السلام عليكم اخوة الإيمان ورحمة الله، من الوصايا المهمة التي إشتمل عليها سجل تراث علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام هي الوصية الموسومة (بالوصية النافعة) التي كتبها الفقيه الإمامي العارف الجليل الشيخ زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني. وقد إشتملت هذه الوصية على امهات الموضوعات التي يحتاجها السالك الى الله عزوجل كما رأينا في حلقات سابقة. ومن هذه الموضوعات المهمة قضية إستثمار العمر فيما يبقى للإنسان خيره ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بضبط النفس بالالتزام بالعمل الصالح، وهذا هو موضوع المقطع الذي إخترناه لهذا اللقاء من وصية الشهيد الثاني رضوان الله عليه، كونوا معنا. قال قدس سره الشريف: "حتم على كل ذي حزم آمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه في حركاتها وسكناتها وخطراتها، فإن كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لاعوض لها، يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد، فانقضاء هذه الأنفاس ضائعة أو مصروفة إلى ما يجلب الهلاك خسران عظيم هائل لا تسمح به نفس عاقل. فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصبح ينبغي أن يفرغ قبله ساعة لمشارطة النفس كما أن التاجر عند تسليم البضاعة إلى الشريك العامل يفرغ المجلس لمشارطته فيقول: يانفس، ما لي بضاعة إلا العمر، ومهما فنى فقد فنى رأس المال ووقع اليأس عن التجارة وطلب الربح، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله فيه وأنسأ في أجلي وأنعم به علي، ولو توفاني لكنت أتمنى أن يرجعني الى الدنيا يوما واحدا حتى أعمل فيه صالحا، واحسبي أنك توفيت ثم رددت فإياك ثم إياك! أن تضيعي هذا اليوم، فإن كل نفس من الأنفاس هو جوهرة". أعزاءنا المستمعين ونبقى مع هذا الفقيه الزاهد والعارف التقي وهو يعلمنا كيف نرغب النفس بحفظ العمر وعدم تضييعه حيث يقول في تتمة خطابه لها: "واعلمي يانفس! أن اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، وقد ورد في الخبر أنه ينشر للعبد بكل يوم أربع وعشرون خزانة مصفوفة فيفتح له (منها) خزانة فيراها مملوءة نورا من حسناته التي عملها في تلك الساعة فيناله من الفرح والسرور والاستبشار بمشاهدة تلك الأنوار التي هي وسيلة عند الملك الجبار ما لو وزع على أهل النار لأدهشهم ذلك الفرح عن الاحساس بألم النار، وتفتح له خزانة أخرى سوداء مظلمة يفوح نتنها ويغشى ظلامها وهي الساعة التي عصى الله فيها، فيناله من الهول والفزع ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم نعيمها، وتفتح له خزانة أخرى فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسوؤه وهي الساعة التي نام فيها أو غفل أو اشتغل بشيء من مباحات الدنيا فيتحسر على خلوها ويناله من غبن ذلك ما ينال القادر على الربح الكثير إذا أهمله وتساهل فيه حتى فاته وناهيك به حسرة وغبنا، وهكذا تعرض عليه خزائن أوقاته طول عمره فيقول لنفسه: اجتهدي اليوم في أن تعمري خزائنك ولا تدعيها فارغة عن كنوزك التي هي أسباب ملكك، ولا تميلي إلى الكسل والدعة والاستراحة فيفوتك من درجات عليين مايدركه غيرك وتبقى عندك حسرة لاتفارقك وإن دخلت الجنة فألم الغبن وحسرته لايطاق وإن كان دون ألم النار. وقد قال بعض الكاملين: (هب أن المسئ عفي عنه اليس قد فاته ثواب المحسنين)، أشار بذلك إلى الغبن والحسرة، وقال جل جلاله: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن) فهذا وما جرى مجراه أول مقام المرابطة مع النفس وهي المحاسبة قبل العمل". مستمعينا الأكارم هذا هو منهج إستثمار العمر من خلال حسن محاسبة النفس قبل العمل، والذي يكمل آثاره محاسبة النفس بعد العمل. وقد تحدث عنه فقيهنا العارف الشهيد الثاني في تتمة وصيته الموسومة بالوصية النافعة. وسنتوقف عند ذلك ان شاء الله في الحلقة المقبلة من برنامج (من فيض أهل المعرفة). نشكر لكم جميل الإصغاء لهذه الحلقة ودمتم في رعاية الله.