خبراء البرنامج: الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي من السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان طابت أوقاتكم وأهلاً ومرحباً بكم نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لحضراتكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم أعزائي المستمعين سوف نتناول موضوعاً مهماً طالما أدت نتائجه وتداعياته الى الإضرار بصاحبه وتعريضه الى مواقف حرجة وصعبة بل وأحياناً الى مواقف خطيرة ربما لايحسد عليها، موضوع عدم الإعتماد على النفس موضوع يتفق عليه الغالبية. إنه يصيب بعض الشباب منذ طفولتهم وحتى مقتبل أعمارهم وبالأخص هؤلاء الشباب الذين يعيشون في كنف عوائل تحرص على توفير الراحة التامة لأولادها والسعي لعدم تعرضهم الى المشاكل لأن في ذلك الحفظ والأمان لهم حسب ظن تلك العوائل أي أنهم يمنعون الإبن مثلاً من أن يجرب حظه ولو مرة في خوض تجربة الإعتماد على النفس وفي توفير ما يحتاجه ولو بجزء بسيط منه. ولمعرفة تداعيات هذه المشكلة التي يتعرض لها البعض سوف نستضيف في حلقة اليوم خبيرين من خبراء البرنامج هما فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق وجعفر العيد الباحث الاجتماعي من السعودية لشرح وتوضيح هذه الحالة وكيفية معالجتها. اذن تابعونا أعزائي المستمعين للإستماع أولاً الى قصة اليوم ومن ثم سيكون لنا لقاء مع ضيفينا العزيزين فكونوا معنا.
أعزائي الكرام نشأ نادر في عائلة مترفة نوعاً ما، كان أبوه تاجراً معروفاً لذلك كان دائماً ما يوفر لإبنه كل ما يحتاجه من كتب ولوازم الدراسة الأخرى بأقصى سرعة ودون تأخير أما الأم فكانت تسعى بكل عزم وجد لأن تجعل نادراً مرتاحاً ولاينقصه شيء لا من ناحية الأكل ولا من ناحية الملبس ولا من نواحي عديدة أخرى. وكان واضحاً في البيت أن الأم كانت منحازة في توجيه دلالها لنادر أكثر من اخته وهذا ما كان يثير الأب بعض الوقت ويثير سهاد شقيقة نادر كل الأوقات. تعود نادر على هذا الوضع وصار لايقوى على ممارسة مهاراته او قابلياته في حياته وفي كل المجالات بسبب إعتماده على أمه وأبيه، فلما ينفد عنده دفتر او قلم او يكون بحاجة الى شراء قميص او يكون هناك جهاز كهربائي او غير كهربائي في البيت بحاجة الى تصليح او ما شابه يعجز نادر في كل هذه الحالات من القيام بما يستوجب القيام به إزاءها. وفي يوم كبر نادر وتخرج من الكلية وصار بحاجة لأن يعمل كباقي الشباب الذين بعمره، وهنا بطبيعة الحال رفضت الأم أن يبحث إبنها عن عمل وفكرت بدلاً من ذلك بتزويجه وراحت تصول وتجول بين أروقة المعارف والأصدقاء لتختار لإبنها الزوجة التي تعجبها وتروق لها، ذلك أن إبنها نادر إبن التاجر المعروف المدلل الوسيم، الطويل، الأنيق وغيرها من الصفات التي كانت الأم تتباهى بها أمام العائلات. وتزوج نادر وقرر أبوه إثر ذلك أن يمنحه بيتاً مناسباً من الممتلكات التي يملكها، وكانت البداية، إثنان في مقتبل العمر شاب وشابة لايعرفان من صعوبة وشظف العيش ولامشاكل الحياة اليومية ولاصعوباتها التي تواجه كل انسان أي شيء!
تعود حتى أيام زواجه كما في أيام صباه وشبابه أن يطلب نادر كل ما يحتاجه من امه او أبيه لذلك ظل على هذه الحال لأنه كان عاطلاً بدون عمل، جاهلاً لأمور الدنيا لأنه كان بدون تجربة، غافلاً عن أشياء كثيرة في تعاملاته مع الناس لأنه كان مدللاً كطفل رضيع في أحضان أمه لهذا فقد راح الأب يتأمل ويفكر في مستقبل ابنه كثيراً وهو التاجر الكبير العارف بأمور الدنيا ومفاصلها. لذلك عمد على الضغط على ابنه قبل فوات الأوان وفعلاً فقد توقف الأب عن توفير كل إحتياجات ابنه وأولها عدم إيداع المبالغ النقدية في حسابه في البنك، ولما إنتبه نادر الى نفاد المال من حسابه إتصل بأبيه طالباً وكالعادة بعض المال. ولما إمتنع الأب عن ذلك تفاجئ نادر وقال: ياأبي انا بحاجة الى المال فزوجتي مريضة ويجب أن أذهب بها الى الطبيب اليوم!
