خبراء البرنامج: السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من ايران والأستاذة أميرة برغل الباحثة التربوية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في حلقة اليوم أعزائي سيكون حديثنا عن قصة الرجل الذي يظن أنه لاوجود لزوجة مثالية تناسبه وتستطيع أن تنسجم معه وتكون طول العمر رفيقة درب له بكل ما للكلمة من معنى لذلك لانجده متحمساً للزواج خاصة بعد أن تقدم به العمر وأصبح الزواج في نظره مجرد صورة او اطار يجمل به شخصيته ويكمل به أناقته ليس إلا لذلك فقد بقي بلا زواج وبقي وحيداً طيلة حياته وهذا ما كان بطبيعة الحال ينعكس سلباً على حياته وعلاقاته الاجتماعية سواء داخل الأسرة او خارجها أي مع الآخرين في العمل. حول تداعيات هذه الحالة الاجتماعية وإنعكاساتها السلبية وحول مايراه الشرع الاسلامي تجاه هكذا أشخاص يظلمون أنفسهم ولايسمحون لها بالتمتع بما اوجبه الله سبحانه وتعالى على المسلم المؤمن بأن يكمل نصف دينه قبل كل شيء سوف نستضيف ضيفين من ضيوف البرنامج الأعزاء وهما سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من ايران والأستاذة اميرة برغل الباحثة التربوية من لبنان وذلك لإلقاء المزيد من الضوء على قصة اليوم فكونوا معنا.
بعد أن أكملت الأم ترتيب المائدة وجهزت كل شيء راحت تنادي على بناتها وأولادها لأجل تناول طعام العشاء وفعلاً تجمع الكل إلا وحيداً الأخ الأكبر الذي عزف عن الزواج ولم يعد يفكر به أبداً. لم يرق هذا الأمر للأم فهي الحنونة الطيبة دائماً وهي المسؤولة ليس الطعام لأطفالها فقط وإنما المسؤولة عن توفير حتى الراحة والإبتسامة على شفاههم وتجديد الأمل عندهم لذلك فقد عزّ في نفسها أن يأكل الجميع طعام العشاء إلا وحيداً. نهضت من مكانها تاركة الأولاد وصاحت بصوت مرتفع: وحيد... ياوحيد... أين انت ياولدي؟ تعال بسرعة أرجوك لتتناول معنا طعام العشاء، هيا ياولدي، هيا بسرعة!
لكن وحيداً ظل وحيداً ولم يستجب لما قالته أمه. كعادته غيّر ملابسه بسرعة وحاول ان يخرج من البيت لكي لايعطي لأحد مجالاً لسؤاله. وهنا وقفت الأم في طريقه ولم تسمح له بالخروج هذه المرة إلا أن يشرح لها مايعانيه، لكن كل محاولات الأم راحت في مهب الريح فلم يكن وحيد على مرامه ولم يكن بمزاجه الطبيعي الذي كان عليه بالأمس فخرج وترك أمه وأسئلتها دون جواب ولما عادت الأم قالت لها إبنتها مريم: يا أمي لمِ لاتذهب الى بيت الخالة أم سلام لتطلبي إبنتها الكبرى لوحيد فهي حتماً تلائمه وسوف يرضى بها، صدقيني ياأمي !!!
قالت الأم وهي الواثقة من كلامها: أنسيت كم من فتاة تقدمت في طلبها لأخيك ورفضها لأسباب وحجج كثيرة، بنت خالتك سمية قصيرة، وبنت خالتك خيرية نحيفة، بنت عمك لم تكمل الشهادة الجامعية، بنت الجارة أم أزهار تجاوزت الثلاثين و و و أصحيح ما أقوله؟
أجابت مريم بحسرة: نعم يا أمي هذا صحيح لكن هل نقف مكتوفي الأيدي ونترك وحيداً في أزمته التي راحت تتفاقم يوماً بعد يوم؟
ولكن في أحد الأيام عاد وحيد الى البيت وقد حمل لأول مرة خبراً ساراً أراد أن يبثه لأمه فلطالما دعت وتوسلت الى الله أن يفرج عنه محنته أن يجد بنت الحلال التي تستطيع أن تسعده وتداريه.
نادى على أمه ولما جاءت قال لها: أنا اليوم في غاية السعادة ياأمي، انا اليوم في غاية السرور، لاتستطيع الأرض أن تحمل فرحتي !!!
أسرعت الأم بسؤاله: ما الذي حصل؟ هيا أخبرني ! قل لي ياولدي ! هيا قل أرجوك!
قال وحيد: وجدتها يا أمي، نعم وجدتها.
