خبراء البرنامج: سماحة الشيخ أديب حيدر الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة سلام بدر الدين المختصة في علم الاجتماع من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حلقة اليوم ستكون مخصصة عن احوال الانسان المعيشية ومايعانيه ضعاف الحال او الذين يطلق عليهم الاقتصاديون ذوي الدخل المحدود من مشاكل تكاد تكون يومية وعلى وجه التحديد ما يتعلق بالمتطلبات والإحتياجات التي تكون ملحة بعض الأحيان خاصة بالنسبة للصغار. كما تعرفون أعزائي المستمعين بأن غلاء المعيشة بسبب غلاء الأسعار وبالذات أسعار السلع الضرورية الإستهلاكية او غير الإستهلاكية من شأنه أن يؤدي الى عواقب وخيمة على صعيد العلاقات الإجتماعية نظراً لما يسببه هذا الغلاء من مواجهات وإصطدامات مابين أرباب العمل والعمال من جهة وبين رب الأسرة وعائلته من جهة اخرى وبالنتيجة فإن الخاسر الوحيد في هذه العملية هو رب الأسرة. ولأجل إلقاء المزيد مما يتعلق بهذا الموضوع وكيفية حل المشكلة سيكون في ضيافة الحلقة لهذا اليوم سماحة الشيخ أديب حيدر الباحث الاسلامي من لبنان والأستاذة سلام بدر الدين المختصة في علم الاجتماع من لبنان فكونوا معنا.
لما سمع الأولاد والبنات طرقاً على الباب تبادر الى أذهانهم بسرعة ودون تردد إن أباهم قد وصل، هرعت البنت الكبرى نوال ثم تابعتها سارة ونهض عصام من امام شاشة التلفاز وقفز مسرعاً هوالآخر ليفتح الباب للأب الذي توجه منذ الصباح الباكر الى عمله وعلى أمل أن يأتي اليهم بما وعدهم به. فتحت نوال الباب ولما دخل الأب كانت أنظار الأولاد والبنات ترنو اليه عسى لأن يفي بوعده هذه المرة ويأتي لهم بطلياتهم لكن خيبة الأمل كانت بإنتظار أن تبلغ قلوب الأبرياء دون إستئذان، ضحك الأب ضحكة خفيفة في محاولة منه ليسعف حاله المسكين وليطوي على بؤسه الذي رافقه بإصرار مدة من الزمن. إلتفت الى الصغرى سارة والى اختها الأكبر نوال وتنفس قليلاً وقال: أعزائي، أحبتي، أولادي الطيبين أعدكم انني في المرة القادمة أشتري لكم ما تريدون. هذا وعد مني!!
وللتخفيف عن اولاده أكثر قال: هيا هيا لنأكل شيئاً الآن فقد جئت ببعض الطعام ولكن على وجه السرعة، فأعذروني!!
لوت نوال رقبتها وعادت ادراجها خائبة الى الداخل، تبعها اخوها عصام ثم نوفل فقد تعودوا على هذه العبارات كثيراً من أبيهم وتعودوا على تناول ذات الطعام الذي لم يفارق يد الأب كما لم يفارق معدتهم.
هنا عادت الأم وكانت تحمل بيدها بعض الطعام، سألها زوجها: ها ماذا فعلت؟ هل حصلت على عمل؟
أجابت: وأي عمل هذا الذي تتكلم عنه، هل تظنني امرأة تستطيع أن تعمل؟ وما دورك انت؟ أم نسيت أنك أنت الرجل وأنك المسؤول الوحيد في هذا البيت؟ اذهب وأنظر ماذا يوفر أبو أحمد لزوجته وأولاده من أشياء تعجز انت عن توفيرها ولو بعد مئة عام!!!
عند الصباح وكالعادة توجه الأب المسكين الى عمله، عمله الذي لم يكن كافياً ليحقق رغبات وطلبات أسرته. ولم تمض سوى أقل من ساعة حتى إتصلت به زوجته وكانت خائفة جداً ومرتبكة فقالت له: أرجوك أن تأتي حالاً، حاول أن تسرع في العودة.
