بسم الله والحمد لله الذي جعلنا من أمة حبيبه سيد النبيين ومن أهل مودته وآله الطيبين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
السلام عليكم إخوتنا وأخواتنا، أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج.
أيها الأفاضل، من أهم ما امتازت به المدائح النبوية التي أنشأها أدباء مدرسة الثقلين أنها حملت أنوار ما استلهموه من القرآن والعترة – عليهم السلام – في معرفة مقام سيد الكائنات النبي الأكرم الذي لا يرقى الى مقامه أحد من الأولين والآخرين ولذلك هي تتضمن أوصافاً تختص به – صلى الله عليه وآله -.
وهذا ما نلمحه في المديحة النبوية التي إخترناها لهذا اللقاء وهي تجمع بلطف ووئام بين الأصالة والحداثة في المجال الأدبي، وقد أنشأها أحد أبرز أعلام الأدب الحديث في منطقة الإحساء، هو الأديب المهندس الأخ جاسم بن محمد بن أحمد الصحيح المولود في مدينة (الجفر) عام ۱۳۸٤ للهجرة، والحائز على جوائز مهرجانات أدبية عدة على أفضل قصائد على مستوى المملكة السعودية والعالم العربي، وفقه الله لكل خير.
قال الأديب الأخ جاسم الصحيح في مقدمة قصيدته وهو يخاطب سيد النبيين – صلى الله عليه وآله -:
قد اصْطَفاَكَ السَّناَ واختارَكَ الأَلَقُ
فكيف يسمو إلى تكوينِكَ، العَلَقُ!
يا بصمةَ اللهِ في أبعادِ كوكبِهِ
حيث الفضاءُ كتابٌ والمَدَى وَرَقُ
ما كنتَ في العُمْقِ من أحشاءِ (آمنةٍ)
لَحْماً على عَظْمِهِ ينمو ويَتَّسِقُ
بَلْ كنتَ أعمقَ أسراراً مُقَدَّسَةً
من نطفةٍ بمياهِ الخَلْقِ تَصْطَفِقُ
سِرٌّ يَلُفُّكَ في سِرٍّ، وما بَرِحَتْ
عليكَ دائرةُ الأسرارِ تنغلقُ
بايعتُ ذكراكَ فانْساَبَتْ لها عُنُقي..
والبيعةُ الحقُّ لا تُلْوَى لها عُنُقُ!
هُنا مدائحُ (حَسَّانٍ) على شفتي
تزهو، وفي الرُّوحِ من أرماقِهِ رَمَقُ
يا صاعداً (جَبَلَ النُّورِ) الذي نَزَلَتْ
منه الحقيقةُ عبر الأرضِ تنطلقُ
عُدْناَ إليكَ من التاريخِ نسلكُهُ
حتَّى (حراءَ) فلم تسلكْ بنا الطُرُقُ
أين الطريقُ الذي سالَتْ خُطاَكَ بِهِ
نَهْراً على كَبِدِ الصحراءِ يندفقُ؟!
أيَّامَ ضَيَّعَتِ الأيَّامُ رحلتَها
فلم تَعُدْ خطوةٌ في نَفْسِها تَثِقُ
مَنْ ذا يُطَبِّبُ في الإنسانِ جوهرَهُ ؟
كاد السؤالُ على الصحراءِ يحترقُ!
وأَوْتَرَتْ قوسَها الأنباءُ عن نَبَأٍ
في فرحةِ السَّهم حين السَّهم ينعتقُ:
مِنْ خارج الأرضِ مَدَّ اللهُ راحتَهُ
نحو الحياةِ ففاضَ البِشْرُ والأَلَقُ
واختارَ (مَكَّةَ) ماعوناً لرحمتِهِ
لا يشتفي طَبَقٌ إلاَّ اشتهَى طَبَقُ
فيضٌ من اللُّطفِ لم يُدْرِكْ حقيقتَهُ
قومٌ بِما فاضَ من أوهامِهِمْ شَرِقُوا!
حتَّى إذا الغيبُ جَلَّى سِرَّهُ.. وإذا
صوتُ الحقيقةِ في الآفاقِ منبثقُ:
بُشرَى الحياةِ برُبَّانٍ.. قد اتَّحَدَتْ
بِهِ الخرائطُ وانقادَتْ لهُ الطُرُقُ
(طهَ).. ومَنْ غيرُ (طهَ) حين تندبُهُ
سفينةُ الخلقِ لا يُخشَى لها الغَرَقُ؟!
