خبراء البرنامج: الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والدكتورة اميرة برغل الباحثة الاجتماعية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان طابت اوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أهلاً وسهلاً بكم في برنامج من الواقع الذي نقدمه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. حلقة اليوم اعزائي تعنى باليتيم ، واليتيم من حُرم من أشياء كثيرة أولها حنان الأبوة او الأمومة او كليهما لذا خصه الله سبحانه وتعالى في كلامه المجيد يحث الانسان المسلم على تقديم العون والمساعدة وتقديم الممكن ليتيم الأب او الأم على أمل تكفير هذا الانسان عن سيئاته او ذنوبه. ولكن ما بالك عزيزي المستمع لو وجدنا مع الأسف الشديد البعض من يأبى الإذعان الى آيات الله والإمتثال لأوامره جلّ وعلا فلا يقومون بواجباتهم الضرورية تجاه الأيتام ولايوفرون لهم البدائل التي ربما تعوضهم عما فقدوه. في حلقة اليوم مستمعينا الأفاضل ولكي نستوضح اكثر بشأن اليتيم وكيفية معاملته بشكل يرضي الله ويرضي الضمير سيكون لنا لقاء على الهواء مع ضيفين من ضيوف البرنامج وهما فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والدكتورة اميرة برغل الباحثة الاجتماعية من لبنان. فكونوا معنا
أعزائي الأفاضل أكرم هو الطفل الوحيد الذي نجا من الحادث الأليم الذي ألمّ بعائلته وفقد على أثره أمه وأباه واخته وأخاه. وقد شاءت رحمة ربه لكي ينتقل الى بيت خاله للعيش معه ومع اولاده ومع زوجة خاله سميرة.
سميرة زوجة الخال كانت شديدة الطباع، حريصة جداً وبخيلة لذلك فقد أحس أكرم منذ الأيام الأولى بالفرق الشاسع عندما كان يعيش في أحضان أمه والعيش في بيت خاله، إلا أن هذا الحرص والطباع التي تعودت على إتباعها زوجة الخال مع اولادها كان أشد وطأ وأشد تنفيذاً على أكرم. ويوماً بعد يوم بدأ أكرم يشعر بأنه غريب وكأنه غير مسموح له أغلب الأحيان بأن يختلط مع اولاد خاله او يشاركهم في اللعب مثلاً او أي شيء آخر، لذلك فقد كان احياناً كثيرة يجهش بالبكاء لوحده خاصة بعدما كانت زوجة خاله تطلب منه أن يترك اللعب مع اولادها مثلاً ويذهب ليشتري لها شيئاً من السوق او أن يقوم بمساعدتها في تنظيف شيء او ما شابه من اعمال المنزل.
في يوم ما نادت سميرة على اولادها وكانت تحمل بيدها مجموعة من الملابس الجديدة التي اشتراها لهم أبوهم وقالت لهم: هيا بسرعة، تعالوا وشاهدوا ماذا اشترى لكم أبوكم، أحمد هذا السروال لك، فاضل وهذا البلوز لك، أما أنت يانادر فهذا الجاكيت الجميل لك!
فرح الأولاد كثيراً بالملابس الجديدة وراحوا يجربونها على أمل أن يرتدوها يوم غد بينما وقف اكرم من بعيد يراقب الموقف بكل ألم وحسرة، فقد كان متيقناً أن زوجة خاله سوف لاتعطيه شيئاً أبداً. وخطوة بعد خطوة الى الوراء إختفى عن الأنظار حتى صار قرب الغرفة التي تعود أن ينام فيها وأخذ بالبكاء والبكاء حتى غلبه النعاس ونام حتى الفجر.
طبعاً لم يلاحظ احد ما أصاب أكرم ولم ينتبه له أحد أنه لم يفز بملبس جديد أسوة بهم فقد كان الأولاد فرحين بحالهم لأنهم هم أيضاً قد تعودوا أن يكون اكرم خادماً مطيعاً في البيت، لايمكن أن يتمتع بما يتمتعون ولايمكن أن ينال ما ينالون.
نعم أحبتي الأفاضل واصل أكرم عناءه في بيت خاله ورغم كل معاناته أتم العام الدراسي وبعد نتائج الامتحانات فرح كثيراً بنجاحه في هذه السنة فذهب الى البيت مسرعاً وبيده نتائج الامتحانات النهائية التي حصل عليها في المدرسة ولما دخل قال لزوجة خاله بكل عفوية: يا خالة ياخالة!!
أجابته وقالت: ها ماذا تريد؟
قال لها: لقد نجحت في المدرسة وهذه ورقة الامتحانات النهائية، انظري أرجوك أنظري.
