خبراء البرنامج: الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية والأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي من السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله تعالى وبركاته
نرحب بكم من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لحضراتكم برنامج من الواقع. اعزائي المستمعين سوف نتطرق في حلقة اليوم الى البعض ممن لايفكر ولو للحظة بأن يؤدي دوره الحقيقي والطبيعي تجاه الفقراء في المجتمع فنراه ينهرهم ويزجرهم ويترك بذلك في داخلهم ألماً وحسرة. نعم أيها الأحبة لأجل تسليط الضوء أكثر على موضوع حلقة اليوم سنستضيف كلاً من الضيفين سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية والأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي من السعودية ايضاً. فكونوا معنا
أعزائي عرفت عائلة أبي سعدون بأنها عائلة غنية ومترفة جداً وكان من الطبيعي أن يقيم أبو سعدون بين الحين والآخر مآدب ودعوات وحفلات عشاء بمناسبة او بدون مناسبة وإستطاع أن يفوز بكل تأكيد بإحترام الجميع وتقديرهم لكن الذي كان يعاب على أبي سعدون بالذات قبل أفراد عائلته أنه لم يكن يرغب في يوم من الأيام أن يفكر ولو قليلاً بمساعدة الفقراء الذين طالما توسلوا عند بابه مرات ومرات بأن يعطيهم مثلاً شيئاً من الطعام او الملابس او ماشابه مما يفيض عن حاجة أبي سعدون كثيراً بمعنى أن دعواته وحفلاته التي كان يقيمها كانت لأجل التباهي والتفاخر بما منّ الله عليه ليس إلا.
لما عاد أبو سعدون ذات يوم بسيارته الفارهة الى البيت لفت إنتباهه قبل أن ينزل من بعيد مجموعة من الأولاد عند باب بيته يتحدثون مع احد أبناءه، أثار هذا المشهد في نفسه روح التكبر والغرور لأنه كان دائماً يسعى بأن لايكلم أبناءه إلا أولاد الذوات، وفعلاً لما وصل ترجل من السيارة بسرعة وراح يسأل الأولاد عما يريدونه. ولما علم أنهم أولاد جاره أبي مرتضى ذلك الجار الفقير الحال صرخ بوجههم وزجرهم وأخذ يرفع صوته عالياً ويقول: إياكم أن تظنوا أنني ممكن أن أمد يد العون والمساعدة اليكم في يوم من الأيام أيها المتكئون على غيركم، وليعلم أبوكم أنني لم أعطيه درهماً واحداً ولا أساعده، لا هو ولاغيره من أمثاله. هيا أغربوا عن وجهي! هيا عودوا من حيث أتيتم!
سأل أبو سعدون بعد ذلك من اولاده: ماذا كان يريد هؤلاء؟
فأجابه إبنه سعدون: بأنهم كانوا يطلبون قليلاً من الخبز لأن أباهم لم يعد لحد الآن وهم يشعرون بالجوع الشديد.
إستطرد أبو سعدون قائلاً: يا اولادي، يا أحبتي إن هؤلاء الذين يدعون الفقر هم ليسوا بفقراء إنهم كسالى ولايحبون العمل مثل أبيكم، لايحبوا أن ينضحوا عرقاً مثل أبيكم، إنهم يعشقون مساعدة الناس اليهم بل يعشقون التوسل والمسكنة.
في احدى الليالي سمع أبو سعدون وعائلته طرقاً قوياً على الباب، هرع سعدون الأبن الأكبر ففتح الباب ثم عاد بسرعة وقال لأبيه: يا أبي يا أبي إن مرتضى أبن جارنا أبي مرتضى يطلب المساعدة وحاله يرثى لها!
وبدون أن يتفهم كلام إبنه قال أبو سعدون: وأية مساعدة لهؤلاء القوم، أغلق الباب في وجهه وتعالى أجلس في مكانك.
لكن الإبن لم يكن ليرضى بما قاله أبوه فقال له: ولكن ياأبي لو تعلم بحاله لغيرت رأيك، إنه يطلب أن تنقل أباه بسرعة الى المستشفى، أرجوك يا أبي أن تساعدهم هذه المرة.
