خبراء البرنامج: الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والدكتور هاشم الحسيني المتخصص في علم الاجتماع من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم اعزاءنا المستمعين نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع. أحبتي المستمعين في كل يوم يشهد العالم تطورات علمية كبيرة وفي شتى ميادين الحياة، تطورات ساعدت الانسان على مواصلة ومتابعة أعماله وشؤون الخاصة بكل دقة وبكل سرعة ناهيك عما إختزله العلم من جهود التي كانت في السابق تبذل لأجل تنفيذ جزء من اجزاء ما ينفذ اليوم. فقد شهدنا تطور الأجهزة الألكترونية وبالأخص أجهزة الإتصال وأجهزة الإعلام ومواقع الأنترنت والشبكات الاجتماعية وغيرها من وسائل التطور التي ساعدت في بناء العلاقات الاجتماعية وتطويرها بشكل متسارع. ولكن هذا التطور الكبير رافقه حدوث مشاكل إحتماعية وثقافية ايضاً والسبب يعود الى سوء إستخدام او توظيف هذه الوسائل. إحدى أهم الوسائل التي نجم عنها مشاكل اجتماعية هو الدش او جهاز إستقبال القنوات الفضائية، هذه القنوات التي تبث يومياً من برامج منوعة وأفلام أغلبها هابط المستوى راحت تسيطر على عقول ربات البيوت والأطفال والرجال كذلك. في هذا الخصوص ولأجل إلقاء الضوء أكثر على تفاصيل الخطر الكبير الناجم من هذه القنوات والتداعيات الأخطر التي أخذت تصيب أفراد المجتمع سنلتقي ضيفي البرنامج سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق والدكتور هاشم الحسيني المتخصص في علم الاجتماع من لبنان فكونوا معنا.
أعزائي الكرام الكل كان في الصالة يترقب بعضهم قد جلس في الزاوية، الأم وبناتها وبعضهم كان واقفاً بإنتظار الإشارة من العامل الذي إنهمك بتجميع أجزاء الدش لتشغيله وتشغيل جهاز التلفاز. قال خالد للعامل: ماذا تبقى؟ هل هناك شيء آخر تطلبه مني لكي أنجزه؟
ردّ عليه العامل: لا لا كلها دقائق وبعدها يمكنك تشغيل الجهازين لنتأكد مما قمت به، أعتقد أن عملي قد أنجز الآن، تستطيع تشغيل جهاز التلفاز اولاً. والآن أرجوك شغل جهاز الدش. ها شغلته؟ اذن لحظة واحدة فقط! وفجأة إنطلقت صيحات الكل إبتهاجاً براوز البرامج الفضائية في البيت.
إنتظر الأب وإبنه خالد خروج العامل من البيت بعد أن قبض المبلغ الذي إتفقا بشأنه ولما خرج نهضت احلام ورشا من مكانهما وأصابعهما أخذت تلاعب أزرار تغيير القنوات واحدة تلو الأخرى. قالت احلام: يا للروعة ماهذه البرامج المسلية وماهذه الفضائيات المتعددة!!!
قالت رشا: أرجوك أرجوك أبقي على هذه القناة، أريد أن أتابع هذا اللقاء الفني مع هذا النجم السينمائي. كم هذه القنوات جميلة، شكراً لك ياأبي!
وبدوره قال خالد: لا لا أرجوكما لحظة من فضلكما فأنا يجب أن أتابع مبارات كرة القدم لمنتخبنا الوطني التي ستجري بعد دقائق فقد بذلت جهداً كبيراً مع العامل حتى ينجز عمله مبكراً لأجل مشاهدة المبارات، إنها مبارات العمر.
