خبراء البرنامج: الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من لندن والدكتورة زينب عيسى الباحثة الاجتماعية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الأفاضل في حلقة اليوم سنتطرق الى موضوع طالما تسبب في خلق مشاكل اكثر تعقيداً وأكثر تأزماً مايؤدي بالتالي الى زعزعة أركان الأسرة وهدم اواصر العلاقات التي تربط بين الأب والأم او بين الأبوين والأولاد على حد سواء. في بعض الأحيان نجد هناك ازواجاً لايحبون أن يكونوا على قدر المسؤولية التي تحمل أعباء ومشاكل البيت التي لابد منها في كل الأحوال وفي كل الظروف. إن تهرب الزوج من مشاكل البيت وعدم لجوءه الى حلها بما يرضي جميع الأطراف في البيت سوف يؤزم الموقف اكثر بل ربما يفاقم من حجم المشكلة ويقود بالتالي الى خلق مشاكل اخرى وازمات اخرى من شأنها أن تؤثر سلباً على طبيعة العلاقة بين الزوجية وعلى أفراد الأسرة بشكل عام. سنستضيف لكم في الفقرة الأخيرة ضيفين من ضيوف البرنامج لأجل إلقاء الضوء اكثر على هذه المشكلة وكيفية معالجتها بما يحقق ديمومة العلاقة الطيبة بين الزوجين. وبالنتيجة يكون المجتمع قد ضم أسرة اخرى الى سجل الأسر البارزة وذات الشأن في تطوير هذا المجتمع والضيفان هما الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من لندن والدكتورة زينب عيسى الباحثة الاجتماعية من لبنان فكونوا معنا.
وسط فرح الأهل والأقرباء تزوج وليد بإبنة خاله سحر، تعود ومنذ الأيام الأولى أن يخرج وليد الى محل عمله صباحاً ولما يعود عند المساء يكون العشاء حاضراً، يتناوله هو وزوجته ثم يلجأ الى الشاشة المحببة اليه أي التلفزيون ثم بعد ذلك يخلد الى النوم إستعداداً للتوجه الى عمله صباح اليوم التالي. ذات يوم ولما عاد وليد الى البيت وجد زوجته بإنتظاره على أحر من الجمر، لم يسألها في البداية عن سبب توترها بل لجأ الى غرفته اولاً وعندما وجدته زوجته غير مبال بها قالت له: ألم تنتبه الى حالي؟
إلتفت اليها وقال بإعصاب باردة: نعم نعم لقد إنتبهت اليك، ألا تخبريني بما حصل؟ هل سقطت على الأرض مثلاً؟ أم أنك تشعرين بتعب؟ أتحبين أن تذهبي الى الطبيب؟
تعجبت سحر من برودة جواب زوجها وليد لكنها حاولت أن تلفت إنتباهه اكثر فقالت له: هل تصدق بأني الى الآن لم اعد طعاماً، ولم أنظف البيت ولم؟؟؟
هنا حاول وليد أن يبدي بعض إهتمامه وقال: ولماذا وهل حصل لك شيء؟ هيا قولي بسرعة!!
شعرت سحر بنوع من الإرتياح فعزمت على قول ماجرى وأردفت: في الحقيقة اليوم إتصلت بي أختك وكان حديثها طبيعياً في البداية ثم تغير الحديث وبدأت تكيل لي من الكلمات التي لاتليق بحقي ولابحقك وراحت تتهمني بالتقصير تجاهك وتجاه أهلك. برأيك أنا مقصرة معك؟ هل أنا مقصرة تجاه أهلك؟ لماذا اذن تشاجرت أختك معي وأغلقت سماعة الهاتف بوجهي؟ ها هيا قل اي؟؟
حاول وليد تهدئة الموقف وطلب من زوجته أن تستريح قليلاً وتذهب الى المطبخ لإعداد الطعام لأنه جائع ويريد اللجوء الى النوم من شدة التعب.
