خبراء البرنامج: الشيخ محمود السيف الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والأستاذة آبات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم أعزائي المستمعين السلام عليكم
نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع الذي نسلط الضوء فيه دائماً على الحالات الاجتماعية السلبية الناجمة عن بعض العادات اوالممارسات البعيدة او المنافية للمعتاد والمتعارف عليها في المجتمع. في حلقة اليوم اعزائي سوف نتطرق الى موضوع خطير بات يشكل عقبة أخطر على حياة الآخرين ومستوى معيشتهم على وجه التحديد، هذا الموضوع هو موضوع الواسطة الذي بدأ يستشري بسرعة البرق في مجمل مفاصل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الحياتية بوجه خاص فنجد شرائح من الشباب الواعد قد إصطدم بحقيقة هذه المشكلة ومدى تأثيره السلبي على مستقبله وحياته وتطلعاته التي هي تطلعات بكل تأكيد ستصب في صالح كل أفراد المجتمع ونظراً لتداعيات هذا الموضوع الذي يجب التوقف عند وإيجاد صور حل له بأي صورة كانت سوف نتوجه على هذا الأساس الى ضيفين من ضيوف البرنامج وهما فضيلة الشيخ محمود السيف الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والأستاذة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان فأهلاً وسهلاً بهما وبكم اعزائي المستمعين.
أعزائي الكرام علاء وحسام ومصطفى من الشباب الواعدين الذين تخرجوا تواً من الجامعة وراحوا يبحثون عن عمل لهم إستناداً الى التحصيل الدراسي المرموق الذي حصلوا عليه آخر مطاف رحلتهم الجامعية. في البداية كانت الفرحة تملأ قلوب هؤلاء الشباب وهم يجوبون الدوائر بحثاً عن عمل رغم عدم وجود أي فرصة في اول مشاوير بحثهم في هذه الوزارة وتلك المؤسسة، في ذلك المعمل وهذا المصنع وبمرور الوقت تبين لهم أن البحث عن العمل يتطلب همة عالية وصبراً طويلاً. في يوم ما قال حسام لعلاء: مضى أكثر من شهرين ولازلنا عاطلين عن العمل وقد صرت أشعر بالخجل والحرج كل مرة أطلب شيئاً من النقود من أبي!
ردّ عليه علاء: لابأس ما دمنا نبحث وبكل اصرار على العمل فسوف يرزقنا الله سبحانه وتعالى دون شك ويفتح علينا فرصاً عديدة وليست فرصة واحدة.
رفع علاء يديه الى السماء وقال: اللهم ارزقنا من فضلك وإغننا عن شرار الناس.
في صباح اليوم التالي وبينما كان الأصدقاء الثلاثة يتجولون شاهد مصطفى إعلاناً معلقاً على جدار احدى الدوائر الحكومية يعلن فيه عن توفر فرص عمل للخريجين الشباب الجدد وفق الإختصاصات التي جاءت مطابقة لما يتمتع به الصدقاء. ودون تردد توجه الأصدقاء الى داخل المبنى حتى صاروا بمواجهة موظف الدائرة.
تقدم حسام وبادر بالسلام ثم السؤال من الموظف عن شروط القبول للتعيين والعمل فأخرج له الموظف إستمارة التعيين لملئها بالمعلومات الكاملة لكل شخص. فرح الصدقاء الثلاثة بما سمعوه وراح كل منهم يدون معلوماته الشخصية وكل ما يتعلق بشروط التوظيف.
اخذ الموظف الإستمارات بعد ذلك وقال لهم: سوف أتصل بكم بعد اسبوع بعد أن تحصل الموافقة على تعيينكم. شكر الكل موظف الإستعلامات على حسن ترحابه وإستقباله وغادروا المبنى. فعلاً وبعد أسبوع توجه الأصدقاء من جديد الى مبنى الدائرة التي يرومون التعيين فيها ولما وصلوا وجدوا جموعاً غفيرة من الشباب وقد توسطهم ذاك الموظف الذي أخذ منهم الإستمارات وقد سمعه الأصدقاء وهو يقول للشباب المجتمعين: صبراً صبراً أيتها الأخوة المحترمون فالجنة لازالت تدرس طلباتكم ولازالت لم تقرر لحد هذه اللحظة من هو الصلح ومن هو الذي سيرفض طلبه !!
