خبراء البرنامج: الشيخ باسم العابدي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم اعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نرحب بكم من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لحضراتكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم أيها الأفاضل سنتطرق الى موضوع يتعلق ببعض الحالات النفسية العصيبة التي تصيب البعض من الناس فتؤثر سلباً على مقدرتهم وقابلياتهم في التعاون في اطار العمل الجماعي مع الآخرين. في حلقة اليوم سوف نستضيف خبيرين من خبراء البرنامج لكي نلقي الضوء اكثر على هذا الموضوع ولمناقشة السبل والحلول المناسبة للحيلولة دون وقوع مثل هؤلاء الأشخاص في هاوية العزلة عن المجتمع وربما أسوء من ذلك العزلة عن أفراد الأسرة. ضيفانا العزيزان هما سماحة الشيخ باسم العابدي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان. اذن اعزائي المستمعين نبقى معاً لمتابعة قصة اليوم ومن ثم نعود الى ضيفي البرنامج فكونوا معنا.
دخل سامي غرفة الموظفين ودون أن ينظر يميناً او يساراً توجه مباشرة الى مكانه ولما جلس حاول أن يشغل نفسه ببعض الأمور وكأنه على عجلة من امره، زملاءه الذين في الغرفة يعرفونه جيداً فهو هكذا منذ البداية لايحب الإختلاط كثيراً ولا الحديث مع احد إلا بخصوص العمل وبشكل سريع ومختصر جداً. لأنه وبصراحة يجد صعوبة في التعامل مع الاخرين ويجب العزلة تماماً واذا بادر احدهم بدعوته الى المشاركة في موضوع او عمل مشترك ما فهو يعتذر بسرعة ودون تردد.
في البيت نفس الحال، عندما يعود تكون زوجته المسكينة بإنتظاره وإبنه كذلك ولكن لمجرد أن يكمل الطعام معهم ينهض ويتجه الى مكانه المعتاد تاركاً عائلته لينشغل في عالمه الخاص إلا وهو مشاهدة التلفزيون والتنقل بين قنواته الفضائية المتنوعة حتى يغلبه النعاس فيلجأ الى النوم حتى الصباح. ذات يوم طلب منه ولداه الحضور في المدرسة للإشتراك في اجتماع الآباء الذي اراد مدير المدرسة من وراه اللقاء بهم والتعرف على أسباب إخفاق بعض التلاميذ في بعض الأنشطة المدرسية بشكل عام. بطبيعة الحال رفض سامي تلبية هذه الدعوة ما أصاب إبنيه بالإحباط والشعور بالإحراج من طلاب المدرسة الذين تعودوا على مواقف هذا الوالد بإستمرار.
في أحد المساءات ولما عاد سامي من العمل وجد الجيران مزدحمين في الشارع فلم يعر اهمية لذلك أبداً ومضى الى بيته دون أن يبادر بالسؤال او الإستفسار من أي أحد عن سبب هذا الزحام والتجمع، ولما دخل البيت نادى على زوجته وطلب منها شرحاً لما شاهده في الطريق. فقالت له: ألا تعلم؟ لقد إنهار بيت عائلة أبي أسماء والحمد لله لم يصب أي أحد من العائلة بسوء لكن الأضرار كانت كبيرة جداً في المنزل والآن أبو أسماء وعائلته في حيرة من امرهم، لايعرفون ماذا يفعلون وماذا يقررون؟
قال لها: وكيف عرفت بهذه التفاصيل؟ هل خرجت من البيت؟ هل تكلمت مع احد من الجيران؟
قالت له زوجته: وماذا تظن يازوجي العزيز؟ هل أبقى في البيت مكتوفة الأيدي بعد أن ضجّ الشارع بالخبر وأصبح الكبير والصغير يتحدث بالأمر؟
قال سامي لزوجته: على أية حال لاأريد أن تتورطي في تقديم أي معونة او مساعدة تذكر حتى ولو من باب المجاملة فنحن بعيدون عن كل العوائل في المنطقة ولاتربطنا أي علاقة مع أي من الجيران. هيا حاولي أن تعدي الطعام بسرعة لنأكل ويأكل الأولاد. هنا قالت له زوجته: وهل تعتبر تصرفك هذا صحيحاً؟
أتتوقع أن أبقى حبيسة الدار وجاري بحاجة الى مساعدتي ولو بمقدار حبة خردل؟ أهكذا تظن أن يكون الوفاء للجيران؟
أغلق سامي الموضوع بسرعة ولم يسمح لزوجته أن تطيل الحديث بشأن حادث بيت جيرانه أبي أسماء، وفي هذه الأثناء سمع طرقاً على الباب، إلتفت بسرعة الى أحد أبناءه وقال له: اذهب وإفتح الباب واذا سألك أحد عني قل له إن أبي غير موجود في البيت. تلعثم إبنه وقال: ياأبي أشعر بالحرج، لاأستطيع أن أكذب.
