خبراء البرنامج: الدكتورة زهرة بدر الدين الأستاذة في علم النفس التربوي من لبنان والشيخ علي الهويدي الباحث الإسلامي من البحرين
أعزائي المستمعين أهلاً وسهلاً بكم في برنامج من الواقع الذي نقدمه لكم كالمعتاد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. في حلقة اليوم سوف نتطرق أحبتي المستمعين الى موضوع من المواضيع التي طالما تسببت في خلق مشاكل عدة بين الزوج وزوجته والتي على أثرها تسببت أيضاً في ضياع أسباب المودة والمحبة ليس بين الزوجين فقط إنما بين الزوج وأهل زوجته. لماذا؟ لأن الزوج أحياناً يقوم بمنع زوجته من زيارة اهلها. هذه المشكلة اعزائي المستمعين سوف نتطرق اليها من خلال الإستماع الى قصة أبي رياض وما كان يسببه من مشاكل لزوجته لهذا سيكون لنا لقاء مع ضيفين من ضيوف البرنامج هما الدكتورة زهرة بدر الدين الأستاذة في علم النفس التربوي من لبنان وسماحة الشيخ علي هويدي الباحث الإسلامي من البحرين لأجل تسليط الضوء أكثر على الموضوع فكونوا معنا.
أبو رياض نجار يعمل في محله ليل نهار، لايعرف التمتع بالحياة. كان يخرج قليلاً مع أسرته للتنزه او التمتع بالمناظر الجميلة التي خلقها الله سبحانه وتعالى إلا إنشغاله بعمله فقط لأنه مثلما إكتسب سر الصنعة من أبيه فقد إكتسب ايضاً بعض العادات والتقاليد منه لذلك ومنذ اليوم الأول من زواجه بإبنة عمه كان يرفض خروج ام رياض من البيت إلا بموافقته ويرفض ذهابها الى اماكن عامة للتسوق إلا بمشورته ويمنع عنها حتى زيارة امها المريضة إلا بعدما يعود من عمله فيأخذها بنفسه بالإضافة الى أنه لايسمح لها بالبقاء فترة طويلة عندها حتى لو إقتضى الأمر ذلك.
منذ الأيام الأولى من زواجهما قالت له إبنة عمه: أرجو أن تقدّر حالة امي فهي وكما تعلم مريضة ولم تعد تقوى على الحركة وإنجاز بعض الأمور بنفسها لذلك ربما أزورها بشكل مفاجئ لو إقتضى الأمر يوماً أي لاأريدك أن تنزعج.
أجابها أبو رياض بشيء من التكبر والأنفه: لابأس فلكل حادث حديث. هيا قومي اعدي طعاماً لآكله أنا متعب جداً هذا النهار.
ذلك أن أبا رياض اعزائي المستمعين لايهتم الى هذه المسائل أبداً ولم يتعود في يوم أن يسمع ما تقوله المرأة مثلما كان يفعل ذلك أبوه. في يوم من الأيام لما عاد من عمله وجد زوجته بإنتظاره وقد لبست ملابسها إستعداداً للخروج، سألها بشيء من التعجب: أراك ترتدين ملابس الخروج، أين ياترى تريدين الذهاب؟
أجابته زوجته: لقد إشتقت كثيراً لأختي منذ مدة طويلة ولم أزرها في بيتها وليس لي علم عن اخبارها وأخبار اولادها واذا كنت تستطيع أن ترافقني فسوف يكون ذلك أفضل برأيي.
إستشاط أبو رياض غضباً وقال لها: برأيك؟ اي رأي هذا الذي تتكلمين عنه؟ منذ متى والرجال يتبعون اهواء زوجاتهم؟ من علمك هذه الأساليب؟ ومن ومن؟؟؟
وراح أبو رياض ينهال على زوجته بسيل من الأقاويل والكلمات التي لم تفسرها زوجته إلا بمعنى واحد فقط ألا وهو الرفض القاطع للخروج من البيت.
لذلك لم تعلق أم رياض شيئاً على ما قاله زوجها بل عادت ادراجها الى المطبخ، المطبخ الذي تعودت ان تقضي فيه معظم أوقاتها وساعاتها وأيام عمرها.
