خبراء البرنامج: الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة أميرة برغل الناشطة الاجتماعية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم أعزائي المستمعين أهلاً وسهلاً بكم موضوع حلقتنا لهذا اليوم سيكون عن بعض الأشخاص الذين يعتقدون أن الحظ لم يحالفهم في عملهم او أنهم مصابون بما يسمى بسوء الطالع فيما يتعلق بمعيشتهم ورزقهم الذي رزقه الله سبحانه وتعالى إياهم فينكدون على أسرهم ويبالغون في تأفأفهم وتحججهم في ذلك بأن رزقهم قليل او أنهم غير مرزوقين. أعزائي المستمعين هؤلاء الأشخاص الذين لايعتقدون بأن الله سبحانه وتعالى قد قسم الأرزاق كلها وجعل لكل انسان نصيبه في الحياة الدنيا يكونون قد تناسوا بأن الحياة الدنيا ماهي إلا متاع فيصيبهم مرض فلا ينجون منه ولايتخلصون من عواقبه إلا اذا عادوا وآمنوا بما قسمه الله من رزق على العباد. ولأجل تسليط الضوء أكثر على موضوع حلقة اليوم وكما عودناكم اعزائي المستمعين سوف نستضيف اليوم كلاً من سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة اميرة برغل الناشطة الاجتماعية من لبنان ايضاً فكونوا معنا بعد إستماع قصة اليوم.
أعزائي الكرام وقف عبد المعين أمام محله ينظر بعين الحسد الى المحل المجاور له الذي كان مزدحماً وصاحبه منشغلاً بالبيع لهذا الزبون وذاك ثم عاد ونظر الى محله فوجده خالياً من الزبائن فصاح بأعلى صوته على بائع الصحف الذي كان ماراً من امام المحل وقال له: أنت يا بياع الصحف، تعال وأعطني صحيفة واحدة.
إقترب الصبي منه وقبل أن يمد يده قال له عبد المعين: هل يوجد في هذه الصحيفة عمود للأبراج؟
ضحك الصبي مع نفسه لما وجد رجلاً كبيراً مثل عبد المعين يتحدث عن الأبراج، ثم أجابه وقال: نعم ياحاج يوجد عمود الأبراج، خذ واحدة واذا كنت تريد أن تتأكد من برجك فإشتري صحيفة أخرى!
نظر اليه عبد المعين وعرف أن الصبي يريد ليستغله ليبيع له صحيفتين إثنتين.
هزّ عبد المعين رأسه وقال له: لا لا فواحدة تكفي !!
وراح عبد المعين يقرأ ما كتب في برجه من حظوظ لعله يكتشف في أي يوم يكون بيعه وفيراً ولما لم يكن في برجه شيء عن البيع يذكر أغلق محله بغضب وأخذ يتفوه بكلمات مع نفسه، كلمات عن شخص لايهمه في الدنيا سوى أن يبيع ويجمع مالاً فقط. عاد عبد المعين بعدها الى البيت ولما دخل إستقبلته زوجته وسلمت عليه ثم قالت له: قبل قليل دعوت لك كثيراً في صلاتي لأن يعينك الله في عملك وأن يزيد في رزقك وأن يبعد عنك كل مكروه وأن ...
لم تكد تكمل الزوجة المسكينة كلامها حتى بادرها عبد المعين بالقول: هيا إنهضي وقومي لتعدي الطعام لي فأنا جائع جداً وما إن توجهت الزوجة الى المطبخ حتى سمعت طرقاً على الباب فتح عبد المعين الباب فإذا بجاره عبد الهادي جاء ليسأله إن كان بمقدوره أن ينجز له بعض الأعمال التي يجيدها عبد المعين أم لا، فهو مصمم ديكورات وله خبرة في هذا المجال ولكنه غير محظوظ حسب ما يقول هو.
تمتم عبد المعين في بداية الأمر ثم قال للشيخ: سوف أرد عليك غداً أما الآن فأنا متعب ولاأستطيع أن أحدد شيئاً معك.
خذل هذا الأمر الشيخ عبد الهادي فأدار وجهه وأعاد أدراجه ولما علمت زوجة عبد المعين بما جرى عاتبته كثيراً رغم أنه شرح لها سبب رفضه للعمل مع جاره الشيخ عبد الهادي حيث إشترط دفع مبلغ قليل جداً لقاء مطلبه لكنها أردفت قائلة: الرزق موجود في كل مكان وكل زمان وإن الله سبحانه وتعالى يبعث برزقه على العباد متى ما يشاء ومتى ما كان عباده يشكرون وانت لست من الشاكرين.