خاف الرجل مما سمعه وقال لزوجته: مابك يا امرأة؟ ما الذي حصل اخبريني بسرعة؟ قلت لك بسرعة فما عدت أحتمل..
قالت له زوجته: إبنك إبنك، نعم إبنك
قال لها: وماذا به؟
قالت له حالته الصحية متدهورة ولاأدري ماذا أفعل؟؟
وماهي إلا لحظات حتى سار الأب نحو البيت فأخذ ابنه وسارع به الى المستشفى ترافقهما الأم المسكينة ولما وصل المستشفى فوجئ بتكاليف المستشفى المرتفعة في بعض أقسامها فأضطر أن يصحب ابنه معه الى البيت دون أن يكمل له العلاج رغم محتولاته مع الطبيب المعالج بأن يكتفي ببعض التشخيصات والتحاليل إلا أن محاولاته باءت بالفشل بسبب إصرار الطبيب المعالج على إجراء وإستكمال بعض الفحوصات خارج المستشفى وهذا بطبيعة الحال يتطلب تكاليف وأجوراً مرتفعة كثيراً لم يتمكن الأب من الإلتزام بها فأخرج إبنه من المستشفى وتوجه به الى البيت بعد أن تأكد من تحسن حالته الصحية قليلاً. عند المساء توجه الأب مرة اخرى الى العمل وفي الطريق وقبل أن يصل إتصلت به الزوجة مرة اخرى وقالت له: عد بسرعة فإبنك قد تدهورت حالته الصحية من جديد، عد بسرعة، فأنا لوحدي لاأعرف ماذا أفعل!!!
أعزائي لما عاد الأب الى البيت وجد ابنه على الفراش يأن ويتوجع. نظر اليه ثم نظر الى أمه، مدّ يده في جيبه فلم يجد في جيبه مايكفي ليذهب بإبنه مرة ثانية الى المستشفى نظراً إرتفاع تكاليف العلاج ونظراً الى قلة راتبه. في هذه الأثناء تجمع الأخوة نحو اخيهم وراحوا يتوسلون بأبيهم الذهاب به دون تأخير الى المستشفى لكنه صرخ بهم بأعلى صوته وقال: الرحمة، الرحمة قليلاً فقد نفذ صبري ونفذ عقلي، لم أعد أحتمل هذا الوضع، ساعدوني أرجوكم فأنا غير قادر على توفير كل ما تريدونه وتأكدوا أن هذا كله رغماً عني وليس بإرادتي!
تأزمت الحالة كثيراً أعزائي المستمعين في بيت أبي عصام وراح الأولاد يعانون اكثر من السابق بعد أن صارحهم أبوهم بوضعه المادي المتدني وعدم قدرته على الإيفاء بكل الإلتزامات خاصة وأنه الوحيد الذي يعمل في البيت فأضطر في هذه الحالة الإبن الأكبر عصام لأن يترك مدرسته ويذهب بدوره الى العمل في السوق رغم عدم توافق راتبه مع مستوى الأسعار ومستوى المعيشة بصورة عامة. وفي أحد المساءات سمعت الأم طرقاً على الباب ذهبت ففتحته فإذا بها تجد جمعاً من الشرطة واقفين امامها سألتهم بإرتباك: تفضلوا، ماذا تريدون؟
قال الضابط: اين عصام؟ إنه متهم بترويج بضاعة ممنوعة في السوق!
صعق هذا الأمر الأم ولم تعرف بم تجيب. قالت مع نفسها: يا إلهي ما الذي يجري لنا؟ زوجي لايستطيع توفير كل شيء وراتبه قليل، إبني ترك المدرسة ليعيننا في المصاريف والآن تلاحقه الشرطة فكيف سنتدبر امرنا؟ وكيف نتمكن من توفير ما نحتاجه؟؟ الأولاد!
