خبراء البرنامج: الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أهلاً ومرحباً بكم في برنامج من الواقع والذي نقدمه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. موضوع حلقتنا لهذا اليوم أيها الأحبة سوف يكون عن الأحلام الوردية التي يعيشها البعض بحيث تأخذهم الى عالم الخيال حيث الشعور بالسعادة والأمان وحيث الركون الى وديان تطل فيها نسمات الهواء وقطرات المطر الندية التي تنعش الروح وتغذي البدن، ولكن هذه الأحلام قد تكون وبالاً على الحالم بها لو أفاق في يوم ووجد كل ما حلم به رمادياً وليس وردياً، وهذا بكل تأكيد سيؤثر على مستقبل الشخص الحالم وعلاقته مع الآخرين. هذا الموضوع سيشكل مضمون قصتنا قبل أن نحاور خبيرين من خبراءنا الأعزاء فضيلة الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان وكذلك الأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية ايضاً من لبنان وذلك لأجل إلقاء الضوء أكثر على تداعيات وسلبيات هذه الحالة على الشخص نفسه من جهة وعلى الأفراد الذين تربطهم علاقة وطيدة بالآخرين من جهة ثانية فتابعونا
أعزائي الأفاضل عمار شاب وسيم وينتمي لأسرة متوسطة الحال لكن أحلامه كانت تفوق حتى الخيال أحياناً بسبب هوسه وجنونه في أن يكون مشهوراً ومعروفاً بين الآخرين وهذا ما جعله لايرضى بأي فرصة عمل او وظيفة هنا وهناك. كان كلما كلمه صديق او قريب بشأن مستقبله لايجيب بأنه غير راض في الوقت الحالي وأنه بصدد أن يسافر الى احدى الدول الأجنبية لتطوير مواهبه وتطوير إمكانياته. كان كلما إقترحت عليه أمه أن يتزوج من فتاة يرفض لأسباب واهية وأسباب غير منطقية ذلك أنه كان يرى في نفسه الشاب الجميل والوسيم الذي عليه أن لايتزوج من أي كانت.
مرت الأيام ومرت الشهور وفي يوم تعرف على فتاة تشبهه تماماً في أحلامه، كانت هي الأخرى تحلم أن يكون لها بين جميل وكبير وفيه خدم وحشم وفيه صالات إستقبال وصالات طعام للضيوف وغيرها من المواصفات التي كانت تحلم بها. إتفق الإثنان على الزواج والسفر الى خارج البلد رغم عدم موافقة عائلته على سفره، لكنه شدّ رحاله بسرعة وأخذ بيد زوجته وتوجها معاً صوب مستقبلهما المجهول!!
نعم أحبتي الأفاضل حينما وصل عمار وسعاد إنبهرا في البداية بالشوارع والأبنية وناطحات السحاب وإنبهرا بالسيارات الفارهة والموديلات الحديثة جداً وظنا بأن التطور التكنولوجي والعمراني الذي يشاهداه هو الحياة والمستقبل الذي طالما حلما به وطالما تفاخرا بين أقاربهما وأصحابهما أن يبلغاه في يوم. قال عمار لزوجته بدهشة كبيرة: أنظري ياسعاد، أنظري الى الأبنية العالية والى السيارات الحديثة الجميلة. انظري الى الناس الذين يمشون على الرصيف، كم أنهم مهذبون ومؤدبون، لااأرى غير أناس مثقفين وطيبين وهادئين، انا بصراحة أحسدهم كثيراً!
ردت عليه زوجته سعاد وقالت: أوووه أنظر الى تلك الإعلانات الضوئية الرائعة والى تلك الحدائق المزينة بتلك الورود والأشجار الظلية التي تطل على جانبي الطريق، يجب أن نرتاح قليلاً ومن ثم نبدأ برحلتنا بالعمل الذي وعدنا به صديقك في الشركة.
قال عمار: نعم نعم سوف نتوجه الى الشركة صباح غد بعد أن نأخذ قسطاً من الراحة اليوم وبعد أن نكون قد تجولنا بعض الشيء في أرجاء هذه المدينة الساحرة.
وفعلاً أعزائي وفي اليوم التالي صباحاً توجه عمار وزوجته سعاد الى الشركة التي جاءا من أجلها أملاً بأن تحقق لهما أحلامهما الوردية وتحقق لهما الثروة والمال. أغمضت سعاد عينيها وقال: ياإلهي لاأريد أن أفشل في تحقيق غايتي، أريد أن أنجح هنا لأنتصر بين زميلاتي وأحقق مالم تستطعن تحقيقه !!
