خبراء البرنامج: الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذة كوكب العطار الباحثة الاجتماعية من العراق
بسم الله الرحمن الرحيم أعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لحضراتكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم أعزائي سوف نتطرق الى حالة من الحالات التي تصيب البعض وتبعده عن الواقع فيعيش بسببها بعيداً عن المنطق والحقيقة بمعنى أنه يعيش أجواء الخيال التي لن تنفعه ولن تفيده بأي حال من الأحوال لذلك أيها الأحبة سيكون موضوع حلقة اليوم عن صاحب الشخصية الخيالية وهي شخصية تنسج حولها صوراً ومشاهد لاتمت لعالم الواقع بصلة بل تقوم بتحليل الأمور مثلما تحب ومثلما تتوقع أن تكون وعلى هذا الأساس تكون التداعيات وخيمة بالنسبة للشخص الخيالي وتؤدي بالنتيجة ايضاً الى فقدان ما كان أسسه ورسخه وخطط له في ذهنه فقط. ولأجل إلقاء الضوء أكثر على هذا الموضوع سوف نستضيف خبيرين من خبراء البرنامج وهما فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق وكذلك الأستاذة كوكب العطار الباحثة الاجتماعية ايضاً من العراق. فكونوا معنا
دريد شاب في السابعة عشرة من العمر كان بعيداً عن أصحابه وزملاءه في المدرسة لأنه يعيش عالمه الخاص حتى لو دعوه يشاركهم في أي فعالية او لعبة ما ولايساهم في أي حديث ممتع وذي فائدة يكون أساسه المنطق والواقع ذلك لأنه كان يعيش الخيال ويحلم كثيراً، لو كان في نزهة لوحده نراه يعود يصور لبعض أصدقاءه الذين كانوا يستمتعون بقصصه ما شاهده بشكل مبالغ فيه ومخيف أحياناً أنه كان خيالياً بدرجة كبيرة ولو شاهد فلماً تلفزيونياً او سينمائياً نراه في اليوم التالي يجمع حوله بعض هؤلاء الأصدقاء ليحكي لهم قصة الفلم ولكن بشكل مغاير بعض الشيء لما شاهده ومغاير لما آلت الأمور بسبب عشقه للنهايات الخيالية والغير حقيقية التي غالباً ما تكون مأساوية ولاإنسانية في ذات الوقت.
ذات يوم دعاه مجموعة من الأصدقاء للذهاب الى رحلة طلابية والإستمتاع بأجواء الطبيعة الخلابة وأجواء اللعب والمرح فيها، في البداية رفض دريد أن يشاركهم الرحلة ولكن بعد إصرار البعض وافق دريد على الذهاب معهم على أمل أن يقضي بصحبتهم وقتاً ممتعاً. إنطلقت الرحلة في اليوم التالي وكان الجميع في غاية السعادة والبهجة حتى دريد كان سعيداً معهم لكنه كان متخوفاً بعض الشيء بسبب ما سمعه من أبيه بعض الفترات عن المنطقة يروم السفر اليها هو وزملاءه على أنها منطقة غير مأهولة بالسكان. بعد أن وصل الجميع الى تلك المنطقة الأثرية الآهلة بالأشجار العالية وبعض الوديان العميقة والممرات الضيقة والملتوية أحياناً أخذ دريد يعيش تلك الحالات الخيالية التي كان يتقمصها، ولما كان البعض منهم يتجول بين ربوع تلك الآثار نسي دريد نفسه وأخذ يتجول لوحده فقادته قدماه شيئاً فشيئاً الى وادي من الوديان التي تملأ المكان.
بعد أن نزل دريد الوادي بدأ يراوده الخوف والهلع، إرتعدت فرائصه، شعر بقشعريرة تسري في جسمه وهنا أخذت حالة الخيال تنتابه فخيل له أنه يسمع أصواتاً غريبة، أصوات حيوانات متوحشة وأصواتاً اخرى. الأصوات بدأت ترتفع بل وتزداد وخوف دريد بدأ يزداد هو الآخر، إلتفت يميناً وإلتفت يساراً لم ير بداً من الإختفاء ولو بشكل مؤقت بين تلك الأغصان المتدلية من اعالي الوادي، شكل هذا في ذات الوقت مشهداً آخر صعد من حالة الفزع التي إنتابته. وهو بين الأغصان بدأ يتخيل سمع أصوات مخيفة تقترب منه، حاول أن يختفي أكثر لأن لايكون ضحية تلك الحيوانات المتوحشة التي ظن أنها قادمة لتفترسه. وجد خلفه وبلمح البصر منفذاً ضيقاً، دخل المنفذ دون تردد، ولما وطئت قدماه المنفذ خيل لنفسه أصوات اخرى تحوم حوله. إرتبك أكثر، ناشد السماء حينها لكي تنقذه، اراد أن يصرخ لكن صوته قد إختفى. قال مع نفسه: يا إلهي ماذا أفعل؟ فالوحوش قادمة لتفترسني، زاد إرتباكه وزاد تخوفه !!
