خبراء البرنامج: الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان طابت اوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. نرحب بكم من جديد في برنامج من الواقع الذي نقدمه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. موضوع حلقتنا لهذا اليوم أيها الأخوة والأخوات سيكون عن احدى الحالات الاجتماعية التي عادة ما يمارسها الشباب سواء في المدرسة او في الحي او في البيت والتي تؤدي أغلب الأحيان الى أن تسوء العلاقة بين الأصدقاء او بين الأخوة والأخوات، هذه الحالة هي حالة المزاح المفرط التي ينجم عنها عادة تداعيات وعواقب ومشاكل تنعكس على الطرفين وتصل بهما الى ما يحمد عقباه. في حلقة اليوم ولكي نسلط الضوء أكثر على تبعات هذه الحالة وماهي النصائح التي تنفع لكي يترك هؤلاء البعض مزاحهم المفرط والمتواصل مع الأصدقاء او غير الأصدقاء سوف نستضيف ضيفين عزيزين من ضيوف البرنامج وهما سماحة الشيخ هادي اليعقوبي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان فتابعونا.
أعزائي ليث وحميد وفاضل أصدقاء في مدرسة واحدة، جمعتهم علاقة وطيدة. فاضل كان مجداً في المدرسة وكان ايضاً ينال أعلى الدرجات كذلك حميد الذي كان هو الآخر طالباً مجداً ونشيطاً أما ليث فبالرغم من إجتهاده لدرجة ما في دروسه لكنه كان يفشل في أداء بعض الامتحانات بنجاح خلال السنة والسبب يعود الى مزاحه المفرط وعدم اهتمامه بشكل حقيقي وجدي في المدرسة فأثناء الحصص الدراسية وبينما يكون الأستاذ عادة منشغلاً بشرح الدرس على السبورة يقوم ليث برمي زملاءه ببعض الأوراق المكورة والمجعدة من بعيد او يرميهم ببعض القطع الصغيرة من الطباشير، ولما كان الأستاذة يلتفت بعد إتمامه الشرح يرى وقد غصت القاعة بإبتسامات الطلاب او ضحكاتهم الخفيفة فيعرف أن ليث هو السبب وراء هذا. وعند الخروج مثلاً من المدرسة بعد إنتهاء الدوام الرسمي يحاول ليث أن يعبر بشكل مفاجئ من الأماكن غير المخصصة للعبور فيربك بذلك السيارات المارة ويتسبب ببعض المخاطر لها، ولما يكون قد عبر الى الجانب الآخر يأخذ بالضحك الكثير وتأخذه حالات الفخر والبهجة بين زملاءه الذين يقومون يتوجيه اللوم الشديد له. في احدى المرات وبعد أن دخل عليهم أستاذ اللغة العربية وكان الأستاذ ضريراً إستغل ليث وكالعادة حالة الأستاذ بأن يتنقل من كرسي الى كرسي آخر ويتشاور او يتحاور مع زملاءه في الصف دون حياء او خجل من وجود الأستاذ الذي لم يكن يشعر بذلك بطبيعة الحال. وفجأة لما دخل مدير المدرسة وجد حالة الفوضى التي احدثها ليث فطلب منه الحضور الى غرفته الخاصة لتوبيخه، وفعلاً فقد وبخ المدير ليثاً كثيراً وحذره من تكرار هذا مستقبلاً وإلا سوف يقوم مجبراً بفصله لمدة أسبوع وهذا يعني فشله في كامل الدروس المقررة بمعنى رسوبه للعام الدراسي الحالي، لذلك وعد ليث المدير بأنه سيعدل من تصرفاته ومن اخلاقه وعلاقاته في الصف وأن لايمارس مزاحه الكثير حتى خارج المدرسة، ماجعل المدير يصدق كلامه ويصفح عنه هذه المرة ايضاً.
في أحد الصباحات وبينما كان ليث متوجهاً الى المدرسة صادف صديقه حميد فقط أي دون صديقيهما الآخر فاضل، سأل حميد وقال له: لاأرى فاضل معك؟ هل ذهب لوحده الى المدرسة اليوم؟ أم لايزال في البيت لم يتهئ بعد للذهاب؟
أجابه حميد وقال: ههههه لا فإن فاضل مريض هذا اليوم وأعتقد أنه سيرقد في البيت يومين او أكثر حتى يشفى!
