خبراء البرنامج: السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي من المملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران حيث نقدم لحضراتكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم اعزائي المستمعين سنتطرق كما في الحلقات السابقة الى أحدى الحالات الاجتماعية السلبية التي تلازم البعض فتؤدي بتداعياتها ونتائجها الى الإخلال بطبيعة العلاقات السائدة سواء بين الأخوة او بين الأصدقاء او بين عامة الناس ممن تربطهم علاقات عمل او غير ذلك، هذه الحالة أيها الأحبة هي حالة عدم الأمانة ونحن نعلم كم أن ديننا الحنيف الاسلام قد أكد كثيراً على ضرورة أداء الأمانات الى أهلها وكم أكد على حجم العقوبات التي يفرضها الله سبحانه وتعالى على خائن الأمانة وعلى غرار الحلقات الماضية نستضيف في البرنامج خبيرين وهما سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي من المملكة العربية السعودية لكي يلقيا الضوء على هذه الحالة وأسباب نشوءها وكيفية التخلص منها، اذن نتابع الآن تفاصيل قصة اليوم ومن ثم سيكون لنا اللقاء الخاص مع ضيفي البرنامج فكونوا معنا.
أعزائي أبو رزاق رجل مسن كان يعمل أجيراً عند الحاج علي أحد التجار المعروفين في السوق. في يوم شاءت الأقدار أن يعبث البعض بمقدرات المواطنين ويهجر الحاج علي الى دولة أخرى تاركاً مدينته التي ولد وترعرع فيها سنين طويلة، ولما علم الحاج علي قبل أن يطاله التهجير القسري بعد أن شاع كثيراً بين التجار أمثاله ماجرى لبعضهم من مآسي وإعتداءات وماشابه، أبلغ عامله المسن أبو رزاق بأن يحافظ على ممتلكاته وأمواله الى حين بعد أن أسرع الحاج علي الى جمع مايمكن جمعه من تلك الأموال وتلك الممتلكات التي تمثلت في مبالغ نقدية ضخمة وبعض قطع الذهب والمجوهرات وبعض المقتنيات الأخرى وغيرها.
في البداية أقسم أبو رزاق في المحافظة على تلك الأموال والممتلكات التي باتت أمانة في عنقه حتى يحين الموعد لو شاء القدر أن يعيدها الى صاحبها الحاج علي او ربما يقرر القدر مرة اخرى أن يعود الحاج علي نفسه الى مدينته والى ثروته. فعلاً وفي صباح اليوم التالي طال الحاج أبو علي التهجير القسري الذي أطاح به ليكون بعيداً عن أهله وناسه وبعيداً عن ثروته وماله، في ذلك الحين كانت الظروف المعيشية التي يمر بها أبو رزاق هو وعائلته صعبة للغاية وغير ميسرة للغاية فساوره الشيطان أن يمد يده على ممتلكات صاحبه الحاج علي فأخذ شيئاً من تلك الأموال وراح يشتري لأولاده وزوجته فساد نوع من الفرح والسرور أرجاء البيت، إستساغ أبو رزاق ذلك العمل وراح يجرب مرة اخرى فعلته فأخذ شيئاً آخر من المال الذي إئتمنه عليه الحاج علي وإشترى هذه المرة ملابس جديدة وأثاثاً جديداً...لا بل إنه إستمع الى كلام زوجته ووساوسها بأن يشتري سيارة حالها كحال زوجات الحي الذي يسكنوه.
مرت شهور وأبو رزاق على ذات الحال يأخذ مايحتاجه من أموال الحاج علي دون أن يحاسبه ضميرة او يوبخه عقله على سوء أفعاله فالعملية في نظره سهلة وبسيطة جداً ففي بيته أموال كثيرة ومجوهرات ومصوغات ذهبية وهو في الوقت نفسه بأمس الحاجة لها فما عليه في هذه الحالة إلا ليمد يده ليسرق ويخون الأمانة التي إئتمنها عليه الحاج علي.
