خبراء البرنامج: السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتور هاشم الحسيني أخصائي علم النفس الاجتماعي من بيروت
أعزائي المستمعين نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم يكون موضوعنا من المواضيع الحساسة جداً والخطيرة جداً التي تحدث في حياة الزوجين وتكون لها في نفس الوقت تأثيراتها وإنعكاساتها السلبية التي ربما تؤدي الى عواقب أخطر لو اهمل أحد الطرفين اللجوء الى إيجاد الحلول اللازمة والمنطقية التي يجب الأخذ بها. هذه الحالة او هذا الموضوع هو عندما تكون الزوجة مصابة بالعقم ما يعني فشلها في الإنجاب لأننا نعلم اعزاءنا المستمعين أهمية الطفل في حياة الأسرة ودوره في ترسيخ معاني الحب والمودة بكل أركانها بين الزوجين. في حلقة اليوم أعزائي سنتحدث بالتحديد عن قصة الزوجة وصال التي تزوجت بإبن عمها قتيبة بعد أن قررا الإقتران والإستقرار في عش الزوجية تكليلاً للعلاقة التي جمعتهما بكل صفو ومحبة، ولكن ما عكر صفوها هو عدم تمكين وصال من إنجاب الطفل الذي كان قتيبة كثيراً ما يمني النفس بحمله وتقبيله وتربيته أسوة بباقي الرجال المتزوجين. في هذا الخصوص ولكي نلقي الضوء أكثر على تداعيات عقم الزوجة وتأثيراتها على طبيعة العلاقة بين الزوجين وماهي الحلول المقترحة لذلك سيكون لنا لقاءان احدهما مع فضيلة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والآخر مع الدكتور هاشم الحسيني في علم النفس الاجتماعي من بيروت. فكونوا معنا.
قتيبة ووصال بالإضافة الى كونهما اولاد عم فقد جمعتهما الظروف معاً في جامعة واحدة فتكللت اخيراً علاقتهما بالزواج بعد أن إنتظرا طويلاً وصبرا كثيراً، تهلل بعدها البيت ومنذ اللحظات الأولى بكل أسارير المحبة والإبتسامة والشوق لبناء أسرة قويمة مبنية على التعاون والإنسجام. مرت الأيام والزوجان في غاية السعادة وروعة العلاقة التي باتت تتعمق وتتضاعف وتزداد ألفة ووئاماً أكثر فأكثر.
وصال ونتيجة لحبها الشديد لزوجها كانت تقوم بواجباتها على اكمل وجه في البيت وخارج البيت في كل ما يتعلق بحياتها مع زوجها. قتيبة ايضاً بالمقابل كان يحاول تحقيق وتنفيذ كل ما وصال تتمناه وتطلبه. ذات يوم إتصلت ام قتيبة وقالت لإبنها: كيف حالك يابني؟
قال: بخير ياأمي، وأنت كيف حالك؟
قالت له: أنا بخير ما دمت انت بخير يابني ياعزيزي
شكر قتيبة أمه كثيراً وراح يتكلم معها بشأن زوجته وصال وكيف أنها تقوم بكل واجباتها على أتم وجه وأنها زوجة مخلصة تمتلك قدرات غاية في الروعة والإمتياز في إنجاز واجباتها.
حمدت الأم الله سبحانه وتعالى على ذلك ثم قالت لإبنها: حدثني يابني بالمفيد، تكلم بسرعة هل هناك بوادر أن تكون أباً في القريب العاجل. ها تكلم يابني! أريد الإطمئنان عليك ليس إلا؟
تلعثم قتيبة بادئ الأمر ولم يدر بماذا يجيب، هل يخفي عن امه الحقيقة أم يقول لها؟ قال مع نفسه: ياإلهي هل أقول لها أم أكذب؟ ولو عرفت الحقيقة في يوم ما ماذا سأقول لها؟
قالت له الأم: قتيبة؟ ياقتيبة؟ ما بك يابني؟ لم لاترد؟ هل أصبت بشيء وتريد أن تخفيه عني؟
أجابها بسرعة قائلاً والإرتباك واضح عليه: ها... لا لا لايوجد شيء!! صدقيني ياأمي لكن كل شيء بالقسمة والنصيب، أرجو أن تبلغي تحياتي لأبي وباقي أفراد الأسرة والى اللقاء... الى اللقاء.