حاول أن يخرج بسرعة من المكان لكن قدراته على ذلك تجمدت وشجاعته اخفقت حتى عن كل معانيها. وفجأة سمع أصواتاً اخرى إنتبه لها، نعم إنها أصوات الوحوش لقد بدأت تقترب مني أكثر. ياإلهي ماذا سأفعل؟؟ ياإلهي انقذني!!
في هذه الأثناء كان الأصدقاء يبحثون عنه حتى راحوا قلقين بشأنه كثيراً.
قال سمير: لقد إختفى فجأة، قبل قليل كان معنا!!
قال حميد: لاأتذكر بالضبط متى إفترق عنا!
قال رائد: حتماً أنه يبحث في الأماكن الأثرية فهو يعشق التجوال لوحده.
قال آخر: وما العمل؟ هل سنبقى مكتوفي الأيدي؟ إن صاحبنا حتماً في مأزق خطير يجب البحث عنه بجد!!
وهنا إنبرى أحدهم وقال: لحظة من فضلكم، إني أسمع أصواتاً! هل تسمعون ما أسمع؟
صمت الكل وراح يسمع الى ما نبههم اليه صاحبهم. نعم فهناك أصوات همهمة وطنين منخفض. وهنا قال سمير: أعتقد أن هذا الصوت يخرج من تلك الناحية، ماذا لو كان صوت دريد!!
قال حميد: حقاً ماذا لو كان صوت دريد!!
أجابه رائد: ولكنه ماذا يفعل في ذلك المكان؟؟
صاح أخر: هل ستقفون هكذا دون حراك، حاولوا أن تنقذوه.
قال حميد: وكيف حكمتم أن دريداً داخل ذلك المكان؟
وبعد قيل وقال وسؤال من هنا وهناك إتفق الجميع على الدخول بكل شجاعة الى ذلك المكان الذي إختفى داخله دريد وفعلاً دخل الكل. ولما اوشكوا الوصول سمعوا دريداً يهمس لوحده ويقول: ساعدني يا إلهي، أنقذني يا إلهي!!
ولما سمع الأصدقاء همسات صاحبهم دخلوا بسرعة المكان لإنقاذه ولما دخلوا عليه وجدوه ممداً بين شقي صخرتين متجاورتين وهو ممسك بعصا عثر عليها بين ثنايا ذلك الجحر.
صاحوا به جميعهم وقالوا: إنهض يادريد، إنهض، ماذا بك؟ هل أنت مصاب بشيء؟ لاتخف إنهض!! فنحن بجانبك.
لم يصدق دريد كلامهم بل ظل يتكلم مع نفسه ويقول: سوف أمزقك إرباً إرباً!!
صاح به سمير مرة اخرى: يادريد إنهض من نومك، إنهض انت تعيش حالة من الخيال وليس الواقع!!
وفعلاً نهض دريد من نومه ولم يكد يكمل تقمصه للحالات الخيالية حتى إنتبه لنفسه خصوصاً بعد أن شاهد أصدقاءه حوله وليس كائنات اخرى!!
نظر دريد الى أصدقاءه جيداً وتأكد أنه كان في حالة من حالات الخيال التي تنتابه ويعيشها بكل تفاصيلها. نهض والتعب واضح عليه والوهن والخوف قد أخذا منه مأخذاً، فسارع في الإطمئنان على نفسه بعد أن إطمئن في ذات الوقت من عدم وجود أي وحش من الوحوش التي كان يظن أنها تلاحقه. شكر أصدقاءه كثيراً وقال لهم: أريد العودة الى البيت بسرعة، أرجوكم فأنا متعب جداً، متعب!!