في يوم قالت له زوجته: ياعزيزي ياأبو رزاق إن صاحبك الحاج علي لم يعود، صدقني فهو الآن في بلد آخر والظروف الأمنية الحالية لاتسمح له بالعودة أبداً!
نظر اليها وقال: وماذا تريدين بالضبط يازوجتي ياعزيزة؟
قالت له: ألم تشاهد بيتنا وقد أكلته الرطوبة وطاله الخراب في كل أركانه وأرجاءه، أنظر الى أولادك فهم قد كبروا وقد أصبحوا بحاجة اليوم الى غرفتين على الأقل!
قال أبو رزاق: وماذا عساي أن أفعل؟
قالت له: المال موجود والأشياء الأخرى موجودة، نسكن نحن في بيت مؤقت بينما تقوم أنت بتهديم هذا البيت ومن ثم تعمل على بناءه من جديد، ها ماذا قلت؟
رقت الفكرة في بال أبو رزاق ووجدها فرصة جيدة بأن يسكن هو وعائلته في بيت جديد ودون أن يتردد ثانية واحدة أجاب زوجته وقال لها: سوف أحقق لك أمنيتك، سوف أبني البيت من جديد، سوف يقولون عنا في الحي إننا أغنياء.
ستة أشهر مضت حتى تحول بيت أبي رزاق العتيق الى قصر جميل يشع ويلمع بين بيوت الحي فقد بناه وفق المواصفات والطرازات الحديثة، لهذا إندهش أهالي الحي وراحوا ينهالون على أم رزاق بتقديم التهاني وإعلان إعجابهم بما قام به زوجها أبو رزاق التاجر الكبير.
نعم ياأعزائي لأن أم رزاق بالمقابل كانت قد أشاعت بين الناس بأن زوجها قد أصبح تاجراً كبيراً وقد أصبح يحصد أرباحاً وفيرة وأنه كذا وكذا ...حتى صدقوا أقوالها.
مرت الأيام ومرت السنون وبعد أن تغيرت أبو رزاق حاله تماماً وأصبح صاحب محل لتجارة الأقمشة لم يدر بباله أن يعود الحاج علي في يوم ما ولم يخطر بباله أن يطرق بابه شخصاً ولو من طرفه ليطالب بتلك الأموال وتلك الثروة التي اودعها عنده الحاج علي. وبينما هو جالس جلوس الباشوات ممسكاً بسماعة الهاتف يتكلم مع أحد الأشخاص واذا بالحاج نفسه علي يقف أمامه. كانت لحظة من اللحظات التي لم ينساها أبو رزاق طيلة حياته، كانت لحظة خارجة عن حساباته تماماً بل خارج تصوراته أن يعود ذات يوم الحاج علي ويقف أمامه. إندهش كثيراً وأصابه الذهول وعدم التركيز، مسح وجهه جيداً وفرك عينيه فوجد الحقيقة ماثلة امامه وانه لم يخطأ حينما شاهد صاحبه الحاج علي.
بادر الحاج علي بالسلام ورد عليه أبو رزاق دون أن يشعر بحاله ولايدري بماذا يرد، تلعثم، تردد كثيراً، نسي أن ينهض من مكانه ليعانق صاحبه الذي كان يوماً أستاذه في العمل ونسي أنه كان يعمل عنده أجيراً فقد حلت الطامة الكبرى ونزل العقاب الإلهي بحقه.
نعم ياأعزائي فالله سريع الحساب وها قد جاء اليوم الذي سيتم فيه السؤال والجواب، في الحال ودون أن يتأخر الحاج علي قال وبعد أن تبادل الطرفين التحية: جئت اليوم لأستعيد مالي وحلالي فقد صبرت كثيراً وأنا في البلاد البعيدة، صبرت حتى تمكنت الوصول الى هنا عبر عدة وسائل وطرق. نظر أبو رزاق الى الحاج علي نظرة شابها الخوف والهلع وأخذت دقات قلبه ترتجف بين أضلعه وقال لصاحبه: ألا تجلس قليلاً ياحاج؟ أرجوك أن تجلس حتى أقول لك الحقيقة !