صاح الأب بإبنه وقال له: لو فعلاً لم تنفذ ما قلته فسوف احرمك من الذهاب الى المدرسة، مفهوم؟؟
طأطأ الولد رأسه وجرجر نفسه الى الباب، وما إن فتح الإبن الباب حتى سارعت الزوجة للحاق بإبنها وراحت ترحب بالطارقين وقالت لهم: وعليكم السلام، عليكم السلام تفضلوا هل من شيء نستطيع أن نقدمه لكم؟
شكر الطارقون زوجة سامي وطلبوا تقديم بعض المساعدة حسب ما يرغبون في ذلك. وفي هذه الأثناء لم يمهل سامي زوجته لأن تجيب فقفز من مكانه وتوجه صوب الباب ولما صار بمواجهتهم قال لهم: ومنذ متى وأنتم على علاقة معنا؟ ومنذ متى وأنتم تشاركوننا حياتنا؟ منذ سنين ونحن نعيش في هذا البيت بمعزل عنكم جميعاً. لاتتوقعوا المساعدة مني، أما زوجتي فهي حرة في المساعدة. تململت الزوجة وشعرت بالخجل الشديد، لاتعرف بماذا تجيب بعد ذلك. هل تترك جارتها ام أسماء دون مساعدة؟ أم تترك زوجها وتخالف ما قاله وهي العالمة بخطأ عمله وخطأ تصرفه؟
بقيت ساكتة لاتنبس ببنت شفة فقد عاشت لحظات من الورطة لاتحسد عليها أبداً ففضلت الدخول الى البيت بإنتظار دخول زوجها هو الآخر. ولما دخل راحت تلومه وتعاتبه على سوء فعلته وسوء موقفه، لكن الزوج لم يكن يبالي بما قالته زوجته فقد تعود عن الإمتناع عن مساعدة الآخرين.
لم تمض سوى ثلاثة شهور حتى أقيل سامي عن عمله بسبب إعلان الدائرة التي كان يعمل فيها إفلاسها وهذا ما عرض عائلة سامي الى نوع من ضيق الحال الذي تأزم أكثر يوماً بعد يوم وراح يهدد بقاء أولاده في المدرسة ويهدد مستقبلهم. كذلك أخذت منه المصاريف الشهرية وضرورة تلبية مطالب الأولاد والبيت مأخذاً كبيراً فأضطر أن يواجه زوجته بالسؤال التالي: يازوجتي العزيزة ما العمل الآن؟ ماذا عساي أن أفعل؟ ألا يخطر ببالك احد من الأقارب او الجيران ممن يستطيع أن يدلني او يرشدني على عمل آخر؟ لقد سئمت البقاء على هذه الحال!!
