بسم الله وله عظيم الحمد إذ رزقنا محبة وموالاة أحب خلقه إليه وأوليائه الصادقين محمد وآله الطاهرين صلوات الله وبركاته وتحياته عليهم أجمعين.
السلام عليكم أيها الأطائب ورحمة الله وبركاته، معكم في لقاء متجدد مع مدائح الأنوار الإلهية والشموس المحمدية، وقد اخترنا لكم فيه مديحة من نمط خاص يخاطب فيها شاعرها المبدع مؤسس الحكم الأموي وابن ألد أعداء الرسالة المحمدية، إنه معاوية بن أبي سفيان الذي أسرف في معاداة الوصي المرتضى صلوات الله عليه، ثم تسلط على مقدرات المسلمين بالمكر والخداع.
شاعر هذه القصيدة هو الأديب السوري المبدع محمد مجذوب، ومناسبة إنشائها هي أن الشاعر زار العراق بدعوة من الحكومة العراقية بعد تأسيس المملكة العراقية في الربع الأول من القرن العشرين، وكانت الحكومة العراقية قد دعته ضمن عدد من الشخصيات العربي الأدبية والعلمية للمشاركة بالإحتفال بإقامة المملكة العراقية يومذاك، وقد زار هذا الأديب السوري يومها مرقد الإمام علي أميرالمؤمنين (عليه السلام) فتأثر بأجوائه المعنوية وفجرت فيه بوادر هذه المديحة التي أنشأها بعد عاد إلى الشام وقرر زيارة قبر عدو الإمام المرتضى (عليه السلام) أي معاوية، فأخذ يقارن بين المرقدين ويستلهم العبر من ذلك.. مادحاً أهل الحق بذم فعال أهل الباطل.
قال الأديب السوري محمد مجذوب في قصيدته هذه التي حذفتها التعصبات من الطبعة الثانية وما بعدها من طبقات ديوانه ولم تنشر إلا في طبعته الأولى، قال:
أين القصور أبا يزيد ولهوها
والصافنات وزهوها والسؤدد
أين الدهاء نحرت عزته على
أعتاب دنيا زهوها لا ينفد
آثرت فانيها على الحق الذي
هو لو علمت على الزمان مخلد
تلك البهارج قد مضت لسبيلها
وبقيت وحدك عبرة تتجدد
هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه
لأسال مدمعك المصير الأسود
كتل من الترب المهين بخربة
سكر الذباب بها فراح يعربد
خفيت معالمها على زوارها
فكأنها في مجهل لا يقصد
والقبة الشماء نكس طرفها
فبكل جزء للفناء بها يد
تهمي السحائب من خلال شقوقها
والريح في جنباتها تتردد
وكذا المصلى مظلم فكأنه
مذ كان لم يجتز به متعبد
ويتطرق الأديب السوري محمد مجذوب إلى معاداة معاوية لأميرالمؤمنين (عليه السلام) وكونها تمثل عداً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
أأبا يزيد وتلك حكمة خالق
تجلى على قلب الحكيم فيرشد
أرأيت عاقبة الجموح ونزوة
أودى بلبك غيها الترصد
تعدوا بها ظلماً على من حبه
دين وبغضته الشقاء السرمد
ورثت شمائله براءة أحمد
فيكاد من برداه يشرق أحمد
وغلوت حتى قد جعلت زمامها
إرثا لكل مذمم لا يحمد
هتك المحارم واستباح خدورها
ومضى بغير هواه لا يتقيد
فأعادها بعد الهدى عصبية
جهلاء تلتهم النفوس وتفسد
فكأنما الإسلام سلعة تاجر
وكان أمته لآلك أعبد
فاسأل مرابض كربلاء ويثرب
عن تلكم النار التي لا تخمد
أرسلت مارجها فماج بحره
أمس الجدود ولن يجنبها غد
والزاكيات من الدماء يريقها
باغ على حرم النبوة مفسد
والطاهرات فديتهن حواسرها
تنثال من عبراتهن الأكبد
والطيبين من الصغار كأنهم
بيض الزنابق ذيد عنها المورد
تشكو الظما والظالمون أصمهم
حقد أناخ على الجوانح موقد
والذائدين تبعثرت أشلاؤهم
بدوا فثمة معصم وهنا يد
تطأ السنابك بالظغاة أديمها
مثل الكتاب مشى عليه الملحد
فعلى الرمال من الأباة مضرج
وعلى النياق من الهداة مصفد
وعلى الرماح بقية من عابد
كالشمس ضاء به الصفا والمسجد
إن يجهل الجهلاء موضع قدره
فلقد دراه الراكعون السجد
أأبا يزيد وساء ذلك عثرة
ماذا أقول وباب سمعك موصد
قم وارمق النجف الشريف بنظرة
يرتد طرفك وهو باك أرمد
تلك العظام أعز ربك قدرها
فتكاد لو لا خوف ربك تعبد
أبدا تباركها الوفود يحثها
من كل حدب شوقها المتوقد
نازعتها الدنيا ففزت بوردها
ثم انقضى كالحلم ذاك المورد
وسعت الى الأخرى فخلد ذكرها
في الخالدين وعطف ربك أخلد
كانت هذه مستمعينا الأفاضل طائفة من أبيات قصيدة الشاعر السوري محمد مجذوب التي مدح فيها الوصي المرتضى (عليه السلام) وشهداء كربلا وسبايا الطف وهو يخاطب مؤسس الحكم الأموي الطاغية معاوية، وقد قرأناها لكم ضمن لقاء اليوم من برنامج (مدائح الأنوار) إستمعتم له في إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم ودمتم بألف خير.