خبراء البرنامج: سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من بيروت
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع. أحبتي في حلقة اليوم سيكون موضوعنا عن واحدة من المشاكل الاجتماعية التي طالما أرهقت الأذهان والقلوب ذلك لما تسببه تلك المشاكل من إنعكاسات نفسية واجتماعية في ذات الوقت على المرأة بوجه خاص وذلك في المجتمع التي لازال ينظر فيها الى حالة هذه المرأة او تلك التي يتأخر زواجها بنظرة العطف او الشفقة وتطلق عليها اوصاف تنبع من ضيق في الأفق وضيق في التفكير، موضوع حلقة اليوم اعزائي سيكون عن العنوسة وماتحيط بها من مشاكل ومواقف وكما عودناكم سنستضيف ضيفين من ضيوفنا الأعزاء وهما سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والدكتورة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من بيروت وذلك لأجل إلقاء الضوء أكثر على الموضوع فكونوا معنا
وداد فتاة أنعم الله عليها جمالاً وهاجاً وحلاوة في الكلام، طالما شدت الأنظار اليها كما شدت الأسماع. تعيش هي ووالدتها وأختها مائدة في البيت الذي تركه الأب ارثاً لهم لذلك فقد تمتع وداد برفاهية وهناء ولحظات سعادة قلما تمتعت بها غيرها من الفتيات خلال ما تخلل علاقتها مع اختها مائدة من تفاهم وإنسجام كبيرين كان سبباً رئيسياً آخراً في عدم التفكير في موضوع الزواج في وقت مبكر. مرت الأيام والسنون ووداد ومائدة سعيدتان بحياتهما الى أبعد الحدود ولكن الأم ومن تجربتها الخاصة وخبرتها في الحياة كانت تصر وفي أكثر من مناسبة على إبداء إبنتيها رغبة واهتماماً جادين لقبول فكرة الزواج. وفي يوم تقدم عريس وسيم لمائدة، كانت مواصفاته مغرية ومشجعة كثيراً فأبدت مائدة على الفور موافقتها على الإرتباط به وفعلاً ام الزواج وسط فرحة الأهل والأقرباء على حد سواء. إنعكس هذا الأمر سلباً نوعاً ما على وداد حيث شعرت بالوحدة وعدم وجود البديل المناسب الذي يعوض ما كانت تملئه عليها مائدة، في المقابل إنشغلت مائدة بحياتها الجديدة كثيراً خصوصاً بعدما وجدت في زوجها فؤاد الشاب الكامل الأوصاف كما يقال. في هذه الأثناء كان العرسان لايزالون يتقدمون لوداد ولكن كالعادة كانت وداد ترفض والسبب يعود الى فكرتها التي نشأت عليها وهي أنها فتاة يحلم بها كل الرجال بسبب ما تملك من أوصاف الجاه والجمال التي قلما تمتعت بها غيرها من الفتيات حتى اختها.
بعد سنوات عدة تقدمت وداد في العمر وقاربت الأربعين وصارت تنظر الى المتزوجات نظرة حسد طالما عبرت عنها بتصرفاتها وسلوكياتها سواء أختها مائدة او صديقاتها او تجاه اللواتي في الحي الذي تعيش فيه، ومازاد سوءاً على وضعها النفسي الكلام الذي كانت تسمعه من بعض النسوة.
سألتها خالتها في يوم: كيف حالك ياوداد؟
أجابتها وداد: بخير ياخالة
قالت لها خالتها: وكيف تقضين اوقاتك؟
ردت عليها بسخرية: هههه، وكيف تتصورين أن أقضي أوقاتي طبعاً في العمل وأستريح قليلاً في البيت.
قالت لها خالتها: ألا تشعرين بالملل من حياتك؟ كل يوم تعيشين نفس الروتين. لازوج معك ولاطفل يلهيك او يشغلك.
وهنا وداد لم ترغب بالرد على خالتها بل تركتها ودخلت الغرفة بسرعة وقد إمتلأ قلبها حسرة وألماً على الأيام السعيدة التي مضت وإنتهت ولم تعد تتجدد.
في أحد الأيام نادتها امها بصوت مرتفع: وداد، يا وداد تعالي بسرعة يابنيتي!