نظرت اليه زوجته وقالت بمرارة: وهل تتوقع أن يقدم يد المساعدة شخص ما وأنت الذي أغلقت الأبواب بوجه القريب والبعيد؟؟؟
مستمعينا الكرام مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وإستمعتم الى قصة اليوم وتعرفتم على النتائج السلبية التي وصل اليها سامي بسبب عدم قدرته التعاون مع الآخرين دائماً. ولكن رب سائل يتسائل ويقول: لماذا أصبح سامي هكذا، وماهي الدوافع وراء سوء تصرفاته هذه؟؟ وغيرها من الأسئلة، لذلك سنتوجه الى ضيفي البرنامج لمناقشة هذا الأمر علّنل نتوصل الى حل يخلص سامي وامثاله من هذه الحالة غير الصحيحة وغير الجيدة. نتوجه بداية الى ضيف الحلقة سماحة الشيخ باسم العابدي الباحث الاسلامي من العراق لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي عن ضرورة الوحدة والتماسك الاجتماعي بين الفراد وما إنعكاس ذلك على الفرد والمجتمع؟ فلنستمع معاً
العابدي: بسم الله الرحمن الرحيم القرآن الكريم أشار الى قضية التماسك والوحدة بين أفراد الأمة الاسلامية والمجتمع الاسلامي. القرآن الكريم اكد على أن الأمة الاسلامية تتوفر فيها عناصر التماسك والإنسجام ومنها العناصر الخيرية اذ قال القرآن الكريم "كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" الوسائط الخيرية وطرق التماسك الاجتماعي والإنسجام الاجتماعي متوافرة في الأمة الاسلامية من خلال الدلالة والإشارة القرآنية وكذلك الوحدة بين المجتمع الاسلامي في الإشارة القرآنية وفي الآية القرآنية "إن هذه أمتكم امة واحدة" الأمة الاسلامية هي أمة واحدة بتماسكها وبتواصل هذه العناصر التي وجدت في هذه الأمة. الله سبحانه وتعالى أعطى الانسان المسلم وعموم الانسان، اعطاه وسيلة وواسطة وطريق للتماسك والتعاون، قال في سورة المائدة "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" المنهاج هو التعاطي الاجتماعي والتماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع. يعني الله سبحانه وتعالى اعطى للإنسان وبخصوص الإنسان المسلم المنهج والطريق لأن يتواصل ولأن يتلاقى، ينفعل مع بعضه البعض لكي يصل الى الله سبحانه وتعالى وكذلك في الآية الأخرى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" (سورة الحجرات۱۳) في هدفية الانسان، هدفية خلق الانسانه أنه يتقارب ويتعارف ليعبد الله سبحانه وتعالى فهذه دلالات قرآنية من العلاقة الاجتماعية وهناك مرتكزات لبناء المجتمع المتماسك. مرتكزاته أولاً تمر من بناء الفرد بناءاً صحيحاً، لابد أن يبنى الفرد بناءاً صحيحاً سليماً لكي يبنى مجتمعاً ناضجاً ومجتمعاً سالماً. ايضاً من عناصر ومرتكزات بناء المجتمع المتماسك هو وجود القيادة الشرعية المؤمنة والحريصة على المجتمع، اذا ما تواصلت القيادة المخلصة المؤمنة كما في حال وجود الأنبياء، الأنبياء أرسلهم الله سبحانه وتعالى لبناء الانسان وبناء الجماعة الصالحة وأرسل معهم الكتب السماوية، هذه الكتب السماوية هي دساتير وقوانين لبناء الانسان الصالح. ايضاً الوعي الاجتماعي والمسؤولية الذي يشير اليه الحديث الشريف "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" الانسان الفرد هو مسؤول هم بناء المجتمع كما هو مسؤول عن بناء نفسه وهو حلقة في هذه السلسلة الكبيرة التي يسمونها المجتمع، لابد أن يحرص على التماسك الاجتماعي واذا ما توافر الوعي والحرص والمسؤولية عند الفرد فيستطيع أن يبني مجتمعاً ناضجاً وسليماً. التعاون ايضاً بين افراد المجتمع في إشارة الآية القرآنية "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى" (سورة المائدة۲) هذا ايضاً من شأنه أن يبني المجتمع ويقوي حالة التماسك فيه. الرحمة