خبراء البرنامج: السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من قم المقدسة والدكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم النفس الاجتماعي من بيروت
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم
أعزائي في حلقة اليوم سوف نتناول جانباً لبعض الآباء الذين يقصرون في تربية أولادهم ويقصرون في منحهم الرعاية الكاملة والإهتمام المناسب والذي يعكس دورهم كآباء وكأمهات. إن حالة عدم الإهتمام بالأولاد وتركهم دون السؤال عنهم او محاسبتهم عندما يقتضي الأمر لاشك أنه سيولد فجوة كبيرة وخطيرة في ذات الوقت بين الأبناء والأب، هذه الفجوة لو إتسعت أكثر من شأنها أن تكون بمثابة مشكلة اجتماعية كبيرة يواجهها المجتمع مثلما تواجهها الأسرة ونظراً للتداعيات السلبية التي تولدها هذه الحالة فسنستضيف إثنين من ضيوف البرنامج الأعزاء لأجل إلقاء الضوء أكثر وإعطاء النصح والإرشاد الى هؤلاء الآباء وكذلك التحذير من إحتمال تفاقم هذه الأزمة وتأثيراتها على المجتمع، الضيفان هما سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من قم المقدسة والدكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم النفس الاجتماعي من بيروت، أعزائي تابعوا معنا قصة اليوم.
أحبتي حميد شاب في مقتبل العمر منذ أن تزوج تعود على قضاء بعض الوقت خارج البيت مع رفاقه الذين طالما خرج معهم أيام عزوبيته قبل الزواج. خروجه هذا إستمر حتى بعد أن أصبح أباً لثلاثة أولاد وبنتين فلم يكن يسأل عن أولاده ولايسأل عن إحتياجاتهم ما ولّد فراغاً كبيراً لدى الأولاد خاصة بعد أن بلغوا أشدهم.
ذات صباح وهو يهم بالخروج من البيت توقفت زوجته عند الباب لسؤاله إن كان يقدر على العودة مبكراً هذا المساء أم لا؟ إنزعج حميد من هذا السؤال وقال لها: هل هناك شيء ضروري لعودتي مبكراً ياأم حسن؟
قالت له الزوجة والخوف بعينيها: لا لا لا أرجوك لاتغضب يازوجي العزيز، فقط كنت أريد أن.... كنت أريد أن...
أجابها حميد بعصبية: أن ماذا؟ هيا قولي بسرعة، فلدي موعد مع بعض الأشخاص ويجب أن ألحق بالمكان!
ردت عليه زوجته: ولكن إبنتك حنان بحاجة لأن نخرج معها، أقصد انا وأنت لكي نشتري لها بعض الحاجيات الخاصة بالمدرسة.
إستشاط أبو حسن غضباً وقال: حاجيات المدرسة؟ أوووه حاولي أن تخرجي أنت معها، قلت لك ليس لي وقت لهذه الأشياء التافهة.
حاولت الزوجة أن تخفف من غضب الزوج فقالت له: اذن سأحاول أن أريها بعض الأشياء القديمة التي أمتلكها عسى أن تقنع بذلك وترضى!
في هذه الأثناء دخل حسن واخوه حسين وبعد أن بادرا بالسلام وأداء التحية على الأم والأب قال حسن لأبيه: أبي اليوم طلب منا مدير المدرسة حضورك لأجتماع الآباء، أرجو أن لاتنسى ذلك ياأبي!!
لكن الأب وبطبيعة الحال رفض ذلك متذرعاً بإنشغاله بالعمل وأن لاوقت لديه لذلك. عاد وكرر حسن طلبه وسط إلحاح أخيه حسين لكن الرفض كان اللغة الوحيدة التي تمسك بها الأب حيال طلب الأولاد. ولما طلبت ذلك الزوجة ايضاً غضب الزوج أبو حسن وصرخ بالجميع ثم خرج!
أيها الأحبة إن بقاء الأب كثيراً خارج البيت ولّد فراغاً كبيراً لدى الأسرة خاصة عند الأولاد وهذا ما دفع بحسن الإبن الأكبر وأخيه حسين لأن يعتمدا على نفسيهما في امور عديدة بسبب يقينهما برفض الأب كلما يمكن طلبه منه. في إحدى المرات لما دخل حسين إنتبه لحالة أخيه حسن فسأله على الفور: ما بك ياأخي؟ أراك مضطرباً قليلاً، ما الأمر؟ هيا قل لي بسرعة!! هل هناك شيء؟
إرتبك حسين في إجابته وقال: لا لا لايوجد أي شيء. أصر حسن في سؤاله وقال له: لاتحاول ياحسين أن تخفي أمر إنزعاجك وتوترك، هيا قل لي ماذا حصل لك!
حاول حسين إخفاء ما تعرض له هو وبعض زملاءه من مشكلة خطيرة لايعرف هو ولازملاءه التخلص منها. ولما وقع حسين أسيراً لإصرار أخيه جلس على الكرسي الذي أمامه وأخذ يبكي بشدة !!!
