خبراء البرنامج: الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأكارم في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم في برنامج من الواقع الذي نقدمه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. في حلقة اليوم أيها الأحبة سوف نتطرق الى موضوع سوء الظن وهو من المواضيع التي طالما تسببت في حصول مشاكل بين الزوج والزوجة او بين الأخ وأخيه او بين أي اثنين سواء في البيت او خارج البيت. في قصتنا لهذا اليوم سنطرح موضوع سوء الظن الموجود في بعض الأحيان بين الزوج ووالدة زوجته، ولأجل تسليط الضوء اكثر على هذا الموضوع ومعرفة الطرق والسبل للنصائح التي يجب على الزوج أن يأخذ بها لكي لايهدم أسس وأركان أسرته بيده سوف نستضيف ضيفين من خبراء البرنامج وهما سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة آيات نور الدين المختصة في علم النفس من لبنان فكونوا معنا.
أعزائي الكرام عندما أوشك رائد على فتح الباب بعد عودته من عمله سمع زوجته وهي تتحدث في التلفون حاول أن يسترق السمع قليلاً ليتأكد مع من تتحدث فعرف أن زوجته على اتصال مع أمها، أما بأي خصوص تتحدثان فهذا لم يكتشفه بادئ الأمر. دخل رائد البيت بقليل من الحذر والهدوء وأمله في ذلك أن يدرك آخر الكلمات التي سوف تقولها زوجته لأمها علّه يعرف شيئاً من الحقيقة التي يظنها مخبأة عنه ولكن كالعادة لما شاهدته زوجته أغلقت الهاتف بسرعة وهرعت لمساعدة زوجها وحمل بعض الأشياء التي اشتراها في الطريق، ورغم ذلك سألها رائد قائلاً: مع من كنت تتكلمين؟
أجابته والابتسامة على وجهها لأن لايشعر بالإنزعاج: مع أمي وقد بعثت اليك بسلام خاص!!
قال لها: وماذا كانت تريد هذه المرة؟ هل كانت تحثك على شيء ضدي؟ هل تريد أن أشتري لك أشياء اخرى؟ هل هل ...
هنا إستوقفته الزوجة وقالت له: أرجوك يا رائد لماذا هذا الظن السيء بأمي؟ أنت دائماً تظن أنها تضمر لك السوء بينما أنت لاتعلم كم هي تحبك، صدقني!
هذا الكلام بطبيعة الحال لم يصدق به رائد بل بانت عليه ملامح الانزعاج وقال لها بشيء من العصبية: لقد أتعبتني أمك كثيراً، لماذا لاتتركني لحالي قليلاً؟ لقد سئمت تدخلاتها في حياتي، لاأريد منها سوى أن تقطع اتصالاتها وتقطع صلتها بي نهائياً!
هذا الموقف أثار حفيظة الزوجة فأطلقت بقوة ما كبتته بداخلها سنين طويلة قائلة له: والله لم أر زوجاً مثلك في حياتي ولم أسمع بزوج يسيء الظن مثلك هكذا أبداً. يازوجي انت مخطأ تماماً فوالدتي لم تكن في يوم من الأيام عدوة لك وما كانت في يوم الأيام تضمر الشر لك بل بالعكس فهي تحبك كثيراً وتحاول أن تساعدني وترشدني دوماً لكي أقوم بواجباتي تجاهك على أكمل وجه، صدقني يا رائد!!
نعم اعزائي لم يشعر الزوج رائد بما قالته زوجته ولم يعني معنى كلامها جيداً لأنه كان يعيش والغشاوة على عينيه، لايرى الحقيقة ولايبصر نورها جيداً لذلك رد على زوجته قائلاً: أرجوك لاتحاولي أن تدافعي عن أمك ولاتحاولي أن تصري على موقفك هذا فأنا متأكد أنها كانت وراء بعض المشاكل التي تحصل بيننا أحياناً. أمك تظن أنها قادرة على أن تجعلني نسيباً مطيعاً لها ولمخططاتها.
ضحكت الزوجة من كلام زوجها وقالت له: أية مخططات وأية مطامع؟ عن ماذا انت تتكلم؟ أنت فعلاً بحاجة الى مراجعة طبيب نفساني ليشرح لك أسباب كرهك لأمي وأسباب تخوفك منها...
