بسم الله وله جميل الحمد حبيب قلوب الصادقين وغاية آمال العارفين والصلاة والسلام على الأدلاء عليه والهداة الى مرضاته المصطفى الأمين محمد وآله الطاهرين. السلام عليكم إخوتنا وأخواتنا طابت أوقاتكم بكل ما تحبون وفوق ماتأملون، للموعظة أثرها البالغ في تقوية عزم السالك الى الله عزوجل ومكافحة الغفلة عن معارج التكامل. فالموعظة تحي القلب وتزيل عنه القسوة وتزوده بالوقود اللازم للتقرب من الله جل جلاله. لذلك فالمؤمن بحاجة مستمرة للموعظة لكي يحفظ حركته الدؤوبة على الصراط المستقيم. ولكن من اين يأخذ هذه الموعظة؟ ومن الذي تحقق موعظته هذه الآثار المباركة المطلوبة؟ الاجابة عن هذا التساؤل نتلمسها معاً في الإضاءة المعرفية التي إخترناها لهذا اللقاء لأحد أعلام خريجي مدرسة الثقلين القرآن الكريم وأهل بيت النبوة عليهم السلام.
عالم هذه الحلقة هو الشيخ الزاهد التقي أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني الحلبي المعاصر للشيخ الصدوق الذي توفي سنة ۳۸۱. كان رحمه الله من أعاظم علماء الإمامية في القرن الرابع وفذا من أفذاذ شيعة أهل البيت عليهم السلام، ومفخرا من مفاخرها وهو فقيه من فقهاء الطائفة محدث جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة كثير العلم، له فضله الواسع وأدبه الناصع وعلمه الناجع، ينم عن كل ذلك تأليفه القيم الذي هو عنوان عقله وعيار قدره بل لسان فضله وميزان علمه كتاب تحف العقول في ما جاء من الحكم والمواعظ عن آل الرسول، كتاب كريم لم يصنف مثله وهو يحوي من نظام عقود الغرر والدرر، ومحاسن الكتب والمواعظ والزواجر والعبر وكرائم الحكم والخطب وعقائل الكلم والأدب ما يروق اللبيب ويروي الغليل تزجر النفوس عن رداها وترشد القلوب إلى مستواها وتوحي إليها رشدها وكمالها وتبصرها عيوبها وتخلبها عن غاشيات هواها، وتقودها إلى الملكوت الاعلى وسنامها الأسنى وتسوقها إلى مشهد النور الاجلي، وهي الغاية المتحراة للعقل الرشيد وذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
تحدث العالم الولائي الجليل ابن شعبة الحراني في مقدمة كتابه القيم تحف العقول عن علة جمعه فيه لمواعظ أهل بيت النبوة عليهم السلام فقال رضوان الله عليه:
"فإني لما تأملت ما وصل إلي من علوم نبينا ووصيه والأئمة من ولدهما صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته، وأدمت النظر فيه والتدبر له علمت أنه قليل مما خرج عنهم، يسير في جنب ما لم يخرج فوجدته مشتملا على أمر الدين والدنيا وجامعا لصلاح العاجل والآجل، لايوجد الحق إلا معهم ولايؤخذ الصواب إلا عنهم ولا يلتمس الصدق إلا منهم. ورأيت من تقدم من علماء الشيعة قد ألفوا عنهم في الحلال والحرام والفرائض والسنن ما قد كتب الله لهم ثوابه وأغنوا من بعدهم عن مؤونة التأليف وحملوا عنهم ثقل التصنيف ووقفت مما أنتهى إلي من علوم السادة عليهم السلام على حكم بالغة ومواعظ شافية وترغيب فيما يبقي، وتزهيد فيما يفني، ووعد ووعيد، وحض على مكارم الاخلاق والافعال ونهي عن مساويهما، وندب إلى الورع وحث على الزهد. ووجدت بعضهم عليهم السلام قد ذكروا جملا من ذلك فيما طال من وصاياهم وخطبهم ورسائلهم وعهودهم، وروي عنهم في مثل هذه المعاني ألفاظ قصرت وانفردت معانيها وكثرت فائدتها ولم ينته إلي لبعض علماء الشيعة في هذه المعاني تأليف أقف عنده ولا كتاب أعتمد عليه وأستغني به يأتي على ما في نفسي منه. فجمعت ما كانت هذه سبيله وأضفت إليه ما جانسه وضاهاه وشاكله وساواه من خبر غريب أو معنى حسن متوخيا بذلك وجه الله جل ثناؤه وطالبا ثوابه وحاملا لنفسي عليه ومؤدبا لها به وحملها منه على ما فيه نجاتها شوق الثواب وخوف العقاب، ومنبها لي وقت الغفلة ومذكرا حين النسيان ولعله أن ينظر فيه مؤمن مخلص فما علمه منه كان له درسا وما لم يعلمه استفاده فيشركني في ثواب من علّمه وعمل به".
كانت هذه أيها الاخوة والأخوات إضاءة معرفية في ضرورة التواصل المستمر مع مواعظ أهل بيت النبوة عليهم السلام لحفظ تواصل حركة المؤمن على الصراط المستقيم. وقد نقلناها لكم من مقدمة كتاب (تحف العقول) للعالم الولائي التقي ابن شعبة الحراني رضوان الله عليه. وقد قدمناها لكم ضمن لقاء اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة). شكراً لكم ودمتم في رعاية الله وحفظه.