خبراء البرنامج: الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية والدكتور هاشم الحسيني الباحث الاجتماعي من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم أعزائي المستمعين الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لحضراتكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم أيها الأفاضل سنتطرق الى حالة بعض الأشخاص الذين يحبون ويتلذذون بممارسة الكذب والخداع مع الأخرين من أجل خداعهم او تضليلهم معرضيهم الى مواقف محرجة لاتصب في صالح وطبيعة العلاقة التي كانت يوماً من الأيام بين الطرفين جيدة لما ستؤول اليه هذه العلاقة من تطورات سيئة وتطورات احياناً لايحمد عقباها. إن هذه الحالة أيها الأحبة حالة غير جيدة تصيب البعض منا ولكن لها أسبابها وظروفها وتداعياتها ايضاً وعواقبها وبسبب هذه الأمور فضلنا وبعد أن نستمع الى قصة اليوم أن نستضيف خبيرين من خبراء البرنامج الكرام للتعليق والتوضيح حول هذا الموضوع وطرح الحلول المناسبة وإزداء الرأي والنصيحة للذين يتوهمون أنهم أذكياء وأنهم واعون أكثر من غيرهم في كسب العيش او الفوز في احدى ملذات الدنيا إن جاز القول. اعزائي المستمعين ضيفا حلقة اليوم العزيزان هما سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية والدكتور هاشم الحسيني الباحث الاجتماعي من لبنان وسيكون معهما كما إعتدنا لقاء لمناقشة الموضوع ولكن بعد الإستماع لقصة اليوم فكونوا معنا.
أحبتي الفاضل لؤي شاب في الثلاثين من العمر متزوج وله بنتان، زوجته امرأة مكافحة ومجاهدة تعمل منذ أن تزوجت به في مهنة الخياطة لأجل مساعدة لؤي في أمور البيت وأمور البنتين ومتطلباتهما لأن زوجها لم يكن قادراً على توفير هذه المتطلبات في كل وقت، لسبب بسيط ألا وهو أنه في أغلب الأحيان شاب عاطل عن العمل. تعود لؤي على أن لاينهض من نومه صباحاً إلا بعد أن تتجاوز الساعة العاشرة او الحادية عشرة بل أحياناً لاينهض إلا بعد أن تناديه زوجته لتناول طعام الغداء، وبمجرد أن يتناول طعامه يرتدي بسرعة ملابسه ويخرج من البيت ولايعود حتى المساء، وعند عودته يطالب زوجته بطعام لذيذ وطعام مختلف لكل يوم.
ذات يوم اتصل به إبن عمه حسن وطلب منه مساعدة معينة في إنجاز عمله فقال له لؤي على الفور: مساعدة؟ أنت ابن عمي ويجب عليّ أن أسارع في ذلك دون أي إرتماس منك، أرجوك يابن عمي، أنت تستحق أن اقف بجانبك في كل مناسبة وفي كل لحظة!
ملئت الفرحة قلب حسن بعد أن لمس روح المبادرة والتعاون وصلة الرحم التي أبداها له ابن عمه، فرحت زوجة حسن كذلك وقالت لزوجها: أحسدك على ابن عمك هذا، فقد أسعدني بحسن نيته!
لكن أعزائي المستمعين لم تكن نية لؤي هذه، النية الحقيقية فقد كان يبيت لإبن عمه مقلباً أراد من يحقق من وراءه لنفسه منفعة مادية ومنفعة شخصية دون أن يلتفت الى الأضرار التي سوف تلحق بإبن عمه حسن.
عند صباح اليوم التالي إلتقى لؤي وحسن وراح لؤي يلقي على إبن عمه التحية وكلمات المحبة والأخوة المستفيضة ولما شرح حسن أسباب مشكلته تعهد لؤي أن ينجز له عمله ويحقق له مراده فدفع حسن المبلغ لإبن عمه مقابل الإنتظار أن يرى ماسينجزه لؤي بعد يومين.
