خبراء البرنامج: الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من بيروت
أهلاً بكم مستمعينا الفاضل نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم أعزائي وكما عودناكم سوف نختار احدى المشاكل الاجتماعية التي تؤثر بشكل او بآخر على حياة الفرد كما تؤثر بنفس الدرجة وربما اكثر على حياة المقربين منه سواء أكان هذا المقرب الأم او الأب او الزوجة او الأبناء. مشكلة اليوم التي سنتناولها من خلال الإستماع الى القصة بكامل تفاصيلها تتعلق ببعض الرجال او النساء على حد سواء الذين يعانون من عدم إمتلاكهم الارادة او التصميم، هذه الارادة اذا إفتقدها المرء فسوف يعاني من مشاكل عديدة تنعكس سلباً على مستقبله المادي والمعنوي على حد سواء بينما نجد صاحب الإرادة والعزيمة قد حقق ما يريده من منافع تعود نتائجها بالتالي على الآخرين ايضاً. وبعد الإستماع الى القصة سوف نستضيف اثنين من ضيوفنا الأعزاء لأجل إلقاء الضوء أكثر على تداعيات الموضوع وكذلك للتعرف على اهم الحلول اللازمة، الضيفان هما سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من العاصمة اللبنانية بيروت.
كانوا ثلاثة لايفارق بعضهما البعض أبداً رامي وحيدر وعماد، تعودوا بعد أن يعودوا من المدرسة أن يتجهوا الى عملهم الذي يمارسونه في أحد معامل المدينة. في يوم ما ولما عاد رامي الى البيت سأله أبوه: كيف حالك ياولدي؟
أجاب رامي: بخير ياأبي
قال الأب: وكيف حالك في العمل؟ أراك متعباً قليلاً!
قال رامي: لاياأبي أنا لست بمتعب لكنني أحياناً أشعر بالملل منه.
قال له الأب: اذا كنت ياأبني تشعر بالملل منه في هذه الحالة أنصحك بأن تتركه فأنت لازلت طالباً وغير مطلوب منك العمل أبداً إلا لأجل التعلم على ذلك منذ الصغر.
فرح رامي وقال: أريدك أن تطلب هذا ايضاً من حيدر وعماد فهما يرفضان تركه كلما حدثتهما بالأمر.
أجابه الأب: ياولدي إن أمر صديقيك عماد وحيدر يعينيهما هما فقط، سواء وافقا على ترك العمل ام لا. أن الذي يهمني هو امرك انت.
قال له رامي: أنت لاتعرف ياأبي كم أن حيدراً هو دؤوب في عمله كثيراً ولاأعتقد أنه سوف يتركه مهما حصل حتى أنه في بعض الأحيان ينال أقساطاً إضافية لراتبه كهدية من صاحب العمل بسبب ما يقوم حيدر من جهد إستثنائي ومتميز اغلب الأحيان.
قال الأب: أعرف ياولدي.. أعرف فصديقك حيدر تقع عليه مسؤولية كبيرة جداً فأبوه رجل مريض ومقعد في البيت ولايقوى على العمل طيلة ما تبقى من عمره لذلك تجد صديقك حيدر مندفعاً بقوة الى العمل حتى يوفر لأسرته ما عجز عن توفيره أبوه. إن صديقك ياولدي في الحقيقة شاب طموح ويمتلك ارادة وتصميماً في العمل وفي الدراسة وفي إعانة اسرته.
هنا تعجب رامي من كلام أبيه وشعر بنوع من الغيرة والحسد مما سمعه فقال: ماذا تقصد ياأبي؟ هل انا أفقد الإرادة والتصميم كالذي يتحلى به صديقي حيدر؟ ضحك الأب ضحكة خفيفة وقال: أنا لاأقصد هذا الشيء ياولدي، فأنت ايضاً تمتلك الارادة لكنك لازلت تعتمد على أبيك في عيشك سواء في البيت او في المدرسة او في سائر حياتك.