إنزعج أحد الواقفين وصاح بأعلى صوته: من هو الأصلح؟ أم من هو الذي يمتلك واسطة قوية تعينه وتسانده؟
وصاح آخر قائلاً: من هو الأصلح؟ أم من هو الذي سيتصلون بالهاتف من أجله؟
تمتم الموظف المسؤول وقال: أيها الأخوة أرجوكم لاتظنوا سوءاً بالادارة فأنتم في عيون المسؤولين وهم حريصون على تعيينكم، صدقوني !!!
نعم أحبتي الأفاضل سأل حسام علاءاً وقال له: هل سمعت ماسمعته؟ هل تظن أن الواسطة والمحسوبية لازالت تلعبان دورهما في تعيين هذا دون ذاك؟
أجابه علاء قائلاً: لاأعتقد فهؤلاء البعض الذين لايحصلون على فرصة عمل يظنون خطأ أن هناك نوعاً من الواسطة قد تدخلت في أمر التعيينات.
قال له حسام: كل ما تقوله وأقوله أنا سوف تتبين صحته من عدمه بعد أن نلتقي الموظف ونسأله عن مصير أمر تعييننا في الدائرة.
أيد هذا الكلام مصطفى وقال: لنتوجه الآن الى الموظف المسؤول رغم أنه يتوسط تلك الجموع والوصول اليه في هذه الحالة صعب للغاية.
وفعلاً توجه الأصدقاء الثلاثة نحو الموظف وما إن وصلوا حتى بادره علاء بالقول: السلام عليكم.
أجاب الموظف بنوع من العصبية وهو وسط الزحام: عليكم السلام، تفضل ماذا تريد؟
تعجب علاء من طريقة رد الموظف وكيف كان بالأمس ودوداً خلوقاً يعرف كيف يكسب ثقة الآخرين به، تقدم له حسام وقال له بكل لطف: أرجوك ياسيدي بالأمس جئنا اليك وتقدمنا بطلب تعيين إستناداً لإعلان قد ألصق على جدار الدائرة، واليوم نريد أن نعرف مصير الطلب وماذا ألت اليه الأمور؟
قال الموظف: آ آ نعم نعم تذكرت ولكنني غير قادر اليوم على اجابتكم، يمكنكم المجيء غداً مبكراً.
تنفس الكل الصعداء وراح ينظر احدهم الى الآخر فغمز حسام لعلاء وأشارا الى مصطفى في إشارة الى الخروج قبل أن يغير الموظف قراره او ربما يؤجل او يلغي موعد الحضور ليوم غد.
اضطر الشباب للعودة ليوم غد لمعرفة نتيجة تقدمهم بطلب التعيين وعند الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي كانوا قد وصلوا مبكرين كما طلب منهم ذلك الموظف وما إن وصلوا اليه حتى سارع مصطفى بسؤاله عن نتيجة التعيين، فقال له: أسعدت صباحاً أيها السيد المحترم. نريد أن نعرف نتيجة طلباتنا التي تقدمنا بها قبل أسبوع.
نظر الموظف اليهم نظرة مشمأزة وقال: للأسف فقد رفض طلبكم ولامجال للتعيين عندنا، يمكنكم تكرار طلبكم في دوائر رسمية اخرى!!