بين المؤمنين وبين أفراد المجتمع من شأنها ايضاً أن تقوي هذا التماسك كما ورد في الآية القرآنية الكريمة "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ" (سورة الفتح۲۹) الرحمة بين المؤمنين، بين المسلمين، بين أفراد المجتمع. اذا ما توافرت الرحمة بين أفراد المجتمع فسيكون هذا المجتمع مجتمعاً سالماً مبنياً بناءاً صحيحاً وسليماً. كذلك المحافظة على القيم الأخلاقية وإجتناب المعاصي اذا ما حافظنا على قيمنا الأخلاقية وتمسك المجتمع بهذه القيم فإن التماسك سيكون كبيراً ولايتفكك هذا المجتمع، القرآن الكريم يقول "وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً" (سورة الأنفال۲٥). هناك احاديث شريفة ايضاً تشير الى التعاطي الاجتماعي، في الحديث الشريف جاء "ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائعاً" هذا التكافل الاجتماعي، هذا التعاطي الاجتماعي ، هذا التعاون ودلالات الأحاديث الشريفة ودعوة النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام الى هذا التعاون بين المجتمع الذي يؤدي الى قوة التماسك واذا ما فقدت هذه الدلالات وهذه المثابات فإن المجتمع سيتفكك ولاتكون هناك قدرة على جعله مجتمعاً متماسكاً. هذه المعالم التي وضعتها الشريعة ووضعها الشرع منها الحالات المادية والمالية كالخمس والزكاة وغيرها وايضاً في الجوانب المعنوية مثل الأعياد وتبادل الزيارات والحقوق ايضاً هذه من العناصر والعوامل التي تؤدي الى تماسك المجتمع وقوة المجتمع.
وبعد أن إستمعنا الى سماحة الشيخ باسم العابدي من العراق نتوجه الان الى الأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان لسؤالها عن الأسباب والدوافع النفسية وراء توجه هكذا اشخاص لأن يعيشوا بعيدين عن الآخرين وعن حياتهم والإبتعاد عن تقديم يد المساعدة والعون للغير في كل الظروف وفي كل الحالات؟ لنستمع اليها
الخنساء: السلام عليكم. هناك بعض الناس أنانيين ينشأون بسبب ظروف التربية او سبب ظروف نفسية خاصة بهم وتكون عندهم أنانية خاصة، يجب أن تكون كل المكاسب في الحياة له ولايريدوا مد يد المساعدة للآخرين ويتجاهلون الاخر بكل الأشكال وحياتهم تدور نحو الأنا. هذه الأنا تمنعهم من تقديم أي مساعدة للآخر، اذا كانت مساعدة اجتماعية او حتى مساعدة في ظروف العمل والتعاون مع الاخر. هؤلاء الأشخاص هم ضرر كبير على المجتمع لأن المجتمع يقوم على التعاون والتعاون هو أساس النجاح في الحياة وهؤلاء الناس هم أشخاص فاشلون في الحياة، فاشلون في عملهم لأن الانسان الذي لايساعد الآخرين لايجد لنفسه من يساعده أبداً في الحياة ولانجد من يمد له يد العون في وقت هو بحاجة لأن الانسان لايمكن أن يعيش لمفرده في المجتمع لأن المجتمع هو خلية متجانسة تضم البشر والناس وكافة الأصناف لذلك يجب أن يكون التعاون صفة أساسية في خلية النحل اذا أردنا وصفها بشكل مصغر، حتى المجتمع الصغير يجب أن يكون متكافئاً، متعاوناً، متفاهماً، يكون هناك تفاني في سبيل العطاء وفي سبيل مساعدة الآخرين وتقديم كل ما يلزم بطريقة مادية او معنوية او بالخبرة او بالكلمة الحسنة فاذا لم يكن هو من الأشخاص الذين يمدون يد العون للاخر فلم يجد نهائياً من يعينه او يساعده في الحياة او يقدم له أي شيء.
في ختام حلقة اليوم اعزائي المستمعين نتوجه الى ضيفي البرنامج سماحة الشيخ باسم العابدي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان بالشكر الجزيل كما نشكر لكم مستمعينا الكرام حسن المتابعة لحلقة اليوم من برنامج من الواقع والتي قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران حتى الملتقى نستودعكم الله والسلام عليكم.