صرخ الأب بوجه إبنه وقال له: منذ متى وأنت ترحم هؤلاء الفقراء، كم مرة قلت لكم إنهم ليسوا بفقراء، إنهم فقط يتوسلون الى الناس لكي يقوموا بخدمتهم ومساعدتهم ليس إلا!!
نعم مستمعينا الأفاضل وفي يوم كان اولاد المحلة يلعبون الكرة في احدى الساحات المخصصة وبعد طول وقت شارف على الساعتين وربما أكثر بقليل قرر الأولاد ترك اللعب والعودة الى البيوت وفي الطريق وفجأة إستوقفت سيارة الشرطة مجموعة من الأولاد للإشتباه بهم في سرقة بعض الأشياء وكان من ضمن من إستوقفتهم الشرطة سعدون الإبن الأكبر لأبي سعدون. حاول سعدون الإفلات من قبضة الشرطة بعد أن توسل بهم كثيراً وأنه لاعلاقة له بأية مسروقات وأنه في تلك الليلة كان في البيت وأن له شهود عديدين على ذلك، طبعاً لم تنفع هذه التوسلات سعدون امام رجال الشرطة وظلوا ممسكين به وببعض الذين إشتبهوا بهم وإقتادوهم الى مركز شرطة المحلة. وبعد أن علم أبو سعدون بالأمر توجه بسرعة فائقة الى مركز الشرطة وهناك اجابه الضابط قائلاً: لكي يخرج إبنك من التوقيف عليك إحضار شهود ليسوا من عائلته ليثبتوا أنه كان معهم ساعة وقوع جريمة السرقة. ولما توجه أبو سعدون الى اهالي المنطقة الذين دائماً ما كان يقيم الدعوات والحفلات لهم رفض بعضهم وتحجج بعضهم الآخر بأنهم لم يستطيعوا أن يثبتوا شيئاً للشرطة. فإضطر أبو سعدون بأن يعود الى البيت خائباً مذلولاً منكساً رأسه لايعرف ماذا يفعل وكيف يتصرف. وما إن فتح باب البيت حتى إستقبلته زوجته قائلة: هههه ماذا فعلت؟ هل تركت إبننا لوحده؟ يبدو أنك فشلت في إخراجه من الحبس، صحيح؟
لم يكن أبو سعدون قادراً في تلك اللحظة على أن يتفوه بكلمة واحدة وظل مطأطأ رأسه حتى أردفت زوجته قائلة: أتعرف من طرق بابنا قبل أن تأتي؟
سألها دون مزاج: هه ومن طرق الباب؟
قالت له: لقد طرق الباب أبو مرتضى.
ولم تكد تكمل كلامها بعد حتى إستشاط أبو سعدون غضباً وقال: حتى في أصعب الظروف التي أمر بها لازال ذلك المعتوه يزعجني، بالله عليك ماذا كان يريد ذلك الأحمق؟
قالت الزوجة بكل هدوء وتروي: لم يكن يطلب المساعدة منا هذه المرة يازوجي العزيز، لقد أبدى هو المساعدة لنا. لقد أقسم أنه يرغب وبشدة أن يذهب معك الى مركز الشرطة ليثبت أن إبننا سعدون كان موجوداً هنا في البيت ساعة وقوع جريمة السرقة بدليل أنه كان مريضاً في تلك الليلة ولما بعث بإبنه ليطلب المساعدة أن سعدون هو بنفسه هو الذي فتح الباب له!!
