خبراء البرنامج: الشيخ عقيل زين الدين الباحث الإسلامي من لبنان والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم أعزائي المستميعن أحييكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع. أيها الأفاضل في حلقة اليوم سنتطرق فيها الى إحدى الحالات الصعبة والمؤلمة التي تمر بحياة الانسان والتي تسبب له نوعاً من الإحباط والمعاناة وقد تسبب له عقدة نفسية ربما تلازمه طويلاً. هذه الحالة أعزائي هي حالة الفراق التي يتعرض لها العديد منا سواء الابن او الابنة او الزوجة او الزوج او غيرهم وما نعرفه عن الفراق والمتعارف عنه أنه يأتي بسبب سفر او غياب مؤقت او إبتعاد نتيجة مشكلة معينة او وفاة احد افراد الأسرة ولكن هل تداعيات كل حالة تكون مشابهة لتداعيات الحالة الاخرى؟ بالطبع لا. ذلك أن السفر ربما سينتهي والغياب المؤقت الذي ينجم عن مشاكل زوجية او أسرية بشكل عام ايضاً سوف ينتهي ولكن فراق الوفاة وما يخلفه من ازمات نفسية ربما لاتنتهي وقد تنتهي اذا توفرت عوامل يمكن أن نطلق عليها بالعوامل المساعدة للذين يعانون من ازمة الفراق. اذن في حلقة اليوم سيكون حديثنا عن الفراق الناجم عن الوفاة والذي يسميه البعض الفراق الأبدي ولما لهذا الموضوع من تداعيات وإنعكاسات اجتماعية ونفسية كبيرة سيكون لنا لقاء مع ضيفين من ضيوف البرنامج سماحة الشيخ عقيل زين الدين الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان. اذن سنتابع قصة اليوم اولاً ومن ثم سنتابع الحلول اللازمة والممكنة الواجبة على الآخرين رعايتها وكذلك سنتابع ما يراه الشرع الاسلامي في هذه الحالة بخصوص توفير الأجواء للشخص الذي يعاني كذلك ما على الشخص مراعاته حفاظاً على صحته وراحته ثانياً فكونوا معنا.
أعزائي الكرام مريم فتاة في مقتبل العمر لم تتجاوز الخامسة عشرة توفيت امها وهي طفلة يانعة لم تعرف سوى الحب والمرح ولكنها وبعد أن فتحت عينيها على الدنيا وأوشكت أن تدرك أموراً أخرى في حياتها إعتصر الألم قلبها حين علمت ووعت معنى فراق الأم لما صارحها أبوها بذلك. لذلك صار تعلقها بأبيها شديداً جداً وكبيراً جداً نظراً لأن لم يكن لها لاأخ ولاأخت كذلك ولسوء حظها لم يكن لها ايضاً لابنات خالة ولابنات عم ولاأحد من هذا القبيل يذكر وبمرور الوقت تعلقت بأبيها أكثر بسبب أنه هو الآخر استطاع أن يمنحها الراحة ويوفر لها كل ما تحتاجه وما كانت ترغب به لذلك تميزت مريم في المدرسة سواء في أناقتها وفي هندامها او في تفوقها الدراسي وتفوقها الأخلاقي ايضاً فقد كانت نموذجاً رائعاً بين زميلاتها.
في يوم من الأيام لما عادت مريم من المدرسة شاهدت من بعيد جمعاً غفيراً عند باب البيت ولما اقتربت سألت جارتها بكل عفوية وبراءة: مالذي يحدث في بيت أبي؟
أجابتها تلك المرأة المسنة: يقولون أن أباك قد تسلق الشجرة لقطف بعض الثمار فزلت قدمه وسقط على الأرض !
خافت مريم كثيراً فهرعت مسرعة الى داخل البيت لتطمئن على أبيها وعندما دخلت وجدته متعباً وقد تجمع حوله بعض المسعفين وبعض الجيران. حاولت أن تتكلم معه لكنه كان مغماً عليه، ناشدته كثيراً وتوسلت له أن يكلمها إلا أنه لم يكن يسمع او يشاهد كل ما تفوهت به من كلمات او كلما ذرفته من دموع. لم يستغرق الأمر طويلاً حتى قرر المسعفون نقل الأب الى المستشفى بعد أن تأكد أنه مصاب بكدمة قوية في رأسه وأن هناك نزفاً شديداً فيه.
بطبيعة الحال لم تعرف مريم سبب نقل أبيها الى المستشفى سوى أن بعض المسعفين قال لها: لاتقلقي فإن أبوك ليس بحالة خطرة، فقط سنأخذه معنا حتى نطمئن على سلامته ومن ثم نعيده الى البيت، صدقيني يابنيتي.