لم يسمح رائد لزوجته أن تكمل كلامها اذ نهض من مكانه في محاولة للخروج وقبل أن يخرج إلتفت اليها وقال: اياك واياك أن تأتي بسيرة أمك بعد هذا أمامي، مفهوم؟ لقد بت حتى لااطيق حتى سماع اسمها.
بعد هذه الكلمات خرج رائد من البيت ولم يعد حتى في ساعة متأخرة قاربت العاشرة ليلاً وعند عودته وجد زوجته وقد اعدت طعام العشاء وكانت رغم تأخره بإنتظاره ليتناولا الطعام سوياً. جلس على المائدة كما جلست الزوجة ولما شرع الاثنان نظرت اليه والخوف بعينيها، لكنها تجرأت وقالت له: يازوجي، يازوجي العزيز..
نظر هو الآخر اليها وقال لها: ماذا؟ ماذا تريدين أن تقولي؟
فقالت له: أنت تعرف أن أمي مريضة، كذلك تعرف أنها تعيش لوحدها وأنا متحيرة ماذا أفعل؟ هل أرضيك ام أرضيها؟ هل أكون معك أم أكون معها؟ أنتما الأثنان لكما المكانة الكبيرة في قلبي لكنك زوج وهي أم وأمي بحاجة اليّ خاصة هذه الأيام.
قطب رائد حاجبيه ورفع رأسه بعد أن تنازل عن تناول الطعام بالمرة وقال لها: اذا كانت أمك تظن أنها ستأسر قلبي بسبب مرضها وترضخني لأوامرها فهي واهمة، كذلك أنت، قولي لأمك أن لامجال لها في حياتي ولافي بيتي ولا في أي شخص يخصني. ولو خطر في بالها او بالك في يوم ما أن أسامحها على تدخلاتها السابقة في شؤوني وحياتي فأنتما مخطأتان.
حاولت الزوجة أن تليّن من قلب زوجها وتؤكد لها أن أمها ما كانت في يوم من الأيام قد تدخلت في شؤونه أبداً، لكنها فشلت لأن رائداً بقي مصراً على موقفه من عمته أي والدة زوجته. وفي هذه الأثناء رنّ جرس التلفون فأسرع رائد بالرد ولما رفع السماعة قال: الو، من
أجابته عمته بشيء من التعب وقالت: انا ياولدي، كيف حالك؟ هل يمكن أن أكلم ابنتي؟
رد عليها رائد بعنف وقال لها: لماذا لاتتركيننا؟ ألم أطلب منك عدة مرات أن لاتتصلي أبداً؟ لاتحاولي أن تجعلي نفسك مريضة فأنا لاأصدقك!
حاولت أن تشرح له أنها فعلاً مريضة وأنها بحاجة الى إبنتها لكي تسرع اليها لكن رائداً كان يظن أن عمته تكذب وتحاول أن تنفذ خطتها، لذلك فقد اغلق السماعة تاركاً إياها دون رد ودون أن يسمح لها بمكالمة إبنتها.
تألمت الزوجة من فعل زوجها وأخفت ألمها في صدرها وعند المساء جاءها خبر عاجل من احدى الجيران مفاده بأن أمها قد نقلت الى المستشفى وأن حالتها في خطر. ايضاً لم يصدق رائد إلا أن أضطر الذهاب مع زوجته الى المستشفى والتأكد بنفسه.
مستمعينا الكرام مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. نعم أيها الأحبة نرى من خلال القصة التي إستمعتم اليها والتي روتها على مسامعكم الكريمة الزميلة منار عبد الجبار نرى أن سوء الظن قد أوصل رائداً الى أن يرتكب أخطاءاً كثيراً في حياته تجاه زوجته وتجاه والدتها على وجه الخصوص. ولولا إتصال الجيران بزوجته لما استطاعت الزوجة أن تلحق بأمها في المستشفى، لتقصي أسباب هذا المرض توجهنا الى سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان لسؤاله عن معالجة الشرع الاسلامي لسوء الظن، فلنستمع اليه.
