خبراء البرنامج: السيد محمد نور الزاكي الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة وداد الخنساء المرشدة التربوية من بيروت
المحاور: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان أسعد الله اوقاتكم بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لحضراتكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم أيها الأحبة سوف نتطرق الى موضوع ربما يتصف به بعض الشباب أكثر من غيرهم ويلازمهم مدة طويلة فيتسبب في مشاكل لهم تنعكس بكل تأكيد على طبيعة علاقتهم بالآخرين وبالتالي تنعكس نتائجها على مستقبلهم. هذا الموضوع هو الشخصية النرجسية، والشخصية النرجسية لها صفاتها الخاصة التي تختلف بطبيعتها عن بقية صفات الأفراد في المجتمع بشكل عام فهي شخصية حساسة وطرية بالإضافة الى أنها تتميز بسرعة إنفعالاتها وتهورها وسرعة إتخاذها للقرارات لذلك نجد هذه الشخصية معرضة لإرتكاب الخطأ أكثر من غيرها ومعرضة لمواجهات غير حميدة مع الآخرين وعليه فقط إرتئى البرنامج وبعد الإستماع الى قصة اليوم أن بستضيف خبيرين للإستعانة بتجاربهما العلمية والعملية من خلال الحديث عن هذا الموضوع وضيفانا لهذه الحلقة هما سماحة السيد محمد نور الزاكي الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة وداد الخنساء المرشدة التربوية من بيروت فتابعونا.
أحبتي الأفاضل فؤاد شاب في السابعة عشر من عمره لم يكن يخالف أياً كان من الآخرين إلا من يختارهم هو وفق رغبته الخاصة واذا شعر بأن أحد الذين إختارهم كصديق له قد حاول أن يخرج عن المألوف الذي بناه إستناداً لشخصيته نراه ينفر من صديقه ويتركه ولايدع مجالاً لأي وسيلة لإعادة علاقته معه، كان كثير الحساسية وكثير الشكوك، لايحتمل أي مزاح مهما كان فكيف اذا واجه خشونة بعض الشيء من قبل بعض هؤلاء الأصدقاء لذلك كان فؤاد بعيداً عن الأجواء الطبيعية التي يمارسها أصدقاءه سواء في المدرسة او في الشارع او حتى في البيت.
في يوم قال له أبوه: يابني غداً نحن ذاهبون الى بيت عمك لاأريدك أن تجلس بجانبي كالعادة حاول أن تختلط بأولاد عمك وتلعب معهم فهم طيبون ويحبونك كثيراً.
هزّ فؤاد رأسه وقال له بدون أي رغبة حقيقية منه: حاضر ياأبي سوف أحاول !
لما وصل فؤاد وأبوه بيت العم خرج الجميع مرحبين بهما وراح الأولاد بالذات يسألون فؤاد عن صحته وأخباره في المدرسة لكن فؤاد ظل ملازماً الصمت إلا ما ندر وحين يكون مجبراً على الإجابة. فجأة شاهد فؤاد دراجة هوائية كانت مركونة عند احد زوايا البيت، شعر برغبة هذه المرة في أن يتحدث مع أولاد عمه بسبب الدراجة فقال: هل يمكن لي أن أقود تلك الراجة قليلاً؟
مازحه إبن عمه وقال له: وهل بإمكانك قيادتها دون أن تسقط؟
رفض فؤاد بداخله هذا السؤال لأن نرجسيته سيطرت عليه لذلك أجاب بنوع من عدم الراحة وشيء من العصبية: وهل تظنني لاأجيد قيادة الدراجة أم تظن نفسك وحدك الذي تجيد قيادتها؟
إستفز هذا الجواب ابن عم فؤاد وراح هو الآخر يجيبه بطريقة غير محببة ايضاً فقال: أنا متأكد بأنك اذا قدت الدراجة فسوف تسقط على الأرض بسرعة فالأفضل لك أن لاتقودها! ثم اخذ ابن العم يضحك ويهزأ به وشعر فؤاد بالحرج الكبير وحاول أن يعود أدراجه ليكون بجانب أبيه.
صاح به ابن عمه الآخر: يافؤاد أين أنت ذاهب؟ كان أخي يمزح معك، أرجوك تعال وتمتع بقيادة الدراجة الهوائية!