أعزائي المستمعين وكما إستمعتم الى قصة اليوم فقد تعرفتم على الحالة المؤلمة والمتعبة التي ترافق أسرة أبي عصام والسبب يعود الى إرتفاع غلاء المعيشة وعدم تمكن رب الأسرة من الإيفاء بكل الإلتزامات تجاه أفراد أسرته وعند الحالات الطارئة وجدنا كيف أنه عجز عن معالجة ابنه وبسبب حالته المادية المتردية أضطر أحد أبناءه الى ترك المدرسة للعمل فإنخرط في طريق غير قويم وغير صحيح. لذلك نتوجه الآن الى سماحة الشيخ اديب حيدر الباحث الاسلامي من لبنان لسؤاله عما يراه الشرع الاسلامي من تفسير لهذه الحالة وعلى من يجب إلقاء اللوم لما يواجهه أبو عصام وماهي الحلول إزاء ذلك؟ فلنستمع اليه.
حيدر: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين طبعاً الجواب عن هذا السؤال ينطلق من ناحيتين، الناحية الأولى أن النظام الاسلامي وضع البرنامج والحلول في المجتمع الذي فيه التكافل والضمان للشرائح المستضعفة والفقيرة والتي عندها قصور في مداخلها. هذا من ناحية والاسلام وضع الكثير من الموارد المالية التي تعود بالإنفاق على هذه الشرائح التي تقع في القصور وايضاً الاسلام تكفل من خلال بيت مال المسلمين الذي يعتبر هو الضامن لكل شرائح المجتمع التي لايتأمن لها عمل او لايكون لها مدخول ثابت. هذا في الكلام الأولي ويحتاج شرحه الى بيان والى وقت طويل وأما في موضوع المورد والسؤال عن مسؤولية الرجل الذي يعمل وهنا اليوم في هذه الصيغ الحياتية المعقدة التي نعيشها اليوم بأن المداخيل التي يقوم بها والتي يعتمد عليها رب الأسرة لاتكفي لعملية الإنفاق على أسرته بإعتبار أن الإستهلاك أصبح أكبر من المدخول وتعقيدات الحياة وتعدد وسائل الحياة وايضاً وجود الأنظمة التي تفرض الكثير من الضرائب على المجتمعات دون النظر الى مداخيل هذه الطبقات الاجتماعية في جانب معاشها فيقع رب الأسرة تحت الضغط فيضطر بعض الأحيان أن يستعين بزوجته او بأبناء او ببناته لتأمين بعض المداخيل الإضافية على اسرته وهذا يشكل عبئاً في جانبه الأخلاقي والتربوي بحيث يكون هناك إضرار بهذه الأسرة من أن تبني مستقبلها من حيث التعليم ومن حيث الإعداد للمستقبل فيقع هذا الجهد الإضافي على حساب الجهد الأصلي من بناء شخصية الانسان في مجتمعاته ولذلك نحن لانستطيع أن نضع الحلول الآن في ظل هذه الأنظمة التي بنيت على تركيبة قانونية تختلف عن القانونية الاسلامية وأن الدولة في الكثير من انحاء العالم لاتتكفل شرائح المجتمع التي تقل مداخلها عن مواقع الإستهلاك. نعم بعض الدول في الغرب عندها فائض في الأموال تستطيع أن تجعل شيئاً من الضمان او تنظم الكثير من الخدمات التي توفر على رب العائلة او المسؤول عن خدماته لكن من الناحية الاسلامية وإن كان الرجل هو قيم على أسرته ولكن يجب على الدولة وعلى المجتمع أن يؤمن له مجال العمل ويؤمن له مداخله لذلك الاسلام وضع الكثير من النظم الاقتصادية التي تؤدي الى التكافل الإجتماعي من الصدقة، الزكاة، الخمس، الكفارات وكل هذا يوضع في خدمة المجتمع ولكن أين هو النظام الاسلامي الذي يطبق الأصول القانونية لهذا الموضوع؟ نعم هناك نظم اسلامية تحاول أن تقوم الدولة هي بإنجاح مؤسسات رعائية وتقديم خدمات كثيرة تؤدي الى تخفيف عبء الحياة عن هذا الجزء وعن الأسرة.
