السلام عليكم إخوة الإيمان، إن أقرب الطرق للقرب الإلهي والفوز بحب الله جل جلاله هو السير على الصراط المستقيم، ولكن ما هو هذا الصراط وكيف نسير عليه؟ الإجابة عن هذا التساؤل قدمها لنا العلامة الجليل والفقيه التقي أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة الحراني، وهم من أعلام الأمامية في القرن الهجري الرابع ونتلمس إجابته عن السؤال المتقدم في وصيته البليغة التي أوردها في مقدمة كتابه القيم (تحف العقول عن آل الرسول). كونوا معنا ومقاطع من هذه الوصية النبرة.
قال رضوان الله عليه: "تأملوا معاشر شيعة المؤمنين ما قاله أئمتكم عليهم السلام وندبوا اليه وحضوا عليه. وانظروا اليه بعيون قلوبكم، واسمعوه بآذانها، وعوه من الوعي بما وهبه الله لكم واحتج به عليكم من العقول السليمة والافهام الصحيحة ولا تكونوا كاندادكم أي مخالفيكم الذين يسمعون الحجج اللازمة والحكم البالغة صفحا وينظرون فيها تصفحا ويستجيدونها قولا ويعجبون بها لفظا، فهم بالموعظة لا ينتفعون ولا فيما رغبوا يرغبون ولا عما حذروا ينزجرون، فالحجة لهم لازمة والحسرة عليهم دائمة. بل خذوا ما ورد إليكم عمن فرض الله طاعته عليكم وتلقوا ما نقله الثقات عن السادات بالسمع والطاعة والانتهاء اليه والعمل به، وكونوا من التقصير مشفقين وبالعجز مقرين. واجتهدوا في طلب ما لم تعلموا، واعملوا بما تعلمون ليوافق قولكم فعلكم، فبعلومهم النجاة وبها الحياة، فقد أقام الله بهم الحجة وأقام بمكانهم المحجة وقطع بموضعهم العذر، فلم يدعوا لله طريقا الى طاعته ولا سببا إلى مرضاته ولا سبيلا الى جنته إلا وقد أمروا به وندبوا اليه ودلوا عليه وذكروه وعرفوه ظاهرا وباطنا وتعريفا وتصريحا، ولا تركوا ما يقود الى معصية الله ويدني من سخطه ويقرب من عذابه إلا وقد حذروا منه ونهوا عنه وأشاروا اليه وخوّفوا منه لئلا يكون للناس على الله حجة".
مستمعينا الأكارم : إذن فأتباع محمد واله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين هو السير على الصراط المستقيم الموصل الى الله تبارك وتعالى أما إتباع غيرهم فهو تراكض في السبل المتفرقة وتلاهث خلف سراب يحسبه الظمآن ماءً.
نبقى أيها الأعزاء مع وصايا العارف الإمامي الجليل الشيخ ابن شعبة الحراني وهو يلخص نتيجة ما أستفاده من النصوص الشريفة قائلاً في تتمة وصيته: "السعيد من وفقه الله لأتباعهم عليهم السلام والاخذ عنهم والقبول منهم والشقي من خالفهم واتخذ من دونهم وليجة وترك أمرهم رغبة عنه إذ كانوا العروة الوثقى وحبل الله الذي أمرنا رسول الله صلى الله عليه واله بالاعتصام والتمسك به، وسفينة النجاة وولاة الامر، الذين فرض الله طاعتهم فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، والصادقين الذين أمرنا بالكون معهم، فقال: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). اجتهدوا في العمل بما أمروا به صغيرا كان أو كبيرا واحذروا ما حذروا قليلا كان أو كثيرا، فإنه من عمل بصغار الطاعات ارتقى إلى كبارها، ومن لم يجتنب قليل الذنوب ارتكب كثيرها. وقد روي: اتقوا المحقرات من الذنوب وهي قول العبد: ليت لا يكون لي غير هذا الذنب. وروي: لا تنظر إلى الذنب وصغره ولكن انظر من تعصي به، فإنه الله العلي العظيم. فإن الله إذا علم من عبده صحة نيته وخلوص طويته في طاعته ومحبته لمرضاته وكراهته لسخطه وفقه وأعانه وفتح له مسامع قلبه وكان كل يوم في مزيد فإن الأعمال بالنيات".
رحم الله العارف التقي أبا محمد الحسن بن شعبة الحراني على هذه الوصية الخالصة التي بين فيها للمؤمنين حقيقة أن السير على الصراط المستقيم إنما يتحقق بأتباع أهل بيت النبوة عليهم السلام، وإقتفاء آثارهم بنية مخلصة ففي ذلك الفوز بقرب الله ومحبته تبارك وتعالى وبالتالي سعادة الدنيا والآخرة. نشكر لكم اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، جميل المتابعة لحلقة اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، تقبل الله أعمالكم ودمتم بكل خير.