وهنا نظر الأب الى اودلاه نظرة فيها من الحب والحنان الكثير وقال: يا أولادي، يا أعزائي لاأريد ومنذ الوهلة الأولى أن يدب الإختلاف في الأذواق والآراء بينكم وأن يؤدي الى مشاكل ربما تتطور وتسبب حينها أزمة عائلية ونحن معروف عنا عائلة مثالية في كل المقاييس. أصحيح هذا يا أولادي؟
قال الجميع: نعم نعم يا أبانا، سوف لانختلف في شيء وسوف نجعل الإنسجام والتفاهم أساساً متيناً بيننا حتى عند مشاهدة التلفاز.
فأردف الأب قائلاً: والان هل يمكنني متابعة بعض الأخبار السياسية بدلاً من متابعة مبارات كرة القدم او متابعة فلم سينمائي او مسلسل؟
إنتبهت الأم اليه وقالت بمزاح: يازوجي العزيز أنت ايضاً أصبحت تنافس الأولاد على مشاهدة هذه القناة او تلك فكيف سيتم التنسيق بين رغبات الكل؟
نظر الجميع الى الأم وضحكوا ضحكة طويلة فضحكت الأم وقالت: مضت ثلاث ساعات وأنتم أمام شاشة التلفاز وقد نسيتم وللمرة الأولى أن تأكلوا شيئاً او تطلبوا أي شيء.
نعم اعزائي مرت الأيام وعائلة أبي خالد منشغلة جداً بمتابعة برامج التلفزيون الفضائية، لايبرح أحدهم مكانه من امام الشاشة إلا للضرورة القصوى كما يقال. في يوم وبينما كان الأب جالساً يشاهد التلفاز كالعادة طرق احد الباب، نادى على من في البيت. لم يجبه أحد فنهض هو من مكانه وفتح هو الباب ولما عاد سألته زوجته: من كان؟
أجابها بحيرة وتعجب: كان هناك رجل يقول إنه من قبل إدارة المدرسة يدعي أن خالداً لم يذهب الى المدرسة منذ ثلاثة أيام لذلك على ولي أمره مراجعة المدرسة للتأكد والإستفسار.
تعجبت الأم هي الأخرى وقالت: لاأعتقد ذلك فخالد يخرج صباحاً يومياً الى المدرسة ويعود مع زملاءه سوية!
قال لها زوجها: وهل تتوقعين أن خالداً يستطيع أن يكذب ويقول إنه في المدرسة لكنه في الحقيقة لم يكن يذهب اليها؟
رفضت ام خالد هذا الكلام وقالت: لااوافقك على هذا الكلام يا أبا خالد فأنت تعرف إبننا كم هو حريص ومثابر ومطيع لأمه وأبيه.
تمتم الأب وقال: سوف نتأكد من هذا الخبر عند عودة خالد الى البيت وبعد قليل سمع أبو خالد طرقاً مرة ثانية على الباب. توجه الى الباب ولما فتحه وجد مجموعة من الفتيات وقد طلبن مواجهة احلام او رشا. ولما حاول الأب معرفة سبب الحضور الكبير هذا قالت إحداهن: عفواً ياعم فنحن مدعوات هذه الليلة لمتابعة المسلسل التلفزيوني في بيتكم. طبعاً بناءاً على دعوة احلام ورشا.
وفعلاً دخلن الفتيات الى الصالة بعد أن إستقبلتهن احلام بكل ترحاب وقالت لهن: الحمد لله وصلتن في الوقت المناسب فبعد خمس دقائق سيبدأ بث المسلسل.
هنا توجه أبو خالد الى زوجته وسألها: أنا لم أفهم سبب هذه الزيارة، هناك أكثر من عشرين فتاتاً بصحبة احلام ورشا وهن يتابعن المسلسل.
قالت له زوجته: أنت لاتعرف فبنات الحي إتفقن على التجمع كل يوم في أحد بيوتهن لأجل متابعة البرامج التلفزيونية مع بعضهن.