غضب حسام وانزعج مصطفى وعلاء كثيراً مما قاله الموظف لذلك حاولوا معرفة السبب لكن الموظف كان خبيراً في سد الأبواب امامهم بعدم فسح المجال لأي سؤال او أي إستفسار. خرج الأصدقاء مندهشين مما حصل فلم يصدق علاء ما جرى وقال لصديقيه: لم أعرف سبب الرفض. ألم يعلنوا حاجتهم الى شباب من الإختصاصات التي نملكها نحن؟
قال له حسام: لاينفع ها الكلام علينا البحث في مكان جديد آخر. هيا لنخرج! وفعلاً عزم الثلاثة على الخروج وعند باب الدائرة سمعوا اثنين يتحدثان بشأن التعيين. قال علاء: لحظة لحظة لنستمع لما يقوله هذان الشابان.
قال مصطفى: نعم نعم انهما يتحدثان بخصوص التعيين، اسمع ياحسام وانت ياعلاء!! هل سمعتما ما سمعت؟
قال حسام: سوف اتوجه اليهما لأسألهما كيف تم تعيينهما؟
فعلاً أعزائي لما سأل حسام الشابين تأكد له هو وصديقاه ما سمعوه اول مرة حينما قال بعض المتقدمين للتعيين إن التعيين في هذه الدائرة لايتم إلا بالواسطة والمحسوبية.
وهكذا أعزائي المستعين استمعنا الى حالة من حالات الفساد الاداري التي تعيشه الكثير من بلداننا ولكن هل هذه الحالة الخطيرة ستبقى دون حل يذكر؟ اذن لابد من معالجة هذه الأزمة وتلافي تداعياتها الخطيرة التي ستنجم عنها في المستقبل لذلك أعزائي سوف نلتقي بضيفنا فضيلة الشيخ محمود السيف الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله عن حكم الواسطة والمحسوبية من اجل الحصول على العمل في الشرع الاسلامي ومن هو المقصر في هذه الحالة؟ هل طالب التعيين على أساس هذا المبدأ غير الأخلاقي أم الذي سهل أمر التعيين وحاول أن يفضل زيداً على عمرو مثلاً؟
السيف: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
هذه الظاهرة وهذه المسئلة تناولها الشارع المقدس من زاويتين، الزاوية الأولى الزاوية الشرعية فأن الشارع اخذ موقفاً سلبياً لذلك من يذهب الى هذه القضية ويساعد على إيجاد هذه الظاهرة فهو مؤاخذ عن الله سبحانه وتعالى هذه من ناحية ومنناحية اخرى اتخذ موقفاً من حيث الأثر الوضعي فإن الأثر يترتب على الشخص كفرد وعلى المجتمع، أما على الشخص فإن الشخص الذي يقبل بهكذا منصب بهذه الطريقة وهو ليس مؤهلاً ولايمتلك الأهلية فإنه يعطي من دينه ومن شخصيته. من دينه اذا كان متديناً ومن شخصيته كإنسان لأن الانسان الذي يدرك كعاقل أن هذه القضية وهذه الظاهرة لاينبغي أن تكون منطلقاً وأساساً ووسيلة للوصول الى مآرب الشخص او المجتمع واما من حيث الأثر الاجتماعي فأن الأمة التي تقبل بهكذا مناصب ومن يستلم هكذا مناصب فإن المجتمع بلا شك سوف يقع في إختلال النظام ولايحصل على الرقي والنمو في مجالاته المختلفة وحتى لو كان الشخص يمتلك الغيرة ويمتلك النشاط والقوة وحتى الاخلاص فإن نفس الأهلية سوف تخدمه لأنه لايمتلك أي أهلية لأداء وظيفته ومهمته وبالتالي سوف يقصر في أداء هذه المهمة وهو متمسك بها فسوف يساهم في هدم المجتمع والنظام الاجتماعي. لايبرر ذلك الشخص لو كان يقول مثلاً يمكن أن يكون مؤهلاً غير مخلص لأنه ينطلق من مصالحي؟ الجواب بسيط جداً وهو أن الشخص الذي غير مؤهل اذا قاد المسؤولية يعطي من دينه وشخصيته كذلك الغير مخلص المسؤول يعطي من دينه وشخصيته فكل منهما مطلوب، الأهلية والإخلاص في العمل. وهذا ليس فقط في دائرة الاسلام فقد أدركوا أن الأمة اذا قبلت بأن يستلم هكذا مناصب غير مؤهلين فلاشك سيكون هذا مأوى في هدم المجتمع ورقيه ونموه وبالتالي يكون عرضة للغزو وللغزو الاستعماري من قبل الكافر ومن قبل المسيطر لأن الأمة أعطت زمامها بيد غير المؤهلين فحتماً سيكون منطلقهم منطلق اناني ومصلحي وأمثال ذلك.