تعجب حسن مما يشاهده فقد كان حال أخيه لايحسد عليه، حالاً يرثى له. أمسك بكلتا يديه بكتفي حسين وقال له: للمرة الأخيرة أسألك ماذا حصل؟؟ هيا قل لي وتأكد أني سأتمكن من مساعدتك، هيا قل!!
إضطر وبعد هذا الإصرار أن يعترف حسين لأخيه بما إرتكبه من اخطاء هو وزملاءه. قال حسين لأخيه حسن: ياأخي لقد وقعنا انا وبعض الأصدقاء في مصيدة أحد الأشخاص الأغنياء ففي يوم كنت بحاجة الى نقود ولما عرف بذلك صديقي رياض أشار اليّ بالذهاب الى ذلك الرجل الغني للإقتراض منه مقابل أن نقوم له ببعض الأعمال الخاصة به. فرحت بهذا الأمر ووجدته يسيراً عليّ أن أقوم ببعض العمال لقاء مبلغ من المال يسهل لي اموري ويخلصني من رفض أبي المستمر وصراخه الدائم.
سأله أخوه حسن: طيب وماذا بعد؟ هل إستمررت في إقتراض النقود؟
أجاب حسين: نعم ولكن تبين فيما بعد أنني ضحية لهذا الرجل فقد كان يتاجر بالأشياء الممنوعة والمحرمة وكان مراقباً من قبل الشرطة لذلك فقد إستخدمنا كوسيلة لنقل بضاعته وترويجها!!
إستاء حسن جداً مما سمعه وحاول أن يخلص أخاه من مشكلته. فقرر أن يذهب مع اخيه الى ذلك الرجل ليطلب منه الكف عن ملاحقة حسين والإتصال به حتى يسدد له ما بذمته من نقود كان حسين قد إقترضها منه. وفعلاً لما وصل حسن وحسين بيت الرجل طرقا الباب، فتح لهما الرجل الباب وما إن دخلا بيته وبادرا بالحديث حتى سمعوا طرقاً آخر ولما فتح الرجل الباب فإذا بمجموعة كبيرة من الشرطة تدخل وتلقي القبض عليهم وتقودهم الى مركز شرطة المدينة.
أعزائي بعد أن تم إصدار حكم على الرجل وكذلك على حسن وحسين وباقي الزملاء ضرب الأب أبو حسن كفاً بكف بسبب ماحصل ولما اوشك على الخروج من المحكمة أخذت الحيرة الشديدة والألم العميق مأخذاً كبيراً منه وقال مع نفسه: أشعر بأنني أنا المقصر، نعم أنا المقصر فلو لا إهمالي لشؤون اولادي لما حصل الذي حصل، هل سيغفر الله لي؟؟؟ لاأعرف ماذا أفعل؟ لاأعرف!!!
أعزائي بعد أن إستمعنا وإياكم الى القصة ندعوكم للإستماع الى السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من قم المقدسة لسؤاله عما يجب قوله للأب الذي ترك اولاده وإنشغل عنهم وكان يتذرع بالعمل حتى يتخلص من مسؤولياته إتجاههم، وكيف يرى الدين الاسلامي هذا الأمر؟ وبماذا ينصح الآباء أن تكون رعايتهم تجاه اولادهم؟ لنستمع معاً.
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله آل الله.
هذه الحالة إهتم بها الاسلام كثيراً وإستأثر بها الاسلام ولاأعتقد أن شيئاً إستأثر به الاسلام كما إستأثر بمسئلة سلامة الأسرة وسلامة الأسرة تبدأ من هنا وهو أن يشعر كل طرف بمسؤوليته تجاه الطرف الآخر، ولما كان الوالد هو رب الأسرة. الله سبحانه وتعالى يقول "قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة". هناك احاديث كثيرة ويأتي في مقدمتها الحديث المتواتر "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" وهذه المسؤولية تبدأ من داخل الأسرة ثم هكذا تتوسع. ايضاً لاعذر للوالد مهما إحتج بأي حجة. هناك امانة الله سبحانه وتعالى ألقاها على عاتق هذا الانسان، امانة تجاه نفسه وامانة تجاه ربه وامانة تجاه مجتمعه وامانة تجاه أرحامه ومن اخطر الأمانات أمانة الله في عنقه تجاه أولاده. هنا أقرأ روايتين، رواية عن الامام الصادق عليه السلام ما مضمونها أن بعض الأولاد حينما يوضع له اسم سيء يشتكي ذلك عند الله يوم القيامة لإختيار والده له اسماً سيئاً. هناك ايضاً حديث للإمام الباقر صلوات الله وسلامه عليه "ويل لمن يشتكيه اولاده يوم القيامة" طبعاً لماذا يشتكون؟ لأنهم على الفطرة لايعلمون شيئاً وإنما قصّر آباءهم في تربيتهم فتركوهم هكذا في الشارع... أنا عندي شغل.... عندي دوام... عندي إرتباطات وبهذا هم يخربون أكثر مما يعمرون. ويعمرون جانباً ويخربون جوانب عديدة. إنها مسؤولية خطيرة يجب أن يرعى الآباء، الأمهات هذه الحقوق التي هي في ذممهم تجاه أولادهم حتى يلقوا الله سبحانه وتعالى وهم غير مسؤولين عن هذه المسؤولية وهذه المهمة الخطيرة. نسأل الله سبحانه وتعالى دائماً نشعر بهذا الواقع ولانتهرب منه بحجج لأن الله سبحانه وتعالى لاتخفى عليه خافية والله سبحانه وتعالى لايتعامل معه بالأعذار والحجج والله سبحانه وتعالى غداً سائلنا وهو الشاهد وجوارحنا هي التي تشهد علينا. نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً الى مافيه الخير والصلاح.
