بسم الله وله الحمد غاية آمال العارفين وأسنى صلواته المترادفات على أنواره الصفوة الهداة محمد المختار وآله الأطهار. السلام عليكم إخوة الأيمان والولاء، من الآثار التي تركتها قوة تجليات البعد المعنوي في سيرة أهل بيت النبوة عليهم السلام، الأثر المشهود لإنشداد أتباع الديانات الأخرى إليهم وإقرارهم بسمو مناقبهم ومقاماتهم عليهم السلام. ومن الذين إنشدوا لأئمة الهدى عليهم السلام الأديب اللبناني المسيحي المشهور القاضي بولس سلامة رحمة الله عليه، الذي عبّر عن هذا الإنشداد في ملحمته الشعرية عن يوم الغدير وكثير من قصائده في الملحمة الحسينية. نقرأ لكم في هذا اللقاء قصيدته الحسينية التي تحمل عنوان (مناجاة الحسين) وفيها تصوير بليغ لجانب من الأبعاد المعنوية السلمية لأئمة العترة النبوية وكذلك لوفاء الأنصار الصادقين لهم عليهم السلام.
قال بولس سلامه رحمة الله:-
ناولوني القرآن، قال حسين:
لذويه وجدّ في الركعات
فرأى في الكتاب سفر عزاء
ومشى قلبه على الصفحات
ليس في القارئين مثل حسين
عالما بالجواهر الغاليات
فهو يدري خلف السطور سطوراً
أليس كلّ الاعجاز في الكلمات
للبيان العلوي، في أنفس الأطهار
مسرى يفوق مسرى اللغات
وهو وقف على البصيرة، فالابصار
تعشو، في الأنجم الباهرات
يقذف البحر للشواطئ رملا
واللآلي تغوص في اللجّات
والمصلون في التلاوة أشباه
وإن الفروق بالنيات
فالمناجاة شعلة من فؤاد
صادق الحس مرهف الخلجات
فإذا لم تكن سوى رجع قول
فهي لهو الشفاه بالتمتمات
إنما الساجد المصلي حسين
طاهر الذيل، طيب النفخات
فتقبل جبريل أثمار وحي
أنت حملته إلى الكائنات
إذ تلقاه جده وتلاه
معجزات ترنّ في السجعات
وأبوه مدون الذكر، اجراه
ضياء على سواد الدواة
فالحسين الفقيه نجل فقيه
أرشد المؤمنين للصلوات
ونبقى مستمعينا الأفاضل مع الأديب المسيحي المبدع بولس سلامة وهويصوّر صلاة الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء قائلاً:
أطلق السبط قلبه في صلاة
فالأريج الزكي في النسمات
المناجاة ألسن من ضياء
نحو عرش العلي مرتفعات
وهمت نعمة القدير سلاما
وسكونا للأجفن القلقات
ودعاه إلى الرقاد هدوء
كهدوء الأسحار في الربوات
وصحا غبّ ساعة هاتفا
أختاه بنت العواتك الفاطمات
إنني قد رأيت جدي وأمي
وأبي والشقيق في الجنات
بشروني أني إليهم سأغدو
مشرق الوجه طائر الخطوات
فبكت والدموع في عين أخت
نفثات البركان في عبرات
صرخت ويلتاه، قال خلاك الشر
فالويل من نصيب العتاة
ودعا صحبه فخفوا إليه
فغدا النسر في إطار البزاة
قال إني لقيت منكم وفاء
وثباتا في الهول والنائبات
حسبكم ما لقيتم من عناء
فدعوني فالقوم يبغون ذاتي
وخذوا عترتي، وهيموا بجنح الليل
فالليل درعكم للنجاة
إن تظلوا معي فإن أديم
الأرض هذا يغص بالأموات
هتفوا يا حسين لسنا لئاما
فنخليك مفردا في الفلاة
فتقول الأجيال ويل لصحب
خلفوا شيخهم أسير الطغاة
فنكون الأقذار في صفحة التأريخ
والعار في حديث الرواة
أو سبابا على لسان عجوز
أو لسان القصّاص في السهرات
يتوارى أبناؤنا في الزوايا
من أليم الهجاء واللعنات
سترانا غدا نشرّف حد
السيف حتى يذوب في الهبوات
يشتكي من سواعد صاعقات
وزنود سخية الضربات
إن عطشنا فليس تعطش أسياف
تعب السخين في المهجات
لا ترانا نرمي البواتر حتى
لا نبقي منها سوى القبضات
ليتنا يا حسين نسقط صرعى
ثم تحيا الجسوم في حيوات
وسنفديك مرة بعد أخرى
ونضحي دماءنا مرات
أصبحوا هانئين كالقوم في عرس
سكوت معطل الزغردات
إن درع الايمان بالحق درع
نسجته أصابع المعجزات
يرجع السيف خائبا، ويرد
الرمح، فالنصل هازئ بالقناة
مثلما يطعن الهواء غبي
فيجيب الأثير بالبسمات
يغلب الموت هازئا بحياة
لا يراها إلا عميق سبات
فاللبيب اللبيب فيها يجوب العمر
في زحمة من الترهات
ويعيش الفتى غريقا بجهل
فإذا شاخ عاش بالذكريات
ألم في شبابه، فمتى ولى
فدمع الحرمان في اللفتات
إن ما يكسب الشهيد مضاء
أمل كالجنائن الضاحكات
فهو يطوي تحت الأخامص دنيا
لينال العلى بدهر آت
كانت هذه إخوتنا مستمعي إذاعة طهران قصيدة في الملحمة الحسينية عنوانها (مناجاة الحسين) أنشأها أديب لبنان المبدع القاضي المسيحي بولس سلامة رحمه الله، وقد قرأناها لكم في لقاء اليوم من برنامج (مدائح الأنوار)، شكراً لكم والسلام عليكم.