خبراء البرنامج: الشيخ محمد سعيد النعماني عضو الأمانة العامة للإتحاد العلمي للمسلمين في العراق والدكتور نبيل القطان الأستاذ في علم النفس من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستميعنا في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لحضراتكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم اعزاءنا المستمعين سنتناول احدى المشاكل النفسية التي تمر بالرجل او المرأة بسبب الإصابة باليأس والخوف القلق وماشابه ذلك، ماينجم عنه توتر وإضطراب ينعكس سلباً على طبيعة العمل الذي يقوم به المريض او الذي يظن نفسه أنه مريض فيعيش أجواءاً بعيدة عن الواقع وبعيدة عن الحقيقة. أيها الأفاضل موضوع حلقتنا لهذا اليوم سيكون عن مرض الوسواس ومايترتب عليه من إنعكاسات نفسية مرضية خطيرة بعض الأحيان لهذا سوف نستضيف بعد أن نستمع الى قصة اليوم ضيفين عزيزين من ضيوف البرنامج وهما سماحة الشيخ محمد سعيد النعماني عضو الأمانة العامة للإتحاد العالمي للعلماء المسلمين في العراق والدكتور نبيل قطان الأستاذ في علم النفس من لبنان وذلك للإلقاء الضوء أكثر على تداعيات هذا الموضوع وأهم الحلول الواجبة له. فتابعونا
أعزائي مرتضى شاب نشيط يمارس عمله يومياً بشكل دؤوب ودون ملل لأنه بصراحة يتمتع بصحة جيدة وقابلية بدنية سليمة وقوية في نفس الوقت، كان أيما يذهب او يحل يكن محل إعجاب الآخرين ويلفت الأنظار اليه بالاضافة الى أنه دائماً ما يبدي تعاونه ويقدم مساعداته للصغير والكبير فهو رحب الصدر كبير القلب سخي الى أبعد الحدود. تعود بعد أن يكمل عمله كل يوم أن يتوجه مباشرة الى النادي الذي يمارس فيه بإستمرار تمريناته الرياضية التي رفعت من روحه المعنوية والجسمية وأثرت بطبيعة الحال على علاقاته مع الناس ولكنه في يوم وبعد أن إنتهى من تمريناته في ذلك المساء وعاد الى البيت شعر فجأة بألم في ظهره، إنشغل كثيراً بالألم وراح يتفحص نفسه امام المرآة ويحاول أن ينظر الى موضعه جيداً وكانت المفاجأة الأخرى حين رأى تورماً بسيطاً على كتفه. شعر بسرعة بالخوف فأصابه إحباط كبير، بهت لونه وإصفر وجهه وتبلل بالعرق جبينه وقال مع نفسه: يا إلهي ما الذي أراه؟ هل يعقل انا صاحب الجسم الرياضي الكبير أن أصاب بمرض خبيث؟ أيعقل أنا صاحب الصحة الجيدة أن أصاب بمرض سيقتلني في يوم؟ لا لاأصدق ذلك فهذا مجرد إنتفاخ بسيط سيزول عند الصباح. هكذا أعزائي حاول مرتضى أن يقنع نفسه ببعض الكلمات لكنه في الحقيقة قد أصبح مشغول البال عديم النشاط خالي العزيمة والهمة التي كان يتمتع بها في إنجاز اعماله وأشغاله كل يوم وعند الصباح هرع الى المرآة مرة اخرى ليشاهد موضع الإنتفاخ أي الورم الذي ظنه مرتضى مرضاً خبيثاً. قال مع نفسه حال وقوفه امام المرآة: يا إلهي لم ينفع القرص الذي تناولته بالأمس لقد كان من الواجب أن يقضي عليه بسرعة ولكن مادام لم يجد نفعاً فربما قد أصبت بمرض لم اعلم به. اذن يجب الذهاب الى الطبيب حالاً وهكذا أصاب مرتضى وسواس شديد دون أن ينتظر رأي الأطباء او المدربين الذيم كانوا يشرفون على تدريباته في النادي.
عندما دخل مرتضى على الطبيب وأجرى عليه بعض الفحوصات قال له بالحرف الواحد: هناك تمزق شديد قد ألمّ بظهرك وعليك إجراء فحوصات اخرى أكثر دقة لكي أتمكن من تشخيص الحالة وإعطاءك العلاج اللازم وهنا اعزائي المستمعين أصاب مرتضى قلق شديد وراح يفكر بكلام الطبيب كثيراً.