وفي الحقيقة ياأعزائي لم يكن جواب الأب لأبنه رامي واقعياً فقد ساده نوع من المجاملة والمحاباة حتى لايشعر رامي بالإحباط ذلك أن الأب يعلم جيداً أنه إبنه ليس بذلك الشاب الذي يحمل ذات الصفات الخشنة والإندفاعات القوية والحماسة في العمل كالتي يتمتع بها صديقه حيدر.
نعم اعزائي وعندما أوشكت السنة الدراسية على الإنتهاء كان كل من حيدر وعماد ورامي منهمكين في اداء الامتحانات صباحاً وقراءة المواد المقررة مساءاً، ماشكل هذا الأمر ضغطاً كبيراً على الطلبة ومن ضمنهم رامي. وبعد الإنتهاء من اداء الامتحانات وإعلان النتائج الأخيرة تبين أن رامياً قد فشل في تجاوز بعض الامتحانات لبعض الدروس لذا كان عليه إعادة الامتحانات حاله كحال صديقين حيدر وعماد ولذلك باشر الثلاثة ومن معهم بنفس الحال بالقراءة بشكل أكثر دقة وأكثر حرصاً إستعداداً للإمتحانات التي كان المقرر لها أن تجري في الشهر المقبل وهذا ما تطلب إندفاعاً وارادة قويين جداً من قبل الطلبة لتجاوز هذه المشكلة بنجاح وإلا سيكون الفشل مصير الطالب الذي لاعزيمة له في مواجهة الامتحان. وفعلاً وبعد أن حان موعد أداء الامتحانات للدور الثاني لها أجرى الثلاثة ما عليهم وراحوا ينتظرون النتائج على أحر من الجمر علماً بأن رامياً فشل بالحصول على الدرجات المطلوبة منذ الدور الأول لستة دروس بينما كان فشل حيدر في درسين فقط وكذلك عماد. وقف الثلاثة مع بقية الطلاب يستمعون الى الأسماء التي نجحت في تجاوز الامتحانات والتي راح يعلن عنها الموظف في ساحة المدرسة. كانت دقات القلوب تتسارع وتتضارب على غير عادتها، كان التوتر شديداً والقلق أشد منه. هنا قال رامي لصديقيه عماد وحيدر: إنني خائف جداً. فقال له حيدر: ولم الخوف انا بالنسبة لي مطمئن هذه المرة لقد صممت على تحقيق النجاح بأي ثمن وفعلاً فقد كرست كل الوقت ومنذ شهرين للقراءة دون ملل او كسل. وماهي إلا لحظات حتى سمعوا الموظف وهو يعلن عن نجاح حيدر ومن ثم نجاح عماد أما رامي فلم يكن ضمن الأسماء التي حققت النجاح في الامتحان. شعر رامي بالإحباط والأسى وذرف الدموع ولكن لم تكن لتغير حاله فقد اعلنت النتائج وعليه أن يواجه مصيره ومواجهة فشله فالذنب ذنبه. نعم منذ إعلان نتائج الدور الأول لم تكن لديه الرغبة او الإندفاع او الحرص بأن يحقق ما رغب به وأصر عليه زميلاه عماد وحيدر بل كان يتهاون في القراءة ويتهاون في فهم الدروس ظناً منه أنه لن يحقق النجاح مهما فعل. وكما كان يردد ذلك كثيرا "لاأعتقد أنني سوف أتمكن من النجاح في الدروس مهما بذلت جهداً في ذلك".
أعزائي المستمعين وبعد أن إستمعنا الى قصة اليوم نتوجه الى سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي من توجهات ونصائح بشأن الارادة والعزم.
العقيلي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين صلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين.