لم يعر ليث أهمية حقيقية للأمر بل راح يكمل طريقه مع حميد بالأحاديث المعتادة التي يتحدث بها يومياً حتى وصلا المدرسة. وعند الحصة الخامسة والأخيرة نبه أستاذ مادة الفيزياء الطلاب بأن يتحضروا بعد يومين لأداء امتحان شهري في الفصلين الثالث والرابع. ولم يفت الأستاذ أن يوجه إنتباهه ايضاً الى ليث وحميد بأن يبلغا زميلهما فاضل بذلك. وفعلاً بعد أن مضت دقائق الحصة الأخيرة وخرج الطلاب من المدرسة قرر ليث وحميد أن يتوجها الى بيت فاضل لإبلاغه بما قرره أستاذ مادة الفيزياء، وفي الطريق خطر ببال ليث أن يجرب مزاحه مرة اخرى مع زميله فاضل فقال لحميد: اذا كنت تريد الذهاب الى البيت فإذهب اما أنا فسوف أذهب الى بيت فاضل لأبلغه بالأمر وبعد ذلك سأتوجه الى محل أبي في آخر الشارع!
صدق حميد ما قال له ليث ولم يتذكر بأنه يحب المزاح فوافق على إقتراح صاحبه وتركه يذهب لوحده ولما وصل ليث الى بيت فاضل وطرق الباب خرج اليه فاضل وقد بان عليه التعب قليلاً من المرض فقال له ليث: كيف حالك؟
قال فاضل: الحمد لله، أفضل من يوم امس وأنت. قل لي ماهي أخبار المدرسة؟
قال له ليث: لقد سأل عنك كل الزملاء وقد أوصاني أن أبلغك سلامهم جميعاً.
شكر فاضل صديقه ليث على ذلك ثم قال له ليث بسرعة: آه لقد تذكرت لقد طلب منا أستاذ مادة الفيزياء اليوم أن نتهيء لأداء امتحان شهري بعد غد.
قال له فاضل: امتحان؟ حسناً حسناً سوف أبدأ بالقراءة منذ اليوم ولكن ماهو الفصل الذي يجب قراءته؟
وهنا كذب ليث على فاضل وقال له: سوف يكون الامتحان في الفصل الثاني مرة اخرى فقط.
لم يعلق فاضل على ذلك أبداً بل شكر زميله على إبلاغه سلام الأصدقاء وعلى إبلاغه ايضاً بموعد الامتحان وماهو المقرر قراءته.
عاد ليث الى البيت بينما دخل فاضل ليبدأ القراءة إستعداداً للإمتحان وبعد يومين ولما شعر بتحسن في صحته وبعد أن كان قد إستعد للإمتحان جيداً توجه فاضل الى المدرسة فإستقبله زملاءه بالسؤال عن صحته وعبروا له عن إشتياقهم له، كان ليث يراقب الوضع من بعيد وهو يضحك ويهزأ بإنتظار ما ستسفر عنه الساعة القادمة موعد الامتحان. وفعلاً لما حان موعد حصة مادة الفيزياء دخل الأستاذ الصف ومباشرة وبدون تأخير قام بتوزيع اوراق الأسئلة على الطلبة وعندما باشر فاضل بقراءتها، نهض من مكانه مبهوتاً مفزوعاً لايعرف كيف يفسر للأستاذ الخطأ او الإلتباس الذي وقع فيه.
قال له أستاذ المادة: ماذا بك يافاضل؟ هل هناك خطأ ما؟
وبإرتباك وقلق واضحين قال فاضل: ياأستاذ هذه الأسئلة لاتخص الفصل الثاني من الكتاب، إنها وكما اعتقد تخص الفصلين الثالث والرابع؟
وهنا سأله الأستاذ قائلاً: هل من الممكن أن توضح لي يافاضل ودون إرتباك؟
فقال له: ياأستاذ أنا لما كنت مريضاً في البيت جاءني ليث وقال لي بأن الامتحان سوف يكون في الفصل الثاني فقط.
نظر الأستاذ كما نظر بقية الطلاب الى ليث نظرة إشمئزاز شديدة للفخ الذي أوقع به صديقهم فاضل. شعر ليث حينها أنه ارتكب جرماً كبيراً بحق زميله فاضل ولما حاول الأستاذ أن يتبين منه سبب فعلته هذه، قال ليث: والله ياأستاذ أنا مافعلت ذلك مع صاحبي فاضل إلا من باب المزاح !!!
مستمعينا الكرام ما زلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. اذن وبعد أن استمعنا الى قصة اليوم نتوجه الى سماحة الشيخ هادي اليعقوبي الباحث الاسلامي من العراق لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي عن مساوئ المزاح وتأثيره على طبيعة العلاقات بين الأخوة المسلمين فلنستمع اليه.