إعتذر الأب وقال له: كان يجب عليك أن تفكر بهذا الموضوع قبل نفاد نقودك. فكان هذا الدرس الأول الذي تعلمه نادر.
بعد أن عاد الى البيت مخذولاً جلس ليستريح قليلاً فإذا بزوجته تستقبله وتقول له: اين كنت يازوجي العزيز؟
قال لها: ذهبت الى البنك لسحب بعض النقود لكني فشلت في ذلك لأن أبي رفض هذه المرة إيداع أي مبلغ في حسابي!
قالت زوجته: وما العمل الآن؟ فأنا بحاجة الى النقود، يجب أن أذهب الى الطبيب عصر اليوم. ثم أني أريد الذهاب الى زيارة امي، هل تظن انني سأدخل بيتها دون أن أشتري لها شيئاً ولو بسيطاً؟
لم يجد نادر أي وسيلة لتوفير المال سوى أن يبيع شيئاً من البيت ففكر أن يبيع بعض ما يمتلكه من تحف وكماليات اخرى. وفعلاً حمل بعضها ووضعها في السيارة ولما أراد أن يدير محرك السيارة باءت محاولته بالفشل لأن محرك السيارة قد تعطل. نظر الى حاله وقال مع نفسه: يا لليوم النحس هذا اليوم! جئت لأبيع بعض الأشياء فتعطلت السيارة ايضاً. فإستوقف سيارة اجرة كانت قادمة من بعيد، وما إن إتفق مع السائق ووضع الأشياء في صندوق السيارة فإذا بصاحب التكسي يهرب بأشياء نادر ويتركه واقفاً مذهولاً لم يصدق ما يشاهده.
ظل صامتاً لفترة يتأمل حاله ومأساتها فكان هذا هو الدرس الثاني. ولما عاد الى البيت تسائلت منه زوجته ماذا فعل وماذا جلب لها؟
قال لزوجته: وماذا تظنين أنني جئت به؟ ألم تسمعي بسوء الطالع؟ أنا طالعي اليوم كان سيئاً !
قالت له زوجته: وكيف؟
ولما شرح لها ما جرى له تعجبت الزوجة وقالت: سوف أدلك على ابن عمي فهو صاحب محل ومعروف في المنطقة كثيراً، اذهب اليه فربما سنجد على يديه الحل ونخرج من الأزمة.
ذهب نادر اليه بناءاً على توصية زوجته، ولما إلتقى به قال له أبن العم: سوف أجرب قدرتك اليوم فإذا نجحت فسوف أوافق على أن تعمل معي هنا في هذا المحل. فرح نادر وأحس أن الفرج قادم وأن ابن العم هذا سيكون له المنقذ والمعين.
رحب ابن العم بنادر كثيراً وطلب منه على الفور أن يحمل بعض الأكياس ويذهب بها الى مكان ما فقال له: اسمع يانادر سوف أجرب كفاءتك معي وأختبر ذكاءك ونشاطك في العمل وإلا سوف لن أقبلك دون ذلك. وافق نادر وأبدى إستعداده كاملاً للعمل وقال: سوف أكون عند حسن ظنك، صدقني!
مر يوم ويومان وفي اليوم الثالث قال ابن العم لنادر ودون تردد: أنت لاتنفع أن تعمل معي هنا في المحل فأنت لاتمتلك مواصفات العامل الماهر، اعتذر منك ! وكان هذا الدرس الثالث لنادر.
نعم ياأصدقاء بعد أن ضاقت الدنيا في عين نادر وبعد أن وجد عجزه في توفير لقمة العيش لبيته أمامه واضحاً كوضوح الشمس قرر أن يبيع سيارته. وهنا إستوقفته زوجته وقالت له: الى متى ستبقى عاطلاً عن العمل؟ الى متى ستفكر في بيع أشياء المنزل وأشياءنا الخاصة؟ هل في هذا حل برأيك؟ لماذا لاتبحث في الحل الحقيقي الذي سوف ينقذك من مأزقك؟
لم يستمع نادر الى كلام زوجته بل خرج الى السوق كي يعرض سيارته للبيع عند معارض السيارات وبعد أن طالبه صاحب أحد المعارض بالأوراق الخاصة بالسيارة تذكر نادر أن الأوراق لاتعود اليه بل تعود الى أبيه وهو الذي إشتراها اليه وهو الذي سدد أقساطها الشهرية بمعنى أن نادر غير قادر على بيعها في كل الأحوال.