بعد أن إستمعنا الى ماقاله سماحة السيد حسن الكشميري نتوجه الآن الى الدكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم النفس الاجتماعي من بيروت لسؤاله عن التداعيات السلبية على حالة الولدين بسبب دخولهما السجن وكيف سينعكس ذلك على حياتهما في المستقبل ومن المقصر في هذه الحالة وكيف يمكن تسديد النصح والإرشاد للأب وكذلك للأبناء؟ لنستمع معاً
الحسيني: إن العائلة الطبيعية المؤلفة من أب وأم وأولاد اذا كان الأب غائباً يكون غائباً لأسباب متعددة تختلف أسباب غيابه عن المنزل. قد يكون متوفى وهذا طبعاً خارج عن ارادة الجميع او قد يكون كثير المشاغل بحيث أن وقته لايتسع للإهتمام بأولاده والحضور مع عائلته على نحو دوري وقد يكون في الحالة السيئة أنه مهمل لعائلته ولايكترث بأولاده ويقوم بأعمال غير اخلاقية خارج المنزل ضارباً عرض الحائط بأولاده وبيته. هذه الحالة هي التي تؤثر أكثر من غيرها على صحة الأولاد. اذا كان هذا الغياب حاصلاً هذا نقص أساسي ولكن اذا كان هذا الغياب سببه مسائل غير اخلاقية وغير مقبولة اجتماعياً وقد يتبادر الى ذهن الأطفال او يرقى الى معلوماتهم أن هذا الأب يتعاطى الميسر، القمار او أنه بذهب الى الأماكن غير النظيفة وغير الأخلاقية او أنه ينصرف الى ملذاته الشخصية وما الى ذلك. هذا سيؤثر على نفسية الأولاد بالتأكيد بإعتبار أن مثلهم الأعلى يعطيهم المثال السيء وليس المثال الصالح، هذا من جهة ومن جهة اخرى عدم وجوده في البيت يؤدي الى أن التوجيه الذي من واجبه أن يمارسه ضمن عائلته لايتحقق لأنه منصرف الى أمور اخرى وبالتالي يستفيد هؤلاء الأولاد من غياب الأب ويبدأون بممارسة حياة شبيهة بحياته وإن لم تكن شبيهة تماماً ولكنهم ينصرفون بدون رقابة الى امور تؤدي بهم بالنتيجة الى اوخم العواقب. وفي هذه الحالة التي تتحدثين عنها مسئلة أن كلا الولدين دخلا السجن، طبعاً هما لم يتلقيا التربية الصالحة من جهة ولم يتسنى لهما أن يتوجها على نحو طبيعي وأنهما في زمن مراهقتهما لم يهبا الى المدرسة بشكل طبيعي ايضاً ووفقاً لرقابة وتوجيه من الأبوين. لو كانت الأم صالحة تسهم نوعاً ما في تخفيف هذا العبء ولكن لن تستطيع وحدها أن تحقق التربية الصالحة لأولادها وبالتالي يصبح من الطبيعي في حال أن هذا الوالد في مثل هذه الأخلاق وهذه الممارسات أن ينصرف هذان الولدان الى الأمور السيئة كما سبقت الإشارة وقد يؤدي بهما الغلو في الذهاب بعيداً بالمسائل السيئة الى دخول السجن بإعتبار أن غياب الرقابة ما من شك أنها ستؤثر تأثيراً سلبياً على الوضع العائلي. مجمل القول إن العائلة لايمكن أن تمضي على النحو الطبيعي والمعقول مالم يكن الأبوان شركين في توجيه الأولاد وأن يتعاونا معاً على تربيتهما الصالحة، الوالد وجوده ضروري وقد يصبح وجوده مضراً وحتى يمكن القول لو لم يكن موجوداً يكون الأمر أفضل في حال أن هذا الأب لايتصرف على النحو المطلوب ولايقوم بواجياته وينصرف الى ملذاته واموره الشخصية على حساب عائلته التي من واجبه أن يرعاها وأن يكملها على النحو المطلوب وذلك على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الاجتماعي وعلى المستوى التربوي في آن معاً.
في ختام حلقة اليوم نشكر لكم اعزائي حسن الإستماع كذلك نشكر ضيفينا الكريمين على حسن المشاركة، الى اللقاء.