أعزائي المستمعين لازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
تبين لكم أيها الأفاضل بعد أن إستمعتم الى قصة اليوم كم أن أبا سعدون كان مخطأ بعدم إقدامه على مساعدة الفقراء وكم كان مخطأ بتوجهه الى باقي أهالي المنطقة الذي كان يظنهم من الأغنياء. وعندما وقع أبو سعدون في المشكلة تخلى هؤلاء الأغنياء عنه إلا الفقير أبو مرتضى الذي أبدى مساعدته فلقن أبا سعدون درساً عالياً في الأخلاق لعله تسبب في إهتزازه بل تغيير كل تصوراته واخلاقياته. وهنا سنحاول أن نتوجه الى سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي من ضرورة تقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين وما هي عواقب من لايقدم على مساعدتهم وكيف السبيل للتخلص من هذه المعصية؟ فلنستمع معاً.
الحجاب: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين. إن مساعدة الفقراء من الأمور التي حببت اليها الشريعة الاسلامية وقد حث عليها القرآن الكريم، ومدح القرآن الكريم اهل البيت في تصدقهم على الفقراء والمساكين، وأقصد بأهل البيت بيت علي وفاطمة والحسن والحسين سلام الله عليهم أجمعين في الآيات المباركة "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً{۸} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً{۹}" في هذه الآيات المباركة مدحت هذه الأسرة الكريمة المباركة التي كانت بيت العطاء وللعطاء بابها مفتوح هذه الأسرة. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وآله الأسوة والقدوة فهم أسوة حسنة لنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحث دائماً على مساعدة الفقراء، امير المؤمنين كذلك، الصديقة الزهراء، الحسن والحسين، الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين. من خلال الروايات ومن خلال القصص التي نقرأها ونسمعها عن اهل البيت نستطيع أن نعلق على المشهد الواقعي بأن الانسان عندما يستمع الى هذه القصة الواقعية لأن هذا الحاج أبو سعدون الذي منحه الله ومنّ عليه بأموال لكنه لايساعد الفقراء ولايساعد المساكين وهو يستطيع المساعدة، ايضاً جاره الفقير جداً وهو أبو مرتضى ربما لم تكن عنده من الأموال ولم يستطيع أن يعطي الناس ولكن استطاع أن يقدم ويقف وقفة الجار للجار ويقدم عطاء جديد ليس بالمال بل عطاء من ناحية اخرى وقفة الجار مع جاره. من خلال هذه المشاهد نستطيع أن نبين لأنفسنا بأن الانسان اذا منحه الله عزوجل نعمة من نعم الله لابد أن يشكر هذه النعمة لأن الله اذا انعم على عبد يريد أن يرى أثر هذه النعمة عليه. شكر نعمة المال أن ننفق للفقراء والمساكين، الله سبحانه منحنا الجاه والمكانة عند الناس فمن خلال هذه النعمة بمكانتي ومنزلتي أن أقف مع من يستحق المساعدة وهكذا كلما إستطاع الانسان أن يقدم لمن يحتاج الى المساعدة فهذه الأمور كلها محببة عند الله عزوجل وعند رسوله صلى الله عليه وآله وعند الأئمة المعصومين صلوات الله سلامه عليهم أجمعين لأن الدين الاسلامي دين العطاء، دين المساعدة. نلاحظ اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين دائماً تتجدد عطاياهم ولاتنحصر بعطايا مادية، كلما استطاعوا أن يقدموا العطاء قدموا هذا العطاء إبتغاء مرضاة الله " إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ" يعني اذا اراد الانسان أن يقدم عطاءاً وأن يساعد ينوي ذلك إبتغاء مرضاة الله "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً" هكذا تحدثت الآية عن اهل بيت العطاء وعن مساعدة الفقراء وكل هذه الأمور "إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نظرة وسروراً". نسأل الله أن يقينا شر ذلك اليوم ويلقينا نظرة وسروراً ويحشرنا مع محمد صلى الله عليه وآل بيته الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