ياترى ماذا وجد الطبيب حتى يقول لي هذا الكلام؟
ولماذا لم يجبني على كل اسئلتي؟
ولماذا لم يسمح لي بممارسة الرياضة لمدة ستة أشهر؟
ولماذا أراد مني إجراء فحوصات اخرى وفي مستشفى آخر؟
خرج مرتضى من عند الطبيب وهو مشغول البال لايدري ماذا يفعل والى اين يتجه، صادفه في الطريق احد أصدقاءه.
سأله: مابك يامرتضى؟ لاأراك مرتاحاً؟ هل أصابك مكروه؟
أجاب مرتضى: لا لا لم أصب بمكروه أبداً !!
قال له صديقه: لكني أراك مصفر الوجه خامل الجسد والروح ولاأرى صاحبي ذلك الذي تعودنا على رؤيته يومياً؟
وبعدما علم الصديق من بعض ما يعانيه مرتضى من المشاكل الصحية نصحه كونه رياضياً مثله بالذهاب الى الطبيب المختص وبعد أن وافق مرتضى ووجدها فرصة سانحة لكي يطمئن قلبه توجها معاً الى الطبيب وهناك طلب الطبيب من مرتضى القيام ببعض الفحوصات التحليلية خاصة بعد ان تفاجئ بحجم الورم الذي ظهر عند مرتضى. عند المساء بعد أن عاد مرتضى الى البيت كانت الأفكار السلبية قد اخذت منه مأخذاً كبيراً، دخل غرفته يفكر وحده بما أصابه. إنتبه الى ذلك بعض أفراد أسرته فقال له أبوه: ماذا بك يامرتضى؟ لست على عاداتك كما عهدناك؟ لاأراك مبتسماً لاضاحكاً؟ ولاأراك تجلس معنا منذ يومين؟ هل تعاني من مشكلة؟
أجاب مرتضى أباه: لا لايوجد شيء ياأبي.
قال له أبوه: أشك في ذلك ياولدي فجوابك لايشبه حالتك! فأنت تعاني من مشكلة هذا ما أستشفه من ملامح وجهك.
إنكب مرتضى على صدر ابيه باكياً، تعجب الأب من أمر إبنه وسأله عن السبب، قال له مرتضى: ياأبي منذ أيام إكتشفت ورماً في كتفي الأيمن، لم أقتنع بتشخيص الأطباء له وأعتقد أنه ورم خبيث سوف يطيح بي.
وبكل قوة صرخ أبوه وقال له: ما الذي أصابك؟ هل انت مجنون؟ هل أصابك وسواس؟ هذا الوسواس للأميين والجهلة والذي لايدركون رحمة الله تعالى!!!
أعزائي المستمعين لم تنفع أبداً كلمات الأب مع ابنه مرتضى مثلما لم يقتنع بتشخيص الأطباء له فذهب الى احد الذين يمارسون العلاج الطبيعي في البيوت ولما طرق الباب ودخل انتظر قليلاً حتى جاء دوره. حينها قال له المعالج بعد أن شاهد حالته: أنت مصاب بتليف عضلي فيه بعض الإلتهابات وعليك الحذر منه خاصة عند الحركة. لما سمع مرتضى كلمة الإلتهاب إزداد قلقله وإزداد خوفه، ترك المعالج وخرج مسرعاً متوجاً الى البيت ولما وصل كانت إبنة عمه حاضرة في تلك اللحظة إنتبهت اليه وقالت له دون تردد: مابك يا إبن عمي؟ هل انت مصاب بشيء؟ ودون أن يتأخر بالاجابة قال بغضب مصحوب بخوف وعدم ثقة: نعم أنا مصاب، أنا مريض، أنا سوف أموت!!
تعجبت إبنة العم من كلام إبن عمها وخاصة أنها عرفت عنه رباطة جأشه وشجاعته ولما حاولت أن تعرف منه سبب إنهيار أعصابه وفلتان عزيمته إكتشفت من خلال حديثه أنه مصاب بالوسواس ليس إلا، فحالته كانت عبارة عن أمر بسيط لايعتبر مرضاً أبداً بالمفهوم المرضي الخطير الذي صوَره في باله مرتضى.