سألته الأم: ومن هي؟
قال: هي العروس التي صبرت وأنتظرت لأجلها طويلاً !!
تهلل وجه الأم بسرعة فرحاً وبشرى وقالت: هيا قل لي ياوحيد، قل لي أرجوك من هي وأين وجدتها؟
قال: صبراً عليّ يا امي فالفرحة لاتسمح ليّ بالكلام من فرطها!
إندهشت الأم مما سمعت وقالت: لقد أسمعتني اليوم خبراً سوف يكون أسعد خبر في حياتي ياولدي وأجمل يوم في حياتي.
حالما سمعوا الخبر تجمع اخوة وحيد وأخواته حوله وأصروا أن يبوح بالسر الذي أراد منه وحيد أن يكون ولو للحظة سبباً في متعته التي حرم منها سنوات طويلة. نظرت له امه وقالت له: ألا تريد أن تقول من هي عروسك التي أخيراً وجدتها يابني؟
قال لها: نعم يا أمي أخيراً وجدتها إنها حسناء بنت الحاج فريد .
سعدت الأم كثيراً بالفتاة لأنها كانت واحدة من فتيات الحي الرائعات الجمال والأخلاق والسمعة والجاه والمال. كانت حقاً مثلما وصفتها مريم أخت وحيد إنها أسم على مسمى إسمها حسناء وهي حسناء في كل شيء.
نعم مستمعينا الأفاضل وفعلاً إستعد الجميع للذهاب الى بيت العروس بعد أن تم تحديد الموعد طبعاً فعند الساعة السابعة مساءاً طرق وحيد الباب وفتح الحاج فريد وهو بكامل هندامه وملابسه الوقورة وقال: تفضل ياولدي، تفضل أهلاً وسهلاً بك وبعائلتك.
دخل الجميع وعلائم الفرحة والسرور قد ملئت أركان البيت شعر حينها وحيد بسعادة لاتوصف خاصة وكان يظن أنه عثر أخيراً على الفتاة التي قال عنها إنها حقاً الفتاة المثالية التي طال صبره في إنتظارها.
تقدمت الأم وطلبت يد الفتاة حسناء لإبنها وحيد. رحب والد الفتاة وبارك بهذا الطلب كثيراً رجا من الله سبحانه وتعالى أن يوفر كل أسباب الراحة والاستقرار لهما. شكرت الأم كلام السيد فريد وقالت له: نحن نتمنى أن يتلائم العريسان على كل شيء وأن يكونا يداً بيد طوال حياتهما لكي لايسمحا للمشاكل أن تخترق علاقتيهما أبداً. بدوره شكر ايضاً السيد فريد عائلة وحيد على حسن مشاعرها وفجاة نطقت العروس وقالت: أشكركم كلكم على حضوركم وأشكركم على كل شيء وأتمنى ان أكون العروس المثالية لإبنكم وحيد إلا أنكم لم تتكلموا بشأن مطاليبي وشروطي لحد الان.
ساد صمت رهيب ساعتها كل الحاضرين واولهم وحيد الذي إنبرى قائلاً دون تردد: مطاليب، شروط؟؟
نظرت حسناء الى وحيد وقالت: عفواً أراك منزعجاً قليلاً ياوحيد؟ أم أنك لم تسمع من قبل بمراسيم الزواج؟ شروطي ومطاليبي هي نفسها شروط ومطاليب أية عروس يتقدم لطلبها أي رجل.
فقال وحيد: ولكنك ولم تذكري شيئاً عن الشروط قبل أن آتي بأهلي، كل الذي قلتيه لسعاد إنك تبحثين عن الرجل المناسب والملائم والمثقف الذي يستطيع أن يفهمك ويحترمك ويعيش معك دون مشاكل؟
هنا قاطعته حسناء امام الحاضرين، قالت: كل الذي ذكرته أمور طبيعية وضرورية في الوقت نفسه أم تظن أنني سوف اتزوج يوماً ما من رجل مجنون؟
نهض وحيد من مكانه وأشار الى أمه وأخواته بالنهوض أيضاً فلم يرق له كلام حسناء وكان يظن انها سوف ترضى بما هو يقرره ويريده فقط. حاولت أمه أن تقنعه ليعدل عن قراره لكنه اجاب قائلاً: لا ياأمي فهي ليست بالفتاة المثالية !!!
أعزائي وبعد أن سمعنا قصة اليوم نتوجه الى سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من ايران لسؤاله عما يمكن من خلاله تقديم النصح والإرشاد الى هكذا شباب لايعتقدون بوجود الفتاة المثالية للزواج وكلما تصادفه واحدة يرفض الزواج منها لأحد الأسباب التي أصبحت ترافقه دون مبرر.