رغم محاولة ابن العم هذه إلا أن فؤاد لم يقوى على العودة لأنه كان نرجسي المزاج منذ الطفولة وكان حساساً كثيراً لايحتمل أي مزاح ولاأي كلام فيه نوع من التحدي او ما شابه فإستمرت هذه الحالة معه ولازمته طويلاً.
نعم أعزائي في يوم وبينما كان الكل مجتمع في البيت نهض فؤاد من مكانه متوجهاً الى غرفته، قالت له أمه: مابك يابني؟ هل تشعر بشيء؟
رد عليها وقال: لا لا لست أشعر بشيء وإنما لاأحب مشاهدة التلفزيون فقررت الإنشغال في غرقتي ببعض الأشياء.
وهنا قال له أخوه سعيد: وأية أشياء؟ لماذا لاتقول الحقيقة؟
غضب فؤاد من كلام أخيه وقال له: وأية حقيقة؟ ها هيا قل؟ قبل أن أعود وأضربك !!
غضب سعيد هو الآخر وقال له: مادمت تتكلم معي بهذا الأسلوب فسوف أقول الحقيقة، هل فهمت؟
بهت الأب كما بهتت الأم وقالا: وأية حقيقة يافؤاد؟ هل تخفي شيئاً في غرفتك؟ هل تخبأ أمراً عنا ونحن لانعلمه؟ هيا قل ياولدي!
إرتبك فؤاد قليلاً وقال: لا لا لا صدقوني لاأخبأ شيئاً، سعيد يمزح معكما!!
رد سعيد وقال: أبداً أنا لاأمزح، أتقول الحقيقة أم أقولها أنا ! وهنا تدخل الأب بشدة وقال: يافؤاد تعال وإقترب مني .
شعر فؤاد ببعض الخوف. كرر أبوه وقال: قلت لك إقترب مني. إقترب فؤاد من أبيه ولما صار بين يديه، أمسك أبوه بكلتا يديه وقال له: يابني اذا كنت تخبأ شيئاً سيئاً فحاول أن تعترف وإلا فسوف اعاقبك لو إكتشفته أنا!!
بدأت أعصاب فؤاد تنهار تدريجياً وراح ينظر الى سعيد بعين الحقد والإستياء. وهنا حاول سعيد أن يدخل غرفة أخيه، لحق به فؤاد ودخل سعيد الغرفة وأخرج مجموعة الألعاب التي كان يحتفظ بها فؤاد في دولابه الخاص. صاح به فؤاد بشدة وقال له: لايحق لك إخراج هذه الألعاب إنها تخصني أنا، هيا أخرج من غرفتي!
رفض سعيد ذلك بل أصر على إخراجها امام والديه. وأثناء الصراع الذي نشب بين الأخوين دخل الأبوان الغرفة ايضاً فوجدا فؤاد وهو يمسك بأخيه سعيد ليرميه على الأرض. حاول الأب منعه فالصراع بين الأخوين بدأ يتحول الى ضرب بالأيدي والبوح بكلمات لاتلقي أن تكون بين اخوين يعيشان في بيت واحد. إنزعج الأب كثيراً وأمسك بهما بقوة وإستطاع أن يفرق بينهما ولكن بصعوبة، ولما فرق بينهما قال لهما: ماذا حلّ بكما؟ ألهذا الحد وصل بكما الأمر لأن تضربا بعضكما البعض؟ أنسيتما أنكما أخوين؟ كيف تجرئان على ذلك أمامي؟ هل نسيتما أمكما وهي تنظر اليكما بعين الحسرة والندم؟
شعر سعيد بالخجل ونكس رأسه وراح يعتذر والدموع في عينيه بينما ظل فؤاد محتفظاً بعلامات الغضب على وجهه وعبارات اللوم والعتاب لاتفارق شفاه.
إنتبه الأب اليه وقال: ممكن اعرف ماهي الحقيقة التي خبأتها يافؤاد؟ لماذا ضربت أخيك من أجلها؟ هيا أريد أن أعرف ماهي الحقيقة؟
وفي هذه الأثناء شاهد الأب مجموعة الألعاب بيد ابنه سعيد، مد يده واخذ بعضها وقال: ماهذه الألعاب؟ هل تعود لك يافؤاد؟
طبعاً فؤاد لم يجب!! فقال سعيد: نعم ياأبي إنها تعود لأخي فؤاد.
