خبراء البرنامج: الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان والدكتورة سلام بدر الدين المختصة في علم الاجتماع من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم اعزائي المستمعين في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لحضراتكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم اعزائي المستمعين سوف نتطرق الى موضوع مهم وحساس جداً يتعلق بطبيعة تربية الوالدين للأبناء فأحياناً ما نجد الوالدين سواء كانت الأم او الأب يقومون بالإفراط بمراقبة أبناءهم، اين ذهبوا؟ اين كانوا؟ مع من تكلموا ومن اتصل بهم؟ وهكذا. وهذا بدوره سوف ينعكس على نفسية الأبناء وبروز حالة من عدم الثقة وعدم الإرتياح ازاء هذا الوضع وبالتالي نلمس تداعيات خطيرة في المستقبل تنجم عن هذا التصرف من قبل الآباء ما يؤدي الى عواقب وخيمة لاتحمد عقباها، يكون ضحيتها بالدرجة الأولى هؤلاء الأبناء. في حلقة اليوم مستمعينا الأفاضل سوف نستضيف الضيفين الكريمين الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان والدكتورة سلام بدر الدين المختصة بعلم الاجتماع من لبنان ايضاً وذلك لإلقاء الضوء أكثر على هذا الموضوع وكيفية معالجته فتابعونا ولكن بعد هذا الفاصل.
أعزائي أمين هو الأخ الأكبر لثلاث أخوات هن وداد ومائدة وداليا الذين ولدوا وترعرعوا بين أحضان أم عرفت بحرصها الشديد وأب عرف بوسواسه وحرصه وقلقه الشديد ايضاً. منذ أيامهم الأولى أي منذ كانوا صغاراً كان امين وأخواته قد تعودوا على نظام حياتي معين في البيت لم يألفوا غيره أبداً لذلك فقد كان غريباً جداً حين يكتشفون وبعد زيارتهم لصديق او قريب أن هناك عادات يمارسها هؤلاء في بيوت آباءهم تختلف عما يمارسونه هم في بيتهم. هذه الغرابة ولدت لهم حساسية مفرطة ازاء ما باتوا يعيشونه في البيت على يد الأب والأم وماراحوا يلمسونه بشكل يكاد يكون يومياً خلال إحتكاكهم مع أقرانهم في المدرسة على وجه الخصوص فأمين طالب مجد في المدرسة وهو متميز بين أقرانه كثيراً لذلك كان يتمتع بشعبية قوية بينهم وكانوا على أثر ذلك يدعونه للخروج معهم بعد أوقات الدوام الرسمي للمدرسة او يدعونه ايضاً للعب معهم في الساحات المخصصة للعب ولكن لم تكن تأتي الرباح بما كانت تشتهيه سفن أمين حيث كان يواجه إزاء أي طلب ما او رجاء بالرفض الحاد والصارم من قبل الأبوين بأن لاتخرج ولاتلعب ولاتختلط ولا ولا ولا ... وهذا الرفض قد جعل في قلب أمين حسرة باتت تشكل اليه عقبة كبيرة. أما الأم في يوم دخلت على بناتها الثلاث فوجدتهن مجتمعات عند كتاب واحد يقرأن فيه. سألتهن وقالت: ما هذا الذي تقرأنه؟
أجابت وداد بشيء من القلق والخوف: إنه كتاب ياأمي!!
قالت الأم: أعلم أنه كتاب ولكني أسأل ما أسمه؟ وعن أي شيء يتحدث؟
وبمجرد أن الأم تعرفت على موضوع الكتاب حتى أخذته بالقوة من بناتها وراحت تمزقه ارباً ارباً!
قالت مائدة لأمها: ياامي إنه كتاب علمي جئنا به من مكتبة المدرسة وليس فيه شيء منافي او مخالف !
أجابتها الأم: أنا لاأفهم ما تقولين ولكني اعتقد أنه كتاب سيء ويسيء الى أخلاقك وأخلاق أخواتك !
