خبراء البرنامج: الشيخ جعفر فضل الله الباحث الاسلامي من لبنان والدكتورة شيماء عبد العزيز استاذة في علم النفس من العراق
اعزائي المستمعين نرحب بكم، في حلقة اليوم سوف نتناول موضوعاً نجده يحل في اغلب ممارسات وتصرفات البعض منا ومايؤدي بسبب ذلك الى الوقوع في مشاكل مادية او معنوية او ربما يؤدي الى تخريب طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة. هذا الموضوع هو موضوع العجلة او الإستعجال في التصرف او في الحكم على امر ما بحيث يخلق هذا الأمر تنافراً بين الأصدقاء على سبيل المثال او جدالاً او نقاشاً حاداً بين الأخوة او بين باقي أفراد الأسرة، وليس هذا فقط إنما قد تتسبب العجلة في التصرف والحكم الى حدوث كثير من الأمور التي لايحمد عقباها. ولما لهذا الموضوع من تداعيات بكل تأكيد سوف تنعكس سلباً على طبيعة العلاقة بين هذا الشخص وذاك إرتئينا ان نستضيف خبيري البرنامج سماحة الشيخ جعفر فضل الله الباحث الاسلامي من لبنان والدكتورة شيماء عبد العزيز أستاذة في علم النفس من العراق لتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع من خلال توجيه بعض الأسئلة اليهما.
أحبتي الأفاضل نشأ وديع مع باقي إخوته في بيت أبيه ومنذ الصغر كانت صفة العجلة في عموم تصرفاته هي الملازمة له أغلب الأوقات وقد ترسخت فيه ولما تبارحه أبداً. كام وديع جميلاً في منظره ونظيفاً في ملبسه ومواظباً في عمله إلا أنه كان عجولاً جداً لايصبر او يتأنى بإنتظار ما ستسفر عنه الأمور لكي يتم إتخاذ القرار المناسب او الرأي الصائب إزاءه. لهذا كان وديع غالباً ما يقع في مطبات ومشاكل وغالباً كان يخسر حتى أبسط حقوقه او ما شابه رغم تمتعه بصفات اخرى حسنة. لما كبر وديع وأصبح موظفاً لأحدى الدوائر الرسمية كان غالباً ما يقع في مشاكل مع زملاءه والسبب كما قلنا اعزائي المستمعين هو العجلة. ذات يوم توترت علاقته مع أحد الموظفين وقد شابها الإنقطاع فيما بعد ولم يعد وديع يسلم عليه ولا الموظف زميله يبعث له بالسلام، وهنا إستغل الموقف موظف آخر لتأزيم التوتر بين وديع وزميله بشكل اكثر ولكن من باب المزاح فقال لوديع: أنت سألتني وأنا سأقول لك الحقيقة، لقد وصفك أمير بأوصاف لايصبر عليها أحد ولو لم أردعه وأوقفه عند حده لتمادى اكثر في الكيد منك والمساس بك.
إستشاط وديع غضباً وراح يتوعد لأمير ليرد عليه بتلك الكلمات وذات العبارات التي وصفها به. وفعلاً خرج من الغرفة واذا به يكون أي أمير مع وديع وجهاً لوجه فقال له وديع: لقد بلغني ما قلته، وبلغني مدى حقدك عليّ، كنت اعرف ذلك منذ وقت طويل لأني كنت أشعر بحجم انانيتك تجاهي دائماً.
حاول امير أن يتبين من وديع سبب هذا الكيل من الكلمات الجارحة بحقه فقال له: على مهلك يارجل لمَ أنت تخطأ بحقي، ومن قال لك أني تفوهت بحقك بهذه الكلمات.
لم يرد وديع لبيان السبب بل إستمر في تهجمه على صاحبه حتى أصبح الموقف متأزماً كثيراً.
عاج وديع الى البيت ولازال الغضب مسيطر عليه، فتحت أمه الباب فقالت له: أراك غاضباً ياولدي؟
قال لها: لا لست غاضباً، ولكن قولي لي هل زوجتي موجودة؟
ردت عليه: لا يابني، فقد سمعتها تتكلم على الهاتف وبعد لحظات خرجت مسرعة دون أن تقول شيئاً.
زاد هذا الكلام من غضب وديع ودون أن يمهل زوجته عند عودتها لتوضيح سبب خروجها أمسك بالهاتف وإتصل بأمها وقال: لقد تعبت مع ابنتك كثيراً، لم تعد تطيعني كزوج لها فهي تخرج متى ما تريد وتعود متى ما تريد وهذا مالا أقبله أبداً.
أغلق وديع سماعة الهاتف دون أن يسمح لوالدة زوجته بالكلام ودون أن يسمح لها بتوضيح سبب خروج إبنتها من البيت والى أين ذهبت!!
