خبراء البرنامج: سماحة الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية والدكتورة زينب عيسى الباحثة الاجتماعية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم في حلقة اليوم أعزائي سيكون موضوع قصتنا حول إحدى الحالات السلبية السائدة في مجتمعنا والتي طالما أدت الى تأزم الحالة المعنوية للشخص وإنعكاس ذلك ايضاً على طبيعة علاقته مع الآخرين بل علاقة الآخرين به على وجه التحديد. موضوع حلقتنا هو مايتعلق بالأبناء الذين يحكم على أبيهم بالسجن لأسباب عدة وماينجم بعد ذلك من تحول او تغير نظرة الآخرين تجاههم وتعاملهم بشكل حساس جداً وبعيد جداً عن الروح الإنسانية والأعراف السماوية إن جاز القولز في حلقة اليوم سوف نستضيف كلاً من سماحة الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية والدكتورة زينب عيسى الباحثة الاجتماعية من لبنان وذلك لأجل إلقاء الضوء ولأجل الإستماع الى أفضل الحلول لهذه المشكلة.
عماد طالب في الكلية، تعرض أبوه الى مسائلة قانونية من قبل مدير الشركة التي يعمل فيها بسبب نقص كبير في الأموال المودعة في خزانة الشركة والتي هي من مسؤولية والد عماد. وبعد عدة جلسات من المحاكمة ومع كل محاولات المحامي الذي سعى بكل جهده لأن يخلص موكله أبا عماد لتبرئته من تهمة الإختلاس الموجهة اليه صدر الحكم بالسجن عليه ورغم أنه لم يكن المقصر ولم يكن هو المختلس الحقيقي وكما يقال في المثل الشائع "يا ما في الحبس مظاليم" وهكذا صار أبو عماد في نظر الآخرين سجيناً خطيراً لذا عليهم الحذر منه في المستقبل بل والحذر من كل أفراد أسرته فرداً فرداً لذا بدأ كل من يعرف عماداً بتفادي التعامل معه وتجنبه وبدعوى أن أباه قد دخل السجن دون أن يحاول ذلك البعض معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت الى ذلك. بعد أن شاع الخبر بين المقربين من أبا عماد من الأصدقاء والأقارب على حد سواء بدأوا بالإبتعاد عنه وعن أفراد أسرته شيئاً فشيئاً وأولهم أعز الأصدقاء اليه قصي الذي كان بالنسبة الى عماد الأخ والصديق وكل شيء ففي احدى المرات وكما تعود عماد على أن يرافقه قصي الى أي مكان يذهبان اليه طرق الباب. خرجت والدة قصي عند الباب، سألها عماد عن قصي فإعتذرت على الفور عن مرافقة إبنها له بحجة أنه مريض. لم يقل شيئاً عماد بل بادر بالدعاء لإبنها بالشفاء العاجل ووعد أنه سيزوره في وقت آخر وهنا قالت الأم: لا لاتتعب نفسك ياولدي فحاله سوف يتحسن بالإضافة الى أن أباه قد منعه من الإتصال بأي صديق منذ اليوم.
تعجب عماد من كلام الأم وشعر بشيء من عدم الريبة والراحة لأنه بكل تأكيد لم يقتنع بكلام أم قصي أبداً وقال مع نفسه: يا إلهي ما الذي أخطأت به وما الذي قلته او تصرفته مع ام قصي حتى سارعت الى قول ذلك ولماذا رفضت أن أزور إبنها مرة اخرى؟
وهو في طريق العودة مر على العطار لشراء بعض الأشياء ومجرد أن مد عماد يده حتى قال له العطار: ارجو أن لاتمس شيئاً إلا بعد أن تسدد ما بذمتك أولاً!!
قال له عماد: لابأس ياعم سأسدد لك حالما أحصل على النقود غداً او بعد غد ولكنك تعرفني منذ أمد طويل وأنا كباقي أبناء الحي أشتري منك ومن ثم أسدد لك.
أجابه العطار: هذه المرة أنا أعتذر فلست مستعداً أن أبيعك شيئاً دون أن تسدد كامل ما بذمتك. تعجب عماد من أسلوب العطار فهو وللمرة الأولى يتصرف معه هكذا. أضطر أن يتركه ويذهب الى البيت دون أن يشتري أي شيء.