أغلق قتيبة السماعة وقد إنتابته بعدها نوبة من عدم الراحة وعدم الإطمئنان فأسئلة أمه قد أثارته وأججت في داخله ما يكون يدور بينه وبين زوجته من نقاشات وصراعات حادة نشبت في بعض الأيام بسبب إكتشاف الطرفين العقم الذي كانت مصابة به الزوجة.
نعم اعزائي فجأة وبينما كان قتيبة يفكر مع نفسه سمع طرقاً على الباب، إنتبه لنفسه، نهض من مكانه واذا بصوت زوجته تناديه من وراء الباب: قتيبة.. ياقتيبة إفتح الباب أرجوك، اين أنت؟
أسرع قتيبة في فتح الباب ولما وصلت وصال وجدته على غير عادته فقد إختفت تلك الملامح الجميلة التي تعودت مشاهدتها على وجهه والتي طالما جعلتها تعيش أمتع لحظات السعادة وأروع لحظات الوداد.
سألته وصال: مابك ياقتيبة يازوجي العزيز؟ هل انت على مايرام؟
أجابها: وهل يبدو لك أنني متعب او ما شابه؟
قالت وصال: لا ياعزيزي، تعودت على رؤيتك متبسماً دائماً وفرحاً دائماً واليوم اجدك حزيناً بعض الشيء ومهموماً بعض الشيء. هل إتصل بك شخص ما؟ هل زارنا أحد ما بحيث عكر صفوك وراحتك؟
بكل تأكيد مستمعينا الأعزاء لم يستطع قتيبة الإجابة على زوجته وصال لذلك ولأجل لاتبدو عليه ملامح عدم الإرتياح قال لها: لا في الحقيقة كنت اتكلم مع أمي وقد قلقت عليها قليلاً لأن صحتها غير مستقرة بعض الشيء.
لم تتردد وصال أبداً فقالت له: وماذا تنتظر يارجل، ألم يخطر ببالك أن تسارع لزيارتها والإطمئنان عليها؟ هيا إنهض.
نظر قتيبة الى زوجته وراح يتذكر ويتأمل كلام أمه ويقارن مع ما تقوله وصال فهي لاتعلم ما أصرت عليه أمه في آخر المكالمة حين قالت: حاول أن تزرع الفرحة في قلبي يابني بسرعة وإلا سوف تجعلنا نشك في قدرة زوجتك على الإنجاب!
إنتبه قتيبة مرة أخرى الى وصال وهي تقول له: قتيبة... قتيبة ممكن تقول لي بم تفكر؟ فأوضاعك لاتعجبني أبداً. أرجوك أفصح عما يدور في خلدك هل هناك شيء آخر أم حقاً كما قلت أن أمك مريضة وحالتها غير مستقرة؟
نهض قتيبة من مكانه وتوجه الى علبة السجائر وتناول واحدة منها وراح ينفث في الهواء دخانها. منذ تلك اللحظة بدأ قتيبة بالتصرف بشكل غير مرض وغير مسؤول مع زوجته فقد إختفت إبتساماته وتودداته ولمحات الحنان التي كانت تتميز بها ردود أفعاله سواء في مناسبة او غير مناسبة وكم كانت وصال راضية عنه وهو ايضاً راض عنها لذلك فقد ساد البيت لحظات حزينة ولحظات تأفف كثيرة من قبل قتيبة على وجه التحديد، ما نجم عنها ساعات من النقاشات والجدالات التي كان قتيبة خلالها يوجه لزوجته سيولاً من أسباب التقصير إزاء عدم الإنجاب. فتحولت تلك العلاقة الحميمة والجميلة بين الطرفين الى علاقة خالية من ملامح المحبة والمودة وخالية من الثقة والإحترام والسبب يعود فقط الى عدم تمكن وصال من الإنجاب.
