قبل 89 عاماً بالتاريخ الهجري، و86 عاماً بالتاريخ الميلادي، اي في اليوم الثامن عشر من شهر رمضان المبارك عام 1338 للهجرة القمرية على مهاجرها السلام، وقّع جمع كبير من الثائرين ضد الاحتلال الانكليزي للعراق في مدينة النجف الاشرف مضبطة تاريخية مهمة، حملت اسماء علماء ووجهاء ورؤساء عشائر النجف تطالب بانهاء احتلال العراق من قبضة بريطانيا، وكان يومها قد مرت على احتلال بريطانيا للعراق ثلاث سنوات، وقد انتهت في ذلك الزمان رئاسة الطائفة الشيعية الى الزعيم والمرجع الاعلى على الاطلاق آية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي والذي عُرف بقائد ثورة العشرين واشتهر بالامام المجاهد حيث كان يقطن كربلاء المقدسة. وكان نصّ المضبطة التي وقعها الثوار النجفيون كالتالي:
(نحن عموم اهالي النجف الاشرف، علماؤها واشرافها واعيانها وممثلو الرأي العام فيها، قد انتدبنا علمائنا واشرافنا ووجهائنا السياسيين لان يمثلونا تمثيلا صحيحا قانونيا امام حكومة الاحتلال في العراق وامام عدالة الدولة الحرة الديمقراطية التي جعلت من مبدئها تحرير الشعوب، وقد خولناهم ان يدافعوا عن حقوق الامة ويجهروا في طلب الاستقلال للبلاد العراقية بحدودها الطبيعية العراية عن كل تدخل اجنبي في ظل دولة عربية وطنية يرأسها ملك عربي مسلم مقيد بمجلس تشريعي وطني.
هذه هي رغباتنا لانرضى بغيرها، ولا نفتر عن طلبها، ومنه نستمد الفوز وهو حسبنا ونعم الوكيل).
كانت هذه المضبطة ايذاناً لاعلان الثورة على المحتلين البريطانيين المتغطرسين، الذين ضللوا الشعب العراقي المسلم بأنهم جاءوا لانقاذهم من حكومة الجور والظلم والطغيان وتحريرهم من المارد الذي كان يجثم على صدروهم متمثلا بالحكومة العثمانية، الا ان المحتل الغادر والطامع بثروات الشعوب يدخل في ثوب حمل وديع، وسرعان ما يكشف عن انيابه الذئبية المتعطشة للدماء.
هذا وقد كتب الثوار النجفيون الى الامام الشيرازي قدس سره في كربلاء المقدسة بما جرى بينهم وبين الحاكم البريطاني آنذاك الكولونيل ولسن، واستفتوه في اعلان الثورة لنيل مطالبهم المشروعة. وقد توجه بعض شيوخ العشائر وسادات القبائل وعدة من العلماء والرؤساء ووجوه العراقيين الى كربلاء واقنعوا الامام الميرزا محمد تقي الشيرازي بانهم يمتلكون القوة والاستعداد الكاملين للقيام بالثورة، الا ان الامام الشيرازي طاب ثراه تردد بداية الامر في اصدار الفتوى. الا انه اعطاهم الضوء الاخضر بقوله لهم: (اذا كانت هذه نواياكم وهذه تعهداتكم فالله في عونكم). واستعدّ الثوار لاعلان الثورة وأقسموا بالقرآن الكريم ان ينقذوا بلادهم من يد الانكليز، وخرجت تظاهرات في النجف واحتجاجات وكان ردّ الحاكم البريطاني كباقي المحتلين الظالمين، حيث أمر باعتقال الميرزا محمد رضا نجل الامام الشيرازي ومعه بعض رجال كربلاء الذين نظموا تظاهرات تاييدا للثورة. مما حدى بالامام الشيرازي ان يستنكر اعمال المحتلين الشنيعة وخطورتها على الشعب العراقي، حينها قام بعض زعماء الثوار باستفتاء سماحته في جواز القيام بالثورة ضد المحتلين فأصدر الامام الشيرازي فتواه التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم في ضمن مطالباتهم رعاية السلم والامن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية اذا امتنع الانكليز عن قبول مطالبهم.
الاحقر محمد تقي الحائري الشيرازي
فاندلعت ثورة العشرين التي زلزلت الارض تحت اقدام المحتلين وقضت مضاجعهم في جميع انحاء الفرات الاوسط وجنوب العراق.