أغمض عمار هو الآخر عينيه وراح يحلم بالمال والثروة التي جاء من أجلها. وبعد مرور وقت قصير صار الإثنان بمواجهة مدير الشركة الذي رحب بهما كثيراً وطلب منهما إملاء الإستمارة الخاصة لكل واحد منهما. فرح عمار كما فرحت سعاد وقالا لبعضهما: لقد تحققت امنيتنا سوف نكون من المشاهير ونكون من الأغنياء !!
نعم أحبتي الأفاضل إستمر عمار وزوجته بالعمل لدى الشركة أسابيع وشهور وراحا يجمعان المال ثم المال، وراحا يحلمان بجمع تلك الثروة التي ستحقق لهما أهدافهما وتنجز لهما غاياتهما. ذات يوم كان عمار عائداً وزوجته الى البيت ولما وصلا إكتشفا قبل أن يدخلا وجود لصوص كانوا قد إختفوا لكي لايراهم وماإن دخل عمار البيت حتى إنهالوا عليه بالضرب والإعتداء ولما حاولت زوجته أن تتصل بالشرطة قطع اللصوص أسلاك التلفون لمنعها من الإتصال بل قام أحد اللصوص بضرب زوجته حتى أغمي على الإثنين بينما هرب اللصوص محملين بما جاؤوا من اجله.
في اليوم التالي إستفاق عمار وقد وجد نفسه في حال يرثى لها، إنتبه لحاله وحال زوجته، تأمل قليلاً فتذكر ما جرى ليلة البارحة. حاول أن يتصل بالشركة ليشرح أسباب تأخره عن الدوام لكن محاولته باءت بالفشل حيث أسلاك الهاتف مقطوعة. نهض بسرعة والقلق والخوف باديان عليه، إرتدى ملابسه ثم خرج الى الشارع حاول أن يوقف أي شخصه لكي يساعده في إيصاله الى مركز الشرطة ولكن لاأحد كان مستعداً لتقديم المساعدة فأضطر أن يعتمد على نفسه في المشي والمشي طويلاً حتى وصل أبواب الشركة التي يعمل فيها.
أحبتي لما دخل عمار غرفة المدير لشرح حاله إستقبله المدير مقطب حاجبيه وبمجرد أن باح عمار بالحقيقة إندهش المدير وتعاطف معه ثم قال: عليك أن تبلغ الشرطة بذلك وإلا فحقك سوف يضيع.
وفعلاً توجه عمار الى الشرطة للإبلاغ عما جرى له وقد إتخذت الشرطة الإجراءات المناسبة وفرح عمار بذلك كثيراً. عاد الى البيت مبشراً زوجته فوجدها مستلقية على الكنبة واضعة يدها على جبينها. سألها مابك ياعزيزتي؟ قالت بعد أن ضربني اللصوص شعرت بدوار في رأسي فإتصلت بالإسعاف جاؤوا ولم يقصروا لكنهم اكدوا لي أنني ربما أصبت بإرتجاج في الرأس وعليّ مراجعة الطبيب المختص في أقرب وقت.
لم يتأخر عمار ولم يتردد في مرافقة زوجته الى الطبيب المختص. ولما أراد أن يضع في جيبه بعض النقود إكتشف أن اللصوص لم يبقيا قطعة نقود واحدة في البيت فقد سرقوا كل شيء، نعم ياأعزائي كل شيء!
نظر الى زوجته ونظر الى نفسه ونظرت اليه زوجته وقالت له: مابك يازوجي العزيز؟ هل تبحث عن شيء مفقود؟ هل أنت متردد في الذهاب الى الطبيب المختص؟ لم أراك واقفاً دون حراك؟ أرجوك قل لي ما بك؟ وبعد أن ظل ساكتاً لبعض الوقت، قال عمار: نعم يازوجتي أنا فعلاً أبحث، أبحث عن أشياء وليس شيئاً واحداً، لقد تبدد حلمي وحلمك، المال الذي جمعناه سرقه اللصوص، العمل الذي ظننا أنه سيحقق لنا أحلامنا بات سراباً، لقد صارحني اليوم المدير بالحقيقة، لقد قال إن العمل الذي نعمله في الشركة ليس عملاً كما تصورناه انا وأنت، إنه مجرد أداء بعض الأدوار الثانوية التي ربما تحذف او يقتطع منها بعض الأجزاء، هنا في أرض الغربة فقدت كل شيء وليس العمل وحده، فقدت اهلي وأصدقائي وإخوتي، فقدت مكانتي ومساندة المحبين لي. هنا لايوجد عطف ولاتوجد مساندة، الكل منشغل بنفسه والكل مشغول لأمور الشخصية فقط، لقد ضاع الحلم الذي كثيراً ما حلمنا به.