اليعقوبي: بسم الله الرحمن الرحيم المزاح الكثير مما نهى عنه الشارع المقدس ووردت الكثير من الروايات عن المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكذلك وردت آيات قرآنية كثيرة محفزة بأن يكون الانسان جاداً في حياته وفي علاقاته الاجتماعية حتى لايقع في محاذير كثيرة. من ضمن ذلك ماورد عن المعصومين قول امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه "أن المزاح يذهب ببهاء الوجه وبهيبة الانسان" ما يعني أن الانسان يفقد جزءاً هاماً من شخصيته ومن تركيبته ومن علاقاته الاجتماعية. ومنها ايضاً أن المزاح احياناً يتحول الى مشادات كثيرة ويفقد الانسان علاقاته الاجتماعية وعلاقاته الانسانية وربما يتحول الى مشاجرة والى مآخذ كثيرة في شخصيته وفي علاقاته مع الآخرين. لذلك على الانسان أن يكون حريصاً على أن يوفر مقداراً ممكناً مما يمكن أن لايكون فظاً وأن يكون بين هذين الأمرين "لاتكون ليناً فتعصر او تكون يابساً فتكسر". وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن ضحكته كانت الابتسامة فهذا يعني أن الانسان يجب أن يكون سهلاً ليناً هيناً، هشاً بشاً وإنما لايكون كثير المزاح وكثير الرضا والكثير من هذه الأمور التي تذهب ببهاءه وهيبته. البرامج الدنيوية سواء كانت الحياتية او المجتمعية او كانت الاذاعية او التي كانت ترفض من خلال المجالس او الكثير من الأمور التي تبعد الانسان عن الهدف الحقيقي الذي رسمه الله سبحانه وتعالى له. لذلك نلاحظ مثلاً يعمد الانسان الى تكوين صداقات معينة سواء كانوا نساءاً او رجالاً يعمدون الى تكوين صداقات معينة والى علاقات معينة مثلاً أن يجلسوا في الطرقات او المقاهي العامة او مقاهي الأنترنت ويأخذون من أوقاتهم ساعات طويلة وتتحول هذه الساعات الى ساعات من اللعب واللهو والمزاح والضحك والكثير من الأمور التي تنطلق من خلالها وتنطبق عليها مفاسد كثيرة احرمة الوقت الذي أوجده الله سبحانه وتعالى ونحن نعلم أن الوقت الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى هو هذا العمر فإذا كان حوّل عمره الى مزاح والى عدم استفادة وعدم جدوى في ثقافته وعلاقته وأقصد علاقاته الاجتماعية او الأسرية وكذلك عطاءه الذي يفترض أن يكون متنوعاً وكما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "اذا مات الانسان إنقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء وهذه الأشياء الثلاثة تعطي الانسان عمراً جداً غير العمر الذي كان قد وهبه الله سبحانه وتعالى" والدليل على هذا الى يومنا هذا تقريباً بعد ألف سنة او بعد سبعمئة سنة الى يومنا هذا ندرس كتب العلامة الحلي وكتب الشيخ الطوسي وكتب العلماء الأعلام مما يعني أنهم أضافوا الى عمرهم عمراً يفتخرون به ونفتخر به جميعاً.
وبعد أن إستمعنا الى ما قاله سماحة الشيخ هادي اليعقوبي نتوجه الآن أيها الأحبة الى الأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان لسؤالها عن أسباب المزاح الكثير وجهل البعض لعواقبه ونتائجه السلبية وكيف علينا معالجة ذلك؟ فلنتابع معاً
الخنساء: السلام عليكم. المزاح شيء لطيف وممكن أن يبعث على الفرح في قلوب الناس ويقرب النفوس من بعضها ولكن في بعض الأحيان اذا كان هذا المزاح خرج عن حده الطبيعي وأستعمل فيه كلمات نابية بقصد المزاح او أي تصرف خاطئ بقصد المزاح يكون قد يجرح الاخرين ويسيء لهم دون قصد او بدون أن يكون على علم أن هذا الموضوع يجرح الآخرين لذلك يجب على الانسان أن لايخرج عن حدوده لكي يراعي مشاعر الآخرين ولكي يلتفت أن هذا المزاح فيه أمور نابية او جارحة او مؤذية لمشاعر الأخر. ويجب أن يراعي الانسان الحدود الشرعية فأحياناً يتلفظ الانسان كلمات تخرج عن حدود الدين والأدب والأخلاق وهذه الألفاظ بالتأكيد ستكون مؤذية للآخر حتى اذا كان هو يهدف الى المزاح والضحك والتسلية مع الآخرين. يجب على الانسان أن يلتزم بهذه الحدود ويلتزم بالحدود الدينية والشرعية والآداب العامة. المزاح طبعاً يكون بين الأصدقاء وأحياناً يكون الانسان طبعه متطفل ويمزح مع كل الأشخاص دون معرفته بهم فهناك من يتحمل هذا النوع من المزاح من ناس غير مقربين وهناك من الناس من لايتحمل وهذا يحس أن شخصيته ضعيفة او أنه غير مرغوب فيه اذا كان متطفلاً في هذا الواقع.
في ختام حلقة اليوم اعزائي المستمعين نتوجه بالشكر الجزيل الى ضيفي الحلقة العزيزين سماحة الشيخ هادي اليعقوبي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان على حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن الإستماع لبرنامج من الواقع الذي قدمناه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم سالمين وفي أمان الله.