طبعاً لم تنظر الخالة الى ورقة الامتحانات لأنها لم تكن لتهتم بأكرم مثلما كانت تهتم بأولادها، فقالت له: أغرب عن وجهي، أنا متعبة وليست عندي الرغبة في سماع أي شيء، هيا أغرب عن وجهي.
شعر اكرم بالاحباط الشديد وبهت لونه وتراجع كالعادة دون أن يتفوه بكلمة واحدة. وقبل أن يخرج صرخت به سميرة وقالت: عد، هيا عد الى هنا، تعال وأرني ورقة الامتحانات، هيا تعال بسرعة!!
ظن اكرم أن زوجة خاله قد عدلت في تصرفاتها معه وأنها ربما شعرت بالندم جراء ما عمدت الى إتخاذه ضده دائماً، لذلك فقد مدّ يده وبهجة الأطفال الأبرياء ما زالت تملأ صدره رغم ما ناله على يده من إهانة وصراخ وقال لها: تفضلي ياخالتي هذه هي ورقة الامتحانات، والله ياخالة فقد بذلت جهداً مميزاً خلال فترة الامتحانات فقد دأبت على القراءة اوقاتاً طويلة.
وما كاد اكرم أن ينهي كلامه وأوشكت الورقة أن تكون في متناول يد زوجة الخال حتى امسكت بها وأخذتها بكل قوة وماهي إلا لحظات حتى بات قلب اكرم أن ينفجر من شدة الأمل. نعم يااعزائي فقد مزقت سميرة ورقة الامتحانات ورمت بها على الأرض وقال له بإستهزاء: ههه ورقة الامتحان وماذا ستنفعك هذه الورقة، هل ستجلب لك النقود التي انت بحاجة اليها لكي تعيش وتأكل وتشرب؟ أم تظن نفسك انك في بيت خالك وسوف توفر لك كل ما تطلبه؟ منذ اللحظة لاتفكر بالمدرسة ولا بالمعدلات العالية ولا بورقة الامتحانات، مفهوم؟؟؟ عليك منذ اليوم أن تبحث عن عمل يعينك في المستقبل، وهكذا اعزائي المستمعين كانت زوجة الخال تعامل اكرم اليتيم بأسوء معاملة له وكأنه ليس بيتيم وليس بإبن أخت زوجها التي توفيت وليس عليها أن تحتضنه وتوفر له مثلما كانت توفر لأولادها. لذلك فقد اكتشف الأولاد في احد الصباحات أن اكرم غير موجود في البيت وقد باءت محاولات البحث عنه بالفشل فقد هرب تاركاً خالته واولاد خالته وبيت خاله.
أعزائي المستمعين مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران والان وبعد أن استمعنا الى قصة اليوم نتوجه أيها الأفاضل الى ضيفنا فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي عن اليتيم وكيف علينا مراعاته والاهتمام به وماهي عواقب خلاف ذلك؟ فلنستمع اليه
العقيلي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على خير خلقه محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين
إهتم الشارع المقدس وعن دستور الاسلام والمسلمين القرآن الكريم حيث قال رب العزة والجلالة "أما اليتيم فلا تقهر" فقد إهتم الله سبحانه وتعالى بهذه الشريحة المهمة من الأوساط الاجتماعية والأوساط بني البشر وأعطى لذلك كفلين من الأجر ومن الثواب والاشارة الى المسؤولية في هذا الجانب وأن يهتموا بهذه الشريحة، اولاً له من الأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى العظيم بذلك هذا اولاً، وهذا ما يمارس بها مسؤوليته على مسؤولية الرعية التي يقوم بها الانسان في الحياة الدنيا ومن جانب آخر إنما يحقق بذلك جزءاً من التكافل الاجتماعي التي يجب أن يسود أبناء المجتمع الاسلامي الانساني الطيب. هذا من جانب من جانب آخر فقد وضحت سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سنته المطهرة وكذلك المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ايضاً الإهتمام بهذه الشريحة، حينما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصبعيه ويساوي بينهما ويقول: "أنا وكافر اليتيم كهاتين في الجنة" إنما يشير الى شريحة مهمة جداً من شرائح المجتمع ويقول إن من يهتم بهذه الشريحة ومن يكفلها ومن يعينها إنما يقع ضمن اطار وعين الرحمة الالهية لله سبحانه وتعالى. لكني في هذا الجانب ايضاً أريد ان أشير الى شيء آخر وهي واحدة من الأحاديث المروية عن الامام