بداية الله سبحانه وتعالى ربى الانسان على أن يفرق بين أمل راجع له وبين أمل أعطاه إياه الله سبحانه وتعالى ومسائله الارادية التي بها يصل بها الى إتخاذ قراراته. الامام أمير المؤمنين عليه السلام يقول "عليكم بنظم أموركم" وفي هذا المجال الله سبحانه وتعالى يقول " فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ" معنى ذلك أن الارادة فيما اذا إستندت على مقدمات صحيحة ومقدمات شرعية ومقدمات مضبوطة وفيها مصلحة للفرد ومصلحة المجتمع عليه أن لايتردد في إتخاذ القرار المناسب الذي يعطي الحياة شكلاً ومضموناً ويعود بالنفع عليه تارة ويعود بالنفع على امته ومجتمعه تارة اخرى. هذا من جانب ومن جانب آخر تشخيص بعض المسائل التي تكون خارج نطاق الفرد وحتى تعود بالنفع وتعود بالإيجابيات على المجتمع ككل يفترض أن تكون منضبطة ويرجع بها الفرد في المجتمع يرجع بها الى المنظومة الاجتماعية او الاسلامية اولاً وثانياً الى المنظومة التي تحكم نظام المجتمع الواحد بإعتبار اننا نرى المجتمعات مختلفة ومتغايرة من حيث السلوك والتصرف والمسائل الأخرى ولذلك مثالاً واحداً وهو مثلاً يقول الفقهاء على سبيل المثال أن فلان فعل هو محرم وذلك مثلاً تختلف مصاديقه من مجتمع الى آخر وبالتالي الإرادة في هذا الجانب تكون متغايرة لأن لكل مجتمع ولكل حياة ظروفها.
بعد أن إستمعنا الى ماقاله سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق نتوجه الآن الى الأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان لسؤالها عن أسباب فقدان الارادة او التصميم لدى البعض وماهي تأثيرات ذلك على سلوكياتهم وعلاقاتهم مع الأفراد سواء داخل الأسرة او خارجها؟ وكيف يمكن أن نتلافى او نتحاشى هذه الحالة من عدم إمتلاك الفرد للإرادة او العزيمة؟
الخنساء: السلام عليكم
الارادة عامل مهم في حياة الانسان وهي جزء أساسي في تكوين الشخصية وتبدأ معه منذ الطفولة وتربية الوالدين لها الأثر الكبير. في مرحلة الطفولة اذا تعود أن يحصل على أي شيء او ان يتنازل عن أي شيء بسهولة هذا ينعكس على شخصيته وتكون له عادة ولايستطيع الصبر على أي شيء للحصول على أي شيء في الحياة ويفقد الثقة بالحياة ولهذا عواقب سلبية وممكن أن تتطور الى أشياء سلبية في حياته وتنعكس على تصرفاته وعلاقاته في المجتمع وعلى سلوكياته. بالنسبة للإرادة والعزم هي عملية تعويد وثقافة يعني انا مثلاً أقضي حياتي في تربية الأولاد مثلاً في أبسط الأمور ممكن يريد أن يشتري أي شيء ويريد الحصول على النقود وانا اليوم لاأمتلك هذه النقود فيجب أن يتحمل أننا اليوم لانمتلك هذه النقود فهذا الموضوع يقوي عنده الإرادة بأن لايشتري الذي يريده. مرة اخرى يريد أن يأخذ نقود بقدار مايريد يجب أن يتعود أن أي شيء في الحياة موجود فيجب أن يصبر مثلاً يصوم الطفل قبل سن التكليف على الأقل عدة ساعات في النهار، يجب أن ينظر الى الطعام، يرى الأشياء التي يحبها ويمتنع عنها بإرادته فيتعود تدريجياً أن هذه الأمور امامي ويمكن أن أحصل عليها لكن الآن ممنوع عليّ أن أحصل عليها لأسباب دينية او أسباب عادية فهذا في المستقبل يكون الصيام له شيء طبيعي وأنه جائع يجب أن يتحمل وهي أسمى شيء أنه يصبر وأن الإرادة لها أثر كبير في حياته وفي سلوكياته. هناك مثال أكبر بالنسبة للعمالة فأن العملاء الفاقدين الشخصية والفاقدين الإرادة يساعدوا العدو فهذا كذلك يكون انسان مسلوب الإرادة نهائياً بحيث يتخلى عن دينه ووطنيته لأنه فاقد الإرادة وضعيف الإرادة أمام مغريات يمكن أن يقدمها له العدو ليستغله في أمور تضر الوطن وتضر الدين ويستغله.
قي ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا الكريمين حسن المشاركة كما نشكر لكم اعزائي حسن الإستماع، الى اللقاء.