لم تشفع هذه الكلمات من الصدمة النفسية التي تعرضت لها مريم وهي تشاهد أباها منقولاً بسيارة الإسعاف الى المستشفى فهي تدرك جيداً ما حصل وتعلم أن أمر أبيها قد تصاحبه بعض الخطورة خاصة بعد أن رأت بنفسها حجم الإهتمام الذي أولاه له هؤلاء الأشخاص مايدل على خطورة وضع الأب وخطورة الأمر اكثر لو حصل له مكروه ما لاسمح الله !!!
لم تمض سوى ثلاثة أيام على مكوث الأب في المستشفى حتى وافاه الأجل فشكلت الحادثة الى مريم صدمة قاسية جداً فإظلمت الدنيا في عينيها وضاقت عليها الأرض بما رحبت وراح البكاء لايفارقها أبداً، فكانت ردود الأفعال على مريم عديدة، اولها إعتكافها عن الذهاب الى المدرسة، ثانيها رفضها الذهاب الى ملجأ الأيتام الكائن في نفس الحي والذي إقترحه عليها بعض المقربين منها وغيرها من ردود الأفعال الشخصية التي تركت مريم ممارستها او مزاولتها مثل تبديل الملابس او تغييرها كذلك تنظيف نفسها او إعداد الطعام كما كانت تفعل ذلك مع أبيها. حاولت بعض نساء الحي تقديم النصح لها وتحفيزها على الإهتمام بنفسها فكل نفس ذائقة الموت وإن الموت حق إلا أنها لم تأبه لكلامهم ولم تأخذ بنصائحهم ولاننسى أعزائي المستمعين أنها ليست كبيرة في السن ولاحول لها ولاقوة.
إزدادت حالة مريم سوءاً وباتت مريضة لاتقوى على الاستمرار في حياتها وهي الفتاة التي لازالت ساذجة في أغلب أمور الدنيا وساذجة حتى في كيفية الإعتناء بنفسها. يوماً بعد يوم اخذت حالة مريم تتأزم أكثر فأكثر حتى صارت حديث الجيران كباراً وصغاراً لذا قررت بعض النسوة التجمع لزيارتها وتفقد حالتها خاصة بعد أن شاعت الأنباء في الحي عن تردي حالتها وتدهور أوضاعها النفسية، وفعلاً لما دخلن وجدن مريم غير تلك الفتاة التي كانت فقد كان حالها سيئاً وعليها ملامح التعب والإنهيار العصبي والنفسي، حاولت احدى النساء الأخذ بيدها لتأخذها قليلاً الى بيتها تلهو وتقضي بعض الوقت مع بناتها لكن مريم رفضت ذلك رفضاً قاطعاً بل نهضت من مكانها وتوجهت الى غرفتها وأغلقت الباب.
اذن مستمعينا الأعزاء وبعد أن إستمعنا الى قصة اليوم وتعرفنا على حجم المأساة والمعاناة التي رافقت مريم في حياتها نتوجه الى سماحة الشيخ عقيل زين الدين الباحث الاسلامي من لبنان لسؤاله عن النصائح والإرشادات التي يمكن توجيهها الى مريم وأمثال مريم ممن أغرقن أنفسهن في متاهات المعاناة من الفراق وبماذا ينصح ديننا الاسلامي تجاه ضرورة الإهتمام بالنفس.
زين الدين: أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيد الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
نسأل الله جاّ وعلا أن لايبتلينا ولايمتحنا ونسأل الله أن يكتب لنا حسن العاقبة إن شاء الله ويوفقنا لما يرضيه.