نعم أعزائي لما عادت زوجة وديع عند المساء بادرت بالسلام على الحاضرين، ردّ الجميع السلام إلا وديع، فقد بادر في توبيخ زوجته بسبب خروجها من البيت دون أن تستأذن منه. ولما أرادت الزوجة أن تدافع عن نفسها أصرّ وديع على الإستمرار في توبيخها وإهانتها امام اسرته. إنزعجت الزوجة كثيراً من هذا الموقف وطلبت منه أن يكف عن توجيه الإهانات اليها كما طلبت منه السماح بأن تشرح ذلك، حتى أن أمه طلبت منه التروي وعدم توبيخ زوجته بهذه الطريقة إلا أن وديع ظل مصراً على موقفه الغاضب لذلك فقد تعجل هذه المرة ونهرها قائلاً: لاتجبريني على إتخاذ موقف خطير تجاهك بسبب تكرار خروجك من البيت دون إذن مني.
في اليوم التالي وبينما كان وديع منشغلاً بعمله دخل شخص وبيده مجموعة من بطاقات الدعوة لحضور حفل زفاف ابن الموظف امير الذي نال منه وديع بالكلمات الجارحة فيما مضى. وفعلاً بدأ ذلك الشخص بتوزيع البطاقات واحدة واحدة إلا وديع، فبعد أن أتم الشخص توزيع البطاقات إستدار على وشك الخروج، وهنا قال وديع: كنت أتوقع ذلك، نعم كنت أتوقع ذلك منه فهو انسان حاقد عليّ ولايرغب في دعوتي او تخفيف الأزمة التي بيننا بل بالعكس فهو قد تسبب الآن في تأزيمها اكثر وأكثر فإنمال اليه أحد الموظفين اليه قائلاً: لاتكن عجولاً ياوديع فأمير ايضاً موظف نزيه ولاأعتقد أنه يفكر بهذه الطريقة.
فقال له وديع: وماذا تسمي عدم توجيه الدعوة لي بحضور حفل زفاف ابنه؟ أليس هذا بالأمر المعيب؟ ـليس هذا بالأمر المخجل؟ فوالله لو جاءني وإعتذر ألف مرة ومرة فسوف لن أقبل إعتذاره!
حاول أن يخفف من روعه الموظفون الحاضرون إلا انه أبى ورفض أن يكون هادئاً، وهنا وجه له الكل اللوم لأن إتهاماته أساسه هش وغير واقعي بل استمر وديع بتوجيه التهم الى زميله أمير ونعته بنعوت لم تكن لتنسجم مع طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون سائدة بين الموظفين. وبينما وديع مستمر في ذلك وأخذت منه العصبية مأخذاً وراح يلوح بيديه وينكث نار الغضب على امير دخل امير الغرفة فجأة وبيده بطاقة دعوة وديع يلوح بها وأمام كل الحاضرين وقال: السلام عليكم اولاً، مرحباً يازميلي وديع، لقد جئت اليك على عجل بعد أن إكتشفت أن الشخص الذي قام بتوزيع البطاقات الخاصة بزفاف ابني قد نسي أن يعطيك بطاقتك، لقد كانت ملقاة بزاوية حقيبته ولم ينتبه اليها إلا بعد أن عاد وراح يتفحص ويدقق الحقيبة جيداً.
شعر وديع بالحرج لما رأى زميله امير الذي تشاجر معه في السابق وقد حمل بيده بطاقة الدعوة ليقوم بنفسه بمنحها اليه فتوقف لايعرف بماذا يجيب وماذا يقول، فقد وجه تهماً كثيرة الى زميله أمير دون وجه حق.
بعد أن إستمعنا الى قصة اليوم تبين لنا أن الانسان العجول غالباً ما يقع في مواقف محرجة وغالباً ما تكون قراراته متسرعة وغير دقيقة وغير صحيحة لذلك فهو يخسر العديد من الأصدقاء ويخسر الكثير من الثقة مع هؤلاء لهذا فقد توجهنا الى سماحة الشيخ جعفر فضل الله الباحث الاسلامي من لبنان لسؤاله عما يراه الشرع الاسلامي بخصوص العجلة في إتخاذ القرار والعجلة في الحكم على الآخرين دون دليل ودون سبب حقيقي او واقعي وماهي الوصايا والارشادات الصريحة التي يمكن أن نوجهها في هذا المجال؟
فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم العجلة تنافي الحالة التي يحتاج فيها الانسان الى أن يكون متوازناً في تفكيره، هادئاً، يحاول من خلال ذلك أن يدرس عواقب الأمور وأن يدرس الآثار المترتبة على القرار الذي يتخذه. وبالتالي يحتاج الانسان الى أن يعيش التأني والذي هو أساس للحكمة والتعمق في دراسة الأمور، ودعيني أقول العجلة هي تنافي حالة التوكل التي ينبغي أن يعيشها الانسان المؤمن لأن الانسان يحاول يضبط كل القوانين والسنن التي تتحرك في الحياة بينما هي ليست بيده وهي بيد الله سبحانه وتعالى، وعندما تكون في يد الله فهذا يعني أن يترك ما