نعم مستمعينا الكرام وبعد أن إستمعنا الى ما قاله سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية نتوجه الآن الى الأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي من السعودية ايضاً لسؤاله عن الأسباب والدوافع التي تجعل البعض يرفض تقديم المساعدة للفقراء وماهي النصائح والارشادات التي يمكن أن نقدمها الى هؤلاء البعض؟
العيد: بسم الله الرحمن الرحيم في كثير من الأحيان يعمل الانسان اعمالاً قد لايتوقع نتائجها في المستقبل فالذين يرفضون مساعدة الفقراء او الجيران يحملون في داخلهم أحد الأسباب التالية، إما أنهم لايثقون بكلام الطرف الآخر وتصرفاته وبواقعه الذي يقول إن هذا الشخص فقير وهذا الشخص محتاج الى المساعدة فهم لايثقون بكلامه وإما أنهم يتصورون أن إعطاء الصدقة او الإنفاق على الناس سوف يؤدي الى التقليص من أموالهم وبالتالي الوصول الى حافة الفقر وهو الذي لايرضوه لأنفسهم. وفي نفس الوقت هذا يشير في كثير من الأحيان الى عدم الثقة برب العالمين، كيف؟ لأن الله رب العالمين قال في كتابه وفي الأحاديث إنه لاينقص من مال صدقة "إنما الصدقة تدفع البلاء" ولكن هؤلاء لايثقون بكلام الله سبحانه وتعالى. عدم الثقة يؤدي الى الإقحام عن مساعدة الناس. من الصحيح أن نقول إنه من الممكن الانسان في أوقات معينة اذا لم تكن لديه ثقة بالطرف الآخر يمكن أن يقحم عن المساعدة الكبيرة ولكن الانسان بنظره الى الله سبحانه وتعالى وأن الصدقة هي إعطاء بيد الله سبحانه وتعالى وليس الى الفقير لذلك تقول الاية الكريمة "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه" فمن هنا يمكن أن تكون من الأسباب أن الشخص المتصدق يكون السبب في عدم تصدقه هو الجهل، كيف؟ الجهل في أن هذه الدنيا دولاً وأن هذه الدنيا دوّارة وأن الغنى والفقر مستويان قد لايكونان ملتزمان بالانسان فاليوم الانسان غنياً وغداً ممكن أن يصبح فقيراً، واليوم هو فقير فيمكن أن يصبح غنياً. هذه الأموال بيد الله سبحانه وتعالى يداولها بين الناس، قد تكون فقيراً ويتوفى لك أحد الأقارب ويأتيك رزق من حيث لاتعلم او تذهب في تجارة وتستغني وكذلك ضرب الله امثالاً كثيرة في القرآن الكريم مثل صاحب الجنة التي كانت معطاءة وفي عشية وضحاها أصبحت خاوية على عروشها. خلاصة ما نقوله أن الأسباب إما أن تكون راجعة الى جهل الانسان او عدم الثقة بالله سبحانه وتعالى او عدم تصديق بالطرف الآخر او تصورات خاطئة بأن الصدقة ستنقص أمواله. ننصح هؤلاء أن ينظرون بعين شاخصة سليمة الى كلام الله سبحانه وتعالى ويجب أن يكونوا واثقين بتقلبات هذه الحياة بأن الله سبحانه وتعالى هو المسيطر على هذا الكون وهو الذي يجازي على الاحسان وأن الاحسان الذي طلبه الله منه إنما هو احسان الى الله وأن الله هو الذي سوف يثيب عليه وأن هذه الدنيا فانية وستنتهي في يوم الأيام وتبقى الأعمال الصالحة وأن الصدقات لمنفعة الانسان ومنفعة لأسرته وليست نقص من امواله. اذن هذه هي الخلاصة ونسأل الله الى هؤلاء لناس بأن يعوا هذا الطريق وأن لايقعوا في تجارب الآخرين وهي تجارب مريرة قد وقعت في التاريخ ووقعت امام اعيننا الكثير من المثال ونسأل الله ايضاً للفقراء الصبر والرحمة وأن يعطف عليهم أصحاب الأموال والله هو الموفق والهادي الى سواء السبيل وشكراً.
في ختام حلقة اليوم من برنامج من الواقع نشكر لضيفينا العزيزين سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية والأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي ايضاً من السعودية حسن المشاركة كما نشكر لكم أعزائي المستمعين حسن المتابعة لهذا البرنامج والذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله.