بسم الله وله الحمد رب العالمين، وأفضل صلوات المصلين على صفوته المقربين الصادقين الذين أمرنا الله أن نكون معهم محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم إخوتنا المستمعين، من أهم الأخطار التي تواجه السالكين إلى الله وطلاب قربه جل جلاله، هو خطر الأئمة المضلين وأدعياء الفقه والعرفان، فهؤلاء يصدون طلاب المعرفة عن سبيل الله وصراطه المستقيم تحت شعار هدايتهم إليه، وهذا منشأ شدة خطرهم، ولذلك تكررت التحذيرات منهم في الأحاديث الشريفة االمروية عن النبي الأكرم وعترته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين. والوصية التي اخترناها لهذا اللقاء تشتمل على بيان هذا الخطر وسبل النجاة منه. وقد كتبها لولده أحد الفقهاء الأفذاذ هو جعفر بن الحسن المشهور بلقب المحقق الحلي. وقد لقبه بهذا اللقب كما نقل بعض العلماء الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، وهو صاحب كتاب شرائع الإسلام الذي يعد من أهم المتون التدرسية في الحوزات العلمية الإمامية. أما وصيته المشار إليها فقد كتبها ضمن كتابه الفقهي القيم المعتبر، والمحقق الحلي هو من أعلام فقهاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام في القرن الهجري السابع. وقد توفي سنة ٦۷٦ للهجرة رضوان الله عليه. قال المحقق الحلي في بداية وصيته: "ليكن تعلمك للنجاة، لتسلم من الرياء والمراء، وليكن بحثك لإصابة الحق لتخلص من قواطع الأهواء ومآلف النشاء وأكثر التطلع على الأقوال لتظفر بمزايا الإحتمال، واستقص البحث عن مستند المسائل لتكون على بصيرة فيما تتخيره وعليك بالحفظ فإنه أربط للعلم، وأضبط للفهم، ودوام البحث يعطيك استعدادا لتلقي النتائج النظرية بالفعل، واختر المباحث الصالح لتستفيد من خلقه ما يصير لك سجية" . مستمعينا الأفاضل، وبعد أن يوصي المحقق الحلي طالب العلم الإلهي بإخلاص النية لكي يتخلص من أن يتجول إلى المتاجرين بالعلم من أئمة الضلال، يبدأ بالتحذير من هؤلاء مبينا صفاتهم. قال قدس سره الشريف: "ثم أوصيك أن إياك و(الحشوية) من المتفقهة والمقلدة منهم، فربما خادعوك ليجذبوك إلى جهالتهم، وإنما يريدون جبر مقالتهم وستر ضلالتهم، ولا يغررك لو قال {يعني مدعي الفقه}: الحق لائح، فلا ارتياب، والطريق واضح ففيم الإسهاب، فإنه لا يصعب أن تجيبه بأن كل ممكن أن يعلم، يصلح أن يوصف بالوضوح وإن دق طريقه وشق تحقيقه، وليس إطلاق الوضوح عليه موجبا بالفعل، فأنت إذا اعتبرت خلاف الفضلاء في المسائل الفقهية، ذلك على صعوبة الظفر إلا بعد بحث ونظر، فيتحقق أنه دلس في عباراته، ولبس في إشارته" . ثم قال رضوان الله عليه: "إن في الناس المستبعد نفسه لشهوته، المستغرق وقته في أهويته {أي أهواءه النفسية} مع إيثاره الإشتهار بآثار الأبرار، واختياره الإتسام بسير الأخيار؛ أما لأن ذلك في جبلته، أو لأنه وسيلة إلى حطام عاجلته، فيثمر هذان الخلقان نفاقا غريزيا وحرصا على الرياسة الدينية طبيعيا، فإذا ظهرت لغيره فضيلة عليه خشي غلبة المزاحم، ومنافسة المقاوم، ثم يمنعه نفاقه من المكافحة، فيرسل القدح في ذي المناصحة، ويقول لو قال كذا، لكان أقوم، لو لم يقل كذا، لكان أسلم، موهما أنه أوضح كلاما وأرجح مقاما، فإذا ظفرت بمثله، فليشغلك الإستعاذة بالله من بليته عن الإشتغال بإجابته، فإنه شر الرجال، وأضر على الأمة من الدجال، كأني بكثير ممن ينتحل هذا الفن {يعني المعارف الدينية} يقف على شيء من مقاصد هذا الكتاب فيستشكله، ويحمل فكره فيه فلا يحصله، فحمله بذهنه الجامد على التأويل الفاسد، فعليك بإمعان النظر فيما يقال، مستفرغا وسعك في درء الإحتمال، فإذا تعين لك الوجه فهناك فقل، وإلا فاعتصم بالتوقف، فإنه ساحل النجاة من الهلكة" . مستمعينا الأفاضل، كانت هذه مقاطع من الوصية القيمة التي كتبها لطلاب المعرفة الإلهية علم فقهاء الإمامية العارفين في القرن الهجري السابع الشيخ جعفر بن الحسن الملقب بالمحقق الحلي، ونختم البرنامج بعرض خلاصة لمضمونها الأساسي وهو: أولاً، إن على طالب العرفان الإلهي أن يخلص نيته من طلبه من شوائب الرياء لكي لا يصبح من المتاجرين بالدين. ثانياً، أن يتحلى بالتعمق بالمعارف الإلهية ولا يكون سطحي الفهم. ثالثاً، أن يختار المباحثين الصالحين لكي ينتفع بعلمهم. رابعاً، أن يجتنب أدعياء الفقه والعرفان الذين يصدونه عن سبيل الله وقربه عزوجل بشعاراتهم المزيفة؛ وأهم ما يميزهم هو أنهم يستخدمون الرياء وسيلة لتحقيق أهوائهم. وبهذا ينتهي أيها الأعزاء لقاء اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، استمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله منكم جميل المتابعة. ودمتم في رعايته عزوجل.