حاولت مائدة أن توضح لأمها وأن تشرح لها موضوع الكتاب فقالت: ياأمي إنه كتاب يحكي عن طبيعة التحولات النفسية وغير النفسية التي تمر بها الفتاة عند سن البلوغ.
صرخت الأم وقالت: ماذا؟ سن البلوغ؟ إنها المرة الأخيرة التي أسمح بها أن يدخل بيتي كتاب كهذا، مفهوم؟
نعم أحبتي كان من عادة أبناء المحلة خاصة زملاء المدرسة أن يجتمعوا كل يوم جمعة للعب كرة القدم في الساحة التي تتوسط حديقة الحي وبطبيعة الحال فقد كان امين العنصر البارز في تشكيلة الفريق نظراً لشعبيته ولهذا فقد كان يعود متأخراً بعض الشيء للبيت أي حتى إكتمال اللعب. في أحد أيام الجمعة وبينما كان أمين عائداً بصحبة زملاءه ولما اوشك أن يصل البيت وجد من بعيد أباه عند الباب فعرف أنه سيتعرض للتوبيخ والإهانات والى وابل ثقيل من الكلمات غير اللائقة بحقه. إستسمح امين زملاءه لأن يعود وحده بسرعة وفعلاً لما وصل الباب راح أبوه يمارس طقوسه المعتادة بحقه التي أثرت فيه كثيراً فحاول أن يدخل البيت قبل أن يلتفت اليه زملاءه وينتبه الى ما يقوله له أبوه.
أعزائي الأفاضل إصرار الأم كما إصرار الأب على تشديد مراقبتهما للأبناء أثرت بشكل مباشر على امين وأخواته فبينما كان الأخ الأكبر مجتهداً ونشيطاً في المدرسة تحول بمرور الأيام الى طالب شارد الذهن لايقوى على تأدية الامتحانات بنجاح كما في السابق. أما البنات الثلاث فقد إعتكفن في البيت وأبين الخروج مع صديقاتهن لأن الخروج عادة كان يصاحبه توترات ومشادات كلامية بعد العودة من قبل الأم. ويوماً بعد يوم أصبن الأخوات بحالة من اليأس الخانق الذي أثر ايضاً على مستواهن الدراسي ومستوى علاقاتهن وطبيعتها مع البنات الأخريات سواء في المدرسة او في الحي.
مستمعينا الكرام ما زلتم تستمعون الى برنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. أيها الأخوة والأخوات بعد إستماعكم لهذه القصة التي تعبر عن واقع المجتمع الذي تعيشه بعض الأسر إرتئينا أن نستضيف في حلقة اليوم ضيفنا العزيز فضيلة الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان لسؤاله بداية عما جاء في الشرع الاسلامي في الإفراط في مراقبة الأبناء وماهو حكم الآباء والأمهات الذين لايدركون تطبيق هذه التربية بصورة معتدلة ووفقاً لتعاليم الشريعة فلنستمع اليه.
عساف: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
في هذه المشكلة التي استمعنا اليها أستطيع أن أعلق عليها ببعض النقاط التي يمكن أن تكون حلاً لما كان في هذه المشكلة وكما ذكرتم أن المشكلة الأساسية في هذا العرض هو الإفراط في مراقبة الأولاد. اتوجه للأبوين لأقول لابد من الأخذ واللحاظ في التربية وأن التربية والرعاية للأولاد إنما هي لمصالح الأولاد لذلك لابد للأبوين أن يعملا بطريقة تكون فيها مصلحة للأولاد ورعاية للأولاد لذلك أستطيع القول للأبوين الكريمين إن طبيعة الأولاد كما تعرفون هي تميل عادة الى عدم التقيد والتخلص من كل القيود التي يمكن أن تنشأ في المجتمع وعندما يأتي الأبوان ويفرضان على أبويهما هذه القيود الكثيرة جداً والإسراف في المراقبة بحيث يمكن في بعض المجتمعات او بعض الأهالي يدعون الى مراقبة الولد، ماذا يأكل؟ ماذا يشرب؟ كيف يلعب؟ ماذا يلعب؟ من الذي يزوره؟ من الذي يحكي معه؟ من الذي يصادقه؟ الإفراط في هذه الأمور قد تؤدي بالولد الى النفور والى الضغط الكبير وخاصة نحن نعرف أننا يمكن أن نستفيد من الحديث النبوي المشهور في كيفية تربية الأولاد أنه أتركه سبعاً يعني السبع الأولى من الولد لابد أن يترك فيها ولكن لايعني أن يهمل ولايمكن التعاطي معه بشيء وتربيته بشيء ولكن المقصود أتركه سبعاً يعني افسح له المجال ليعبر عن كل مكنوناته ومخزوناته الفكرية والنفسية والروحية والجسدية ليتفاعل مع كل ما يحيط به. على هذا الأساس انا اتوجه الى الوالدين أن أقول إنه لاتتركوا مراقبة أولادكم، أستطيع أن أقول إن الأبوان عندما يراقبان أولادهما بهذه الشدة وهذه الكثافة هما حريصان على أولادهما لذلك لانستطيع القول إنه أترك الولد ولاتراقبه ولكن أقول للأبوين إنه لابد لهما أن يقوما بالمراقبة وأن يقوما بمراعات الأولاد بشكل تام ولكن بطريقة ذكية. أقول للأبوين هناك طريقة ذكية يمكن من خلالها مراقبة الأولاد، ماذا يأكل؟ ماذا يشرب؟ ماذا يفعل؟ من يصادق؟ من الذي يأتي اليه؟ ماذا يحضرون على التلفزيون؟ وغير ذلك ولكن بطريقة مخفية لاتشعر الولد بحيث أن الولد مضغوط وأنه دائماً يراقب الى حد قد يؤدي به الى نوع من الهروب والنفور من الأبوين والتخفي عن كل ما يمكن أن يقوم به امام الأبوين. لذلك لاأستطيع القول أتركوا أولادكم ولاتراقبوهم ولاأستطيع القول راقبوهم هذه المراقبة التي تؤدي الى نفور الأولاد وقد ورد في الحديث الشريف "إن أولادكم قد خلقوا لزمان غير زمانكم فلا تقصروا اولادكم على زمانكم" كما هو مضمون الحديث الشريف. اذن لابد أن نراقب أولادنا ولكن بطريقة لايشعر فيها الولد بالضغط والنفور وهناك طرق متعددة يمكن من خلالها للأبوين أن يعرفا ماذا يحضروا على التلفزيون؟ من الذي يصادقهم؟ ماذا يأكلون؟ ماذا يشربون؟ ماذا يعملون؟ لكن بطريقة لاتشعر الولد أنه مراقب في كل حياته وكل أفعاله.
وبعد ان إستمعنا الى ضيف الحلقة الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان نتوجه الآن أيها الأحبة الى الدكتورة سلام بدر الدين المختصة في علم الاجتماع من لبنان لسؤالها عن تداعيات الإفراط في مراقبة الأبناء وماهي الآثار السلبية التي تنعكس على سلوكياتهم بعد ذلك وماهي النصائح التي ننصح بها الآباء والأمهات تجاه ذلك؟ فلنستمع اليها.