نظرت اليه سحر وقالت له: ها يبدو أن ماجرى لي لم يحرك فيك ساكناً او ربما يبدو أن الذي جرى لم يكن قد جرى لزوجتك بل امرأة عادية بالنسبة اليك!!
رغم ذلك لم يعر وليد أي إهتمام لذلك، فقد ماحاول قوله هو: حاولي أن لاتأزمي الأمور فإنها تحدث بشكل طبيعي في كل بيت، لأرجوك أنا متعب وأريد الذهاب الى النوم.
نعم اعزائي في أحد الصباحات رنّ جرس الهاتف، رفعت سحر السماعة وقالت: ألو، السلام عليكم، اهلاً ست فريدة؟
قالت: أعتذر لإتصالي في هذا الوقت لكن أبنك تعرض لوعكة صحية وعليك انت او زوجك الإسراع في المجيء الى المدرسة.
وفعلاً لما أغلقت السماعة أي سماعة الهاتف أيقظت سحر زوجها من نومه وقالت له: إنهض ياوليد، إنهض فإبنك مريض ويجب الذهاب الى المدرسة حالاً!
فتح وليد عينيه وقال: توقظيني في هذه الساعة من النوم من أجل أن أذهب الى المدرسة؟ هل هذا معقول ياأمرأة؟
تعجبت سحر من تصرف زوجها وقالت له: لا والله فمن غير المعقول أن يبقى الأب نائماً وإبنه مريض في المدرسة رغم أن إدارة المدرسة إتصلت وأكدت بأن حاله ليس بجيد!!
وبعد نقاش طويل مع وليد إضطر سحر أن تذهب وحدها الى المدرسة وبعد أن وصلت كانت حالة الإبن سيئة جداً مادعاها وحسب نصيحة الست فريدة أن تذهب بإبنها الى المستشفى بسرعة. ولما وصلت بإبنها الى المستشفى حاولت سحر الإتصال بزوجها اكثر من مرة فحالة الإبن كانت تستدعي بقاءه يوماً او يومين في المستشفى لكن وليد لم يكن يرد على إتصالات زوجته لكي لايورط نفسه في الذهاب وتحمل أعباء مرض إبنه. شعرت سحر بالتضجر من تصرفات وليد وهي العارفة والمتأكدة أنه لايرد على إتصالاتها الهاتفية عمداً وإصراراً، تهرباً من أداء واجباته تجاه أسرته حتى لو كان إبنه مريضاً. وفي اليوم التالي وبعد أن سمح الطبيب المعالج بخروج سحر وإبنها من المستشفى قررت سحر أن تتوجه وإبنها الى بيت أبيها، ولما حلّ الليل تذكر وليد أن يتصل بزوجته ولما حاول الإتصال بها أكثر من مرة لم ترد عليه هي الأخرى. شعر بنوع من القلق فعاود الإتصال بها من جديد ولكن ايضاً لم يأته الرد. إنتبه لنفسه وتسائل: ترى أين زوجتي الآن؟ هل لازالت في المستشفى؟ هل لازال إبني مريضاً؟ بمن أتصل حتى أعرف الحقيقة فزوجتي لم ترد على إتصالاتي؟ ما العمل؟
بعد لحظات إضطر بأن يتصل بالمستشفى ولما إتصل تبين أن زوجته سحر قد خرجت وبرفقة إبنها، لكنها لم تأتي الى بيتها!!