وعندما إقتربت وداد من امها قالت لها: نعم ياأمي هل من شيء؟ أراك فرحة مبتسمة؟
قالت الأم: نعم لقد غادر الآن ساعي البريد فهناك دعوة للمشاركة في حفل كبير أرسلتها لك صديقتك وعود
إندهشت وداد وقالت: دعوة؟ أية دعوة هذه؟
ردت الأم وقالت: إنها دعوة بمناسبة زواج أختها نسرين من إبن عمها امين
ضحكت وداد وقالت: هههه أمين صاحب المحل الذي يبيع الأدوات الإحتياطية للسيارات؟ ذلك الذي لايحمل شهادة جامعية ولايحمل ادنى ثقافة ولاأناقة؟
إنزعجت الأم من كلام إبنتها وقالت: مادام أن الرجل يعمل فلاعيب فيما يعمله، إنما العيب أن يبقى دون عمل ودون شعور بالمسؤولية ولكن ممكن أن تقولي لي ماهو المعيب في عمل امين؟ فقط لأنه يبيع الأدوات الإحتياطية؟ أرجوك كفي عن إستهزاءك بالآخرين وأنظري الى حالك لقد رفضتي العديد من الرجال الجيدين الذيم كانوا فيما مضى يحلمون بالزواج بك !!!
أحبتي المستمعين يوماً بعد يوم بدأت حالة اليأس والإحباط وعدم الثقة بالنفس تترسخ عند وداد وذلك بسبب تقدمها بالعمر ومارافقه في نسبة إنخفاض حظوظها في الزواج. في يوم تقدم اليها رجل مسن، له من زوجته السابقة ثلاثة اولاد وأربع بنات وفي يوم تقدم بها رجل يعمل قصاباً وآخر صاحب تكسي وهكذا وبسبب ذلك راحت تتوارى بشكل متعمد عن الأنظار فتأزمت نفسيتها اكثر وأصاب روحها الإحباط ومازاد من الطين بلة هو كلام الناس.
نعم اعزائي المستمعين كلام الناس الذي حمل وداد على الإعتكاف في البيت وعدم الخروج فتغيرت حياتها وإنقلبت أوضاعها كثيراً خاصة الكلام الذي كانت تسمعه من هذه او تلك فقد صادفتها في يوم إحدى صديقاتها القديمات وقالت لها: من وداد لاأصدق!! أين كنت؟ فمنذ فترة طويلة لم أشاهدك ولم ألتقي بك، خبريني بالله عليك أين كنت؟ ولكن لحظة ماذا أصابك؟ أين ذلك الجمال الذي كانت تتمتع به وداد أيام زمان؟ وأين تلك الجاذبية التي طالما أثارت فينا نحن النساء الغيرة والحسد؟
أعزائي المستمعين بعد أن إستمعنا الى قصة وداد عرفنا أنها راحت تعاني من أسباب العنوسة كثيراً سواء من صديقاتها او أمها او اختها او كل من كان يقابلها عن طريق الصدفة لهذا فقد إرتئينا أن نتوجه الى سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة لسؤاله عما يراه الشرع الاسلامي من مسئلة التعامل مع الحالات المشابهة لوداد اللاتي لم تسمح لهن الظروف بالزواج؟ وماذا يمكن أن يقال للفتيات اللواتي يضعن شروطاً صعبة لمن يتقدم لهن من الشباب؟ وماذا يقول الدين بشأن الكفوء؟ هل الشأن الإجتماعي ونوع مهنة الرجل يمكن أن تدخل في هذا الموضوع؟
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم في مدرسة اهل البيت وفي توصيات أهل البيت وفي تعاليم اهل البيت لانجد باباً مغلقاً ولانجد والعياذ بالله نفقاً مظلماً فالأئمة صلوات الله وسلامه عليهم وضعوا الأسس الناجحة والرابحة في كل المجالات وبالخصوص مسئلة الزواج. في الواقع مسئلة الزواج خضعت الى هجمات متخلفة وهذه الهجمات المتخلفة إما مصدرها حالة الضياع وإما مصدرها المؤثرات القبلية وإما مصدرها احياناً الإستبداد بالرأي. وفي الواقع في حياتي التي هي لاشيء لاحظت الكثير من الفتيات والكثير من الفتيان واجهوا واقعاً سيئاً وعواقب منتكسة وخاسرة بسبب الإستبداد بالرأي. على كل فتى وعلى كل فتاة أن تقتنع أن الله سبحانه وتعالى جعل الزواج لكل من الطرفين حماية للإنسان من الإنحراف وما اكثر الأحاديث التي شجعت على الزواج ونهت عن حياة العزوبة التي يتصورها البعض إشتباهاً وغلطاً بأنها ناجحة ولكنها في الواقع حياة تكون