بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله تعالى وبركاته، تحية طيبة واهلا بكم في الحلقة الرابعة من برنامج نهج الحياة.
مستمعينا الكرام؛ على مدى الحلقات الثلاث الماضية تناولنا تفسيرا مفصلا لفاتحة الكتاب أو سورة الحمد المباركة وهي أول سورة للقرآن الكريم، أما السورة الثانية وهي أطول سورة في الذكر الحكيم فتعرف بسورة البقرة، وهذا الاسم جاء لأن هذه السورة تناولت قصة بقرة بني اسرائيل وتبدأ السورة بحروف لها تركيب خاص وتلفت نظر المستمع وهي:
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
الم ﴿١﴾
نعم مستمعينا الأفاضل؛ في اللغة العربية تتكون الكلمة من عدة حروف تعطي معنا ومفهوما للسامع، لكن الحروف الثلاثة هنا وهي الألف واللام والميم لا تكون كلمة (ألم)، إنما تلفظ كما هي (ألف لام ميم)، ومن بين 114 سورة يضمها القرآن الكريم بين دفتيه، تبدأ 29 سورة بمثل هذه الأحرف ولكن ليست كلها ألفا ولاما وميما، وفي بعض لغة العرب لم يكن هذا الأسلوب اللغوي مألوفا وهكذا يكون القرآن هو أول من جاء به، وتعرف هذه الحروف عند المفسرين بالأحرف المقطعة، أي الحروف المنفصلة عن بعضها البعض. والملاحظ مستمعينا الأفاضل أن الآيات التي تلي هذه الحروف في أكثر الحالات تتحدث عن إعجاز القرآن، وتشير الى إصالته وعظمته؛ ففي سورة الشورى وبعد حا ميم عين سين قاف، يقول تعالى: (كذلك يوحي إليك والى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم) وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول إن هذا الكتاب وهو معجزة، إنما يتكون من الحروف الأبجدية العربية، إذاً على الذين يرفضون إعجاز القرآن، الإتيان بكتاب مثله من حيث الكتابة ومن حيث المضمون، فبلاغة القرآن لا توازيها بلاغة ومضامينه لا نظير لها ولا مثيل؛ أجل أعزائي المستمعين، إنها قدرة الخالق المتعال أن أنزل هذا القرآن الذي يعجز البشر عن الإتيان حتى بسورة واحدة من مثله.
وأما الآية الثانية من سورة البقرة:
ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾
الكتاب هو أفضل تراث بقي من أمم الماضين، فهو الذي يوصل الى سماع العالمين والبشرية أسمى المفاهيم والمعارف بلسان صامت.
القرآن الكريم مستمعينا الأفاضل نزلت في آيات وسور وبأمر من الرسول الأكرم (ص)؛ كان القرآن يدون ويحفظ في صدور المسلمين بعد ما كان الوحي الأمين ينزل به، إن من يتمعن في القرآن يدرك أنه كتاب إلهي فما في هذا الكتاب العزيز من المضامين السامية من المستحيل أن يصدر عن إنسان عاش أكثر من أربعة عشر قرنا بين قوم لم يكن لهم حظ من العلم والمعرفة.
وكما قلنا في الحلقة الأولى من هذا البرنامج وكمقدمة لهذا التفسير أن القرآن هو كتابة هداية وإرشاد للبشرية الى طريق السعادة فمن يريد سعادة الدنيا والآخرة عليه أن يتمسك بالقرآن ويتخذه منهجا، ففيه النجاة من المهالك التي تهدد الإنسان وروحه.
ويقول تعالى في الآية الخامسة والثمانين بعد المئة من سورة البقرة:
(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس)
من الواضح عزيزي المستمع أن من يستفيئون بأنوار القرآن هم الباحثون عن الحقيقة ويقبلون بها، أما من ركب العناد عقولهم وعشعشت العصبية في قلوبهم ونازعت الأهواء نفوسهم وغلبتها، فليسوا بالحق طالبين بل عنه عندما يلقونه يعرضون، مثل هؤلاء لايمكن أن يجلسوا الى مائدة القرآن ويتزودوا من زاده الوفير.
مستمعينا الكرام ما زلنا نواصل تقديم برنامج نهج الحياة من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، إذاً أعزائي المستمعين لا بد من تهيأة الأجواء بتقوى وورع لقبول الهداية القرآنية وهنا يظهر معنى قوله تعالى؛ (هدى للمتقين) ولنمر هنا على الدروس التي نستقيها من هذه الآية المباركة:
- أصحاب النبي (ص) كانوا يولون فائق الأهمية لحفظ القرآن وكتابته وهكذا أصبح القرآن ما هو مجموع بين الدفتين؛ أما نحن فعلينا احترام قدسية وطهارة هذا الكتاب السماوي.
- مضامين هذا الكتاب قوية ثرة ومحكمة لأنها من لدن العزيز الحكيم.
- القرآن كتاب إرشاد وهداية للبشرية وليس كتابا يخص جماعة خاصة من الناس ولا ينبغي أن نتوقع بأن يدلنا القرآن على مسائل في الكيمياء والفيزياء أو الرياضيات مثلا.
- من أجل أن نجعل نور القرآن يشع في قلوبنا علينا أن نجلي الكدر عن قلوبنا لنكون على استعداد لقبول حقائقه، فالضوء ينفذ عبر زجاج نظيف ولا يمكن أن يخترق ألواح الطين.
مستمعينا الأكارم في ختام حلقة هذا اليوم من برنامج نهج الحياة والذي قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، نسأل الله تعالى أن ينور قلوبنا جميعا بنور القرآن، حتى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.