في صباح اليوم التالي ولما توجه الى الكلية بدأ عماد يشعر أن أنظار الآخرين أخذت تتبدل تجاهه وأخذت أساليبهم معه هي الأخرى تتبدل ايضاً فلا سلام ولا كلام مع أغلب الذين كانوا بالأمس أعز الأصدقاء. وعندما بدأت المحاضرة ودخل الأستاذ وجه انظاره الى الطلبة الحاضرين فإختار عماداً وسأله قائلاً: بصفتك ياعماد الإبن الأكبر ومسؤولاً عن أسرتك بشكل كبير بعد أن دخل أبوك السجن كيف يمكنك أن توفق بين الدراسة وبين العمل وبين تأمين متطلبات الأسرة؟ وبينما كان عماد يريد أن يجيب عن السؤال بادر أحد الزملاء الحاضرين بالقول: ههههه لاأعتقد يا أستاذ أن عماداً سوف يحتاج أن يعمل بعد الآن فأبوه وفر لعائلته أموالاً كثيرة تكفيهم سنين طويلة!!!
ضجت القاعة بالضحك من هذا الموقف ولم يتمالك عماد نفسه فخرج من قاعة الدرس دون أن يرد على زميله ودون أن يستأذن من استاذه المحاضر بسبب الإحراج الشديد الذي ألم به. شكل هذا الأمر ضغطاً نفسياً كبيراً على عماد وحالته المعنوية وراح يمشي ثقيل الخطوات بين هذا الشارع وذاك حتى وصل البيت فإذا به يشاهد صاحب الدار بإنتظاره. سلّم عليه، أجابه صاحب الدار بشيء من التثاقل وكأنه يمتلك الدنيا بأجمعها. قال لعماد: أرجو بعد أن ينتهي عقد الإيجار أن تقوم بالبحث عن بيت آخر فأنا بحاجة لبيتي أن أسكن فيه!!
إندهش عماد مما سمعه وقال: ولكنك تعرف أن أبي في السجن وأنا طالب في الكلية رغم ذلك احاول العمل في السوق لتأمين لقمة العيش لأمي ولأخوتي وقد جئت أنت اليوم لتزيد من همومي وتزيد من مشاكلي؟
أجابه صاحب الدار بكل هدوء: هذه مشكلتكم وليست مشكلتي!
توترت اعصاب عماد وقال له: وماذا تقصد بمشكلتنا وليست مشكلتك؟ أو لست أنت بمؤمن؟ أو لست أنت رجل في قلبه الرحمة؟
قال له الرجل: قلت لك الذنب ليس ذنبي، إذهب الى أبيك وإسأله لماذا سرق ودخل السجن وترك أسرته تعيش المشاكل وتعيش الصعاب؟
لم يتمالك عماد نفسه فهجم على الرجل وإنهال عليه بالضرب المبرح فتجمع الناس وحضرت في هذه الأثناء سيارة الشرطة فأخذوه معهم بعد أن وجهوا اليه تهمة الإعتداء على الآخرين.
بعد أن إستمعت أعزائي الى قصة عماد وما آلت اليه الأمور معه وإصطحاب الشرطة له الى مركز شرطة المدينة للتحقيق معه نتوجه الى فضيلة الشيح عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية لسؤاله عما جاء في القرآن الكريم وشريعتنا السمحاء من واجبات ضرورية على المسلمين تجاه الضعفاء والمساكين وتجاه من ليس لهم تقصير او ذنب في حياتهم؟ وماهو ذنب عماد ابن السجين في أن يعامله الآخرون بهذه الطريقة؟
عباس: أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وهو المعين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
في الحقيقة للأسف في الكثير من المجتمعات ربما تقع بعض الأحداث الطارئة فيأخذ الناس جرمها بغير أهلها وهذا مانراه في هذه القصة الواقعية التي وقع فيها عماد. أباه سجن ربما لغير سبب واقعي او لتهمة ظاهرية ولكن في حقيقة الأمر لما سجن دائماً الناس ما يسحبون مواقفهم تجاه إمتداداته مع أن الله سبحانه وتعالى بيّن لنا صريحاً في القرآن الحكيم حين قال "ولاتزر وازرة وزر اخرى" بمعنى أنه لايصح أن يؤخذ أحد بجرم أحد آخر حتى لو كان قريباً منه، لماذا؟ لأن ذلك يؤدي الى بخس الناس أشياءهم. وفي كثير من الآيات وإشارات من الروايات أنه لايصح أن نبخس الناس أشياءهم وحقوقهم وإنما ينبغي أن يكون المقياس هو الحق والحق لوحده. هذا الغضب وهذا الحقد وهذه الكراهية مع هذا الذي سجن أبوه بغير حق سوف نجعله يقوم بأعمال طيبة لمجتمعه ولسوف يعمل أعمالاً تطوعية لخدمة هذا المجتمع وأما اذا إزدراه المجتمع وإحتقره المجتمع وقاطعه المجتمع لاشك ولاريب أنه سيحمل في طياته وفي داخله امواجاً من الغضب والحقد والكراهية على أبناء المجتمع وعادة أمثال هؤلاء ربما يكونوا مشروع جريمة في المجتمع وهذا المشروع هو الذي يخلل السلم الأهلي والأمن الإجتماعي اذن يمكن لنا بطريقة معينة أن نستوعب هذه الحالات والقاعدة في ذلك "ولاتزر وازرة وزر اخرى". نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق مجتمعاتنا لإنتصاف أمثال هذه الموارد حتى يكرسوها في خدمة هذا المجتمع إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير والصلاة والسلام على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
بعد أن إستمعنا الى فضيلة الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من السعودية نتوجه الآن الى الدكتورة زينب عيسى الباحثة الاجتماعية من لبنان لسؤالها ماذا يجب على المجتمع تقديمه لأبناء السجناء من أشياء مادية ومعنوية؟ وماذا يجب أن نوفر لهم حتى تسقط نظرية مذنبون حتى إشعار آخر من قاموس المجتمع كما من قاموس أبناء السجناء؟
عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحقيقة أن ما تم عرضه بالنسبة الى الشاب عماد وما يتعرض له من سوء معاملة من مجتمعه ومن محيطه البيئي نتاج دخول والده السجن ومايتعرض لإهانات من هذا الأمر. الحقيقة هذا العمل غير مقبول من المجتمع او من المحيط الذي يحيط عماد، ليس مقبولاً لاعلى المستوى الديني ولا المستوى الإجتماعي ولا المستوى النفسي فعماد إضافة الى الظرف الذي تعرض اليه من فقدان عاطفة والده وهو بأمس الحاجة اليه والى وجوده والى مساندته في هذا العمر وقد يترك هذا الفقدان آثاراً نفسية على المستوى النفسي لعماد جاءت تدعمه سلبياً الظروف المحيطة. للأسف علينا أن نعرف سيدي الكريم بأن للموقف الإجتماعي تأثير كبير وحاسم على أي فرد منا وكيف هو الفرد بحاجة الى رعاية والى الكلمة الطيبة حيث أن على المستوى النفسي يعتبر قبول المجتمع وإحاطة الفرد بهالة من الإيجابية والاحترام والتقدير يؤثر تأثيراً كبيراً في التوازن النفسي ولكن ما تم عرضه حول عماد بأنه يتعرض الى إهانات من الرفاق، من المجتمع حتى أنه ينبذونه وينظرون اليه نظرة إزدراء فهنا الخطورة تقع أن يقع عماد ضحية جانحين محترفين وهنا تزيد الخطورة وتساعد كثيراً على تأخير عماد في تحصيله الدراسي والمدرسي وعلى إعداد وبناء شخصية مستعدة لمواجهة الضغوطات والإنفعالات وبناء مستقبل زاهر. من هنا أنا أخاطب المجتمع، البيئة التي تحيط بعماد أنه من الحرام ومن المشين أن نأخذ عماد بجريرة والده بل على العكس يجب أن نساعده ونسانده. في الوقت الحاضر هناك العديد من الجمعيات المتخصصة التي تراعي وتهتم بشؤون أبناء السجناء لأنه حرام أن يؤخذوا بهذه الجريرة وبدلاً من أن نوجههم توجيهاً إيجابياً توجههم نحو السلب ونحو الإنحراف. من الخطورة جداً ان نترك هؤلاء عرضة للإهانات والإزدراء، يجب أن ندعمهم وهذا هو دور الدولة ودور المؤسسات المدنية.
في ختام حلقة اليوم نشكر الشكر الجزيل ضيفي الحلقة الكريمين على حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن الإستماع، نستودعكم الله والى اللقاء.