توجه عبد المعين صباحاً باكراً الى محله كالمعتاد ولما وصل فتح باب محله وجلس ينظر الى حاله لماذا لايأتيه زبائن كثيرون مثل جاره؟ وفجأة دخل شخصان عليه كانا يريدان الإتفاق معه على بعض التصامم المنزلية، شعر عبد المعين بفرح وسرور شديدين وحاول أن يكسب ود الزبونين بكل الطرق وفعلاً إستطاع أن يقنعهما بإنجاز العمل في فترة قصيرة جداً وبسعر مناسب جداً ايضاً.
عاد الى البيت وعلامات الفرح لازالت مرتسمة على وجهه ولما إستقبلته زوجته عرفت منه ماجرى مع الزبونين فإنشرح قلبها هي الأخرى وراحت تشكر الله كثيراً على فضله ونعمته. لما توجه عبد المعين في اليوم التالي الى المحل للبدأ بتجهيز التصاميم التي طلبها منه الزبونان ولم تمض سوى ساعة واحدة حتى دخل عليه أحدهما وقال له: ياسيد عبد المعين أنا وصاحبي نعتذر كثيراً فقد قررنا تأجيل مشروعنا الى إشعار آخر لأسباب تتعلق بأمورنا المالية !!
لم يصدق عبد المعين ما سمعه فعاد وقال للزبون: عفواً ماذا قلت؟
قال الزبون: أعتذر عن إتمام الإتفاق معك وسوف نزورك انا وصاحبي في وقت آخر حالما نحصل على النقود!
تأثر عبد المعين كثيراً بما سمعه وبعد رحيل الزبون رحل هو الاخر الى البيت ورأسه مطأطأ لايسمح لأحد بالتكلم معه ولايسمح لأحد بسؤاله عن سبب إنزعاجه وبعد إصرار من الزوجة عن سبب عودته مبكراً وسبب إنزعاجه قال: تعبت كثيراً من عملي وتعبت كثيراً من سوء طالعي. لماذا انا فقط لاأرزق كثيراً؟ لماذا انا فقط لاأحصل على الزبائن كما يحصل عليهم جاري الحاج أبو شاكر؟
أجابته الزوجة بكل هدوء: لاتتعجل يازوجي العزيز فالله سبحانه وتعالى قد منحك أرزاقاً كثيرة وأنت لم تنتبه اليها ولاتريد أن تنتبه أبداً. لقد منحك الصحة والعافية ومنحك السمعة الطيبة وإنه يحافظ في كل لحظة على اهلك وزوجتك واولادك. كل هذا وتجرو أن تقول إن الله لم يرزقك؟
لم يرق هذا الكلام لعبد المعين في محاولة منه لإسكاتها ولما سكتت نهض من مكانه وخرج من البيت ولم يعد حتى منتصف الليل.
أعزائي بعد أن إستمعنا الى القصة نتوجه الى الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان لسؤاله عما جاء في الشرع الاسلامي عن ضرورة الايمان بما يرزقه الله لعباده وماذا عليهم أن يفعلوا او يقوموا به اذا رأوا أن أرزاقهم محدودة؟ فلنستمع اليه
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين.
دون أدنى شك أن الله سبحانه وتعالى قد قسم الرزق على عباده وهو الذي يقدر هذا الرزق ويضعه في موضعه المناسب بحيث لايتحول الانسان الى حالة من البطر والى حالة من الترف وايضاً الله سبحانه وتعالى كما في بعض الروايات لأنه عندما يقتر على الانسان إنما يكون ذلك لمصلحة له ولكن على الإجمال وعلى مستوى الجهد البشري وعلى مستوى العمل الانساني على الانسان أن يثق بالله وأن يتوكل على الله وكما في الآية القرآنية المباركة "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لايحتسب" اذن على الانسان أن يتوكل على الله فهو حسبه وهو الذي يرزقه من حيث لايحتسب ولكن في المقابل ليس من الضروري أن يكون الانسان في حالة من العمل على أساس أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يرزق وهو لايفعل إزاء عياله وإزاء علاقاته أي شيء ولذلك على الانسان أن يسعى بجهده وليس عليه أن يكون موفقاً، لأن يكد ويجتهد من اجل تحصيل لقمة عيشه وكما في الكثير من الروايات الله سبحانه وتعالى يجب الانسان الذي يكد ويجتهد وأن مرتبة هذا الانسان كالمجاهد في سبيل الله عزوجل. اذن المسئلة متوقفة على امرين، الجهد البشري وتوفيق الله عزوجل فإذا إجتمعا الجهد البشري والكد البشري وايضاً اذا كانت علاقة الانسان بالله سوية فإن الله سيوفقه ويرزقه من حيث لايحتسب.
وبعد أن إستمعنا الى ما قاله سماحة الشيخ صادق النابلسي نتوجه الآن الى الأستاذة أميرة برغل الناشطة الاجتماعية من لبنان لسؤالها عن كيفية إقناع البعض ممن يعتقد أن الحظ لن يحالفه يوماً وماذا عليه أن يفعله اذا كان رزقه قليل واذا لم يقتنع بما يرزقه الله فما تداعيات ذلك على نفسيته وحياته الاجتماعية؟ فلنستمع اليها
برغل: بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية مسئلة القناعة تعود الى الايمان الموجود في أفكار كل انسان. الايمان بتفسير الوجود، إما أن يكون ايمانه مرتكز على عقيدة انسانية أرضية كما نسميها من صنع الانسان وإما أن يكون يعتمد في تفسيره على القواعد التي شرعها الله سبحانه وتعالى. أنا بإعتقادي أن الانسان الذي يبني أفكاره او يستمد أفكاره من الأفكار البشرية من الأرض لم يستطيع أن يجد القناعة وأما الانسان الذي يؤمن بما أنزل الله سبحانه وتعالى ويؤمن بالقواعد الوجودية التي وضعها الله سبحانه وتعالى او كما نقول السنن الكونية التي يسير عليها الوجود. هذا الانسان يعلم من خلال ما انزل الله سبحانه وتعالى في كتبه السماوية ولدى كل الأنبياء وبالخصوص ما فصله مع الرسالة الخاتمة في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية الشريفة بأن الرزق هو مقسوم من الله سبحانه وتعالى ولكن لايحصل إلا بالسعي فالانسان عليه أن يسعى ولكن النتيجة هي من عند الله سبحانه وتعالى. الشرط من تحصيل الرزق هو السعي ولكنه ليس كل الشروط فيمكن أن أسعى والله سبحانه وتعالى يعطيني رزقاً كثيراً ويمكن أن أسعى والله سبحانه وتعالى يقدر لي رزقاً محدوداً فإذا لايؤمن الانسان بهذه المسئلة سوف يظل بشكل دائم يشعر بالضيق وكلما رأى أحداً مبسوط الرزق أكثر من رزقه سوف يمد عينيه اليه وسوف يشعر بالحسد ويشعر أنه مظلوم والى ما هنالك وهذا ينعكس بشكل سيء جداً على النواحي النفسية بل وحتى على النواحي العقلية والروحية وصولاً الى الجسدية. الشعور بأنني أريد شيئاً ولاأستطيع الحصول عليه هذا الشعور يجعل الانسان في حالة ضنك وضيق مستمر ومع الوقت يشعر إتجاه الآخرين بالحسد، يشعر إتجاه الآخرين بالسلبية، يشعر مع الوقت بأن لديه نظرة تشاؤمية، يشعر بأن الحياة عبء عليه وهو المصدر الأساسي لجميع الأمراض النفسية وبالتالي للأمراض الأخلاقية لأنه سوف يلجأ بلا شك الى التصرفات غير الاخلاقية حتى يحصل على الرزق بأي وسيلة كانت وهذا الشيء الذي سوف يؤدي الى مصائب كثيرة تحصل له في الدنيا من قبيل الوقوع في مخالفات قانونية والتعرض الى ملاحقة قانونية وإن لم يحصل مثل هذه الأمور فهو سيكون في حالة نفسية دائماً حالى قلق وتوتر وهذا ايضاً يضر بصحته بشكل عام لذلك يقول الجميع بأن القناعة كنز لايفنى. هذا بإختصار ما أستطيع أن أقوله في هذا المشهد.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا العزيزين حسن المشاركة كما نشكر حسن إستماعكم آملين اللقاء بكم في حلقة أخرى قادمة، دمتم في أمان الله.