في يوم الأيام سألته وصال قائلة: اذا كنت ترغب عن زوجة اخرى فلابأس أنا لاأقف امام مستقبلك ولكني أريد أن أذكرك وخلال فترات العلاج التي تعرضت لها كثيراً كنت تبدي لي كل أوجه الحب والإخلاص وقد ألححت عليك بالزواج مراراً من اخرى لكنك كنت ترفض وتأبى بداعي حبك لي.
إختلى قتيبة في الغرفة لوحده وأخذ يفكر لايدري مايفعل وماذا يقرر فهو يحب زوجته كثيراً ولكن عدم تمكنها من الإنجاب جعله يفكر بطريقة اخرى خاصة بعد أن أججت ذلك فيه أمه وراح عاجزاً عن إتخاذ القرار، هل يفرط بزوجته من أجل الطفل أم يفرط بالطفل من اجل زوجته؟
أعزائي وبعد أن إستمعنا الى قصة اليوم نتوجه الى فضيلة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله عما يجيزه او يراه الشرع الاسلامي في هذا الخصوص وماهو الحل الأمثل الناجع الذي لايتضرر من وراءه احد سواء الزوجة او الزوج وماهو ذنب الزوجة أنها لاتستطيع أن تنجب؟ فلنستمع معاً
الكشميري: طبعاً هذه القضايا توجد في الوضع الأسري في الأمة الاسلامية ويضفي عليها مشكلاً آخراً وهو ما نسميه بالتطور الحضاري وإنتشار بعض المسلسلات والأفلام مما دفعت ببعض الأفكار وبعض الأمزجة أن تثأر على الواقع. مسئلة العقم أصبح الآن تتفشى وتتضخم يوماً بعد يوم بسبب مشاكل لست الآن بصددها. لكن هل أن هذه الأسرة بهذه السرعة وهذه العجلة تتعرض الى التمزق بسبب العقم؟ نحن نرى بعض الشباب يستعجل وبعض الشابات يستعجلن بالنسبة للإنجاب. نظرية الاسلام ونظرية الشريعة قائمة على هذا وهو دعوة الطرفين الى التريث والى التصبر والى إنتظار ما تسفر عنه التحقيقات العلمية لأن العلم يوماً بعد يوم يمطرنا بنظريات جديدة وتحاليل جديدة وعلاجات جديدة. مايريده المشرع أن لاتتدخل بعض الأطراف وتستغل هذا العنوان او ربما لديها مآرب فتدفع بسرعة الى تمزق الأسرة. الله سبحانه وتعالى من خلال القرآن وتعليمات النبي واهل البيت يأمرون المسلمين أن يهتموا بالأسرة. ما إستأثر الاسلام بشيء كما إستأثر ببناء الأسرة وسلامت الأسرة وأن يكون جو الحب هو الحاكم على الأسرة فإذا ما صارت هناك بعض التفاعلات او التوترات او التصورات السلبية التي هي ليست قائمة على أساس من العلم بالتالي تروح هذه الأسرة ضحية هذه التصورات الخاطئة. ما يريده الشرع من الزوح ومن الزوجة التريث والإتكال على الله وعلى دعوات المؤمنين وعلى النية الصادقة. الأمور كما هو معروف هذا الكلام وهذه الحكمة "دوام الحال من المحال". لقد شاهدت بنفسي في النجف الشرف رجلاً تزوج من امرأة والطرفين من ذرية رسول الله وبقي مع هذه المرأة سبعة عشر عاماً ولاتنجب والعلم في تحاليله يجيب الطرفين بأنه لايوجد هناك أي مشكل، سبحان الله تريث الزوج وتريثت الزوجة وصبرا وإستسلما لإرادة الله. تقرر بعد ذلك أن يتزوج الرجل زوجة ثانية برضى الزوجة الأولى وياسبحان الله ماإن تزوج بالثانية حتى حملتا سوية. اذن هناك عالم فوق عالمنا هو الذي يخطط وهو الذي يقدر وانا على حجمي هذا الصغير البسيط أدعو دائماً الأخوة على المنابر وفي المحاضرات للشبان والشابات أن لايفرطوا بالأسرة وأن لايفرطوا بأجواء الحب نتيجة تصورات خاطئة وعليهم أن يتصبروا والله هو الحاضر وهو الناظر وبالتالي الله سبحانه وتعالى يقول "ويزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً" وربما هذا العقم له امد معين وبعد ذلك ينتهي والله سبحانه وتعالى هو الموفق وهو الذي بيده الأمور شئنا أم أبينا.