اخذه الأصدقاء الى البيت بعد أن إطمئنوا على سلامته.
أيها الأخوة والأخوات مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع يأتيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. بعد أن إستمعتم أيها الأحبة الى قصة دريد تأكد لكم أن حالات الخيال التي تصيب البعض من شأنها أن تجعله بعيداً عن حقيقة أشياء كثيرة، أشياء لاتمت الى الواقع بصلة ولذلك يكون هذا الشخص معرضاً لأزمات نفسية شديدة تؤثر في ذات الوقت على طبيعة علاقته مع الآخرين. ومن أجل إلقاء الضوء على حقيقة هذه الحالة وكيفية التخلص منها إستضفنا فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق لسؤاله أولاً ماهي التوصية الدينية الخاصة في إيجاد وتكوين علاقة طبيعية بين الذين يعيشون الخيال والواقع مع التوكل على الله سبحانه وتعالى؟ فأجابنا متفضلاً
العقيلي: بسم الله الرحمن الرحيم في الحقيقة الله سبحانه وتعالى من خلال الدين الاسلامي الذي جدد به كل الأديان السابقة وضح لنا منهج ومفهوم والنظرة الحقيقية لتنشأة وحياة المجتمع سواء كانوا مجتمعات او افراد ويقيناً أن هذا الفرد هو جزء من هذا المجتمع الذي يحيط به وبالتالي أراد لنا أن نكون واقعيين وأراد لنا أن نكون على دراية في مختلف مجالات حياتنا وأمورنا الخاصة والعامة وأهم شيء أن يكون الانسان صادقاً وأن يكون صريحاً وأن يكون واقعياً ومتعاملاً تعاملاً حقيقاً تجاهمختلف القضايا سواء كانت شخصية او اجتماعية هذه الصفة تنتفي مع كون الانسان مؤمناً وكون الانسان متديناً وسواء كان الانسان على خلق سواء كان رجلاً او امرأة بالتالي من يعيش الخيال ومن يعيش الأوهام ومن يعيش الإبتعاد عن واقعه بذلك يضر نفسه ويضر مجتمعه ويضر حقيقة الإجتماع الذي يعيشه لاسيما اذا كان وسط مجتمع ايماني اسلامي يرسخ القيم والعقائد الاسلامية بإعتبار أننا نريد أن نربي المسلم لكي يكون ضمن مجتمع، مجتمع ملتزم، مجتمع خلوق ومجتمع يسير ضمن خطى الخير والصلاح والتكامل البشري بإتجاه اليوم الموعود الذي الله سبحانه وتعالى اوصانا به وأوصانا أن نكون خلف الامام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
والسؤال الثاني الذي توجهنا به الى فضيلة الشيخ هادي العقيلي ماهو دور المسلم في مساعدة اخيه المسلم إزاء هذه الحالة؟ فلنستمع للإجابة معاً
العقيلي: في الحقيقة حديث واضح وصريح لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إبراز دور المسلم تجاه اخيه المسلم الآخر، حديث صريح وواضح يقول " إن على المسلم للمسلم ثلاثين حقاً لايظله ولايغتابه ويتعدى عليه لاينافق عليه و...الخ يتصدق عليه ويشيع جنازته ... الخ" فأقول في مثل هذه الحالة "الدين النصيحة" فواجب المسلم هو أن ينصح اخاه المسلم ويجب على المسلم أن ينور الطريق لأخيه المسلم ويوضح له الحقائق ويبعده عن الضغينة، عن الحقد، عن الكذب، عن التهويل، عن الأمور التي تجعله وكأنه بتعبير العامة أنه يغرد خارج السرب ويعيش الخيال الذي لاأساس له وليس صحيحاً وبالتالي لايضر نفسه فقط بل يضر الآخرين فأقول الواجب على المسلمين جميعاً، الواعين منهم أن ينوروا الطريق بنور الهداية والحق والخير والصلاح، الواجب عليهم أن لايقفوا مكتوفي الأيدي في مختلف مجالات الحياة سواء كانت ثقافية، دينية والى ما هنالك من توضيح الحقائق وتبيانها بشكل صحيح.
وبعد أن إستمعنا الى ماقاله فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق نتوجه الآن الى الأستاذة كوكب العطار الباحثة الاجتماعية من العراق ايضاً لسؤالها اولاً ماهي المشاكل والتداعيات التي تؤدي بالبعض الى العيش في حالات الخيال ونسج القصص من ذاتهم؟ فأجابت مشكورة.