لله سبحانه وتعالى ويعمل هو ما عليه. من هنا نستطيع القول ونحن في هذا المجال هو أن نتحرى، ندقق في الأمور، نتأمل فيما نسمعه، نتحقق فيما يصل الينا من معطيات ومن خلال ذلك نتوصل الى أداء قريب الى الواقع او نصل الى حكم أدق والى حكم على الأشياء اكثر دقة وعدلاً في هذا المجال. لذلك الإستعجال في طرح الأمور قد يوقع في الندامة لذلك ورد في قول الله سبحانه وتعالى، في الحديث أن لايستعجل الانسان في الحكم على مايسمع خاصة في هذه الأيام التي يكثر فيها البث في وسائل الاعلام والدس والخديعة ويراد أن تصور الأشياء على غير حقائقها. وهناك مراكز وأجهزة تصنع أموراً واكاذيب وتبثها على وسائل الاعلام كأنها حقائق لذلك يحتاج الانسان في هذا العصر اكثر من أي وقت مضى الى التأني والى التعمق والى أن يكون لديه اكثر من مصدر من المعلومات وأن يتحقق حول الجهة التي يسمع منها والشخص الذي يسمع منه وأن لايكتفي حتى بالذين يكونون صادقين في أنفسهم وقد لايعيشون التعمق وبالتالي ينقلون اليه بعض الأمور التي سمعوها على أنهم هم الذين عاشوها لذلك نحتاج الى التأمل ونتوكل على الله في ذلك والله سبحانه وتعالى يعطينا من فيضه ومن لطفه مايمكن أن يدلنا الطريق اذا رأى منا الاخلاص في النية والهدوء في التفكير والتعمق في وزن الأمور والنظر اليها.
نتوجه الآن الى الدكتورة شيماء عبد العزيز الأستاذة في علم النفس من العراق لسؤالها عن الأسباب التي تكمن وراء عجلة الانسان في إتخاذ القرارات او التلفظ بالعبارات غير اللائقة او تعجله أحياناً في شراء أشياء هي في الأساس لافائدة منها له وعن تداعيات ذلك على شخصية الفرد العجول ومايمكن أن ينجم عن ذلك من مساوئ اخرى؟
عبد العزيز: علينا اولاً أن نفرق بين التسرع والسرعة، التسرع غير السرعة. التسرع صفة غير إيجابية لأن تنبي عليها مواقف وتتخذ قرارات دون التأكد من صحة وسلامة هذه القرارات ومبرراتها ودوافعها أما السرعة، عندما يكون الانسان واثق من قدراته وواثق من معلوماته أحياناً يتطلب الموقف أن يتسرع للحصول مثلاً على مكافاة بأن يجيب على سؤال هو واثق من إجابته فيسرع فعلينا أن نفرق بين التسرع والتهور وبين السرعة لهذا نحن نأخذ جانب التسرع والتهور في حديثنا اليوم لأنها صفة ظاهرة وأصبحت ظاهرة في مجتمعاتنا نتيجة الحياة السريعة، ضغوطات الحياة، التكنولوجيا التي دخلت مجتمعاتنا وبسرعتها الهائلة أصبح الانسان يتسرع، ومتسرع في اكثر المواقف. لما يكون هذا التسرع ليس يكون صفة مذمومة فقط لصاحبه، احياناً تشمل بقية الناس وبقية الأطراف الذين يتعامل معهم هذا الشخص المتسرع لهذا نقول التسرع هي صفة غير محبوبة وهي سمة مذمومة وغير مرغوب فيها والانسان المتسرع يكون غير محبوب من قبل الآخرين. كل سمة لها جانب إيجابي وجانب سلبي، سمة التسرع مقابلها سمة التأني والتحكم والحلم في إتخاذ القرار وفي إصدار القرار والعمل. هناك سمات يتصف بها بعض الناس هي سلبية ومنها التسرع أحياناً تلتقي هذه السمة وينسى أسم الشخص ويقال جاء المتسرع او المتهور. كما ذكرنا هو آفة من آفات المجتمع بما تتصف به أبناء مجتمعاتنا بهذه السمات والتي يكون مردودها السلبي ليس على الشخص المتسرع فقط وإنما على باقي الأفراد الذين يتعامل معهم هذا الشخص. علاجها أن يخضع هذا الشخص الى تقوية ثقته بالنفس وهذه تبدأ منذ الطفولة، نقوي الثقة بالنفس عند اطفالنا ونبنيها بناءاً صحيحاً منذ البداية، أن نشارك اطفالنا همومهم ومشاكلهم، أن نحسس أطفالنا بالحب والأمان وإتخاذ القرار بصورة صحيحة وغير متسرعة. أن نسمع اطفالنا وهم يمرون بمشاكل وفي كيفية حل هذه المشاكل بدون تسرع وبدون تهور لكي يصبح الطفل في المستقبل شاباً قادراً على السيطرة والتحكم بإنفعالته وسلوكياته.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا حسن المشاركة كما نشكر لكم اعزائي حسن الاستماع، الى اللقاء.