نعم أحبتي الأفاضل إنقضى يومان وإنقضت أربعة أيام بل أسبوع كامل ولم يتصل لؤي بحسن. وهنا قالت زوجة حسن: يا زوجي العزيز، لماذا لاتتصل أنت به؟ فربما هو في مأزق وربما هو في مصيبة وربما لم ينجز لك عملك لحد الآن وهو خجل في هذه الحالة!! حاول أن تتصل به انت.
تردد حسن في بادئ الأمر خجلاً من إبن عمه وفي النهاية قرر أن يتصل به. وفعلاً اتصل مرة ومرتين وعاد الاتصال ثلاثاً وأربعاً ولكن دون جدوى فلؤي لايرد!
إرتبك حسن وقال مع نفسه: يا إلهي لماذا لايرد إبن عمي على إتصالاتي؟ هل حدث خطر ما؟ هل جرى له مصاب؟ أم أنه متقصد في ذلك؟ أم يعني أنني وقعت في الفخ؟ أنا خائف فقد حذرني العديد منه وقالوا لي أنه مخادع لكنني لم أصدقهم! لكن في كل الأحوال يجب أن أنتظر أكثر فربما هو في مأزق او عمل خارج البلدة او .... ثم ردد يقول: الغائب عذره معه!
ولما عاد الى البيت وذكر لزوجته ما حصل قالت له بخوف وقلق شديدين: ماذا تقصد؟ هل يعني أن نقودنا قد خسرناها؟ وهل يعني أننا الآن في ورطة؟ لماذا فعل هذا ابن عمك؟ ألا يخشى الله؟ ألا يخشى على حالك؟ كيف ستتصرف الآن؟ حاول أن تتصل به من جديد فربما يرد عليك!
حاول أن يهدأ حسن من إنفعالات زوجته وقال لها: يا امرأة ربما هو مريض او مشغول لايستطيع أن يرد، ولكن أعدك أنني سأتصل به عند المساء لكي أطمئن وتطمأني أنت ايضاً.
فعلاً وعند المساء اتصل حسن بلؤي مرة اخرى وفي هذه المرة رد لؤي عليه، غمرت الفرحة قلب حسن وقال: أين كنت يابن عمي؟ لقد قلقت عليك كثيراً! لماذا لم ترد على اتصالاتي خلال الأسبوع الماضي؟
أجاب لؤي: لاتعرف يابن عمي، ياعزيزي لقد تعرضت لحادث خطير وأنا في الطريق اليك، لقد إصطدمت سيارتي بسيارة اخرى وقد فقدت الوعي على أثرها ولما أفقت وجدت نفسي في المستشفى والظاهر أن لصوصاً إستغلوا حالتي وسرقوا مني كل ما كان في جيبي أثناء الحادث! وراح لؤي يأن ويتوجع كذباً لكي يوهم ابن عمه بالمرض ولكن حسن بكل تأكيد لم يصدقه، ولكنه إستسلم لرواية ابن عمه وفوض أمره الى الله لأمه وقع ضحية لإبن عمه لؤي ومقالبه التي حذره منها كل الأصدقاء وكل الأقرباء!!
مستمعينا الكرام مازلتم تتابعون برنامج من الواقع من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران واستمعنا وإياكم الى قصة اليوم. بطبيعة الحال لم يكن العذر الذي قاله لؤي حقيقياً ولم يصدق حسن ايضاً عذر ابن عمه والنتيجة أن لؤي استطاع أن يخدع حسناً ويسقطه في الفخ بسبب الكذب والخداع اللذين يمارسهما مع الجميع، نعم أحبتي المستمعين مع الجميع !