أعزائي وبعد أن إستمعنا الى ماقاله فضيلة الشيخ محمود السيف الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة نتوجه الآن الى الأستاذة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الإجتماعي من لبنان لسؤالها عن الواسطة او المحسوبية وتبعاتها النفسية الاجتماعية خاصة وأن هناك من يضيع حقه مقابل تعيين اشخاص ربما لايستحقون التعيين ولاتنطبق عليهم الشروط المطلوبة.
نور الدين: بسم الله الرحمن الرحيم عندما نتحدث عن الواسطة والمحسوبية والتي للأسف أصبحت سمة من سمات مجتمعاتنا العربية والاسلامية ولعل اذا عدنا الى الثقافة الاسلامية لانجد لهذه السمة أي أساس او أي وجود في المجتمع الاسلامي الأصيل لأننا نعرف بأن الرسول وأهل البيت عليهم السلام عندما تحدث القرآن الكريم واعطى النماذج تحدث عن القوي الأمين بالتالي تحدث عن ميزات أي شخص يريد أن يتصدى أي موقع من مواقع القيادة او أي موقع عملي في المجتمع بالتالي هذه السمة للأسف نجد أن لها تداعيات سلبية جداً سواء على المستوى الفردي او على المستوى الاجتماعي. لو تحدثنا على المستوى الفردي نجد أن هذه السمة تزرع الإحباط وتقتل الدافع والحافزية عند الأشخاص على تطوير الذات، على التعلم المستمر، طبعاً هذه الدافعية تتولد عادة من وجود التنافس الإيجابي على المواقع وعلى الأعمال لذلك وجود الواسطة والمحسوبية تقتل هذا الحافز وتقتل هذه الدافعية وبالتالي تقتل الإبداع. ايضاً على السمتوى الاجتماعي وهذه هي السلبية الأكثر كارثية فعندما نتحدث عن واسطة او محسوبية على المستوى الاجتماعي نتحدث لنقيض على قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب أي القدرات والمهارات التي تتناسب مع العمل وبالتالي نتحدث عن الواسطة والمحسوبية بغض النظر عن الكفاءة الموجودة في الأشخاص، عندما يكون هذا الموضوع سمة من سمات مجتمعاتنا نحن نتكلم عن تخلف في هذه المجتمعات لأننا نتحدث عن عدم القدرة على المساهمة في نمو المؤسسة ونمو العمل وبالتالي في نمو المجتمع الذي يستند نموه على هذه المواقع وهذه المؤسسات وهنا الخطورة بالفعل لذلك هذه السمة وهذه الخاصية السلبية إن لم تتوقف وإن لم نناسب مؤسساتنا على خلافها ولم نجد نظم ادارية ونظم عملية تحد منها نحن نذهب الى المزيد من إيجاد مراكز ونقاط ضعف داخل المؤسسات تساهم في تخلف المجتمعات وبالتالي تخلف الدولة والأمة اذا أردنا أن نتحدث بصورة شاملة.
في ختام حلقة اليوم اعزائي نتوجه بالشكر الجزيل الى ضيفينا الكريمين واليكم احبتي الكرام على حسن الاستماع نرجو أن نلتقيكم في حلقات اخرى قادمة، الى اللقاء ودمتم في رعاية الله.