وبعد هذه المقدمة البديعة في بيان المضمون القرآني الخالد والمصرح بأن الله عزوجل بعث حبيبه المصطفى – صلى الله عليه وآله – رحمة للعالمين، ينطلق الأخ الأديب جاسم الصحيح لبيان بعض مظاهر الرحمة المحمدية مستلهماً منها نفحات الخير والعطاء، فيقول حفظه الله مخاطباً نبي الرحمة:
يا وردةَ الحقِّ ما زلنا نشاركُها
سِرَّ الشَّذَى فيُحَنِّي روحَنا، العَبَقُ
حَيَّتْكَ في العُمْقِ من أصلابِنا نُطَفٌ
جذلَى تَرَنَّحَ فيها الماءُ والعَلَقُ
واقتادَنا مركبُ الذكرى إلى زَمَنٍ
رَبَّاكَ في شاطِئَيْهِ، الحبُّ والخُلُقُ
تدري (حليمةُ) إذْ دَرَّتْ محالبُها
يوماً سيُشْرِقُ من أثدائِها، الفَلَقُ
ماذا عليها وقد أهدَى الخلودُ لها
نَهْراً تفيضُ بهِ النُّعمَى وتندلقُ!!
يا منكرَ الذاتِ حتَّى آثَرَتْ أَرَقاً
كي يستريحَ عبيدٌ شَفَّهُمْ أَرَقُ
جرحُ النُبُوَّةِ جرحُ الشمسِ.. تسكنُهُ
روحُ الجمالِ.. ومن أسمائِهِ الشَّفَقُ
مِنْ عُزلةٍ لَكَ.. مِنْ حُزْنٍ خَلَوْتَ بهِ
في (الغارِ)..مِنْ هاجسٍ ثارَتْ بهِ الحُرَقُ!
مِنْ (بئرِ ماءٍ) ذوَى حُلْمُ الرُّعاةِ بها..
مِنْ خيمةٍ عاث فيها الطيشُ والنَّزَقُ!
مِنْ كلِّ ذاكَ الدُّجَى.. شَعَّتْ بثورتِها
عيناكَ.. وابتدأَ التاريخُ يأتلقُ!
تَزَوَّجَتْ في يديكَ الأرضُ معولَها
حتَّى تناسلَ منها الوَردُ والحَبَقُ
فاستيقظَ الحُلْمُ مزهوًّا بفارسِهِ
تَضُمُّهُ مقلةُ الدنيا، وتعتنقُ
ولُحْتَ في موكب التوحيدِ ممتشقاً
سيفاً لغير الهُدَى ما كنتَ تمتشقُ
تتلو مزاميرَكَ الغرَّاءَ فانبعثَتْ
على الصدَى ضابحاتُ الحقِّ تستبقُ
وتحملُ المشعلَ الأسنَى بحالكةٍ
ظلماءَ.. يخبطُ في أبعادِها الغَسَقُ
عفواً نبيَّ الهُدَى.. عفواً إذا عَبَرَتْ
جسرَ القوافي إلى فردوسِكَ، الحُرَقُ
واعذرْ بياني إذا أبصرتَ بَذْرَتَهُ
تنشقُّ عن نبتةِ الشَّكوَى، وتنفلقُ:
أسطولُ فجرٍ وراءَ الغيبِ مُحْتَجِبٌ
ضاقَتْ بمينائِهِ الأرواحُ والحَدَقُ!
أُنْبِيكَ : ما زال هذا الكونُ محكمةً
تقضي بتقطيعِ أيدي غير مَنْ سَرَقوا !
والجرحُ في جوهرِ الإنسانِ ما بَرِحَتْ
دماؤُهُ باتِّساعِ الأرضِ تندفقُ
هَوِّنْ عليكَ فكمْ حاولتَ ترتقُهُ
بالمعجزاتِ ولكنْ ليسَ ينرتقُ
ما ارتابَ خيطُكَ في إيمانِ إبرتِهِ
مُذْ وَسَّعَ الجرحَ مَنْ شَقُّوا ومَنْ فَتَقُوا!
كانت هذه، مستمعينا الأطائب، طائفة من أبيات قصيدة (بايعت ذكراك) أنشأها في مدح سيد المرسلين – صلى الله عليه وآله – الأديب الولائي المبدع الأخ جاسم الصحيح من أعلام الأدب الإحسائي المعاصر، وقد قرأناها لكم في حلقة اليوم من برنامجكم (مدائح الأنوار) شاكرين لكم طيب المتابعة، تقبلوا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تحياتنا المتواصلة ودمتم بألف خير.