تفاجئ الحاج علي من كلام أبي رزاق وقال: الحقيقة؟ وأية حقيقة؟ هل هناك خطر ما؟ هل هناك أمر خطير تريد أن تحدثني به؟
هزّ أبو رزاق رأسه ثم رفعه خجلاً خائفاً وقال للحاج علي: هل تريد مالك الآن؟ ألا يمكنك أن تمهلني بعض الوقت حتى أهيئه لك؟
تعجب الحاج علي ورد عليه بسرعة قائلاً: تهيئه لي؟ اين هو كي تهيئه لي؟ ألا تحتفظ به في مكانه أم أن الشيطان ساورك ولمست منه قليلاً؟ ها هيا قل الحقيقة!!! أليست هذه هي الحقيقة التي تريد قولها؟
تمتم أبو رزاق وقال: في الحقيقة إن الشيطان ساورني فعلاً، وأنا أعتذر منك ياحاج وأعدك أنني سوف أعيد كل مالك لك لكن الذي لاتعرفه أن الشيطان لم يساورني في بعض مالك بل ساورني في كله.
وقف الحاج علي منتصباً غاضباً وقال له: وهل هكذا يكون اداء الأمانة؟ أهكذا تكون أميناً على المال الذي أودعته عندك وقد كنت انا في أحلك الظروف وأشدها؟ ألم يكن الأحرى بك أن تحافظ على الأمانة التي تعود الى الشخص الذي عملت عنده سنين طويلة ووقف معك في كل مصائبك ومصاعبك؟
لم يستطع أبو رزاق أن يجيب. طبعاً اعزائي المستمعين لأنه عجز أبو رزاق عن الإجابة ولأنه ببساطة خان الأمانة ولم يحافظ عليها.
مستمعينا الأفاضل مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وبعد أن إستمعنا الى قصة اليوم توجهنا أيها الأحبة الى ضيفنا العزيز سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي عن اداء الأمانة وما جاء عن خائنها؟ فلنستمع معاً
الكشميري: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله آل الله
مسئلة الأمانة والتي تقابل بالخيانة هي مسئلة إهتم بها المشرع الاسلامي ونحن لما نستعرض ثقافة الاسلام نجد أن الثقل الأساسي الذي يضمن سلامة المجتمع ونجاح المجتمع وسعادة المجتمع هي الأمانة واحترام الأمانة وأداء الأمانة وبالمقابل ما حذرنا منه الشرع المقدس وهو يعتبر من اعظم الأوبئة فتكاً بالمجتمع هي مسئلة الخيانة واذا تفشت الخيانة في مجتمع فقد مصداقيته وفقدت الأسرة قيمتها وتشرذم المجتمع وتحول الولد الى عدو لأبيه والأخ يعادي أخاه والزوجة لاتقيم وزناً لزوجها والزوج لايحترم حقوق زوجته. لذلك الله سبحانه وتعالى نبه الانسان المسلم الى خطورة هذه الحالة "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين لأن يحملنها" او في مجال آخر "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها". لذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث له والحديث جداً مهم، قال صلى الله عليه وآله "لاتنظروا الى صلاة والرجل وصيامه فإن ذلك أمر قد تعود عليه ولكن أنظروا الى صدقه في الحديث واداءه الأمانة" يعني المحور الأساسي لنجاح الفرد وسلامة مضمونه هي هاتان الحالتان، أن يكون صادق اللهجة وأن يكون أميناً. نحن صدمنا بحالات مثلاً نشاهد صاحب مصنع له عشرة من العمال وكلهم يصلون وكلهم يصومون شهر رمضان ولكنه بفضل أصغرهم سناً وأقلهم شغلاً عنده، نسأله لماذا؟ يقول: إن هذا صادق وأمين. وهكذا الحال في مجالات اخرى، نجد بين صحابة رسول الله من فيهم يحمله النبي مسؤولية كبرى ولكنه دون الآخرين سناً ودون الآخرين أصالة وحينما يسأل الرسول صلى الله عليه وآله عن ذلك يكون جوابه بأن هذا أبلغ وأوفى في تأدية الأمانة. ندعو الله أن يوفق المسلمين دائماً التعاطي بالصدق والتعاطي بالأمانة وتجنب الخيانة، والله لو إلتزم المجتمع ۸۰% بالصدق والأمانة لايحتاجون الى مراكز الشرطة والى مراكز قضاء الى قضاة والى جمعيات لحل المنازعات. من هنا نركز دائماً وندعو انفسنا والآخرين بأن يلتزموا بهاتين الحالتين بالذات لأنه ضمان في سعادة الدنيا والآخرة ونجاح المجتمع وبالعكس تكون الخيانة والكذب الحطام الأساسي والوقود الأساسي الذي يحرق الأمة ويحولها الى شتات.