فقال الأب: ولكنها ليست بالألعاب السيئة وليست بالألعاب الممنوعة التي طالما نبهتكما وحذرتكما منها!!
ضحك سعيد وقال: نعم ياأبي انا أعرف أنها لم تكن ألعاباً سيئة ولم تكن ألعاباً مخجلة لكي يخجل منها فؤاد ولكني منذ البداية كنت اريد المزاح مع اخي ولكنه للأسف لم يفهم مزاحي وراح يضربني ويضربني لأنه في الحقيقة مريض، لايستطيع أن يختلط مع الآخرين حتى مع أخيه!
إستشاط فؤاد غضباً من جديد وهاجم هذه المرة بشراسة أكثر على أخيه لكي يبرحه ضرباً.
أمسك به الأب وقال له: لماذا يابني؟ لماذا هذه الكراهية لأخيك؟ لماذا أنت نرجسي الى هذا الحد؟
المحاور: مستمعينا الكرام مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وبعد أن إستمعنا الى قصة اليوم سوف نتوجه الى ضيفنا الكريم سماحة السيد محمد نور الزاكي الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة بشأن الحالة التي مرت بفؤاد وهي حالة النرجسية التي أثرت عليه كثيراً وعلى طبيعة علاقته بالآخرين. السؤال الأول كيف يرى الشرع الاسلامي موضوع النرجسية وإبداء حساسية مفرطة تجاه سلوك الآخرين؟ هل نرجسية بعض الأولاد لها علاقة بطبيعة تربية الأبوين؟
الزاكي: دائماً ينظرالاسلام والشرع الاسلامي الى الانسان في بعده النفسي، الانسان المتزن، الانسان المحب للآخرين، الانسان الذي يبوح عطراً ويبوح محبة للآخرين هو الانسان الأفضل في نظر الشريعة الاسلامية وبما أن النرجسية هي نوع من التعالي وحب الذات والأنانية والمغرضة والمفرطة فقطعاً الاسلام ينظر الى النرجسية نظرة سالبة وليست نظرة ايجابية ويعتبرها مرضاً نفسياً يتوجب على الانسان أن يبعد عنه وحتى أن الاسلام لايتحدث يعني لو رجعنا الى كتب الاسلام لعلنا لانجد كلمة النرجسية بحد ذاتها لكن تجد مؤلفات ومكونات النرجسية كحب الذات، الأنانية، الغرور، التمركز حول الذات، محاولة إهانة الاخرين وإظهار عيوبهم وغيرها نرى كل هذه صفات منفصلة يحاول الاسلام أن يعالجها واحدة واحدة.
بالنسبة للنرجسية عند بعض الأولاد هل لها علاقة بتربية الأبوين؟ نعم في الأصل كل شخص إنما يبدأ بتعلم وتشكيل حياته من خلال مايكون طافحاً في مجتمعه الذي يعيش فيه والوالدين هم اكثر من يؤثر في الطفل في صغره. الإنصياع التام لرغبات الطفل حتى لو كانت مضرة وبعناوين المحافظة على شخصيته، بعناوين لايحبون أن يكسروه وهكذا هذه الكلمات التي نسمعها من حين لآخر، هذه في الواقع تولد وتؤلف هذه النرجسية وتوجدها عند الطفل، الطفل الذي لم يتعرض أبداً في البعد التربوي الى المنع، الى القول له لا، لاتفعل هذا، هذا ممنوع، عيب، خطأ، الذي لم يعود على هذه الأشياء في الآخر يحس أن كل شيء يريده في هذه الدنيا هو في يده ولاتوجد حدود له بل الحدود هي لما يريد، وهذا هو الذي يولد النرجسية.