بدر الدين: في البداية يجب أن نعرف شخصية الطفل وأن يعرف كيف يتصرف وبماذا يتصرف وأن يعرف منذ الطفولة كل شيء ممنوع وكل شيء متكل فيه الى الأهل وهناك مراقبة شديدة وصارمة. لاأقول هنا يجب المراقبة، يجب المراقبة وبدقة ولكن من دون أن يشعر الطفل بذلك، من دون توجيه ملاحظات دائمة له. الإفراط في المراقبة منذ الولادة حتى سن العاشرة والثانية عشر يعني حتى تقريباً سن البلوغ وتخفيف هذه المراقبة حينما يبدأ سن المراهقة لأنه بحاجة أن يتخذ قرارات معينة بنفسه وأن يكون متكأ على نفسه في إتخاذ قرارات معينة من دون تدخل الأهل وأحياناً من دون معرفتهم فلا داعي أبداً أن يعرف الأهل مثلاً أسماء كل الأصدقاء وأن يتدخلون في صداقاته وأن يمنعوه من إتخاذ صداقات معينة، القرار له في إتخاذ هذه الصداقات ولكن مع التنبيه، إنتبه لفلان، جرّب فلان، مع من تستأنس أكثر؟ من مَن تستفيد أكثر؟ من أبواه مشهورين بالخط المستقيم والخ. الإفراط في مراقبة الولد تجعله يفقد ثقته بنفسه واستقلاليته وتحمله المسؤولية ولايكون قادراً على تحمل مسؤولية أي شيء فيما بعد لأنه لم يتخذ قراراً ويقع في خطأ ويتخذ قراراً آخر فيجب أن يتخذ القرار الخاطئ في المسائل البسيطة والوسطية كي يعرف نتائج إتخاذ القرار غير الصائب. أما مسئلة البنات فالذي تكلمتم عنه والذي ترويه الرواية لايجوز مطلقاً منع هذا الكتاب الذي أتى من مكتبة المدرسة لأنه يعين هذه الفتاة على معرفة تغيرات جسدها في مرحلة معينة وتغييرات نفسيتها مع تغييرات هذا الجسد لأن المسئلة الجسدية مسئلة مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالمسئلة النفسية وتحديداً مسئلة الهورمونات عند الفتاة وتغير الهورمونات في جسدها وأثرها على نفسيتها وطبعها وتصرفاتها. ونحن اليوم نعيش في مجتمع اسلامي يساعد كثيراً في تربيتنا على وضع الفتاة لديها صرة معينة او حقيبة معينة من قيمها الذاتية النابعة من نفسيتها وتربيتها والمجتمع ككل تردعها عن القيام بما لايجب القيام به. أما هذا الذي رويته هو تعلق مرضي بالأولاد ومراقبتهم وأنا في رأيي هذا يعني عقدة مرضية هي حب التملك للأولاد ويعتبرون الأطفال جزءاً من ملكيتهم ويحرصون عليه يعني هذا الإفراط المرضي يطال جميع ما يملكونه، هم يتصورون أن الأولاد هم كوسيلة في البيت مثل المدفأة، مثل البراد، مثل الأرض، مثل السيارة وهذا الوسواس يسري على كل هذه المسائل. اذن هذه مسئلة خاطئة تضرب شخصية الأولاد وأحياناً تطال الناحية الجسدية وليس فقط الناحية النفسية. حينما يمضي الولد كل الوقت في المراقبة ينطوي على ذاته ولايعود يمارس الرياضة او الخروج مع أصحابه او الترويح عن النفس وهذا ينعكس على الجسد يعني يصبح هناك مرض معين ربما في الأعصاب، ربما في حركاته، يورث عنده الضعف. اذن النصيحة التي تطلبها في موجز بسيط هو مراقبة الأولاد في جميع المراحل ولكن من دون أن يشعر الأولاد بذلك فنتركهم أن يتخذوا قرارات على الأقل بالنسبة لكتاب أحضروه معهم من المدرسة او بالنسبة للأصدقاء الذين يجب أن يحضرونهم، مع التنبيه الدائم وعدم التدخل في جميع التفاصيل. الى أين تذهب؟ من تصادق؟ من تعاشر؟ هذا ممنوع، هذا غير مفيد، يعني هذا ليس معقولاً ! يجب مراقبةالأولاد كل الوقت وبنسب معينة حسب مراحل العمر ولكن لاندع الأولاد يشعرون بأنهم مراقبين مقيدين الى هذا الحد وإلا النتيجة هي اولاد فاقدي الثقة بأنفسهم، شخصيتهم مضروبه ولديهم عقد معينة، غير قادرين على إتخاذ القرار.
في ختام حلقة اليوم أعزائي المستمعين نشكر ضيفينا العزيزين فضيلة الشيخ جعفر عساف الباحث الاسلامي من لبنان والدكتورة سلام بدر الدين المختصة في علم الاجتماع من لبنان ايضاً على حسن مشاركتهما كما نشكر لكم حسن إستماعكم الى برنامج من الواقع الذي قدمناه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم سالمين وفي أمان الله.