هذه الحالة المرضية التي بات لؤي يمارسها مع الجميع من خلال محاولة زرع الثقة في نفوسهم وزيادة إطمئنانهم في البداية ومن ثم يعود لكي يحاول أن يضحك على الآخرين ولايقدم لهم أية مساعدة سوى الكلام المعسول والعبارات المؤثرة دفعنا هذا لأن نتوجه اعزاءنا المستمعين الى ضيف الحلقة سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية لسؤاله عما يراه الشرع الاسلامي بهذا الخصوص وكيف على المسلم أن يراعي اخاه المسلم أوقات المحن وأوقات الصعاب وكيف عليه أن يوفر له المساندة والمساعدة دون أن يتركه او دون لفّ او دوران؟ مع ضيفنا الكريم اعزاءنا المستمعين نستمع معاً
الحجاب: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين
عندما يستمع المجتمع الى هذه القصة التي هي من الواقع وهي من العم حسن مع ابن عمه لؤي يلاحظ مفاد هذه القصة وأن هذا الشخص المدعو لؤي، إستحال على ابن عمه بالكذب والخداع وأخذ منه المال بعنوان أنه سيساعده ويقدم له المساعدة. هذه الخلاصة التي يستطيع الانسان أن يلخصها من خلال هذه القصة الواقعية. عندما نأتي الى الدين الاسلامي، الى الشرع المبارك الذي رسمه الباري جلّ وعلا، أراد الله أن يهذب أمة الاسلام ويرتقي بهم الى أعلى درجة لأن يستطيع الانسان من خلال تعاليم الاسلام السامية العظيمة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وواصلها امير المؤمنين والأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، يهذب الانسان نفسه من خلال هذه التعاليم السامية. عندما نتأمل في هذه القصة الواقعية نلاحظ أن الانسان يواجه في حياته طريقين، الطريق الأول هو الطريق المستقيم وهو المطلوب والمبني على الصدق، المبني على احترام المواعيد، المبني على الإلتزام بالوعد والعهد، المبني على أسس مباركة وبالتالي لما وعد لؤي بأن يقدم لإبن عمه المساعدة فمن المفترض أن يلتزم بوعده والأموال عنده امانة والأمانة بشرط أن يقدم المساعدة ويقدم ما يحتاج له ابن عمه حسن. هذا لن يلتزم بذلك ولم يطبق أوامر الاسلام ولم يطبق تعاليم الاسلام السماوية فإستعمل الكذب وأخذ أموال لن يستحقها، أموال ليست له وهذه الأموال لم تكن فيها بركة وأخذها بالسرقة، ربما يتأذى منها، ربما شخص يسرقها منه وهذه نقطة مهمة. اذن الانسان أخذ الأموال بالكذب وبالأمور الملتوية ولايحسن الله فيها، تذهب، تطير ولايبقى منها شيء. ربما يشعر في بداية الأمر أن بيديه أموال، في خياله يفعل بها مايريد لكن بمجرد أن تقع بيديه تنتهي وتطير ولايعرف كيف طارت هذه الأموال، عكس الأموال التي تأتي بالصدق، بالجهد، بعرق الجبين والمثابرة، هذه الأموال ولو كانت قليلة الله يطرح فيها البركة لأنها من مصدر يرضي الله عزوجل، مصدر جاء عن طريق الصدق، عن طريق الاخلاص، عن طريق احترام الوعد، وهو يقدم هذه الأمور إبتغاء مرضاة الله عزوجل، يقدم المساعدة لأخيه المؤمن بالإضافة الى أننا عندما ننظر الى صورة الاسلام نظرة شاملة نلاحظ شيئاً مهماً هنا، وهو أن الله عزوجل حبب في نفوس المؤمنين مساعدة الناس، احترام الناس وتوفير احتياجات الناس إبتغاء مرضاة الله عزوجل. فالمدعو لؤي لو أنه ساعد ابن عمه حسن وقدم له مايريده ابتغاء مرضاة الله وأخذ على ذلك مقابل وهذا لايمنع اذا الانسان قدم فعل خير او قدم شيء ساعد فيه الآخرين لايمنع أن يأخذ مقابل ذلك، لكن يأخذ مقابل ذلك بما يؤديه من عمل. اما من خلال القصة لم يؤد له عمل بل استعمل الكذب، الخداع بلا شك لو سلطت الأضواء على المدعو لؤي ووجهنا له سؤال، وفي هذه القصة لم تسلط الأضواء بشكل عام لكن لو سلطت عليه الأضواء لابد أن الله عزوجل يعطيه العقوبة، عقوبة الكذب، عقوبة النفاق، عقوبة الخداع، عقوبة عدم مراعات حقوق الآخرين!
