حمد الله تعالى وتمجيده، والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليّة ، وتنزيهه عن جميع النقائص ، وإثبات البعث والجزاء ، وإفراده بالعبادة والاستعانة ، والتوجه إليه بطلب الهداية إلى الصراط المستقيم ، والتضرع إليه بتثبيتهم على الصراط المستقيم ، والإخبار عن قصص الأمم السابقين ، وقد اشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة.
كما تُذكِّر السورة بأساسيات الدين : شكر نعم الله في قوله "الحمد لله"، والإخلاص لله في قوله "إياك نعبد وإياك نستعين"، والصحبة الصالحة في قوله "صراط الذين أنعمت عليهم"، وتذكر أسماء الله الحسنى وصفاته في قوله "الرحمن الرحيم"، والاستقامة في قوله "اهدنا الصراط المستقيم"، الآخرة في قوله "مالك يوم الدين"، بالإضافة لأهمية الدعاء في قوله "نعبد، نستعين".
قال البقاعي: «إن سورة الفاتحة جامعة لجميع ما في القرآن، فالآيات الثلاث الأُول شاملة لكل معنى تضمنته الأسماء الحسنى والصفات العلى ، فكل ما في القرآن من ذلك فهو مفصل من جوامعها ، والآيات الثلاث الأُخر من قوله : "اهدنا" شاملة لكل ما يحيط بأمر الخلق في الوصول إلى الله ، والتحيز إلى رحمته ، والانقطاع دون ذلك ، فكل ما في القرآن فمن تفصيل جوامع هذه ، وكل ما يكون وصلة بين ما ظاهره من الخلق ومبدؤه وقيامه من الحق فمفصل من آية إياك نعبد وإياك نستعين».
ذكر ابن القيم أن السورة اشتملت على الرد على جميع طوائف أهل البدع والضلال، كما بينت منازل السائرين ، ومقامات العارفين ، وبيان أنه لا يقوم غير هذه السورة مقامها ، ولا يسد مسدها ، ولذلك لم ينزل في التوراة ، ولا في الإنجيل مثلها.
كما قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي: «وهذه السورة على إيجازها احتوت على ما لم تحتوِ عليه سورة من سور القرآن ، فقد تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية ، يؤخذ من قوله : رب العالمين. وتوحيد الإلوهية، وهو إفراد الله بالعبادة، يؤخذ من لفظ: اللَّه ، ومن قوله : إياك نعبد. وتوحيد الأسماء والصفات ، وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى ، التي أثبتها لنفسه ، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل ، ولا تمثيل ، ولا تشبيه ، وقد دل على ذلك لفظ الحمد. وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله : مالك يوم الدين ، وأن الجزاء يكون بالعدل ، وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى ، عبادة واستعانة في قوله : إياك نعبد وإياك نستعين. وتضمنت اثبات النبوة في قوله: اهدنا الصراط المستقيم ؛ لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة. وتضمنت إثبات القدر ، وأن العبد فاعل حقيقة. وتضمنت الرد على جميع أهل البدع والضلال في قوله: اهدنا الصراط المستقيم».
يقول سيد قطب : «إن في هذه السورة من كليات العقيدة الإسلامية، وكليات التصور الإسلامي، وكليات المشاعر والتوجيهات، ما يشير إلى طرف من حكمة اختيارها للتكرار في كل ركعة، وحكمة بطلان كل صلاة لا تُذكر فيها».