بسم الله وله الحمد أن جعلنا من أمة خير النبيين المصطفي الأمين صلوات الله وسلامه عليه وآله الطيبين الطاهرين.
نتمناها لكم وأنتم تستمعون الي إحدي غرر المدائح النبوية إشتملت علي تصوير فني بليغ ممتزج ببيان عرفاني سام لمقامات صفوة الله من خلقه الهادي المختار (صلي الله عليه وآله).
القصيدة من إنشاء شاعر العراق في القرن الهجري الثالث عشر الأديب الولائي المبدع السيد حيدر الحسيني الحلي (رضوان الله عليه)، نقرأ لكم في هذا اللقاء مقاطع من مديحته الغراء لسيد الرسل (صلي الله عليه وآله).
يخاطب السيد حيدر الحسيني في كل هذه المديحة النبوية الحبيب المصطفي (صلي الله عليه وآله)، ويفتتحها قائلاً:
تعاليت من فاتح خاتم
عليم بما كان من عالم
فيا صفوة الله من هاشم
تخيّرك الله من آدم
وآدم لولاك لم يخلق
بك الكون آنس منه مجيئا
وفيك غدا لا به مستضيئا
لأنّك مذ جاء طلقاً وضيئا
بجبهته كنت نوراً مضيئا
كما ضاء تاج علي مفرق
فمن أجل نورك قد قرّبا
إله السما آدماً واجتبي
نعم والسجود له أوجبا
لذلك إبليس لمّا أبي
سجوداً له بعد طرد شقي
وساعة أغراه في إفكه
بأكل الذي خصّ في تركه
عصي فنجي بك من هلكه
ومع نوح إذ كنت في فلكه
نجي وبمن فيه لم يغرق
وسارة في ظلّك المستطيل
غداة غدا حملها مستحيل
بإسحاق بشّرها جبرئيل
وخلّل نورك صلب الخليل
فبات وبالنار لم يحرق
حملت بصلب أمين أمين
إلي أن بعثت رسولاً مبين
وهل كيف تحمل في المشركين
ومنك التقلّب في الساجدين
به الذكر أفصح بالمنطق
براك المهيمن إذ لا سماء
ولا أرض مدحوّةً ولا فضاء
ومذ خلق الخلق والأنبياء
من الرسل في إيلياء
مع الروح والجسم لم يلتق
وكلّ رأي الله لم يجذه
علاك وعلمك لم يغذه
فنزّه عهدك عن نبذه
فجئت من الله في أخذه
لك العهد منهم علي موثق
ونبقي مع الشاعر الولائي المبدع السيد حيدر الحسيني الحلي وهو يواصل تصويره البليغ لمضامين الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والبراهين الفلسفية والعرفانية الدالة علي أسرار الإصطفاء الإلهي الخاص للحبيب المصطفي، فيستمر في خطابه له (صلي الله عليه وآله) قائلاً عن العهد الإلهي المأخوذ من الأنبياء بنصرة خاتمهم (عليه وآله وعليهم السلام):
صدعت به والوري في عماء
فحقـّت بمجدك جند السماء
ورفّ عليك لواء الثناء
وفي الحشر للحمد ذاك اللواء
علي غير رأسك لم يخفق
وحين عرجت لأسنا مقام
وأدناك منه إله الأنام
أصبت بمرقاك أعلي المرام
وعن غرض القرب منك السهام
لدي قاب قوسين لم تمرق
وقدماً بنورك لمّا أضاء
رأت ظلمة العدم الانجلاء
فمن فضل ضوئك كان الضياء
لقد رمقت بك عين العماء
وفي غير نورك لم ترمق
أضاء سناك لها مبرقا
وقابل مرآتها مشرقا
إلي أن أشاع لها رونقا
فكنت لمرآتها زيبقا
وصفو المرايا من الزيبق
بك الأرض مدّت ليوم الورود
وأضحت عليها الرواسي ركود
وسقف السما شيد لا في عمود
فلولاك لا نطمّ هذا الوجود
من العدم المحض في مطبق
ولولاك ما كان خلق يعود
لذات النعيم وذات الوقود
ولا بهما ذاق طعم الخلود
ولا شم رائحة للوجود
وجود بعرنين مستنشق
ولو لم تجدك لمولوده
أباً أمّ أركان موجوده
إذاً عقمت دون توليده
ولولاك طفل مواليده
بحجر العناصر لم يبغق
ولولاك ثوب الدجي ما انسدل
ونور سراج الضحي ما اشتعل
ولولاك غيث السما ما نزل
ولولاك رتق السموات والأراضي
لك الله لم يفتق
هذه الأبيات هي الشطر الأول من قصيدة الشاعر الولائي المبدع السيد حيدر الحسيني الحلي سيد أدباء الولاء في القرن الهجري الثالث عشر وهي من غرر المدائح النبوية ومن أرفعها في بيان المقامات المحمدية إستناداً الي محكمات القرآن الكريم وصحاح الشريف والبراهين الفلسفية والعرفانية.