المحاور: أما سؤالنا الثاني أيها الأحبة بماذا ينصح الاسلام في هذه الحالة؟ فلنستمع الى الإجابة معاً
الزاكي: الاسلام ينصح في هذه الحالة أن يعمد الوالدين في البداية الى تنشأة الطفل على حب الخير للآخرين، تنشأة الطفل وتعويده على أن يفتخر بنفسه ويفتخر بوجوده، بدينه وبفكره وفي نفس الوقت يعرف أن قوة شخصيته تكمن في إحترامه للآخر، إحترام الآخر، إحترام حقوق الآخر كلها المعنوية والمادية. معرفة أن له حداً وحدوداً، معرفة أنه انسان يمكن أن يخطأ وأنه كثير الخطأ والذي يتعلم من أخطاءه هو الشحص الجيد. هذه بعض النصائح الاسلامية في بعد تربية الطفل أما عند الأشخاص الكبار فيعالجها الاسلام في مقولات كمقولات الغرور، في مباحث الأخلاق والتربية في الشريعة الاسلامية او موضوع التكبر، موضوع الخير للآخرين او معكوسها يعني الحسد وبغض الآخرين ورفض قبول النقد من الطرف الآخر والاحساس بالإستعلاء والتعالي. الاسلام يعالج مشكلة النرجسية من خلال طرحه لمعالجات في هذا الباب وهذا الإتجاه وهي متوفرة لمن يريد في كتب الأخلاق إن شاء الله عليهم أن يراجعون.
المحاور: وبعد أن إستمعنا الى ماقاله سماحة السيد محمد نور الزاكي الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة نتوجه أيها الأفاضل الى ضيفة البرنامج الدكتورة وداد الخنساء المرشدة التربوية من بيروت لسؤالها اولاً ماهي النرجسية بالتحديد وكيف يكون مريض هذه الحالة على الأفراد الآخرين؟ فلنستمع لإجابتها.
الخنساء: السلام عليكم
النرجسية هي مرض يبدأ مع الأطفال في سن مبكرة جداً، بعض العلماء يقولون تبدأ من سن الأشهر وأكثرها عندما تبدأ مرحلة الفطام عن الأم وتبقى مع الطفل من هذه الشهر الى ثلاث سنوات وهي حالة مرضية بحيث أن هذه الحالة توصف بمرحلة المرآة حيث أن الطفل يرى نفسه بعيون الآخرين وفي نظر الآخرين فمن هنا أول مايرى نفسه يرى والديه، يعني هذا الطفل مريض نفسي لأنه لايعيش واقع ذاته وهو يرتبط بفقدانه امراً من الأمور فيحدث عنده أذى ويحاول أن يعكسه على الآخرين، تصرفاته ستكون مؤذية للآخر وهي تصرفات غير عادية وهذا هو مرض نفسي.
المحاور: وأما السؤال الثاني الموجه لدكتورة الخنساء ماهو السبب الحقيقي في إصابة الأبناء بالنرجسية في سن المراهقة وبعدها وكيف يمكن علاجها؟ فلنستمع للإجابة معاً
الخنساء: أهم المشاكل يمكن أن تكون عند الأهل يعني يخافوا من فقدان الولد وتعلقهم به او تحصل أي مشكلة تنعكس بالتالي على نفسية الطفل حيث قلنا إن النرجسية ترتبط بمرحلة المرآة والطفل يرى نفسه من خلال والديه. كيف نستطيع أن نحل هذه المشكلة؟ هناك نقطة أساسية وهي أن معظم الأطفال يمكن أن تكون عندهم هذه النرجسية في المراحل الأولى من حياتهم وكما قلنا من مرحلة الأشهر وحتى الثلاث سنوات ولكن كيف تحل هذه المشكلة؟ المشكلة نفسية طبعاً ويجب أن نجعل هذا الطفل يتعلم اموراً تتعلق بالطبيعة والأنظمة الموجودة والمحيطة به لكي يتأقلم بالجو المحيط ويفهم الحياة على حقيقتها وليس هذا المنظار، منظار غير واقعي وغير حقيقي.
المحاور: وبعد أن إستمعنا الى ماقاله سماحة السيد محمد نور الزاكي الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة وداد الخنساء المرشدة التربوية من بيروت نشكر ضيفينا العزيزين على حسن مشاركتهما البرنامج كما نشكر لكم اعزائي المستمعين حسن الإستماع الى برنامج من الواقع والذي قدمناه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء.