بسم الله والحمد لله رب السماوات العلي ذي المن والطول والإنعام والفضل، والصلاة والسلام على أنوار هدايته وكنوز رأفته ومعادن حكمته وأهل بيت رحمته المصطفى الأمين وآله الطيبين.
السلام عليكم أعزائنا المستمعين تحية مباركة طيبة، نهديها لكم ونلتقيكم على بركة الله في هذا اللقاء ومديحة غراء من القرن الهجري الثامن لشمس كوفان المشرقة مدى الأيام بطل الإسلام ثقة الحسين عليه السلام وابن عمه وأخيه وسفيره المواسي له والفادي له بنفسه سيدنا الشهيد باب الحوائج مسلم بن عقيل سلام الله عليه.
نبدأ أولا بتعريف صاحب هذه القصيدة الغراء، وهو من أعلام الشعر الولائي الذي اهتدى إلى الحق بكرامة حسينية مشهورة ننقلها لاحقا كما سجلها العلامة الأميني رضوان الله عليه في موسوعة الغدير.
قال العلامة الأميني في تعريف هذا الشاعر الصادق: هو أبو الحسن جمال الدين علي بن عبد العزيز بن أبي محمد الخلعي أو الخليعي الموصلي الحلي شاعر أهل البيت عليهم السلام نظم فيهم فأكثر ومدحهم فأبلغ ومجموع شعره الموجود ليس فيه إلا مدحهم ورثائهم. كان فاضلا عالما مشاركا في العلوم، وقد سكن الحلة إلى أن مات حدود سنة سبع مئة وخمسين للهجرة ودفن فيها وله قبر معروف يزوره المؤمنون.
مستمعينا الأفاضل، أما عن قصة اهتدائه إلى الحق بالكرامة الحسينية فهي مشهورة وقد نقلها عدة من المصادر المعتبرة، قال العلامة الأميني عنها وهو يترجم لهذا الأديب الولائي: ولد من أبوين ناصبيين وذكر القاضي التستري الشهيد في كتاب مجالس المؤمنين صفحة رقم اربع مئة وثلاثة وستين وسيدنا الزنوري في كتاب رياض الجنة في الروضة الأولى، أن أمه نذرت أنها إن رزقت ولدا تبعثه لقطع طريق السابلة من زوار الإمام السبط الحسين عليه السلام وقتلهم فلما ولدت المترجم وبلغ أشده ابتعثته إلى جهة نذرها فلما بلغ إلى نواحي (المسيب) بمقربة من كربلاء المشرفة طفق ينتظر قدوم الزائرين فاستولى عليه النوم واجتازت عليه القوافل فأصابه القتام الثائر [أي الغبار] فرأى فيما يراه النائم إن القيامة قد قامت وقد أمر به إلى النار ولكنها لم تمسه لما عليه من ذلك العثير الطاهر فانتبه مرتدعا عن نيته السيئة، واعتنق ولاء العترة. ويقال إنه نظم عندئذ بيتين خمسها الشاعر المبدع الحاج مهدي الفلوجي الحلي المتوفى سنة الف وثلاث مئة وخمس وسبعين وهما مع التخميس:
أراك بحيرة ملأتك رينا
وشتتك الهوى بينا فبينا
فطب نفسا وقر بالله عينا
إذا شئت النجاة فزر حسينا
لكي تلقى الإله قرير عين
إذا علم الملائك منك عزما
تروم مزاره كتبوك رسما
وحرمت الجحيم عليك حتما
فإن النار ليس تمس جسما
عليه غبار زوار الحسين
ولقد أخلص الولاء حتى حظى بعنايات خاصة من ناحية أهل البيت عليهم السلام ففي [دار السلام] للعلامة النوري صفحة مئة وسبع وثمانين نقلا عن كتاب [الحبل المتين في معجزات أميرالمؤمنين] للسيد شمس الدين محمد الرضوي: إن المترجم لما دخل الحرم الحسيني المقدس أنشأ قصيدة في الحسين عليه السلام وتلاها عليه وفي أثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسمي بالخليعي أو الخلعي، وهو يتخلص بهما في شعره.
مستمعينا الأكارم أما قصيدته في رثاء البطل الهاشمي الشهيد مسلم بن عقيل سلام الله عليه فهي قوله:
ألمسلم بن عقيل قام الناعي؟
لما استهلت أدمع الأشياع
مولى دعاه وليه وإمامه
فأجاب دعوته بسمع واع
حفظ الوداد لذي القرابة فاقتنى
شرفا على الأهلين والأتباع
أفديه من حر نقي طاهر
ماضي العزيمة ساجد ركاع
أفديه من بطل كمي ماجد
جم الوفا ندب طويل الباع
لهفي لمسلم والرماح تنوشه
لا بالجزوع لها ولا المرتاع
حتى إذا ظفرت به عصب الخنا
من بعد معترك وطول نزاع
جائوا به نحو اللعين فغاظه
بالقول من ثبت الجنان شجاع
وإلى ابن سعد بالوصية مبطنا
أفضى فأظهرها بلؤم طباع
وهوى من القصر المشوم مهللا
ومكبرا تجلوا صدى الأسماع
لهفي لسيف من سيوف محمد
عبث الفلول بحده القطاع
لهفي لمزج شرابه بنجيعه
لهفي لمسقط ثغره اللماع
لهفي له فوق التراب مجدلا
دامي الجبين مهشم الأضلاع
مولاي يابن عقيل يومك جاعل
كل القلوب دريئة الأوجاع
جادت معالمك الدموع بريها
وسقى الحميم بواطن الأبداع
وسقى بن عروة هانيا غدق الحيا
فلقد أصاخ إلى نداء الداعي
يا سادة ما زلت مذ علقت يدي
بهم أحافظ ودهم وأراعي
كانت هذه أيها الإخوة والأخوات قصيدة في مدح مولانا مسلم بن عقيل عليه السلام من إنشاء شاعر الولاء الصادق في القرن الهجري الثامن أبي الحسن الخلعي الموصلي الحلي رضوان الله عليه وقد قرأناها لكم ضمن لقاء اليوم من برنامج مدائح الأنوار الذي استمعتم لها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكرا لكم ودمتم في رعاية الله.