أيها الأخوة والأخوات مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. في هذه الحالة وبعد أن إستمعنا الى قصة عمار وفقدانه أمله وحلمه في أن يحقق أهدافه في الخارج نتوجه الى ضيفنا فضيلة الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان لسؤاله اولاً عما يجده الشرع الاسلامي بشأن النظرة الصحيحة للحياة وبناء المستقبل وعدم عقد آمال غير واقعية قد تضر بشخصيته، فلنستمع للإجابة.
عساف:هذه من المواطن التي تسبب مشاكل للفرد في الحياة وهناك بعض الشخصيات التي يمكن أن تكون متصفة بهذه الصفة وهم لاينظرون نظرة واقعية للحياة، وعندما اتحدث عن هذا الأمر اريد أن أشير الى أساس مهم جداً للأخوة المستمعين الذين لابد أن يعرفوا أن الحياة التي أوجدها الله سبحانه وتعالى وخلقها الله سبحانه وتعالى قد أوجد الخلق منذ الأساس على أساس الإبتلاء والإختبار لذلك لاأجد أي دين من الأديان السماوية او أي انسان يمكن أن ينظر نظرة صحيحة للحياة إلا ويجد فيها الإبتلاء ويجد فيها الإختبار ويجد فيها هذه القلاقل والمنغصات التي تكون سائدة في الحياة ومن هنا تكون نظرة الانسان للحياة بهذه النظرة أستطيع أن أقول نعم إنه يقع في هذه الأمور التي ذكرتموها وهي بشكل الأحلام الوردية او النظرة غير الواقعية للحياة ومن هنا ايضاً أريد أن أستشهد بالحديث الذي ورد أن الله سبحانه وتعالى يبتلي الأنبياء ويبتلي الأولياء ويبتلي الصالحين من عباده لذلك ورد في الحديث الشريف أن أكثر الناس إبتلاءاً الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل والأمثل فمن هنا اتوجه للأخوة المستمعين والأخوات المستمعات أن في كثيير من الأحيان مع أنهم يرون الحياة التي هي سائدة فيها هذه الإبتلاءات والإختبارات والمنغصات والمشاكل الحياتية المتعددة ومع ذلك لاينظرون نظرة صحيحة للحياة.
نبقى مع ضيفنا فضيلة الشيخ جعفر عساف وسؤالنا الثاني هو ماهو آثار التغرب والولوج في حياة لاتتناسب مع القيم الاسلامية؟ فلنستمع اليه
عساف: يمكن أن أذكر هذا الأمر وأقول إن هذه الأمور منطلقة ونافذة من إغترار الانسان بالحياة او عدم وجود وازع يعني أنا حسب المشاهدة وحسب ما أعلم هناك أناس ينظرون نظرة غير صحيحة للحياة ونظرة غير واقعية او ينظرون الى الحياة على أساس الطموحات الوردية كما سميتموها هم إما لاتجربة لهم لأن حقيقة لايشهدوا تجربة في الحياة وهذا ما نشهده كثيراً أن الأشخاص في بداية حياتهم خاصة المراهقين والمراهقات الذين كثيراً ما ينظرون هذه النظرة السطحية وغير الواقعية للحياة او الأحلام الوردية لذلك تكون طموحاتهم ليست على أساس ما يتحقق في الحياة ولهذا ينطلقون من عدم تجربة ومن إغترار بالحياة. وهناك ايضاً كما نشهد في الحياة أن هناك بعض الناس الذين ينظرون الى الحياة نظرة غير واقعية وسطحية لأنهم لايريدون أن يشغلوا انفسهم بمنغصات الحياة ومشاكل الحياة لذلك هم نتيجة تعلقهم بالدنيا والرغبة الشديدة في الحياة كثيراً ما يحاولوا أن يعيشوا طموحات وردية يعني هناك بعض الناس الذين يمتلكون المال الكثير ولم تكن لديهم هذه الروحية المتعلقة بالدين والآخرة مثلاً، هناك بعض الناس من المطربين او الفنانين وماالى ذلك او الفنانات الذين في كثير من الأحيان لاينظرون نظرة صحيحة للحياة لذلك يبتلون بهذه الأحلام الوردية. من هنا لما يقع الانسان او الشاب او الفتاة او الناس بشكل عام يقعون في هذه الأمور السطحية للحياة والأحلام الوردية لاشك أن هذا سيصدمهم نفسياً ويجعلهم أناساً