وبعد أن استمعنا الى ما قاله سماحة السيد حسن الكشميري نتوجه الآن الى الأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي من المملكة العربية السعودية لسؤاله عن الأسباب التي تدعو البعض الى عدم أداء الأمانة بل يلجأ هذا البعض الى الخيانة وعدم الإئتمان؟ وما عواقب ذلك إجتماعياً؟ فلنستمع معاً
العيد: بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية أعلق على القصة، إن مثل هذه القصة قصص كثيرة رويت وكتبت وحدثت في التاريخ وتحدث هذه الأيام ولانتوقع أنها ستنتهي مادام هناك انسان بشري دائم الخطأ يساعده ويغويه الشيطان الرجيم الذي يزين له الإغراءات المادية والنفس التي تبرر مثل هذه الخطوات. اذا أردنا أن نوسع المعنى فإن الخيانة لاتقتصرعلى الأمور المادية وإن كانت هي الأبرز والأوضح فالخيانة قد تكون للأخ المسلم سواء في ماله او عرضه او سمعته. واما أعظم الخيانات فهي خيانة الأمة عندما تأتمني في قضاء او في أمانات او أعراض او التبذير في مقدرات هذه الأمة فللإختصار نود أن نركز على هذه القضية فنشير الى المبررات التي يسوقها الانسان لنفسه هي واحدة من الأخطاء الكبيرة التي يقع الانسان فيها عندما يسمح لنفسه بخيانة أخيه وأمانة أخيه. وايضاً من ضمن الأمور التي يمكن أن تسلك الانسان الى هذا السبيل قد تكون الحاجة المادية الموجودة لديه او ضعف الوازع الديني الذي يمتلكه هذا الانسان فيؤدي الى عدم قوة وعدم ارادة في إرجاع هذه الأمانة لإصحابها. أما إنعكاساتها اجتماعياً فيمكن القول إن مثل هذه القصة تشير الى التخلي عن القيم الدينية مقابل القيم المادية والمصلحية أي علامة من علامات النفاق لأن من علامات المنافق أنه لايؤدي الأمانة لمن إئتمنه بينما الانسان المؤمن من علاماته هو يؤدي الأمانة، مثل هذه السلوكيات تفقد الثقة بين أفراد المجتمع بالتالي تؤدي الى ضعف البناء الاجتماعي وتسلط الأعداء عليها وتسلط أصحاب رؤوس الأموال على أبناء الأمة ومن ثم هناك مرحلة أخرى كبيرة تؤدي الى تفكك البناء الاجتماعي وهي تبدأ بسيطة وتنتهي كبيرة، تنتهي الى أن الناس لايستطيعون عمل جماعي لأن لاتكون ثقة ببعضهم البعض.
في ختام حلقة اليوم اعزائي المستمعين نشكر ضيفينا الكريمين سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي من المملكة العربية السعودية على حسن مشاركتهما كما نشكر لكم حسن الإصغاء الى برنامج من الواقع والذي قدمناه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، حتى الملتقى وقصة اخرى نستودعكم الله والسلام عليكم.