدس انثي . ويبين القرآن الكريم هنا ان الله يهب الولد علي اساس الحكمة والمصلحة وهو العالم بعاقبة الامور وبالفعل تبوأت العذراء مريم عليها السلام مكانة سامية ، كيف لا وهي بنص الاحاديث الشريفة من نساء اهل الجنة ، وفي الدنيا حباها الله منزلة رفيعة فهي ام للمسيح عليه السلام . .
ما نتعلمه هنا من دروس :
اولاً: العقلاء من الناس وقبل ان يولد ابناءهم يعدونهم لخدمة الدين والمجتمع.
ثانيا: خدمة المسجد أمر قيم ولهذا فأن الاتقياء علي مر التاريخ كانوا يندرون اولادهم لخدمة بيوت الله.
ثالثا: اختيار الاسم الحسن من واجب الآباء والامهات تجاه الابناء . زوجة عمران سمت ابنتها مريم اي العابدة والخادمة لبيت الله.
رابعا: الطلب من الله للاعانة علي تربية الابناء وابعادهم عن وساوس الشيطان
ويقول تعالي في الآية السابعة والثلاثين من سورة آل عمران:
( فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا ، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم اني لك هذا ؟ قالت هو من عند الله ، ان الله يرزق من يشاء بغير حساب )
كما ذكرنا من قبل فأن والدة مريم (ع) كانت تتمني ان يهبها الله ولدا ذكرا لأنها نذرت ان تجعله خادما لبيت المقدس. وألهمها الله انه تعالي يقبل بالانثي لبيت المقدس خادمة .
كان والد العذراء (س) قد توفي قبل ان تولد ابنته اخذت زوجة عمران ابنتها الي بيت المقدس وقالت لعلماء اليهود، ان هذه الطفلة هدية لبيت المقدس فتكفلها زكريا عليه السلام .
وتربت العذراء (س) عند زكريا وانقطعت الي عبادة الله الواحد الاحد ، حتي انشغلت بها عن اكلها وشربها بيد ان الله تعالي حباها من موائد الجنة رزقا. فكان زكريا (ع) عندما يدخل علي مريم المحراب يري عندها زادا وماهي الدروس التي نأخذها من هذا النص الشريف ؟ نعم ان ما نتعلمه هو:
اولاً: العمل اذا كان صالحا وفي سبيل الله فأن الله ينميه ويبارك فيه.
ثانيا: في امكان المرأة اكتساب الكمال الروحي والمعنوي حتي تصل الي أسمي مقاماته.
ثالثا ً: اذا أدي الانسان واجبه في العبادة علي الوجه المطلوب فأن الله تعالي يتكفل أموره. حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولي ونعم النصير.
حضرات المستمعين الأفاضل . نشكر لكم حسن الآصغاء والمتابعة ونسأل الله تعالي ان يجعلنا واياكم علي طريق الصالحين ومن عباده المخلصين انه خير ناصر ومعين والسلام عليكم وعلي عباد الله المكرمين.