بعد أن تابعنا قصة وليد وسحر تبين كم أن الزوج كان يحاول أن يتهرب من مشاكل البيت سواء المشاكل التي كانت تحل بزوجته او بإبنه لهذا فقد توجهنا الى الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من لندن لسؤاله عما يراه ويفسره مما قام به هذا الزوج وهل يجوز ذلك رغم أن زوجته كانت قد وفرت له كل أسباب الراحة والإطمئنان؟ وماهو حكم الشرع في حق هذا الزوج؟
الأوسي: بسم الله الرحمن الرحيم إنما أسست الأسرة في التشريع الاسلامي من أجل أن تبنى الخلية الأولى للمجتمع الصالح وهذه الخلية الأولى إنما تعتمد على أركانها او ركنيها الأساسيين، الزوج والزوجة ومن ثم الذرية. المهم في الأمر هذان الطرفان وهما اللذان يتحكمان في مستتقبل هذه الأسرة الخلية الأساسية في المجتمع الذي يرد الاسلام أن يعيش سعيداً من خلال سعادة هذه الأسرة فإذا ما تفككت هذه الأسرة بسبب ما أنه نئى الزوج بنفسه عن المسؤولية او تهربت الزوجة عن المسؤولية اوتخلى أحدهما او كلاهماعن هذه المسؤولية طبعاً الأسرة في طريقها الى الهدم، الى الزوال، الى الدمار ومن ثم تدمر الأبناء وبعد ذلك المجتمع. الزواج هو عقد بين الزوج والزوجة، عقد من اجل أن يتعايشا، من أجل أن يبنيا أسرة تمضي قدماً من اجل بناء القيم التي ترتفع بهذه الأسرة من اجل أن تؤدي دورها الصحيح. أما اذا تخلى أحد الركنين، الزوج او الزوجة وهو لايحق له ذلك. اذا أراد أن يخل، يقصد ويتعمد الإخلال في نظام الأسرة. لايجوز له ذلك الزوج او الزوجة. اذن هناك مسؤولية وإلا فالزواج هو عقد واذا أراد الانسان أن يخل بهذا العقد معناه أنه يتخلى عن مسؤوليته وبالتالي يضع قنبلة موقوتة أمام هذه الأسرة لتنفجر وتتلاشى. المهم في الأمر أن الاسلام لايسمح للزوج او الزوجة أن يتخليا عن مسؤولياتهم داخل الأسرة. لماذا؟ لأن أولاً الزواج عقد. ثانياً أن هناك نتائج خطيرة تترتب على صعيد الأبناء، على صعيد الأسرة بل على صعيد المجتمع كله. اذن المسؤولية ملقاة على ركني الأسرة الزوج والزوجة وليس بمقدور احدهما أن يتخلى. طبعاً طبيعة التخلي ولكل مشكلة لها ظروفها الخاصة وهذه تبحث في مجال الفقه وعند الحاكم الشرعي، قد يتخلى الانسان لسبب معين وانسان آخر يتخلى لسبب آخر اذن المشكلة إختلفت من هذا الانسان الى انسان آخر فكل مشكلة تنظر بميزانها وظروفها وملابساتها وللحاكم الشرعي أن يرى رأه. أحياناً يدخل الحاكم الشرعي ليطلق الزوجة او يتدخل ليضع قيوداً على الزوجة التي ترفض أن تأتي الى بيت الطاعة اذا كان في شروطه الصحيحة. اذن هناك مواقف حاسمة وسريعة الشارع لايسمح بها، المهم كل التشريعات التي تخص الأسرة هي من أجل أن تبنى أسرة قوية صالحة متينة بإستقامة ركني هذه الأسرة وهما الزوج والزوجة من أجل أن يحيا ويسعدا ويسعد الأبناء في ظل هذه الأسرة الصالحة.
