لم تعرف بعد، المناطق التي كانت خاضعة للحكم الميدي، بيد أنها على ما يبدو كانت تشتمل على كابادوكية وأرمينيا غرباً وتحدها دولة هيركاني شرقاً. في عام 547 قبل الميلاد، سيطر كوروش على ليدية فضلاً عن أنه ضم سغد وباكتريا وأجزاءً من الهند الى أراضي حكمه، كما سيطر على بابل في سنة 539 قبل الميلاد.
أمر كوروش الذي اشتهر بعد ذلك بكوروش الكبير ببناء مدينة باسارغاد عاصمة له، حيث انتصر على آستياك. وقتل كوروش أخيراً عام 530 قبل الميلاد في أرض دولة «ماساغت» الواقعة على التخوم الشرقية لامبراطوريته.
خلف كوروش نجله كمبوجيه الذي فتح مصر عام 525 قبل الميلاد. وبعد مضي ثلاث سنوات وعندما كان كمبوجيه في مصر، عين «كيوماته» نفسه ملكاً على مملكة «بارس»، ما جعل كمبوجيه يتوجه نحوها لاسترداد الحكم غير أنه قتل في طريق عودته، إثر دخول خنجره جسمه، عندما كان يعتزم ان يركب جواده.
بعد هذا الحادث، هاجم عدد من كبار رجال البلاط البارسي بقيادة داريوش، الملك الباطل كيوماته وقتلوه، وبذلك تم تعيين داريوش ملكاً لهم. لم يكن داريوش ابن كوروش او أخاه، بل انه كان أحد أفراد السلالة الإخمينية. في الوقت نفسه، تعمّ الفوضي وأعمال الشغب عدداً كبيراً من المحافظات والولايات الخاضعة للامبراطورية الاخمينية بما فيها ميديا وبابل، الا ان داريوش يقوم بقمع هذه الاضطرابات، وبعد 19 حرباً خلال سنة واحدة، يخضع هذه المناطق مرة أخرى لحكمه وبذلك يعيد الأمن والاستقرار الى الامبراطورية الإخمينية.
على جدران «بيستون» في الطريق القديم المؤدي من ميديا الى بابل، تطالعنا كتيبة حجرية نقش الملك داريوش منجزاته عليها.
أرسى داريوش قواعد الحكم انطلاقاً من حنكته وقوته، ومنح السلالة الإخمينية روحاً وحياة جديدة تتميز بالاستقرار والهدوء، اذ يأمر بتشييد قصور شوش (سوس) ويزيد من انتشار الرقعة الجغرافية لمملكته من مقدونيا الى باكستان ومن بحر خزر الى شمال ليبيا. داريوش وقبل ان يفارق الحياة، عين ابنه «خشيارشا» خلفاً له.
في عهد خشيارشا، تصل الامتدادات الجغرافية للامبراطورية الإخمينية المترامية الأطراف الى نهايتها، ويأتي بعده «أردشير الاول» ملكاً للإخمينيين ويخلفه «داريوش الثاني». حتى ذلك الوقت كانت هذه الامبراطورية تعدّ قوة بلا منازع في كل أرجاء المعمورة وكان لها تأثير مباشر على جميع جيرانها.
بعد وفاة داريوش الثاني، يدخل اردشير الثاني حلبة الصراع مع كوروش الصغير المدعوم من قبل عملاء يونانيين، ولكن ينهزم الأخير ويقتل وبذلك يجلس اردشير الثاني على العرش الملكي. في الوقت نفسه، تحصل مصر على استقلالها، ويخلف اردشير الثاني اردشير الثالث الذي سرعان ما اغتيل في البلاط الملكي ويخلفه داريوش الثالث.
في هذه الفترة التاريخية، يغزو الملك المقدوني اسكندر، آسيا الصغرى قديماً ويحتل سوريا. يتوجه داريوش الثالث في سنة 333 قبل الميلاد الى منطقة تدعى «ايسوس» للحرب مع اسكندر، بيد أنه ينهزم؛ ما جعل داريوش الثالث يعيد تحديث الجيش الإخميني ولكن الغزاة بقيادة اسكندر يهزمون الجيش الايراني مرة أخرى بعد سنتين من الهزيمة الأولى. قتل داريوش الثالث في عام 330 قبل الميلاد، وبذلك أطيح بالسلالة الإخمينية. سمى اسكندر المقدوني نفسه ملكاً إخمينياً وأمر جنوده بنهب تخت جمشيد وباقي المناطق التي كانت خاضعة للحكم الإخميني. لم يكتف اسكندر بذلك، اذ امر بإضرام النيران في تخت جمشيد لينتقم من الإخمينيين ويقضي على كل ما هو فيه دلالة واشارة على هذه السلالة.
ان أروع فن بقي من العهد الإخميني، هو الفن المعماري، وخير شاهد على ذلك، القصور والمقابر الإخمينية التي مازالت قائمة وشاخصة وجميلة رغم تمادي الأيام ومرور خمسة وعشرين قرناً على ذلك الزمن. أجمل وأفخم النماذج المعمارية الإخمينية هذه تتمثل بوضوح في باسارغاد وهكمتانه وشوش (سوس) وتخت جمشيد وبابل ومقابر الملوك. الأعمدة الحجرية الرفيعة والكتيبات الحجرية المنقوشة الجميلة التي تحكي عن المودة والصداقة بدلاً عن إراقة الدماء، والمعالم والمباني الفخمة هي من جملة ما تبقى من العهد الاخميني، والذي يدلّ على براعة الفن المعماري الاخميني ومدى انتشاره. الإخمينيون كان لهم تأثير كبير على جميع جيرانهم والبلاد التي كانت خاضعة لهم، بحيث لا يمكن دراسة الفن المعماري السائد في العصر القديم بدون أخذ الفن الإخميني بعين الاعتبار.
وجدير بالاشارة هنا الى ان فنانين كباراً من نصف أصقاع المعمورة آنذاك كانوا يخدمون في البلاط الإخميني، وذلك بسبب كون هذه الامبراطورية شاسعة ومترامية الأطراف، ووجود إدارة دقيقة ونظام صحيح للاستفادة من هذه الخبرات والطاقات الفنية الإبداعية وإبرازها على شكل معالم أثرية خالدة تعدّ من روائع الفن المعماري الى يومنا هذا.