السلام عليكم أيها الأحباء ورحمة الله وبركاته، معرفة الله الخالية من الشوائب هي من أعز ما يطلبه المؤمنون الصادقون، فمن أين يحصلوا عليها؟ الفطرة السليمة في كل إنسان تجيب بوضوح أن فاقد الشيء لا يعطيه. فمن يملك معرفة الله الخالية من الشوائب هو القادر على إتحاف طلابها بها. أيها الإخوة والأخوات نتعرف على من يملك معرفة الله الخالية من جميع الشوائب من خلال التدبر في المقاطع التالية من مقدمة كتاب شرح المائة كلمة المختارة من كلام أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، وشارحها هو الذي قال عنه العلماء بأنه كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني العالم الرباني والفيلسوف المتبحر المحقق والحكيم المتأله المدقق جامع المعقول والمنقول أستاذ الفضلاء صاحب الشروح الثلاثة على نهج البلاغة، المتوفى سنة ٦۷۹ للهجرة رضوان الله عليه.
مستمعينا الأعزاء، هذا العالم الرباني بدأ مقدمته لكتابه شرح المئة كلمة المنتخبة من الكلام العلوي بمناجاة مؤثرة لله عزوجل تشتمل على إشارات بليغة في بيان حقيقة الحمد لله ودور النبوة الخاتمة في هداية أحباء الله إليه عزوجل وإلى معرفته قال رضوان الله عليه: "اللهم يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قدوس يا سلام، يا مبدأ الجود ومنبعه وغاية كل موجود ومرجعه، يا نور الأنوار وعالم خفيات الأسرار، أحمدك على عواطف كرمك وسوابغ نعمك، لا مجازاة لفضلك وإحسانك بل خضوعا لعزتك وسلطانك، واستكانة لعظمتك وعلو شأنك، وأخلي ذاتي عن كل معبود بلا إله وأحليها بـ (إلا أنت) وبما أنت أهله، وأتمم زينتها بشهادة أن محمدا عبدك ورسولك، الجالي لصدء القلوب، الفاتح لخزائن الغيوب، الموري لقبس الهدى بعد أن غشى ظلام الجهل أبصار العقول، الرافع لموضحات الأعلام بعد أن ضل الدليل وتاه المدلول، اللهم وأسألك أن تتحفه شرائف صلواتك وتمنحه نوامي بركاتك، وأن تجعل لآله وخلفائه الراشدين من ذلك أجزل حظ وأوفاه وأوفر قسط وأنماه، وأسألك أن تنور قلبي بلوامع هدايتك وتلحظ وجودي بعين عنايتك، إنك أنت الوهاب".
مستمعينا الأكارم، إذن فالله عزوجل هو الهدف الأسمى لكل سالك صادق، وإتباع رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله هو الصراط المستقيم المؤدي إلى هذا المقصد الأسنى. وإتباعه صلى الله عليه وآله إنما يتحقق بالتمسك بولاية الوصي المرتضى وأولاده الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، لأنهم هم العارفون بهذا الصراط المستقيم، قال الشيخ ابن ميثم البحراني في تتمة كلامه: "أما بعد فلما كان أكمل السعادات وأتمها وأشرف الدرجات وأهمها هو الوصول إلى الواحد الحق والحصول في المقعد الصدق حيث تنمحق أبصار البصائر في تلك المشارق وتحترق القلوب في تلك المحارق، وكان مولانا وإمامنا سيد الوصيين أمير المؤمنين ذو الآيات الجلية والكرامات العلية علي بن أبي طالب سلام الله عليه ممن تسنم من تلك الدرجات أعلاها وفاز من تلك المقامات بأجلاها وأسماها حتى ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه وسطع صبح الحق من أفق برهانه، فلاحت من وادي كماله أعلامه الزاهرة ولوحت إلى شرف قوته القدسية آياته الباهره وكان من جملة حكمه البالغه وشموسه البازغة مائة من الكلم جمعت لطائف الحكم أحببت أن أتحف بكشف أستار بعض تلك الكلمات ورموزها وابراز ما ظهر لي من دفائنها وكنوزها، وشرعت في ذلك معتصما بالله وملتمسا للعذر ممن عثر لي علي هفوة واطلع مني على زلة فإنى مع قصور استعدادي عن درك هذا المقام أحوالي الحاضرة جارية علي غير نظام، وعلى الله قصد السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل".
انتهى مستمعينا الأكارم ما اخترناه من كلام العالم الرباني أعلم شراح نهج البلاغة الشيخ ابن ميثم البحراني، وقد جاء في مقدمة كتابه القيم في شرح المائة كلمة المختارة من كلمات مولى الموحدين الإمام علي عليه السلام فما الذي نستفيده مما نقلناه؟ في الإجابة نقول: إن من أهم ما نستفيده من هذا الكلام البليغ هو أن معرفة الله عزوجل إنما تحصل للمؤمن السالك إليه بالأخذ بأقوال وسنة سادات العارفين به محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وبهذا نختم حلقة اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، شكرا لكم ودمتم في رعاية الله.