بسم الله وله الحمد والثناء في السراء والضراء وأتم الصلوات والتحيات علي شهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء محمد وآله الأصفياء.
أشتمل ديوان الشعر الحسيني علي قصائد لأدباء وعلماء وشعراء من مختلف الإتجاهات والمذاهب بل والأديان إذ أن للملحمة الحسينية خصائصها الجاذبة لأشكال التعاطف من الجميع.
في هذا اللقاء من المجموعة الخاصة بموسم الملحمة الحسينية شهري محرم وصفر من برنامج مدائح الأنوار إخترنا لكم قصيدة حسينية غراء لفقيه شافعي بارع هو نجم الدين الحسيني بن علي البغدادي العشاري المتوفي سنة خمس وتسعين بعد المائة والألف للهجرة (رضوان الله عليه). إفتتح الفقيه نجم الدين العشائري رحمه الله قصيدته قائلاً:
هو ألطف فاجعل فضة الدمع عسجدا
وصغ لك فولاذ الغرام مهندا
ورد منهل الأحزان صرفاً وكررن
حديثاً لجران الطفوف مجددا
وما القلب إلّا مضعة جد بقطعها
ودعها فداء السبط روحي له الفدا
أترضي اكتحال الجفن بعد مصابه
وجفن التقي والدين قد بات أرمدا
خذ النوح في ذاك المصاب عزيمة
إلي الفوز واجعل صهوة الحزن مقعدا
بكت رزءه الأملاك والأفق شاهد
ألم تره من دمعه قد توردا
فيا فرقداً ضاء الوجود بنوره
فلا بعده نلقي ضياء وفرقدا
وريحانة طاب الوجود بنشرها
بها عبثت أيدي الطغاة تعمدا
ودرة علم قد أضاءت فأصبحت
تمانعها الأوغاد منعاً مجردا
بروحي منه منظراً بات في الثري
ويا طالما قد بات في حجر أحمدا
وثغراً فم المختار مص رضابه
وهذا يزيد بالقضيب له غدا
ورأسا يد الزهراء كانت وسادة
له فغدا بالترب ظلماً موسدا
لئن أفسدوا دنياك يا ابن محمد
سيعلم أهل الظلم منزلهم غدا
لئام أتوا بالظلم طبعاً وإتـّما
لكل أمرئ من دهره ما تعودا
و حقك ما هذا المصاب بضائر
لأن الوري والخلق لم يخلقوا سدي
وبعد هذا التصوير البليغ لحقيقة أن الجريمة الأموية في كربلاء هي موجهة للنبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) وقيمه الإلهية العادلة يوجه الفقيه الشافعي نجم الدين البغدادي خطابه الي ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) مشيراً الي آثار ملحمته، قال (رحمه الله):
فألبسك الرحمن ثوب شهادة
وألبسهم خزياً يدوم مدي المدي
لبستم كساء المجد وهو إشارة
بأن لكم مجداً طويلاً مخلدا
وطهركم رب العلي في كتابه
وقرر كل المسلمين واشهدا
أتنكر هذا يا يزيد وليس ذا
بأول قبح منك يا غادر بدا
بني المصطفي عبد لكم وده صفا
فأضحي غذاء للقلوب وموردا
غريب عن الأوطان ناء فؤاده
تضرم من نار الأسي وتوقدا
ألم به خطب من الدهر مظلم
تحمل من أكداره وتقلدا
نضا سيفه في وجهه متعمداً
وجرده عن حقه فتجردا
ببابكم ألقي العصا وحريمكم
أمان إذا دهر طغي وتمردا
أتاكم صريخاً من ذنوب تواترت
علي ظهره في اليوم مثني ومفردا
أتاكم ليستجدي النوال لأنّكم
كرام نداكم يسبق الغيث والندي
أتاكم ليحمي من أذي الدهر نفسه
وأنتم حماة الجار إن طارق بدا
أتاكم أتاكم يا سلالة حيدر
كسيراً يناديكم وقد أعلن الندا
حسين أقلني من زمان شرابه
حميم وغسلين إذا ما صفا صدا
علي جدك المختار صلي الهنا
وسلم ما حاد إلي أرضه حدا
كانت هذه قصيدة حسينية للفقيه الشافعي نجم الدين البغدادي الملقب بالعشاري والمتوفي نهاية القرن الهجري الثاني عشر.