إنزعج نادر أكثر ووجد نفسه محاصراً من كل الجوانب ومن كل الأركان وإكتشف فجأة أنه عاجز عن توفير أي شيء وعاجز عن العمل في أي مكان.
مستمعينا الكرام مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع يأتيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. بعد أن إستمعتم الى قصة اليوم نتوجه الى أحد خبيري البرنامج العزيزين وهو فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي من الأساليب الصحيحة في تربية الأولاد وضرورة تعويدهم منذ الصغر على الإعتماد على النفس وماذا على الأم وكذلك الأب أن يراعوه في تنشأة الأبناء؟ وماذا عن توصية البناء أنفسهم؟ فلنستمع معاً
العقيلي: بسم الله الرحمن الرحيم في الحقيقة تربية الأبناء مما حث عليه الشارع المقدس وأعطاه أولوية لابأس بها ذلك لأن تربية الأبناء مسئلة مهمة جداً بإعتبار أن هؤلاء الأبناء هم الذي سيكونون قادة المستقبل وحماة الوطن والذين سيقودون تنوراته الفكرية والأخلاقية والاجتماعية والذي يسير في البلد نحو التقدم والإزدهار سواء كان هذا البلد وطناً وسواء كان البلد الذي نقصده هو البلاد الاسلامية. اذن الكثير من المسائل التي الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الطاهرين وصوا بهذا الجانب توصيات مهمة وكثيرة وكبيرة وعظيمة في هذا المجال. لعل يمكن في هذه العجالة أن نمر على هذه الأمور التي يمكن من خلالها العبور الى بر الأمان من حيث التربية والتنشأة الصحيحة. في البداية يقولون "إن للولد على والد ثلاثة حقوق، أن يحسن تسميته وأن يحسن تربيته وأن يزوجه" فيما اذا استطاع طبعاً. فمحل الشاهد هو التربية ، الموضوع الذي نتحدث عنه فتربية الطفل اولاً وبالذات تعتمد على جملة من الأشياء، تارة تكون عملية وتارة تكون لفظية. العملية ماهي؟ العملية هي كيفية رؤية وتأثر هذا الطفل وهذا الابن وتأثره بأعمال الوالدين بمعنى أنه يراهما يصليان، يراهما ملتزمان، يقولان قولاً حسناً، لايتجاوزان، لايغتبان... فيتأثر الطفل. على سبيل المثال حتى حين تناول الطعام الأب والأم يبتدان ببسم الله الرحمن الرحيم. هذا يعطي للطفل نقطة أساسية فيما اراد أن يتناول شيئاً يقول بسم الله الرحمن الرحيم. حديث مروي عن المعصوم "من كان له صبي فليطابا معه" يعني لينزل الى مستوى عقله وفكره، وبالمناسبة تنمية وتنشأة شخصية الطفل وإعتماده على قدراته وأن لاأجعله هيناً في هذا الوجود وأنه لاقيمة له، لأشاركه في بعض الأشياء والآراء التي يتخذ منها قرارات معينة لاسيما القرارات التي لنقل على مستوى عمره بمعنى أنه اذا اردنا ان نذهب الى مكان سين ومكان صاد وكانت نيتي أن أذهب الى المكان صاد فأشير الى هذا الطفل وأحبب له ذلك المكان ثم أذكر له هل تحب أن تذهب الى المكان سين او صاد؟ فحينما أقدم مقدمة وأحببه بهذا المكان فهذا اكيد أنه سيختار ذلك المكان ويعتقد بداخل نفسه أنه أنا إستشرته بمعنى انا إحترمت شخصيته وهيئت له الأسباب والسبل اللازمة لكي يكون مقتدراً ومحترماً لرأيه وشخصيته لأنه وإن كنا لانشعر بفكر الطفل وعقيليته إلا أنه بداخله شخصية وبداخله تفكير وبداخله تأثر حينما يتجاهل الآباء دوره وبالتالي ستضعف وتضمر لديه حالة الشعور بأن ممكن أن يكون مؤثراً وممكن أن يكون مرغوباً والخ.
كذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول "أوصيكم بالشباب خيراً فإنهم أرق أفئدة وأقرب الى الفطرة" الطفل ورقة بيضاء كيفما يشاء يكتب عليها الأب والأم فيتأثر بالفكر ويتأثر بالقول ويتأثر بالعمل يتأثر بكل ما من شأنه أن يجعله مواطناً صالحاً يفيد ويخدم البلد بأخلاقه وبعلمه وبتطوره وكل مجالات الحياة التي يريد أن يتطور بها.
وبعد أن إستمعنا أيها الأحبة الى ماقاله فضيلة الشيخ هادي العقيلي نتوجه الآن الى الضيف جعفر العيد الباحث الاجتماعي من السعودية لسؤاله عن التداعيات الاجتماعية الخطيرة وراء تربية من هذا النوع حيث تكرس صفة عدم الإعتماد على النفس خاصة لدى الشباب. وهل مافعله الأب صحيحاً ولماذا أخر إجراءه هذا الى ما بعد زواج إبنه؟
العيد: طبعاً بالنسبة الى القصة التي سمعناها آنفاً من المعروف أن هناك في الأسرة عمليات غير سوية في تربية الأطفال ومنها الدلال الزائد الذي من نتائجه الأنانية ومن نتائجه الإستحواذ على الأشياء لدى الطفل وقد تكون لها نتائج وخيمة في الكبر منها قد يعتمد الانسان على طرق ملتوية للحصول على المال او للحصول على الأشياء. ما فعله ولي أمر هذا الشخص أنه حاول إصلاح ما أخفق فيه في الطفولة وهنا واحدة من الأساليب تسمى الغمر والغمر ليس مناسباً في كل الأحوال، الغمر قد يغرق الانسان الذي قد لايعرف السباحة. اذا رميناه في البحر قد يغرق او قد يتعلم لذا كان من المفضل إستخدام الأسلوب التدريجي في الإعتماد على الذات، إستخدام فتح البصيرة بأن الانسان لابد أن يعتمد على نفسه وشيئاً فشيئاً وخصوصاً وأننا تأخرنا لكن لايعني أن نصدم هذا الانسان مرة واحدة وكما تعلمون الصدمات بالخصوص في الكبر ليست مناسبة ويمكن أن تؤدي الى تداعيات خطيرة منها أن يصاب الانسان بأمراض نفسية او قد يفكر بأساليب خارجة عن المألوف وخارجة عن الدين يمكن أن تؤدي الى إكتساب ما فقده من خلال الأسرة. يتوقع أن تكون التداعيات على نفسية هذا الفرد ويتوقع أن تعاني الأسرة من هذا الإجراء بأن الأسرة التي كانت في سهولة من العيش ويسر مرة واحدة ستفتقد هذا الموضوع وستكون في أزمة مع رب الأسرة الذي يعاني من هذا الوضع. وايضاً قد لايتفهم المجتمع هذه الخطوة وإن كان يرى رب الأسرة أنها صحيحة وأنها ضرورية ولكن قد لايتفهم المجتمع هذه الخطوة بالتالي مجموعة من التداعيات على الفرد نفسه وعلى الأسرة وعلى المجتمع لكننا كأبوين نبدأ من سن مبكر في تعليم الأولاد الإعتماد على النفس وحتى في الكتابة داخل المدرسة ومذاكرة الواجبات اليومية وشيئاً فشيئاً يتعلم الطفل الإعتماد على نفسه. الشراء من البقالة او الدكان يعني بشكل تدريجي يمكن أن نشرّب، الانسان الإجتماعي يدخل المجتمع شيئاً فشيئاً ويكون كائناً اجتماعياً وإلا لو تركناه في الصحراء او مع الحيوانات سيكون حيواناً مثل الحيوانات الأخرى. إيجاد الأشياء الى الأطفال وتوفيرها هذا ليس أسلوباً صحيحاً وحسب الدراسات المستفيضة في هذا الموضوع أن الطفل المدلل سيكون انانياً في المستقبل. الإعتماد على الذات بمفهومه الكبير يأخذ إجراءات كبيرة كأن نعلم الطفل الذهاب الى الحمام، كأن نعلم الطفل كيفية التعامل مع الأشياء، كأن نعلم الطفل احترام الأبوين، الإستئذان من الأبوين عند الدخول الى الغرف شيئاً فشيئاً ياشرب هذا الطفل، والطفل يتعلم من خلال القدوة عندما يرى والديه وإخوانه كيف يتصرفون يتعلم منهم.
في ختام حلقة اليوم نشكر لكم مستمعينا حسن الإستماع كما نشكر ضيفينا الكريمين فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي من السعودية على حسن المشاركة في برنامج من الواقع والذي قدمناه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، حتى الملتقى نستودعكم الله وفي امان الله.