الصادق صلوات الله وسلامه عليه وعلى الأئمة اجمعين أنه أشار الى شريحة تنعت باليتم وليست هذه الشريحة المادية يعني لما نطلق اليتيم يعني نقصد به فاقد الأبوين، تحدث الامام الصادق صلى الله عليه وآله بالمعنى الآخر وأشار اليه هو كل من إنقطع عن علوم آل محمد وكل من لايصل اليه علم آل محمد، فالمسؤولية تقع على عاتق العلماء وعلى المربين وعلى السادة الأفاضل الذين يروجون هذا الباب من العلم وهو إيصال علم محمد وآل محمد صلوات الله عليهم اجمعين. في هذا الاطار علينا جميعاً على إختلاف مستوياتنا ومسؤولياتنا الاجتماعية والدينية والاخلاقية أن نفتتح المؤسسات والمدارس والهيئات التي تهتم بهذه الشريحة لكي نحقق التكافل الاجتماعي والرضا الإلهي. وكذلك اذا حصل هناك من ضنك او حصل هناك من ضيق او حصل سوء في المعاملة مع أي يتيم فمن الذي سيكون خصمه بإعتبار أن هذا اليتيم فاقد لأي نوع من انواع القوة ولأي نوع من انواع الدفاع عن نفسه؟ فيقيناً الخصم سيكون رب العزة والجلالة. فأي منازلة تلك التي يكون فيها الخصم الله سبحانه وتعالى؟ اعاذنا الله وإياكم من ذلك. لذلك أي واحد منا عليه أن يصحح علاقاته ومساراته فيما اذا كان تحت رعايته يتيم او من أقرباءه او جيرانه والخ. فعليه أن يصحح العلاقة معه لرضا الله سبحانه وتعالى ولنيل الأجر والثواب.
وبعد أن إستمعنا الى ماقاله فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق نتوجه الى ضيفة البرنامج الدكتورة اميرة برغل الباحثة الاجتماعية من لبنان لسؤالها عن التبعات السلبية التي من الممكن أن تصيب اليتيم في حالة ساءت معاملة الآخرين له ولم يحسنوا تعويض ما فقده؟ فلنستمع اليها
برغل: بسم الله الرحمن الرحيم بالنسبة للتعامل السيء مع اليتيم لابد أن له إنعكاسات سيئة على نفسية اليتيم وقد تطال هذه الإنعكاسات الجانب النفسي فمثلاً يشعر هذا اليتيم بأنه انسان ليس له مدافع لأنه أصبح مستباحاً لأنه لايمكن سنداً قوياً الآن بعد أن فقد أبيه مثلاً فممكن أن يشعر بهذا اذا كان من أصحاب الشخصية النفسية الهشة، يمكن ان يؤدي عنده الى نوع من القلق، الى نوع من الاكتئاب، الى نوع من الخوف، الى عدم الثقة بالنفس. تظهر عليه مظاهر القلق في الكلام وقد يمشي دائماً وهو منكس الرأس وقد بدأ بالتراجع في مساره التربوي والتعليمي وقد يبدأ بتفسير كل الأمور التي تحدث من حوله على أنها ناتجة بإستهتار بشخصه او إستسهال قضيته وأنه دائماً الضحية في المجتمع فتشغله هذه الأفكار عن التركيز الدراسي وقد يفقد الحافز على إعتقاده مثلاً بأن لن تتوفر له الأموال في المستقبل ليدرس فلماذا يعذب نفسه ويهتم بهذا الشيء؟ كيف سيدخل الجامعة؟ من سيدفع له الأموال؟ كل هذه تداعيات تأتي من خلال التعامل السيء، وقد تكون هناك تأثيرات سلوكية على هذا الأمر فيتجه هذا اليتيم الى تفكير إنتقامي ويحاول على العكس أن يثبت نفسه او أن يعوض عن هذا الإحساس بالنقص الذي يعتريه بطريقة خاطئة من خلال التذمر على الآخرين او التعامل بطريقة سيئة للفت النظر او الإنضمام الى مجموعات من مستقوين في المجتمع ومن المجموعات التي تحاول أن تقوم بأعمال إنتقامية، سرقات، أفعال غير أخلاقية. لذلك نصح الاسلام وكانت عناية كاملة التعليمات الاسلامية لضرورة كفالة اليتيم وضرورة الحنو على اليتيم وإشعاره وإن فقد أباه فهناك الكثير ممن يمكن أن يساعدوه.
في ختام حلقة اليوم اعزائي المستمعين نتقدم الى ضيفينا العزيزين فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والدكتورة اميرة برغل الباحثة الاجتماعية من لبنان بالشكر الجزيل كما نشكر لكم حسن المتابعة والإستماع الى برنامج من الواقع الذي قدمناه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم في أمان الله وحفظه.