نقول للؤي وأمثال لؤي: أنت أخذت اموالاً بالكذب والخداع لماذا لاتتأمل معنا وهذه الأموال جلبها حسن بالتعب فلما ننظر الى الغير أنه تعب وبذل جهداً بلاشك. نسأل الله عزوجل أن يجعلنا من الذين يراعون حقوق الآخرين في كل شيء ويستخدمون الصدق في كل اعمالهم. إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.
وبعد أن إستمعنا الى ماقاله ضيفنا سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب نتوجه الان الى الدكتور هاشم الحسيني الباحث الاجتماعي من لبنان لسؤاله عن ميل البعض الى حالة اللف والدوران دون مراعاة لمشاعر الآخرين وماهي الدوافع وراء ذلك؟ وكيف علينا أن نوجههم الوجة الصحيحة ونرشدهم لما هو معقول؟ فلنستمع معاً
الحسيني: في الواقع هو في المطلق، اللف والدوران والكذب والخداع من الأمور المتفق عليها بأنها سيئة ولاأخلاقية في كل الشرائع والقوانين ومن يقدم عليها طبعاً هو شخص غير ملازم بالأخلاق وهو مستعد بأن يقدم على أي أمر من اجل الحصول على منافع شخصية او فوائد او أرباح وما الى ذلك، فمن حيث المبدأ هذه مسئلة مطلقة بأنها مسئلة سيئة. الآن لماذا يقدم الناس على مثل هذه الأمور؟ أحياناً يكون هذا الأمر ناتجاً عن حاجة ما وهو ملح على أن يستحصل على مبلغ من المال ويدعي أنه سيستخدمه في عملية ما كما هي حالة هذين الرجلين، الذي خدع الأول الثاني. طبعاً أحياناً تحصل امور بالصدفة، يكون المستدين حسن النية ويريد أن يفي بإلتزاماته وديونه وأحياناً يكون على علم مسبق بأنه لن يستطيع ولايريد أن يقوم بإلتزاماته تجاه الشخص الآخر كما يبدو من الأول أنه كان سيء النية منذ البداية وهو منذ البداية على هذه النية أن يتصرف على هذا النحو، هذا يعني أنه سيء النية وأنه ماكر وخبيث ومخادع. ومهما كانت حاجته الى المال لاينبغي للانسان أن يسمح لنفسه تجاوز الاعتبارات الاخلاقية، هذا على المستوى الفردي فقد قام بعمل سيء وهو على علم بأنه عمل سيء. الآن كيف تواجه هذه المسئلة؟ يجب أن لاتترك مثل هذه المسائل للعلاقات الشخصية وتقتصر على هذين الشخصين، الخادع والمخدوع بل من الواجب هنا أن يتدخل طرف ثالث لكي يحسم الأمر بينهما لكي يساعد على أن يفي هذا المخادع بإلتزاماته التي أخل بها. هنا يمكن أن يتدخل وسيط ثالث من العائلة بإعتبار أن هذين الرجلين قريبين او أن يلجأ الى القضاء وأن يدعي على ابن عمه او قريبه بأنه قد خدعه ويحسم القضاء هذه المسئلة. مثل هذه الأمور يجب أن لايفر المخادع من المحاسبة كان يقال غفر الله عما مضى وأنني أسامحه وكانت له ظروف خاصة لأنه اذا تصرف على هذا النحو يعني أنه سيعمد الى معاودة الكرة مرة اخرى لذلك لابد من محاسبته على هذا العمل. اذن مسئلة الخداع بشكل مطلق غير مقبولة ومرفوضة ويجب أن ينال المخادع جزاءه في جميع الحالات بشكل او آخر.
في ختام حلقة اليوم اعزائي المستمعين نشكر لضيفينا الكريمين سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من السعودية والدكتور هاشم الحسيني الباحث الاجتماعي من لبنان حسن المشاركة كما نشكرلكم حسن المتابعة لبرنامج من الواقع الذي قدمناه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم سالمين وفي امان الله.