مازلتم مستمعينا الكرام تستمعون الى برنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. أيها الأحبة بعد أن إستمعنا الى قصة مرتضى وماأصابه من توتر شديد في الأعصاب وقلق بصوت الزميلة نداء فاضلي، هذا القلق الذي أثر كثيراً على طبيعة حياته وطبيعة عمله وحتى على طبيعة علاقاته مع الآخرين توجهنا الى سماحة الشيخ محمد سعيد النعماني عضو الأمانة العامة للإتحاد العالمي للعلماء المسلمين في العراق لسؤاله لماذا يخاف الانسان من المرض وكيف يجب أن يكون ايمانه بالله حتى يترك الوسواس ويترك الخوف؟ فلنستمع معاً الى ما تفضل به سماحته
النعماني: بسم الله الرحمن الرحيم الانسان بطبيعته مجبول على حب الحياة. الله تبارك وتعالى خلقه ليعيش في هذه الدنيا وبطبيعة الحال يحب أن يعيش بأمن وأمان وسلامة لكن في بعض الأحيان هذه النفس الانسانية، النفس الانسانية معقدة وأحياناً تنازع الانسان عدة عوامل وعدة اسباب. هو من ناحية يحب الحياة ومن ناحية يخاف الموت ومن خوفه للموت بطبيعة الحال يخاف من المرض لأن المرض يمكن أن يوصله الى الموت والمرض يمكن أن يعكر عليه صفو الحياة وأحياناً الانسان للأسف الشديد في مواجهته لمثل هذه الأخطار تحدث عنده حالات غير طبيعية والتي نسميها احياناً بالوسواس، يبقى في هاجس دائم، في خوف دائم. في هذه الحالات لايعرف للأسف المفارقات فهو يريد أن يتخلص من المرض لكنه سيقع في مرض آخر لأن الوسواس ايضاً هو مرض وهذا المرض يمكن أن يجر عليه الكثير من الويلات والكثير من المشاكل ولكن يبقى في هذا الهاجس وهذا الخوف. أنا أتصور أن الانسان من خلال الإيمان بالله تبارك وتعالى لأن الله تبارك وتعالى خلقه سوياً، خلقه سليماً ولابد أن يمارس الثقة بالمستقبل دائماً لأن هناك نوع من التأثير والتأثر بين الجانب النفسي والجسمي يعني الانسان الضعيف نفسياً يتأثر وجسمه ايضاً يضعف وكذلك الانسان القوي نفسياً والمطمئن نفسياً يؤثر في علاجه في الكثير من الأمراض الجسمية لذلك قيل العقل السليم في الجسم السليم، هناك تأثير وتأثر بين العقل والجسم والنفس وتقوية العلاقة بالله تبارك وتعالى تعطي للإنسان إطمئنان وثقة اكثر وأكثر بالنفس فإذا صار لديه ثقة بالنفس سوف يتغلب على الكثير من المشاكل الجسمية حتى أن القرآن بكل وضوح يعترف بشكل طبيعي على الحالات النفسية "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{۱} مَلِكِ النَّاسِ{۲} إِلَهِ النَّاسِ{۳}" يعني كل شيء هو بيد الله فهو الملك، وهو الإله وهو الخالق، بأي شيء؟ قل أعوذ وتستعيذ وتلتجأ الى الله تبرك وتعالى. من ماذا؟ " مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ{٤} الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{٥} مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ{٦}" اذن هناك شيء موجود في القلب، موجود في النفس لايمكن أن نتجنب ونقول غير موجود. القرآن يعترف ويقول موجود ولكن يجب أن تلجأ الى القوة، القوة الخارقة، الخالقة وطبعاً يبقى الانسان هو المحور. الانسان كيف يستطيع أن يتجه الى هذه القوة العظيمة ويتوكل. لكن هذا التوكل يحتاج الى عقل من الانسان يعني ليس مجرد أن أتوكل على الله وهذا يكفي لا وإنما هناك حالة عقلية عند الانسان تحتاج فيها الى تسديد من الله تبارك وتعالى وأتصور أنه بنوع من هذا الإنسجام بين النفس وبين الجسم، بين الانسان وبين الله تبارك وتعالى يستطيع الانسان أن يتغلب على الكثير من الجسم وحتى في المجال الاجتماعي والمجالات الأخرى يستطيع أن يتغلب ويستطيع أن يكون انساناً سوياً صالحاً مفيداً لنفسه ولمجتمعه.