قد يعانون من مشاكل نفسية لأنه بنى نظرته الحياتية على أساس أن الحياة فيها كما ذكرت أحلام وردية ولامشاكل فيها ولامنغصات ولاأتعاب لذلك هذا الانسان الذي يعيش بهذه النظرة وبهذه الطريقة يمكن أن يصطدم بكثير من المور التي يمكن أن تعقده أكثر فأكثر وتجعله انساناً بعيداً عن الحياة ومتشائماً من الحياة بينما الانسان الذي ينظر الى الحياة بنظرة واقعية قد يكون فرحاً فيها ويكون مسروراً وقد يعيش الحياة السعيدة فيها ولكن يبقى يجعل نافذة لوجود الإبتلاء ووجود الإختبار لأن هذه الحياة التي خلقها الله سبحانه وتعالى وأوجدها جعل فيها مايسر الانسان قليلاً ويسر الانسان ليس دائماً ولكن جعل فيها مايجعل الانسان يعيش الحياة وقلاقلها لذلك على الانسان أن يعيش الحياة بشكل مستقيم لايجعل لنفسه الأحلام الوردية والطموحات غير الواقعية ولكن يعيش ما بين هذين الأمرين كما أراد الله سبحانه وتعالى.
وبعد أن إستمعنا الى ماقاله سماحة الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان نتوجه الى الأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان ايضاً لسؤالها اولاً عن الإنعكاسات السلبية لبعض الأحلام الوردية وما يمكن أن يلحق بمن يبالغ في تحقيق أحلامه وطموحاته غير الواقعية او الإغتراب عن وطنه ومحل استقراره؟ فلنستمع اليها
الخنساء: هناك بعض الأشخاص يكون لديهم طموح غير طبيعي وغير عادي والطموح هو شيء موجود في البشر وهو نزعة موجودة في الانسان وهي نزعة طبيعية، أحياناً تكون هذه النزعة تخرج من إطارها وضروري لحياة البشر بأن يصور الانسان نفسه أن يرتقي في حياته ولكن اذا تخطى هذا الطموح الحد المطلوب يصبح خطراً على الانسان. يجب أن يقف على أرضية وينطلق منها الى طموحاته في الحياة وأن تكون هذه الطموحات معقولة ومنطقية وهناك من تأخذه طموحاته الى الدمار أحياناً والى مشاكل صعبة تؤدي به الى الهلاك أحياناً مع الأسف.
وأما سؤالنا الثاني الذي توجهنا به الى الأستاذة وداد الخنساء بماذا ننصح أصحاب الأحلام الوردية كي يتخلصوا منها ويعيشوا حياة طبيعية وواقعية؟ فلنستمع للإجابة معاً
الخنساء: أولاً أن يدرس الانسان ظروفه جيداً وهذا أهم شيء، عندما يدرس الانسان ظروفه ويقيم المعطيات الموجودة لديه ويقدر تحقيق جزءاً على الأقل من هذه الطموحات وليس كلها لأنها كما قلنا تهديه الى التهلكة، يقوم الانسان بمغامرة معينة، نفترض أنه يسافر من بلد الى بلد وليس لديه في البلد الآخر أي معرفة بشؤون هذه البلد وليس لديه حتى إمكانيات مادية لتحقيق وجوده هناك، أكيد سيضيع لأنه بحاجة الى إمكانيات مادية وإمكانيات معرفية للبلد الذي سوف يسافر اليه، تكون له دراسة مسبقة لكي لايؤدي به الموضوع الى الإفلاس، التشرد يعني لايمكن أن يكون الانسان في خطوة هوائية ويقول انا إتكلت على الله، الله سبحانه وتعالى يقول إتكل عليّ ولكن يجب أن يكون هذا الإتكال مع دراسة جيدة تؤمن ظروف طبيعية وعادية عندها يحقق الانسان طموحاته وتكون طموحاته ضمن معطيات ولايكون تصرف طائش يمكن أن يؤدي به الى ظرف لم يكن بالحسبان.
في ختام حلقة اليوم من برنامج من الواقع والذي إستمعتم اليه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران نشكر لضيفينا الكريمين فضيلة الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان والاستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان ايضاً حسن المشاركة كما نشكر لكم اعزائي المستمعين حسن الإستماع وحسن الإصغاء والى اللقاء.