السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله، الرياضات الروحية والنفسية هي الوسيلة الأهم في حركة السير والسلوك الي الله عزوجل لدي جميع المدارس السلوكية، وقد حرص عرفاء مدرسة الثقلين علي بيان خصوصية الرياضات الشرعية لطلاب القرب الإلهي تجنيباً لهم من مخاطر الرياضات غير الشرعية التي لاتزيد السالك إلا بعداً عن الله عزوجل، وهذا هو موضوع حلقة اليوم من البرنامج وقد إخترنا ما بينه بشأنه علم علماء الامامية في القرن الهجري السابع الفقيه المتبحر العالم الرباني كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني رضوان الله عليه تابعونا مشكورين.
في كتابه القيم شرح المائة كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام يُعرف هذا العالم الرباني الرياضة الشرعية بقوله: "الرياضة هاهنا هي نهي النفس عن هواها وأمرها بطاعة مولاها، واليهما أشير في التنزيل الإلهي (واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوي). واما متمماتها فإنه لما كان الغرض الأصلي منها هو نيل الكمال الحقيقي، وكان ذلك النيل موقوفا علي حصول الاستعداد له، وكان ذلك الاستعداد مشروطا بزوال الموانع، وكانت الموانع داخلية وخارجية كان ذلك الغرض مستلزما لأمور ثلاثة: أحدها إزالة ما عدا الحق الأول تبارك وتعالي وهي الموانع الخارجية. الثاني: تطويع النفس الامارة للنفس المطمئنة لينجذب الخيال والوهم إلى الجنبة العالية مستتبعين لسائر القوى الحيوانية وهي الموانع الداخلية. الثالث: اعداد النفس لأن تتمثل فيها التجليات القدسية بسرعة".
أما أدوات هذه الرياضة الشرعية فهي الزهد والعبادة، يقول العارف الرباني الشيخ ميثم البحراني في بيان سبل تحقق هذه الأغراض الثلاثة: "ثم لما كان لهذه الأغراض متممات وأمور تعين عليها لاجرم كان الزهد الحقيقي مما يعين علي الغرض الأول، والعبادات الشرعية مما يعين علي الغرض الثاني وذلك هو الغرض منها بيان الأول ان الزهد الحقيقي هو اعراض النفس عما يشغل سرها عن التوجه إلي القبلة الحقيقية وظاهر كونه معينا علي الغرض الاول، وأما كون المواظبة على العبادات معينا على الغرض الثاني فظاهر أيضا لأنها رياضة لقوي العابد العارف المدركة والمحركة لتجرها بالتعويد عن الجنبة السافلة إلي جناب القدس الإلهي".
مستمعينا الأكارم والمهم في العمل بهذه الرياضة الشرعية هو إخلاص النية لله عزوجل، هذا ما يؤكده العالم الرباني ميثم البحراني في تتمة كلامه السابق حيث يقول رضوان الله عليه عن زهد العارفين الأحرار وعبادتهم: "الزهد والعبادة عند غير العارف معاملتان، اما الزهد فلأن مطلوب غير العارف منه ان يشترى بمتاع الدنيا متاع الآخرة، واما العبادة فلان غرضه منها ان يأخذ الأجرة عليها في الآخرة، واما غرض العارف من الزهد فالتفات القلب عن ما سوي الله لئلا يمنعه ذلك من الاستغراق في محبته، وترك أخس المطلوبين لأشرفهما وأجب في أوائل العقول، واما من العبادة فان غرض العارف هو أن تصير القوي البدنية مراضة تحت قياد النفس في توجهها إلي مطلوبها الأصلي من الاستغراق في بحور الجلال لئلا يمنعها عن ذلك بالاشتغال بالأمور المضادة له".
وهذا المعني مستمعينا الأفاضل مستفاد من أحاديث أهل بيت النبوة عليهم السلام بشأن عبادة الأحرار وتمييزها عن عبادة التجار الطامعين أو العبيد الخائفين، وعبادة الأحرار هي أعلي مراتب العبادة فالهدف فيها هو إبتغاء مرضاة الله بصورة خالصة، وهذا الحكم يصدق أيضاً علي طلب العرفان نفسه، لاحظو أعزاءنا ما يقوله هذا العالم الرباني عن خصوصيات العارف الصادق قال قدس سره: "واما غرضه من عرفانه فليس ألا الحق لذاته لا غيره، حتي العرفان فإنه أمر إضافي يقال بالنسبة إلي المعروف، فهو مغاير للمعروف لامحالة، فلو كان غرض العارف نفس العرفان لم يكن من مخلصي التوحيد لأنه قد أراد مع الحق غيره وهذه حال المتبجح بزينة في ذاته، فاما من عرف الحق وغاب عن ذاته فهو لامحالة غائب عن العرفان واجد للمعروف فقط، وهو السابح لجّة الوصول وهناك درجات التحلية بالأمور الوجودية التي هي النعوت الإلهية وهي غير متناهية واليها أشير في الكتاب العزيز: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)، والله ولي الخلاص وله منتهى الاخلاص".
وفي العبارة الأخيرة إشارة الي سرعة تخلق العارف الحقيقي بالأخلاق الإلهية ببركة صدق توحيده لله وتوجهه إليه عزوجل. أما النتيجة المحورية التي نستفيدها من كلمات العالم الرباني العارف ميثم البحراني رضوان الله عليه فهي أن المهم في الرياضة الشرعية الموصلة للقرب الإلهي توفر أمرين: الأول، الإعراض عما سوي الله عزوجل والزهد فيه مهما كان. والثاني، الإلتزام بالعبادات الشرعية وأجتناب ماسواها.
وبهذا ننهي حلقة اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، سدمتم في رعاية الله.