سألها مرة اخرى أبو خالد: والى أي ساعة سوف يمكثن هنا؟ ألا توجد دروس وواجبات يومية يجب إكمالها بدلاً من هذه المسلسلات والأفلام؟ كيف يقضون ساعات طويلة بهذه الطريقة دون أن يذكرهن احد بأنهن لازلن طالبات وعليهن واجب إكمال الدروس والذهاب الى النوم مبكراً؟
بعد الإستماع اعزائي الى قصة اليوم نتوجه الى سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق لسؤاله عما يمكن أن يسببه هذا الجهاز التلفزيوني وسائر وسائل الإتصال والإعلام من أضرار على المجتمع في حال عدم إستغلاله بصورة أمثل وكيف يرى الشرع الاسلامي الصورة الحقيقية التي يجب الإلتزام بها من قبل الفرد المسلم لكي يبني علاقاته الاجتماعية على أساس علمي أصيل؟ فلنستمع معاً
العقيلي: بسم الله الرحمن الرحيم في الحقيقة هذا موضوع حيوي وحساس ومهم وله علاقة بواقعنا الإجتماعي واليومي المعاش. بالنسبة للبث الاذاعي والتلفزيوني والفضائي أخذ حيزاً ومأخذاً كبيراً من بيوتنا ومجتمعاتنا لذلك يجب أن يقنن. وهنا نسأل أنفسنا سؤالاً: هل تركت الشريعة شيئاً لم توضحه؟ كلا إنها وضحت كل شيء فحينما يقول المعصوم إجعل يومك ثلاث ساعات يعني إجعل يومك ثلاث أوقات وهذا يمكن أن ينطبق بصورة او بأخرى على هذه المحطات الفضائية بمعنى اننا نأخذ من المحطات الفضائية ماهو مفيد اجتماعياً، دينياً، اخلاقياً، توعوياً ولانأخذ الأمور على إطلاقها. بودي هنا أن أشير الى شيء أنه ليست المخاطر في الفضائيات التي لاتبث وعياً إجتماعياً او إخلاقياً أو ثقافياً، او علمي او سياسي والخ. وإنما في فترة مشاهدة هذه القنوات في أنها تسيطر على وقت الشاب ووقت الفتاة ووقت المرأة الكبيرة ووقت المجتمع بمعى تضييع الكثير من الأشياء التي يجب أن يحافظوا عليها والمصالح الاجتماعية التي تفوت من خلاله، حتى الطفل الصغير حينما نقول إنه إجتماعياً يتابع أفلام الكارتون او غيرها إلا أنه لايمكن أن يجلس ليل نهار ويتابع أفلام الكارتون لنقول ليس فيها أي ضرر او أي إشكال، الإشكال اذن هنا في ناحيتين، الناحية الأولى هي أن البث غير الجيد والبرامج غير المتزنة أخلاقياً وتوعوياً وإجتماعياً والنقطة الأخرى من متابعة هذه القنوات هناك بودي أن أذكر ثلاث نقاط كخلاصة لما تقدم من ذكر هذا الموضوع. النقطة الأولى هي أنه كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالمسؤولية الملقاة على رب الأسرة من حيث المسؤولية وهناك دوائر لها مسؤولية ولها علاقة ولها الرقابة على هكذا آليات وهكذا مسائل مجتمعية وعلى سبيل المثال على وسائل الإتصال مثل الأنترنت وقنوات التواصل الاجتماعي وغيرها اذن النقطة الأولى المسؤولية الملقاة على عاتقهم أنه كل يجب بدوره أن يقوم بمسؤوليته. النقطة الثانية حث وتكثير القنوات التلفزيونية والفضائية وغيرها من قنوات التواصل الاجتماعي من المسائل المفيدة ذات المغزى الاجتماعي يعني الآن على سبيل المثال تصرف المليارات على المسابقات التي لها علاقة بالغناء وغيرها من الفواحش. أقول لماذا لاتصرف الفضائيات الاسلامية والاذاعات الاسلامية لمسابقات على مسائل توعوية لها علاقة بتربية وتنشأة المجتمع وهذه النقطة الثانية. والنقطة الثالثة هي على الانسان نفسه وعلى الفرد نفسه سواء كان صغيراً او كبيراً او رجلاً وامرأة أنه يجب عليه أن يعرف أنه خلق لأجل الله ولأجل ممارسة دوره الحقيقي في هذه الحياة "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" فبهذه الصورة وبشكل دقيق علينا جميعاً ممارسة دورنا فيما هو جيد وترك ما هو ردئ في كل هذه الجوانب. أشكر لكم هذه الإضاءات على هذا الموضوع.