مرتعاً للشيطان. على أي حال يجب أن يعرف كل طرف سواء من الشبان او من الشابات معنى قوله سبحانه وتعالى "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" فنلاحظ أن بعض الفوارق الناتجة عن تصورات مغلوطة او عن إعجاب بالنفس او عن تقديرات غير صحيحة، هذا ابن عمها، هذا ابن عم فلان، هذا من القبيلة وهذا تلك صفته فهذه كلها عراقيل وضعها الناس ووضعها المسلمون وهي تتضخم وتتضخم يوماً بعد يوم ونكبل الزواج المشروع. من هذه العراقيل مسئلة الدراسة والشهادة والكفاءة. فلان غير كفوء لهذه البنت لأن عندها ماجستير وهو في الصف الثاني من الكلية. هذه كلها تعرفة لم تقم على ناحية علمية او موضوعية إنما الله سبحانه وتعالى وضع لذلك القواعد عبر حديث الرسول صلى الله عليه وآله "اذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". فقال بعض الناس: يارسول الله من نزوج وكيف نتزوج؟ فقال "من تزوج امرأة لايتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب إلا وكله الله اليه فعليكم بذات الدين" فلابد أن نضع هذه الحقيقة بين أيدينا ونمتثل لما يقوله الشرع ولاندع للوساوس النفسانية والنزوات والحسابات الخاطئة أن تلعب بمصيرنا واذا فات القطار فلا رجعة لهذا القطار وسيكون بالتالي ندم ونعوذ بالله من عواقب الندم وعذاب الندم.
بعد أن إستمعنا الى فضيلة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة نتوجه الآن لسؤال ضيفتنا الدكتور آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي حول تداعيات الحالة النفسية على المرأة العانس وماهي إنعكاسات ذلك على حياتها وطبيعة عملها، ماذا عليها أن تقوم به وماذا على المجتمع وتصرفاته مع المرأة العانس؟
نور الدين: بسم الله الرحمن الرحيم طبعاً مثل هذه الحالة حالة وداد نرى الكثير. يمكننا أن نذهب من الخاص الى العام ولنتحدث بشكل عام عن مسئلة الزواج، بالفعل قد نجد الفتاة أن لديها المواصفات التي تجعل منها الرقم واحد يعني اذا صح التعبير في المجتمع وبالتالي يصعب عليها أن تختار الشريك ففي هذه الحالة يمكننا التحدث عن مشكلة عن هذه الفتاة مع ذاتها، مع مجتمعها بغض النظر أن أقدمت او لم تقدم على الزواج هناك مشكلة في رؤيتها لنقاط قوتها ولنقاط ضعفها ونقاط قوة الآخرين ونقاط ضعفهم فهي تنظر الى ذاتها من خلال قوتها وهي النقطة الوحيدة ولعلها الجمال في هذه الحالة وتنظر الى الآخرين من خلال نقاط ضعفهم وبالتالي يصعب عليها أن تجد منه كفئ لها وبالتالي الآخرون بالنسبة لها أدنى منها وهي أعلى، هذه المشكلة نجدها احياناً عندما نجد سوء تربية في كثير من البيوتات التي تنظر الى الجمال كأنه قيمة أولى وتنظر الى الاخرين وهي تبخس من مواقعهم ومن نقاطهم ومن خصائصهم لذلك يجب أن تقف مع ذاتها لدعم نقاط القوة الأخرى، المضمون، العلاقات يعني مضمونها الإنساني، علاقاتها الإنسانية مع الأخرين، مع أسرتها، مع العلاقات الممتدة وطبعاً للمجتمع وظيفة أساسية ونحن نعرف بأننا نعيش في مجتمع عربي ينظر الى الزواج بقيمة أولى وبالتالي ينظر الى المرأة غير المتزوجة وكان ينقصها ناقص وبالتالي عليها أن تنظر الى نفسها لامن خلال نظرة المجتمع اليها وإنما من خلال نظرتها الى ذاتها بغض النظر عن نظرة المجتمع لها والتي إن رضخت اليها ستقيدها وستشدها الى الأسفل وهذا خلاف ما مفترض أن تكون عليه الفتاة في الحياة.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا العزيزين حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن الإستماع، الى اللقاء.