العطار: بسم الله الرحمن الرحيم هناك بعض الظروف التي تمر على الانسان في مراحل حياته المختلفة وخاصة في مراحل الحياة الأولية كمرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة ظروف بالذات عائلية صعبة كأن تؤدي به بالشعور بالدونية والحقارة والظلم فهذه الظروف تترك أثرها في العقل الباطن. احد تداعيات هذه الظروف أن يكون الانسان هارباً من واقعه ويسرح في خياله الى آفاق بعيدة فدائماً أفكاره وذهنيته وعقله ليس بالضبط مع المجتمع الذي يعيشه مهما كان هذا المجتمع صغيراً فهو خارج هذا المجتمع وليس في كل الأوقات ولكن في أوقات كثيرة. طبعاً هذا الشرود الذهني ينتج من الخيال الذي يعاني منه هذا الانسان. برأيي تقريباً أكثر الناس لهم هذه الصفة ولكن بنسبة او بأخرى هذه الصفة تتفاوت بين شخص وآخر، نجدها عند البعض بنسبة عالية فهو دائماً يسرح في خياله ويفكر دائماً بالأشياء البعيدة ويهرب من واقعه ولكن عند أشخاص نرى هذه النسبة قليلة جداً وتتفاوت من نسبة الى اخرى حسب الأسباب الرئيسية برأيي هي الظروف التي مرت على الانسان في مراحل حياته الأولية. السبب الآخر القاعدة الذهنية الموجودة عند الانسان، الخلفية العقائدية، مشاغل الحياة اذا كانت مشاغل مجدية، هذا عمل، هذا نفع مادي جيد له هكذا انسان نجده يكون واقعياً يعني على سبيل المثال الطبيب دائماً واقعياً ولايسرح في الخيال بينما هناك أخرين لديهم أعمال بسيطة او متذبذبين وغير مستقرين في عمل معين او يعملون قليلاً ويكونوا في عداد البطالين أكثر فهؤلاء يكثر عندهم هذا الشيء. كذلك الانسان الذي ليست له عقيدة وإرتباط قوي بالله سبحانه وتعالى بالنتيجة ليس له تفكر فيسرح في امور خيالية وأمور غير موجودة ودائماً يعيش بما يسمى بأحلام اليقظة، يحلم أنه كذا وأخذ كذا وسافر كذا وحصل على كذا وهذه الأحلام ليس لها علاقة بواقع الحال الذي يعيشه.
أما السؤال الثاني الذي توجهنا به الى الأستاذة كوكب العطار كيف يمكن التخلص من هذه الحالة وماهي العوامل المساعدة في ذلك؟ فلنستمع إجابتها.
العطار: يجب تجنب حالات توهين الشخصية يعني كأن يقال للطفل انت قبيح، أنت عاجز، انت لاتعرف، انت صغير، انت فاشل فهذه الأمور نحن نتصور أننا نقولها ونحن عابرين ولاتترك أي أثر على النفس بينما هي تترك أثاراً بليغة على النفس وتولد حساسية عند البعض فعندما يكبر يجد نفسه لايستطيع معالجة هذا الشيء وأنه دون المستوى المناسب ومن الناس الفاشلين في هذا المجتمع، يهربون من مجتمعهم فيعيشون احلام اليقظة، احلام اليقظة هي نوع من الهروب المجتمع ومن الواقع لذلك إبتداءاً مسؤولية الآباء والأمهات والمربين والمعلمين والمعلمات أن تنتبه الى هذه النقطة وهي نقطة تكريم الانسان وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم في الأساليب التربوية واكد أن هناك للإنسان كرامة عالية وفي نفس الوقت على هؤلاء أن يعودوا ويقووا إرتباطهم بالله سبحانه وتعالى ويستمدون القوة والعون من الله العلي العظيم القادر على كل شيء وهو يعطي الخير وهو يمنع مايريد.
في الختام أعزائي المستمعين نشكر ضيفينا العزيزين فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذة كوكب العطار الباحثة الاجتماعية من العراق ايضاً على حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن الإستماع الى برنامج من الواقع والذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران الى حلقات أخرى قادمة إن شاء الله نستودعكم الله والى اللقاء.