الجزء الاول من هذا اللوح الطيني يروي ما جرى على لسان مؤرخي الحضارة البابلية، واما الجزء الثاني منه فيتحدث عن كلمات الملك كوروش ومرسوماته الملكية التي كتب عليه بالخط واللغة الأكدية (او ما يسمى باللغة البابلية الجديدة). يذكر ان هذه الأسطوانة اللوحية تم العثور عليها عام 1258 للهجرة الشمسية ( 1879 للميلاد) في معبد «اسكيله» (معبد مردوك الهة بابل العظيمة) في مدينة بابل الأثرية.
يبلغ طول هذه الأسطوانة المصنوعة من الطين 5/22 سنتيمتراً وعرضه 11 سنتيمتراً وكتب حولها 45 سطراً (ما عدا الأجزاء التي طالها الهدم) بالخط واللغة الأكدية (اللغة البابلية الجديدة).
وأظهرت الدراسات التي أجريت على الأسطوانة في المراحل اللاحقة ان الكتابات المنقوشة عليها تعود الى عام 538 قبل الميلاد إثر هزيمة الملك البابلي نبونيذ وسقوط مملكة البابل واصلالها على يد قوات جيش الملك الاخميني كوروش. عندئذ أمر كوروش بكتابة هذه الأسطوانة.
كما كشفت دراسة جديدة في العام 1375 الهجري الشمسي (1996 للميلاد) عن أن جزءاً من اسطوانة لوحية كانت يظن بأنها تعود الى الملك البابلي نبونيذ، هو في الحقيقة يتعلق بأسطوانة كوروش اللوحية وتحديداً من السطر ال 36 الى 43.
وبعد هذا الاكتشاف، تم الانتقال بهذا الجزء من الاسطوانة التي كانت يحتفظ بها في جامعة «ييل» بالولايات المتحدة الاميركية، تم الانتقال به الى المتحف البريطاني في لندن وانضم الى الأسطوانة الأصلية.
هذا وأدّت الأبحاث اللغوية التي اجريت على قطعتي عظام متحجرة للحصان يحتفظ بهما في متحف «المدينة الممنوعة» بالصين، أدت الى اكتشاف النسخة الصينية لميثاق كوروش.
نعود هذه العظام المتحجرة الى عهد الإخمينيين.
*صنع ميثاق كوروش
الملك كوروش الكبير ومؤسس السلالة الإخمينية وبعد احتلاله لبابل، جلس على العرش الملكي هناك، معلناً حرية الأديان والمعتقدات المختلفة. ومن اجل لفت انتباه سكان منطقة بين النهرين وإظهار المحبة اليهم، اعترف كوروش رسمياً بمردوك، الالهة البابلية العظيمة، وأثنى عليها. ولم يقع اي انسان أسيراً بيده وأمر جنوده بمراعاة حقوق الرعايا وعدم التطاول على أموالهم وممتلكاتهم.
كما قام الملك كوروش بلم شمل كل من جيء بهم أسرى الى بابل وسلم لهم منازلهم فضلاً عن أنه أطلق سراح اليهود الذين وقعوا أسرى في بابل ويخضعون للتعذيب والأعمال الشاقة.
وأمر كوروش بصنع أسطوانة لوحية وكتابة الأحداث ومرسوماته الملكية عليها والاحتفاظ بها في معبد مردوك.
عملية النقش على هذه الأسطوانه لم تكتمل أخيراً، بيد أنها اشتملت 45 سطراً تعرضت الأسطر الثلاثة الأولى للإنكسار والهدم.
وحسب معظم الخبراء والمؤرخين، يعد ميثاق كوروش على شكل الأسطوانة اللوحية أول ميثاق مدون لحقوق الانسان، اذ بادرت منظمة الأمم المتحدة في العام 1971 بترجمته الى ست لغات معترف بها رسمياً في هذه المنظمة. وجدير بالاشارة الى أن نسخة بديلة من الميثاق هذا يحتفظ به في مقر الامم المتحدة بمدينة نيويورك.
في هذه الأسطوانة اللوحية، بدأ كوروش يعرف نفسه وعائلته ويسرد قصة فتحه لبابل بشكل موجز، ومن ثم يقول ان انجازاته ومكتسباته جميعها جاءت نتيجة المساعدة التي قدمها له مردوك الالهة البابلية وبرضىً منها. ويوضح كوروش من بعد ذلك كيف أنه أتحف أهالي بابل وسومر وباقي البلدان سلاماً وهدوءاً وأمناً. كما يشير في ميثاقه هذا الى مساع بذلها لاسترجاع هياكل وتماثيل الالهات التي سرقها الملك البابلي نبونيذ وجمعها في بابل، الى معابدها الأصلية. هذا ويتحدث الملك كوروش في هذا الميثاق عما قام به من اجراءات لبناء واعادة اعمار المعابد المهدمة واطلاق سراح من وقعوا أسرى بيد الملكوك البابليين واسترجاعهم الى أوطانهم.