السلام عليكم أحبتنا ورحمة الله، طابت أوقاتكم بكل مايحبه الله ويرضاه. حضور القلب في العبادة أمنيةُ كل عابد فيما يجتهد أصحاب السير والسلوك الى الله أن يكون حضور القلب هو الغالب عليهم في جميع أحوالهم. ومعنى حضور القلب هو الإستشعار الوجداني بالله عزوجل عند التوجه إليه بالإذكار أو إثناء الصلاة. وهذه مستمعينا الأفاضل هي للإضاءة المعرفية التي إخترناها لهذا اللقاء من البرنامج وهي للعالم الموسوعي الحكيم والفقيه العارف الزاهد الشيخ البهائي رضوان الله عليه، قال عنه المحدث القمي رحمه الله في كتاب الكنى والإلقاب، شيخ الاسلام محمد بن الحسين بن عبد الصمد الجبعي العاملي الحارثي، قال صاحب السلافة في حقه ما ملخصه: هو علامة البشر ومجدد دين الائمة عليهم السلام على رأس القرن الحادي عشر، مولده بعلبك سنة ۹٥۳، وانتقل به والده وهو صغير الى الديار العجمية فنشأ في حجره بتلك الاقمار المحمية، وأخذ عن والده وغيره من الجهابذ حتى اذعن له كل مناضل ومنابذ، فلما اشتد كاهله وصفت له من العلم مناهله ولى بها، أي ايران، مقام شيخ الاسلام وفوضت إليه أمور الشريعة على صاحبها الصلاة والسلام، ولم يزل آنفا من الانحياش إلى السلطان راغبا في العزلة عازفا عن الأوطان، وأخبرني بعض ثقاة الأصحاب ان الشيخ رضي الله عنه قصد قبل وفاته زيارة المقابر في جمع من الاجلاء الأكابر فما استقر بهم الجلوس حتى قال لمن معه اني سمعت شيئا فهل فيكم من سمعه؟ فأنكروا سؤاله واستغربوا مقاله، وسألوه عما سمعه فأوهم وعمى في جوابه، ثم رجع إلى داره فأغلق بابه فلم يلبث ان أصاب داعي الردى فأجابه، وكانت وفاته لاثنتي عشرة خلون من شوال المكرم سنة ۱۰۳۱ بأصبهان، ونقل قبل دفنه إلى طوس فدفن بها في داره قريبا من الحضرة الرضوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحية.
مستمعينا الأفاضل للشيخ البهائي حديث لطيف عن آداب القراءة في الصلاة اورده في كتابه الفقهي القيم (مشرق الشمسين) ننقل لكم منه ما أورده في ذكر أسرار تنوع الخطاب في قراءة الصلاة بين مخاطبة الغائب تارة والحاضرة تارة أخرى، قال قدس سره الشريف: "العبادة الشاملة عن القصور هي التي يكون العابد حال الاشتغال مستغرقا في بحر الحضور كأنه مشاهد لجلال معبوده مطالع لجمال مقصوده. ان المقام {فيها} مقام هائل عظيم يتلجلج فيه اللسان ويدهش عنده الإنسان، فإن الملك العظيم الشأن إذا أمر بعض عبيده بخدمة كقرائة كتاب مثلا بحضرته فربما غلبت مهابة ذلك الملك على قلبه واستولت على لبه وحصل له رعشة واعترى له دهشة فيتغير نسق كلامه ويخرج عن أسلوبه ونظامه فمن حق القاري أن يحصل له مثل ذلك الحال في مقام المقام عند سرادق العظمة والجلال. ومنها الإشارة إلى أن حق الكلام أن يجري من أول الأمر على طريق الخطاب لأنه سبحانه حاضر لايغيب بل هو أقرب من كل قريب ولكنه إنما جرى على طريق الغيبة نظرا إلى البعد عن مظان الزلفى رعاية لقانون الأدب الذي هو دأب السالكين وقانون العاشقين كما قيل طرق العشق كلها آداب".
ثم ذكر الشيخ البهائي قدس سره الشريف أسراراً أخرى لأدب مخاطبة الله عزوجل، وقال: فلما حصل القيام بهذه الوظيفة جرى الكلام على ما كان حقه أن يجري عليه في ابتداء الذكر فقد قال سبحانه: "أنا جليس من ذكرني"، ومنها التنبيه على علو مرتبة القرآن المجيد واعتلاء شأنه وسمو آياته المتضمنة لذكر الله عز شأنه وأن العبد بإجراء هذا القدر منه على لسانه يصير أهلا للخطاب فائزا بسعادة الحضور والاقتراب فكيف لو لازم وظائف الاذكار وواظب على تلاوته بالليل والنهار فلاريب في ارتفاع الحجب من البين والوصل من الأثر إلى العين. وقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: "لقد تجلى الله لعباده في كلامه ولكن لايبصرون". وروي عنه أنه خر مغشيا عليه وهو في الصلاة فسئل عن ذلك فقال: "مازلت أردد هذه الآية حتى سمعتها من قائلها"، قال بعض أصحاب الحقيقة أن لسان جعفر الصادق عليه السلام في ذلك الوقت كان كشجرة موسى على نبينا وآله وعليه السلام عند قول أنني أنا الله.
مستمعينا الأكارم والنتيجة المحورية التي نصل إليها مما تقدم هي أن المؤمن كلما توجه بقلبه الى مظاهر كمالات الله عزوجل وآياته كلما إشتد في المقابل حضور قلبه أثناء ذكره جل جلاله في الصلاة وسائر الأذكار وهذا الحضور هو الذي يذيق المؤمن لذة عبادة ربه الجليل.
وبهذه الملاحظه ننهي أعزاءنا حلقة اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، تقبل الله منكم حسن الإصغاء والسلام عليكم.