بسم الله وله كامل المجد باريء الخلائق أجمعين وله الحمد أن منَّ علينا إذ جعلنا من أمة محمد وآله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين.
من الخصائص التي إمتاز بها الشعر الاسلامي هي أنه يعتبر - بحد ذاته- من وسائل رواية الأحاديث الشريفة بمعني أنه يضمن نصوص الأحاديث النبوية ويسجلها بلغته الفنية فيصبح بذلك من مصادر زيادة توثيق الأحاديث، وتزداد قيمة هذا التوثيق كلما إقترب زمن حياة الشاعر من عهد صدورها.
وننقل لكم في اللقاء نموذجين لهذا النمط من الشعر من القرن الهجري الرابع ويرتبطان بأحد الأحاديث المهمة في بيان منزلة أهل بيت النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله).
النموذج الأول هو لأحد الشعراء المجاهدين في مودة العترة المحمدية، الذي أخفي الكثيرون شعره علي رغم قوته وجودته بسبب صراحة كلامه وجمال تصويره للحقائق العقائدية، إنه الأديب الولائي المبدع أبو القاسم علي بن إسحاق القطان البغدادي الملقب بالزاهي لنورانية وجهه وقد ولد سنة ۳۱۸ للهجرة وتوفي شاباً سنة ۳٥۲ هجرية ودفن في مقابر قريش بجوار مرقد الإمامين الجوادين (عليهما السلام).
نبدأ أولاً بنقل نص الحديث النبوي المشار إليه وهو الذي أخرجه الحفاظ من أهل السنة - عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) - أنه قال: أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنة عدن وسائر ذلك في سائر الجنة.
هذا لفظه عند العامة وأما المروي من طرق الإمامية فهو أنه (صلي الله عليه وآله) قال: خُلق الناس من أشجار شتي وخلقت أنا وعلي بن أبي طالب من شجره واحدة، فما قولكم في شجرة أنا أصلها، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، وشيعتنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها ساقته إلي الجنة، ومن تركها هوي في النار.
وقد ضمن الأديب ابو القاسم الزاهي هذا الحديث في قصيدة إحتجاجية بليغة قال فيها:
يا لائمي في الولا هل أنت تعتبر
بمن يوالي رسول الله أو يذر؟
قومٌ لو أن البحار تنزفُ بالأقلام
مشقا وأقلام الدنا شجرُ
والإنس والجن كتابٌ لفضلهم
والصحف ما احتوت الآصال والبكرُ
لم يكتبوا العشر بل لم يعد جهدهم
في ذلك الفضل إلا وهو محتقرُ
أهل الفخار وأقطاب المدار ومن
أضحت لأمرهم الأيام تأتمرُ
هم آل أحمدَ والصيدُ الجحاححة
الزهرُ الغطارفةُ العلويةُ الغُررُ
والبيضُ من هاشم والاكرمون أو لو
الفضلِ الجليل ومن سادت بهم مضرُ
فافطن بعقلك هل في القدر غيرهُم؟
قوم يكاد إليهم يرجع القدرُ
أعطوا الصفا نهلا أعطوا النبوة من
قبل المزاج فلم يلحق بهم كدرُ
وتوجوا شرفاً ما مثله شرفٌ
وقلدوا خطرا ما مثله خطرُ
حسبي بهم حججا لله واضحةً
يجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
هم دوحة المجد والأوراقُ شيعتهم
والمصطفي الأصل والذرية الثمرُ
كانت هذه إخوتنا قصيدة الشاعر الولائي ابي القاسم الزاهي (رضوان الله عليه) وقد لا حظتم ما تضمنه البيت الأخير منها حيث أشار الي الحديث النبوي الذي تقدم نقله قبل القصيدة وثمة رواية شعرية من القرن الهجري الرابع أيضاً للحديث نفسه ولكن بتفصيل أكثر وقد نقلها المحدث الثقة:
عماد الدين الطبري الإمامي في الجزء الثاني من كتابه (بشاره المصطفي) وذلك في أبيات للأديب أبي يعقوب النصراني يقول فيها:
يا حبذا دوحة في الخلد نابته
ما في الجنان لها شبه من الشجر
المصطفي أصلها والفرع فاطمة
ثم اللقاح علي سيد البشر
والهاشميان سبطاها لها ثمر
والشيعة الورق الملتف بالثمر
هذا مقال رسول الله جاء به
أهل الروايات في العالي من الخبرِ
إني بحبهم أرجوا النجاة غدا
والفوز مع زمرة من أحسن الزمرِ
نسأل الله لنا ولكم إخوتنا وأخوتنا صدق الولاء والتشيع للشجرة المحمدية المباركة صلوات الله وسلامه علي أصلها الشامخ وفروعها الزاكية.