وبعد أن إستمعنا الى ماقاله سماحة الشيخ هادي العقيلي من العراق نتوجه الآن الى الدكتور هاشم الحسيني المتخصص في علم الاجتماع من لبنان لسؤاله هم الأضرار الاجتماعية التي تصيب المجتمعات نتيجة سوء توظيف وسائل الاعلام وسوء إستخدام الأجهزة الألكترونية المتطورة وكيف يمكن علاجها؟ لنستمع معاً
الحسيني: إن وسائل الإتصال الحديثة قد جعلت التواصل بين البشر كما اسمها يدل عليها سهلاً جداً بالتالي فإن الأفكار المتناقضة او المتفاعلة فيما بينها تصل بسرعة البرق الى الطرف الآخر بالتالي يمكن أن تحدث فيه أثراً ما في هذا الإتجاه او ذاك. يمكن أن يكون إتجاهها إيجابياً ويمكن أن يكون إتجاهها سلبياً فإنفتاح الثقافات على بعضها البعض تخلق نوعاً من البلبلة والتشوش في ذهن الرأي العام على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي في آن معاً لذلك من الواضح أن هذه المخاطر التي يتعرض لها الانسان كفرد اجتماعي خاضع لوسائل الاعلام اذا لم يكن يتمتع بالمناعة التي تسمح له بإتخاذ موقف واعي من خلال ثقافته الشخصية والوطنية ومن خلال معرفته وتكوينه الشخصي بالنسبة للكثير من الأمور. اذا لم يكن هذا الانسان قادراً على المقاومة فإنه سيكون منطلقاً ومنساقاً الى تأثيرات هذه التقنيات الحديثة التي تفتح أمامه أبواباً سلبية كثيرة ولكن مقابل ذلك يمكن لهذه الفضائيات والتقنيات المختلفة التي تسمح بالتواصل الاجتماعي المتفاعل أن تؤدي ادواراً إيجابية ايضاً بإعتبار أنها تسمح للناس في أن تنفتح على بعضها البعض وأن تطلع على ثقافاتها وليس كل ما تحمله من الأمور الضارة فإنها تحمل من الأمور الحسنة ايضاً ما يسمح للإنسان التفتح ولاسيما في المجتمعات المنغلقة وبالنسبة لحياة المرأة بالذات حيث أنها لاتشارك في الكثير من المجتمعات في الحياة الاجتماعية ولايصح لها أن تغادر منزلها وأن تتفاعل مع مجتمعها على نحو إيجابي، يمكن لهذه الوسائل الحديثة أن تؤمن لها وسائل الاتصال الإفتراضي التي من شأنها أن تفتح آفاقها وتجعلها مشاركة ولو بصورة غير مباشرة في الحياة الاجتماعية. بشكل عام أنا لاأعتبر وسائل الاتصال الحديثة والفضائيات على إختلافها، كلها ضرر إنما هي تعرض الانسان للمخاطر ولكن في نفس الوقت من جانبها الإيجابي تفتح آفاقه وتسمح له أن يتفاعل وأن يتنور وأن يدرك اموراً لم يكن قادراً أن يدركها بوسائطه الشخصية لولا لم يتيسر له الإطلاع عليها عبر هذه الوسائل.
في ختام حلقة اليوم اعزائي نشكر لكم حسن المتابعة كما نشكر ضيفينا العزيزين على حسن المشاركة، الى اللقاء والسلام عليكم.