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اهله آل الله
في الواقع هناك من يحمل هذه الأفكار وللأسف ونكرر ونقول للأسف في زمان دخلنا فيه او قطعنا قسماً كبيراً من القرن الحادي والعشرين ولكن نصادف عقليات تعيش هذه التصورات. هؤلاء الأفراد تقودهم الأوهام، هم ينطلقون من منطلقات غير سليمة وسلبية إما يكون وراءها او على ما اعتقد وراءها الوسوسة، مرض الوسوسة من الأمراض النفسية الخطيرة التي يجب على الانسان أن يستعين بفكره وبعقله لإحتواءه. احياناً يكون السبب مثلاً الإعجاب بالنفس والإعجاب بالنفس يعطي صاحبه إنطباعاً بأنه لايوجد له مرادف على وجه الأرض وبين الناس وطبعاً الامام امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه له كلمة رائعة موجودة في القسم الثالث من نهج البلاغة، يقول عليه السلام: إعجاب المرء بنفسه دليل على قلة عقله. للعاقل هو الذي يشعر إنه أقل من غيره ويشعر بأن الآخرين هم أفضل منه ولهذا هناك أحاديث في هذا الإطار يقول الامام علي سلام الله عليه: من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه. إما من هذا المنطلق وإما لا، بعض العناصر يشعرون بالعجز امام مسؤولية الزواج او ادارة الزوجة او تخطي حقوق الزوجية لذلك تصور مسؤولية الزواج بأكثر من اللازم يعود عليهم بالشعور بالإنهزام أمام هذا الارتباط وأمام هذه المسؤولية. أنا اعتقد أن الضعف الايماني ايضاً سبب كبير لأن الله سبحانه وتعالى أمر الانسان بحقيقة واقعة ونشاهدها بالحس واللمس، الله سبحانه وتعالى أوكل الأمور الى الانسان ولكنه أشعره أنه فقير الى دعمه لذلك على الانسان أن يحقق، أن ينقب، أن يختار ولكن بالحدود المعقولة التي يفرضها التفكير ويوكل ما تبقى او يوكل ما يخشى مسؤوليته الى الله سبحانه وتعالى.
الله وعد الانسان قال: ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
وبعد أن إستمعنا الى سماحة السيد حسن الكشميري نتوجه الآن الى الأستاذة اميرة برغل الباحثة التربوية من لبنان لسؤالها عن التأثيرات السلبية التي تنعكس على حياة الشباب أمثال وحيد سواء في اعماله او في علاقاته مع الآخرين وكيف يمكن توعية هكذا شباب وعلى من تقع المسؤولية؟
برغل: بسم الله الرحمن الرحيم بالنسبة الى عزوف بعض الشباب عن الزواج لذلك تأثيرات سلبية كثيرة لأن الزواج هو حدث من صليف حياة الانسان وهو يهدف الى عمارة الأرض والى تحقيق التكامل على الصعيد الفردي وعلى الصعيد الاجتماعي فالله سبحانه وتعالى قطع أن يتم من خلال عملية الزواج بين الرجل والمرأة حدوث التكامل على الصعيد الروحي وعلى الصعيد النفسي والإندماج الإجتماعي في آن واحد، كما أن الزواج مدخل الى باب العمل الصالح والأجر والثواب. بالنسبة للتكامل الروحي فيقول الشهيد مطهري في تحليل جميل جداً، يقول: التكامل الروحي عند الانسان يبدأ عندما يشرع بالخروج من الذاتية والأنانية بإتجاه الانسانية الكاملة وهذا شيء لايستطيع أن يبدأ به الانسان إلا عندما يدخل في شراكة مع الجنس الآخر ويخرج من التفكير من الأنا الى التفكير الثنائي في أنا وهي ويخرج من التفكير الثنائي الى التفكير الجماعي عندما يرزقه الله سبحانه وتعالى الأولاد وهذه هي الخطوات التدريجية التي تأخذ بيد الانسان نحو الخروج من الأنا الى التفكير الجماعي وهي شرط من شروط التكامل الروحي علاوة بأن هذا العمل يبدأ بتحمل المسؤولية والاندماج الاجتماعي كما تقول الآية: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. فالآية تدل بشكل واضح على أن هناك هدف أسمى للزواج من المصلحة الفردية، هناك مصلحة اجتماعية في التعارف والتصاهر بين الناس.
في ختام حلقة اليوم اعزائي نشكر للضيفين العزيزين مشاركتهما في البرنامج كما نشكر لكم حسن الإستماع، دمتم في أمان الله.