وبعد أن إستمعنا الى ماقاله فضيلة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة نتوجه الى فضيلة الدكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم النفس الاجتماعي من بيروت لسؤاله عن التداعيات الاجتماعية وراء تنازل الزوج عن زوجته في حال عجزت عن الإنجاب وماذا عن الحلول الأخرى التي تطرح احياناً كالزواج بأخرى تتمكن من الإنجاب؟ فلنستمع اليه.
الحسيني: إن إنجاب الأولاد من الأمور الأساسية في تكوين العائلة واذا صادف وأن هذه الزوجة عاقر فمن حق الزوج أن يكون له أولاد ولكن هذا الأمر سيضعه أمام عقبة صعبة بإعتبار أن هذه الزوجة التي تعاهد معها على الحياة المشتركة، يرى نفسه وترى نفسها غير قادرين على الإستمرار بالحياة معاً، سيصدع هذا الأمر الزواج الأول والزوج طبعاً سيبدأ عن حلول وهذه الحلول يمكن أن تكون في نظام تعدد الزوجات يعني يتخذ لنفسه زوجة اخرى لكن هذا لن ترضى به الزوجة الأولى بسهولة فيدع هذا الأمر الى تطليقها والإنفصال عنها أما اذا قبلت فتكون المسئلة قد حلت بإعتبار أنها رضيت بمصيرها وقبلت بتعدد الزوجات، هذا في نظام تعدد الزوجات الذي يسمح بتعدد الزوجات اما اذا كان النظام لايسمح بذلك فالمسئلة أعقد من ذلك بكثير ويصبح القرار اكثر صعوبة فأما أن يتحمل الزوج مسؤولية أن لايكون له اولاد اذا كان شديد التعلق بزوجته ولايريد الإستغناء عنها لأي شكل من الأشكال او أنه يكره نفسه على تطليقها والزواج بأخرى تنجب له اولاداً. في غالب الأحيان عدم الإنجاب عند الزوجة يؤدي الى تصدع العائلة أما اذا كانت المسئلة بالعكس والزوج هو الذي لاينجب فالمسئلة تكون أقل وضوحاً بإعتبار أن الزوج لم يعترف كثيراً كما جرت العادة بأنه هو السبب ودائماً تتحمل الزوجة وزر هذه الأمور أما اذا إلتزم جانب الحكمة مثلاً وأراد أن يستمر مع زوجته على علم منه أن السبب عائد اليه وليس اليها فتكون المسئلة مرت بدون اولاد وبدون تعقيد الأمور وبالتالي إنحلال هذا الزواج الذي قام وقد يكون زواجاً جديداً قبل فترة وجيزة من الزمن بحيث أن إستمراريته تكون قصيرة جداً.
في ختام حلقة اليوم اعزائي نشكر لكم كما نشكر لضيفينا الكريمين حسن المشاركة الى اللقاء على أمل مواصلة لقاءاتنا معكم.