بعد أن إستمعنا أعزائي المستمعين الى ماقاله سماحة الشيخ محمد سعيد النعماني نتوجه الآن الى الدكتور نبيل قطان الأستاذ في علم النفس من لبنان لسؤاله عن الأسباب النفسية والاجتماعية والتربوية التي دفعت بمرتضى وغيره الى السقوط في فخ الوسواس وماهي تداعيات ذلك على الشخص المصاب بالوسواس؟ وماهس الحلول المقترحة؟ فلنستمع الى ماقاله الدكتور نبيل قطان
قطان: هناك أسباب كثيرة، بالنسبة له أصبح الجسد موضوع هام جداً وهو لاعب رياضي فغالباً مايكون الوسواس هو الشعور بالذنب يعني لما يكون عنده وسواس صحي ويعتقد أنه سيموت غالباً ما يكون عنده الشعور بالذنب الكبير. الشعور بالذنب يأتي من كثير من الأشياء، يكون من احد السلوكيات في اخطاءه او في حياته فيتوقع أنه سيقتاص عليها والقصاص يكون رباني يعني من الخالق ويبتليه بمرض لأنه إرتكب خطيئة معينة وغالباً مايكون في العشرينات اذا كانت الخطيئة مرتكبة في الجنس او علاقة جنسية او شبه علاقة جنسية او الإستمناء او إسراف في العادة السرية او أي شيء يحرمه الدين فينتظر البلاء هو نتيجة الخطيئة لمرض ما والله يعاقبه عليها. او في خطيئة معينة إرتكبها. السبب الأول للوسواس هو الشعور بالذنب الكبير نتيجة اخطاء سلوكية او اخلاقية لكن في هذه الحالة لانجد اخطاء فأنا اتوجه الى هذا الشاب مرتضى بكلمتين وأقول له اذا كانت العلاجات والفحوصات تثبت أنه لايبتلى بشيء وهناك فقط تمزق بسيط في العضلات وكل الرياضيين يصابون بهذا الشيء فلايكبر القصة اكبر من هذا فهذا الوسواس هو نتيجة الشعور بالذنب الكبير ويمكن يكون نتيجة التربية المتزمتة المتعصبة والشديدة التي تمنع الشاب التنفيس عن غرائزه ورغباته والشباب في هذه المرحلة في العشرينات وفي المراهقة والتي هي مرحلة يبحث عن وسيلة لإشباع غاياته ورغباته. الرياضة التي يمارسها بكثرة ويهتم بالجسم ماهي إلا بديل عن المحرمات فكيف الله يمكن أن يعاقبه على ذلك الجسم الجميل والعقاب يكون مرض شديد او خبيث؟ علاج الشعور بالذنب يمكن أن تكون علاجات معرفية وسلوكية واذا لم يتعالج لفترة مثلاً يبقى معه سنة، تسعة أشهر او ستة أشهر إلا يختفي عنه ولكن العلاج السلوكي والمعرفي يسهل عليه المشكلة واذا كان هناك محلل نفسي يراجع ويتعالج ويساعده واذا لا سيبقى هذا الوهم مسيطر عليه ولذلك العلاج ضروري جداً وأنا متأكد تماماً مما أقوله لأن هناك الكثير من هذه الحالات التي تعالج أما اذا كان عنده وسواس من نوع التنظيف والترتيب كانت المشكلة اكبر ويمكن أن لايشفى منه مئة بالمئة بالعلاجات المتعددة.
في ختام حلقة اليوم نشكر الشكر الجزيل لضيفينا الكريمين سماحة الشيخ محمد سعيد النعماني عضو الأمانة العامة للإتحاد العالمي للعلماء المسلمين في العراق والدكتور نبيل قطان الأستاذ في علم النفس من لبنان حسن المشاركة كما نشكر لكم إستماعكم وإصغاءكم الى برنامج من الواقع الذي قدمناه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران الى اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.