الجواب على هذا السؤال طبعاً اذا ما فقد الأب وابتليت البنت وأصبحت وحيدة او فقد معيلها والمسؤول عنها مباشرة أحياناً يكون هناك الأخ الكبير او الانسان المعيل والمشرف على البيت الذي يستطيع أن يدير شؤونها ويراعي خاطرها فلا شيء ولكن لاسمح الله إن كانت وحيدة والهم مصبوب على كاهلها مباشرة ويجب عليها أن تواجه المجتمع يجب عليها أن تنتبه الى عدة ملاحظات وأن مجتمعنا في الحقيقة ظالم ولايراعي خواطر وحرمة الانسانة بشكل شرعي كما يجب أن يراعى ولكن المرأة المؤمنة والبنت المؤمنة الملتزمة الشجاعة القادرة على فتح طريق حياتها يجب أن تلتفت الى أن ليس كل من يتقرب منها، يجب أن تحاكم نواياه أولاً، أن لاتستسلم لأي رواية او إغراءات إلا بعد تمحيص ودراسة وتعمق نحو المتقرب منها إن كان قريباً او بعيداً لكي لايكون انساناً بلا ضمير او انساناً غشاش هذا من الناحية الاجتماعية أما من الناحية الاخلاقية يجب أن تبني شخصيتها وتعرف أنها حاملة لأمانة راحل وهو يراقبها ورب العزة والجبروت كذلك يراقبها. يجب عليها أن تقوي عزيمتها وأن تشكل من ذاتها سداً منيعاً أمام كل الأهواء والإغراءات وأن تعطي مثالاً للآخرين إنها امرأة شجاعة قادرة على أن تحصن نفسها وعلى أن تمخر عباب المجتمع وتحافظ على سمعتها بشكل خاص أن الناس تكون عيونهم منصبة عليها وكل صياد أثيم يحاول إغواءها مالياً او نفسياً او اقتصادياً او جسدياً فعليها أن تكون متربصة ويصبح همها حماية نفسها وحماية سمعتها وكيف تشق طريقها طريقاً ملتزماً يرضي الله ويحافظ عليها في المجتمع الذي تعيش فيه لتكون رقماً صعباً يصعب إجتيازه وإختراقه من كل صاحب نية سيئة. يجب أن تتحلى بهذه وأن تعرف أن الله إبتلاها جل وعلا كما إبتلى من كان قبلها، أبتليت مريم، أبتليت آسية، أبتليت خديجة، أبتليت فاطمة، أبتليت زينب واستطعن أن يشكلن رمزاً للنساء وللرجال وللمجتمع بشكل عام كيف تكون المرأة بطلة، كيف تكون المرأة قديسة، كيف تكون المرأة شجاعة وتستطيع أن تخلد اسمها في التاريخ وأن تحفظ نفسها وتحافظ على نفسها وعلى المتعلقين بها إن كان إخوتها صغار، إن كانت امها مازالت في البيت لتكون قوية شجاعة تحميهم وتحمي نفسها وتنظر الى الأسمى، الى خالقها ليعينها على إجتياز هذه المرحلة الصعبة وبدلاً من أن تكون هي المفترسة أن تكون هي التي ترد عن نفسها وعن غيرها وفي ذلك فوز عظيم إن شاء الله رب العالمين.
وبعد أن إستمعنا الى ما قاله سماحة الشيخ عقيل زين الدين منوجه الآن الى الأستاذة وداد الخنساء المرشدة التربوية من لبنان لسؤالها عن التداعيات المحتملة والمشاكل الواردة في حسابات هكذا حالات وماذا يمكن أن يسفر عنها نفسياً بسبب الفراق لو ترك المريض نفسه عرضة لهكذا أزمات فماهي النصائح وماهي الحلول؟
الخنساء: كتب الفراق على بني آدم حينما خلقت الحياة خلق معها الفراق يعني آدم عليه السلام نزل على هذه الدنيا وطبعاً فارق الأهل والأحباب ثم البشرية كلها. وكما أن الفراق أمر صعب على الانسان جداً وانا شخصياً عانيت ومريت بهذه الفترات توفيت أختي وهي في عز شبابها، توفي زوجي في الخمسين، توفي اخي وهو جراح كبير كذلك في عمر الخمسين كان والموضوع مؤلم جداً والفراق مؤلم وصعب يتحمله الانسان ويمكن يصل الى حالات لاسمح الله يشك بدينه وعقيدته ويمكن تحصل تداعيات صعبة جداً ونحدث للانسان مشاكل نفسية من ألم الفراق خاصة اذا كان انسان عزيز عليه ويعيش لوحده كذلك هذا سيكون موضوع صعب جداً. كيف يمكن أن يتعامل الانسان مع هذه الأمر؟ اولاً رب العالمين يمكن هو يعالج هذا الموضوع تدريجياً ويخفف من حدة الاشتياق لهذا الانسان. الموضوع الثاني الايمان بالله عزوجل اذا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي كتب علينا الحياة وهو الذي كتب علينا الموت والفراق هو فراق مرحلي فكلما كان ايماننا وتواصلنا مع الله رب العالمين كلما خفف حدة ألم الفراق بالإتكال على رب العالمين بأن يكون في عالم الجنة في عالم الخلود الأبدي ونحن سنقضي هذه المرحلة المؤقتة وهذا يبعد ألم الفراق، تعميق الايمان، قراءة القرآن بشكل دائم والثبات على الدين هو اكثر ما يبعدنا عن ألم وحزن فرقة الأهل وشوقنا لهم. هذا انا برأيي ومن تجربتي التي عشتها واستطعت أن أتخطاها في فترة صعبة وأليمة.
في ختام حلقة اليوم نشكر لكم اعزائي حسن الإستماع ولضيفينا الكريمين حسن المشاركة، الى اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.