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
في الواقع أن سوء الظن من الأمراض والآفات النفسية التي لها آثار وتداعيات اجتماعية خطيرة وايضاً دور الشيطان في هذه المسئلة دور كبير وأساسي في تفكيك العلاقات الاجتماعية وفي تفكك عرى المحبة والمودة بين المؤمنين فالمؤمنون اذا إجتمعوا هم أقوياء واذا تفرقوا أصبحوا ضعفاء. قوة المؤمنين في اجتماعهم، والغيبة والنميمة والبهتان والكذب وسوء الظن من الآفات والأمراض التي يجب معالجتها لذلك تطرق اليها علم الاخلاق الاسلامي وعلم الطب النفسي لمعالجة هذا المرض وإجتثاثه من الأساس. في كل الأحوال علماء الأخلاق يعرفون سوء الظن بأنه عبارة عن عقد القلب وتمكنه عليه بالسوء من غير يقين لذلك نلاحظ الكثير من الأخوة والأخوات الذين يلجأون الى مثل هذه الأساليب من دون يقين، من دون اشارة، من دون علامة لذلك يذهبون الى مشكلات والى خلافات عميقة تؤدي الى إنهيار الأسرة وتفكك الأسرة نتيجة هذا الأمر لذلك لابد من اليقين في هذه المسئلة وحتى لو كان يقين في مسئلة من المسائل فإنه ليس بالضرورة أن تتحول الأمور الى خلاف عميق ولكن الانسان يطمئن الى أن ماذهب اليه هو في محله لذلك الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم نهانا عن سوء الظن "بسم الله الرحمن الرحيم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" (سورة الحجرات۱۲) نعم إجتناب الكثير من الظن الذي يقوم على التوهم وعلى الوسوسة القهرية، الشيطان يدخل في هذه المسئلة وبطبيعة الحال لاتكون له هذه القوة وهذه النفوذية إلا عند الذين سلموا أنفسهم للشيطان "إن سلطانه على الذين يتولونه" لذلك علينا أن نتفهم هذه المسئلة ونبعد الشيطان الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس لذلك يدخل بين الأزواج "يفرق بين المرء وزوجه" والى ما هنالك من هذه الأمور التي لابد أن ننتبه اليها حتى لاتحل العرى الاجتماعية بشكل خطير. اشارة أخيرة في هذه المسئلة، الآية القرآنية تقول "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" وهذا لايعني أننا علينا أن لانحذر ونسلم الأمور كما هي ولكن علينا أن ننتبه ونلتفت الى كيفية الاشارة الى هذه النقطة وتوجيه التحذير الى هذا الشخص وذاك. في الحديث كذلك "اذا ساء الزمان فسوء الظن من حسن الفطن" نعم اذا كنا متأكدين واذا كانت هناك علامات واضحة تشير الى فساد فلان والى أن فلاناً قد إنحرف والى ما هنالك علينا أن نقف وأن نحذر وأن نتشدد في هذه المواضع اما أن نجعل الوهم هو الأساس في كل علاقاتنا وفي كل مواقفنا فهذا الأمر غير مرغوب على الاطلاق بل أن هذا الأمر يشكل حالة تهديد خطيرة على المجتمع وعلى الأسرة فمن هذا الباب علينا أن نلتزم بالتحذير الالهي بالإجتناب من سوء الظن وعلينا أن نكون فطنين ونكون كيسين وعلينا أن نجتمع على الأسس الأساسية التي تخدم حركة المجتمع في اطار الأخلاق وفي اطار التفاهم وأن نعود الى مايجمع بيننا وما يدخل السرور والوحدة الى عوائلنا وكما ذكرتم في هذه القصة، مسئلة صغيرة واشارة صغيرة وخاطرة صغيرة ممكن أن تفكك العلاقة بين الزوجين واكثر من ذلك يمكن أن تهدد بأكثر من آفات بل يمكن أن تهدد بالوقوع في المحرمات من بعض الجوانب.