وبعد أن إستمعنا الى ماقاله الدكتور علي رمضان الأوسي نتوجه الى الدكتورة زينب عيسى الباحثة الاجتماعية من لبنان لسؤالها عن تبعات تصرفات هكذا أزواج وماهي الإنعكاسات السلبية التي يمكن أن يخلفها تهرب الزوج من اداء واجبه تجاه أسرته وعدم لجوءه الى حل المشاكل التي تمر بها الأسرة وهل يمكن إصلاح هذا الزوج أم لا؟
عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الكريم إن موضوع الذي تطرأتم حضرتكم اليه بخصوص الزوج وليد وأفعاله وسلوكياته السلبية التي تتنافى مع دوره كأب وصاحب مسؤولية، يمكن النظر الى هذا النوع من الآباء من عدة نقاط. أولاً الأب عليه أن يعرف دوره كأب ودور أسري فهو صاحب مسؤولية وصاحب رعاية أولى لأبناءه لأن هو المثال وهو صورة التماهي التي يتماهى بها الأبناء، اذا ما الأب تنحى عن دوره وإلتزاماته ومسؤولياته فها يعني أن هناك خلل كبير وشرخ كبير داخل الأسرة. فكما لمست من قصة حضرتكم بأن الأب لم يتعاطى الشعور او لم يقف ولم يأخذ دوره عندما كان إبنه مريضاً في المستشفى وبقيت زوجته وحدها فهذا يتنافى مع الدور الممهد له فالأب عندما ترك زوجته تذهب بنفسها الى المستشفى فهذا يعني أن هناك مشكلة ما عند الأب على البنية النفسية والسلوكية والاجتماعية. علينا أن نعرف ماهي الأسباب التي دفعت الأب لإتخاد مثل هذا السلوك؟ هل هو علاقة سلبية بينه وبين زوجته أراد أن يقاصصها ويتنحى ويترك عليها المسؤوليات والإلتزامات الكبيرة؟ اذا كان هناك خلاف بين الزوج والزوجة هذا لايعني أن ينعكس هذا سلباً على البناء. ثانياً اذا كان هناك خلل ما او كان الأب بينه وبين أبناءه موقف فهذا لايعني أن نقاصص الأبناء ونتنحى عن أدوارنا. هناك الكثير من الآباء لايعرفون حقيقة دورهم فهم كصورة وكتمثال في البيت وهذا لايصح أبداً أبداً، الآباء هم القدوة، هم المثال الأعلى للأبناء وأكثر من ذلك على المستوى النفسي الأب هو صاحب السلطة، من خلال الأب يتعلم الأبناء الدخول الى القانون الممنوع والقانون المسموح، قانون الحلال والحرامز هناك أدوار كبيرة مرتبطة بالآباء، على الآباء أن يعرفوا حقيقة هذا الدور وإلا إنشرخت الأسرة وعندما تنشرخ الأسرة فهذا يعني أن هناك خلل كبير في المجتمع لأن باب المجتمع هو باب الأسرة. اذا كانت الأسرة مفككة وغير متماسكة يعني نحن نبني مجتمعاً غير متماسك، مجتمع هش فعلينا أن ننظر الى هذا الأب ونساعده، أن تلجأ زوجته الى إختصاصيين ومستشارين يعلموها كيف تتعامل مع هذا الأب ولايترك هكذا على سجيته. كما تفضلتم كان هناك إتصال بين الزوجة واخت الأب هذا لايعني اننا نعاقب الآخرين يجب أن ننظر الى الأمور على حقيقتها ونجد لها حلولاً إيجابية تتماشى مع الواقع فالأب ليس موجود في هتل يدخل ويخرج حيثما يريد وأي ساعة يريد. البيت يختلف كثيراً عن فكرة الهتل، هناك إلتزامات، هناك مسؤوليات شرعية واجتماعية وقانونية وعلى كل المستويات وإلا الحياة الزوجية وإلا هو انسان على مستوى فاشل من العلاقات الزوجية، علينا أن ننظر الى هذه الأمور ونساعد هذا الزوج على قدر ما نستطيع من خلال الأصدقاء، تلجأ زوجته الى أصدقاءه، الى أقرباءه الذين لديهم حسن النصيحة وليس عند أي انسان حتى لاتزداد المشكلة وتزداد صعوبة. من هنا نساعده ونأخذ بيده ونعرفه حقيقة الدور الذي هو وجد من اجله. علينا أن نعرف كل انسان، الأم لها دور، الأب له دور، الإبن له دور وكل انسان في المجتمع له دور عليه أن يعرفه حقيقة المعرفة ليكون هناك مجتمعاً متماسكاً على مستوى عالي من البناء النفسي والاجتماعي وعلى المستوى الوظيفي.
في ختام حلقة اليوم أعزائي نشكر لكم حسن الإصغاء والمتابعة كما نشكر لضيفينا الكريمين حسن المشاركة، الى اللقاء.