أيها الأفاضل وبعد أن إستمعنا الى ماقاله سماحة الشيح أديب حيدر نتوجه الآن الى الأستاذة سلام بدر الدين المختصة في علم الاجتماع من لبنان لسؤالها عن التداعيات الإجتماعية والمخلفات السلبية التي يتركها على موقف رب الأسرة على الإيفاء بالإلتزامات تجاه أفراد أسرته وكيف ينعكس ذلك على علاقات الأفراد داخل الأسرة الواحدة من جهة وعلى علاقاتهما الإجتماعية في المجتمع من جهة اخرى؟
بدر الدين: مبدئياً على العائلة وبالنسبة للأسرة التداعيات على العلاقات تكون بجو مشحون دائماً في المنزل وإحساس بالتقصير من رب المنزل وإحساس بالنقص من قبل أفراد العائلة فعملية الجو المشحون تضرب العلاقات بين جميع أفراد الأسرة بحيث يأتي الأب الى البيت متعب ومجهد وهو في نفس الوقت لايستطيع الإيفاء بالمتطلبات رغم المجهود الذي يقدمه فيقابل ذلك سوء معاملة على الزوجة وعلى الأولاد فالضغط الذي يعمل عليه خارج المنزل ينعكس عليه داخل البيت مما يوتر العلاقات بين جميع أفراد الأسرة وقد يحس أحد من الشباب او من البنات بإمكانية مساعدة الأب فيترك دراسته ويتفرغ لمساعدة الأب لذلك يضرب مستقبله مثلاً، هذا اذا قدر الأب على تعليم الباقين لذلك حين يتعلم ولد يستطيع التعلم وولد لايستطيع إكمال تعليمه يصبح هناك فوارق وفوهة بين الأشقاء في المنزل، هذا بالنسبة للمنزل. هذا اذا لم يلجأ بعض أفراد الأسرة او الأب والآن نتكلم عن التداعيات الخارجية السلبية الى مدّ اليد بداعي الحاجة والحاجة القصوى وبداعي تأمين أي مسئلة ضرورية قد تكون ناتجة عن مرض او ضعف يضطر لمدّ يده او يضطره السرقة. او ينحرفالأولاد في هذا المجال ويبتزون عن طريق السرقة وعن طريق الحاجة لينحرف في مسارات لاتحمد عقباه بالنسبة لشباب هذا اليوم. هذا الموضوع يعزز التقسيم في المجتمع، التقسيم الطبقي والتقسيم السلوكي فيصبح هنالك منحرفين وهنالك غير منحرفين والوحيد القادر على لجم هذه المسئلة هو عملية الصبر والايمان والقناعة والعمل على إحتمال هذه الفترة. هذه المسئلة السلوكية التي تصنف الناس بين صالحين ومنحرفين والمسئلة الثانية هي المسئلة الطبقية في الفروقات الاقتصادية في المستوى المعيشي بينهم وبين جيرانهم مثلاً او اولاد جيلهم او رفاقهم في المدرسة ويحسون أنهم من طبقة أدنى من الرفاق الآخرين وأدنى من المجتمع المحيط بهم وهذا يولد أزمة نقص عند جميع الأفراد كما أن البنات يصبح حظهن مرتبط بمدى قبول أي عريس يتقدم لخطبتهن بهذا الواقع المزري ويكون مستعد لأي شيء أن يبذله وأن يتغاضى عن هذه الفرص وهذا يحد عن فرص مستقبل البنات في المنزل.
في ختام حلقة اليوم نشكر الشكر الجزيل ضيفينا الكريمين على مشاركتهما معنا في البرنامج كما نشكر لكم أعزائي متابعتكم لبرنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء والسلام عليكم.