وبعد أن إستمعنا الى ماقاله سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان نتوجه الى الأستاذة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان لسؤالها عن الطرق والسبل لعلاج هذه الحالة النفسية وكيف يمكن أن يؤدي سوء الظن الى تهديم أركان الأسرة؟ لنتابع معاً
نور الدين: طبعاً القضية التي تفضلتم بطرحها من خلال هذه القصة، قصة الاستاذ رائد أولاً لابد من إيضاح مسئلة مهمة قبل الدخول في مسئلة سوء الظن وهي مسئلة العقوق ودفع الزوجة أن تكون عاقة والدتها لأسباب غير منطقية ونحن عندما نتحدث عن العقوق حتى مع الأسباب المنطقية لايجوز العقوق فكيف بالحال أن نتحدث عن سوء الظن وبالتالي عن تخمين ونبني على هذا التخمين. عندما نريد الدخول في مسئلة سوء الظن بالفعل من المهدمات للحياة الأسرية والحياة الاجتماعية وللعلاقات بين الناس لذلك في الثقافة الاسلامية القرآن الكريم أكد على سوء الظن وفي الأحاديث النبوية والأحاديث الواردة عن أئمة اهل البيت ايضاً نجد الكثير مما يزخر بهذا الموضوع. هناك حديث وملفت وجميل عن الامام علي عندما يقول "ضع امر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه" بمعنى ثلاثية الانسان والسلوك والنية لايجب أن تدمج بالتالي لما يحدث سلوك معين من شخص ما فهذا السلوك ليس هو هذا الشخص لأن هذا الشخص عبارة عن مجموعة من السلوكيات في ظروف وأمكنة وأزمنة مختلفة وامكنة مختلفة وبالتالي لايمكن أن نقلص هذا الانسان ليكون فقط هذا السلوك وايضاً لاندخل في نيته، ماذا يقصد؟ الدخول في التحليل هو ما يأتي الى سوء الظن الينا لأنه دائماً سوء الظن مبني على التحليل. نحن نرى سلوك ما، ما أدرانا ما يريد هذا الانسان من هذا السلوك بالتالي عندما نغوص في التحليل هذا ما يدفعنا الى سوء الظن ومايدفعنا الى أن نسلك سلوك معين تجاه الآخر ونقوم بردة فعل. بالفعل لو إستكملنا الحديث عن أمير المؤمنين وهو يقول "ولاتظنن بكلمة خرجت من اخيك سوءاً وانت تجد لها في الخير محملة". بالفعل ها الأمر صعب جداً ولنكن واقعيين على مستوى النفس الانسانية صعب جداً عندما نجد سلوكاً سلبياً من الآخر كيف لنا أن نظن به خيراً؟ من يستطيع الوصول الى هذه المرتبة؟ فعلاً الذي يستطيع الوصول الى هذه المرتبة هو الشخص المتصالح مع ذاته بمعنى أن الشخص لايشعر بأن ذاته أهينت اذا صدر فعل معين من الاخر، لا بالعكس هذا السلوك من الآخر حتى لو كان سلبياً هذا بالنسبة لي يشكل تحدياً كيف يمكن أن أدفع بالتي هي احسن أغير حتى سلوكه، طبعاً هذه المسئلة كما ذكرت ليست مسئلة سهلة ولكن يمكننا الوصول اليها عندما نتصالح مع ذواتنا، عندما لانضع ذاتنا نحن في ميزان الاخرين يعني اذا صدر من الطرف الآخر شيئاً فهذا يعني أن ذاتي أهينت وأن كبريائي أهينت واذا لم أدفع بنفس الطريقة التي دفع بسلوكه اليها فكرامتي على المحك، دائماً نجد هذه المسئلة هي ما تدفع الانسان الى أن يرد السوء بأسوء منه لذلك أتصالح مع ذاتي وهي نقطة الإنطلاقة حتى أستطيع أن أظن بالاخرين بالأحسن وحتى عندما نرى السلوك السلبي من الآخرين ونعتقد فعلاً أنه يضمر لنا السوء ونعتبر أن هذا تحدياً لنا وكيف نستطيع أن نغير من هذا السلوك وان نغير من هذا الانسان، لندفع على الاقل إن لم تريد أن نحوله من السيء الى الأحسن على الأقل حتى لاندخل في اللعبة التي يريدنا أن ندخل بها ونصبح مثله بنفس السوء الذي هو عليه.
في الختام اعزائي المستمعين نتوجه بالشكر الجزيل الى ضيفي الحلقة سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان كما نشكر لكم حسن المتابعة والإستماع الى برنامج من الواقع والذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم سالمين وفي امان الله.