في مثل هذا اليوم السابع عشر من شهر رمضان كانت وقعة مشهودة في تاريخ البشرية، وتاريخ الاسلام، هذا اليوم يوم وضاء «يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» يوم جعله الله آية لكل الموحدين: «قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ» وذلك في السنة الثانية للهجرة النبوية الشريفة. لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع ثلة قليلة وصفها القرآن الكريم بقوله تعالى: «وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ»، واستهزأ بها ابو جهل قائلاً: ما هم الا أكلة رأس، لو بعثنا اليهم عبيدنا لاخذوهم اخذاً باليد.
يقول التاريخ: لما اصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر عبأ اصحابه فكان في عسكره فرسان، فرس للزبير بن العوام، وفرس للمقداد بن الاسود، وكان في عسكره سبعون جملاً كانوا يتعاقبون عليها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن ابي طالب عليه السلام ومرثد بن ابي مرثد الغنوي يتعاقبون على جمل لمرثد بن ابي مرثد.
وكان في عسكر قريش اربعمائة فرس ومعهم سبعمائة جمل. واصحاب النبي لا يتجاوزون ثلاثمائة وثلاثة عشر، وقريش جاءت بألف فارس ومقاتل مع كامل العدة بالاضافة الى ذلك فان وجود المنافقين والمتخاذلين في جيش النبي بثوا سمومهم، فقال المنافيون «غَرَّهُمْ فِي دِينِهِم».
وقال المتخاذلون للنبي: يا رسول الله انها قريش وخيلاؤها ما آمنت منذ كفرت وما ذلّت منذ عزّت، ولم نخرج على هيئة الحرب. وكانت هناك طائفة من الناس تطالب النبي قبل الهجرة باتخاذ قرار عسكري ضد قريش ردعاً لها على ممارساتها التعسفية ضد من يُسلم الا انها اعترضت اليوم على قرار اختيار طريق ذات الشوكة، ومنهم عبد الرحمن بن عوف حيث حكى القرآن الكريم واقع حالهم بقوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ»، الا ان الواعين والمطيعين لأمر الله ورسوله غيروا المعادلة لصالح الارادة الالهية والتي كان يترقبها النبي من مقاتلي جيشه فقام المقداد بن الاسود وأعلن امام الجميع بارادة ثابتة وروح متفانية بقوله: يا رسول الله انها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقنا وشهدنا ان ما جئت به حق، والله لو أمرتنا ان نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى: اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، ولكنا نقول: امض لأمر ربك فانّا معك مقاتلون.
فسُرّ النبي لقول المقداد وجزاه خيراً. الا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقي ينتظر طائفة اخرى تدلي له برايها لخوض الحرب فقام سعد بن معاذ وهو سيد الانصار فقال: بأبي انت وامي يا رسول الله كأنّك اردتّنا.
فقال: نعم.
قال: بأبي انت وأمي يا رسول الله انّا قد آمنّا بك وصدقناك وشهدنا انّ ما جئت به حقٌّ من عند الله فمُرنا بما شئت، وخُذ من اموالنا ما شئت، واترك منها ما شئت، والله لو امرتنا ان نخوض هذا البحر لخضناه معك ولعل الله عزوجل ان يُريك منّا ما تقرُّ به عينك. فسِر بنا على بركة الله.
ففرح هنالك النبي صلى الله عليه وآله وقال: سيروا على بركة الله فان الله عزوجل قد وعدني احدى الطائفتين ولن يُخلف الله وعده، والله لكأني انظر الى مصرع ابي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وفلان وفلان.
ولما تراءت الفئتان ونظر النبي صلى الله عليه وآله الى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين استقبل القبلة وقال: اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الارض، فما زال يهتف ربّه مادّاً يديه حتى سقط رداؤه من منكبيه الشريفين فأنزل الله: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ» فنكص هنالك الشيطان الذي وعد قريشا بالنصر ان لا غالب لكم اليوم واني جار لكم نكص على عقبيه لما راى جبرئيل وألفاً من الملائكة وبرز عليٌّ وحمزة وعبيدة لعبة واخيه شيبة وولده الوليد فبان لعليّ علوّ الرتبة لما قتل الوليد واغاث عمه الحمزة وقتل شيبة وأجهز على عتبة بعدما جرحه عبيدة وكان به رمق وكفى الله المؤمنين القتال بعليٍّ الذي قتل نصف قتلى قريش والنصف الآخر قتلهم سائر المسلمين: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ» وانزل الله تعالى نصره على نبيه وهُزمت قريش خاسئة مرعوبة. «وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».