في يوم من الأيام عاد الى البيت وكالعادة صاح بزوجته: أين انت؟
سكت برهة قليلة ثم عاد وصاح من جديد: أين انت يا امرأة؟
تعجب أبو رياض من عدم جواب زوجته عليه، نهض من مكانه ودخل الغرفة فلم يجدها. خرج وعلامات الغضب قد بدت عليه قليلاً. دخل هذه المرة المطبخ، لم يجدها ايضاً. توقف ثم نظر حوله وقال مع نفسه: أين يمكن ان تكون لاأصدق أن تكون قد خرجت دون اذن مني. والله قسماً عظماً سوف أضربها عندما تعود وإلا لماذا لم تقل لي؟؟
عاد الى الصالة مسرعاً وحاول أن يتصل ببيت أمها وفعلاً إتصل. رفعت الأم السماعة وبصوت امراة عجوز مسنة قالت: الو كيف حالك يابني؟ وكيف حال أم رياض؟ منذ مدة ولم تأتي أنت ولا إبنتي لزيارتي، أرجو أن تبلغ سلامي للجميع.
رد عليها أبو رياض قائلاً: وماذا تقصدين ياعمتي بما تقولينه؟ أتظنين أني سأصدق أقاويلك؟ أتظنين أن قصتك الممتعة سوف تنطلي عليّ؟
تعجبت الأم مما سمعته من أبي رياض وقالت له: أية قصة يابني؟
قال لها: حاولي أن تطلبي من أم رياض العودة بسرعة الى البيت وإلا سوف لن أسمح لها بذلك لو تأخرت أكثر.
قالت له الأم وبشيء من الألم لأنه إتهمها بالكذب ولم يصدق قولها: أتظنني أكذب عليك يابني؟ أهكذا تقول كلاماً جارحاً بحقي ياولدي؟
عاد وكرر أبو رياض قوله لعمته: لاتحاولي التستر على إبنتك، قولي لها أن تعود بسرعة وإلا...
هنا غضبت الأم وصرخت بأبي رياض قائلة: أقسم بالله أنها غير موجودة عندي في البيت وانت قد أثرت فيّ القلق الآن وأريد منك فعلاً أن تجدها.
بعد أن صدّق أبو رياض كلام عمته هذه المرة قال لها بسرعة واين يمكن لها أن تكون؟
إحتار كثيراً أبو رياض فقد شعر بالقلق خاصة وأنه إتصل بكل من يعرفهم ويعرفون زوجته ام رياض لكن دون جدوى.
أعزائي لم يخطر ببال أبي رياض أن يتصل بأهله هو ولم يخطر بباله أن زوجته ربما تكون في أحد بيوت أخواته او في بيت أمه. عند المساء عندما عادت أم رياض الى البيت كان أبو رياض في ذروة الغضب ولم يتمكن من الصبر قليلاً حتى بادر زوجته وسألها: أين كنت؟ وأين ذهبت؟ ألم يكن من الأجدر بك أن تنتظري عودتي؟ ها كم مرة قلت لك لاتخرجي من البيت، هيا تكلمي!!!
نظرت ام رياض اليه وقالت: أنا ماخرجت إلا لشيء ضروري جداً، صدقني لم أخرج لكي أغضبك.
عاد وقال لها: اذن اين كنت هيا تكلمي؟
هنا سكتت ولم تتمكن من قول الحقيقة. غضب أبو رياض أكثر وقال لها: والله لو ما قلت الحقيقة فسأعيدك الى بيت امك هذه الليلة.
توسلت به أم رياض أن لايجبرها على ذلك، لكنها قالت له: صدقني لم أذهب الى مكان يغضبك، صدقني إنه كان لأمر ضروري!!
ردّ عليها وقال: هذه الألاعيب لايمكن أن تخدعني يا امرأة فخروجك من البيت يعني خروجك عن طاعتي والمراة التي تخرج عن طاعتي لاوجود لها في حياتي، أخرجي الآن الى بيت أمك ولاتعودي بعد ذلك أبداً!!!
أعزاءنا الكرام تبين بعد أن طرد أبو رياض زوجته أن ام رياض كانت بصحبة والدة أبي رياض التي أصابتها فجأة وعكة صحية ولم تجد حينها من يرافقها الى المستشفى وهي امرأة مسنة وخوفاً على زوجها من القلق لم تقل أم رياض لزوجها أي شيء بخصوص ذلك بناءاً على رغبة والدة أبي رياض ايضاً. لذلك بعد أن عرف أبو رياض الحقيقة حاول أن يصلح الموقف وأن يعيد زوجته الى البيت ولكن هل ستتمكن الزوجة من العودة بسهولة بعد أن نعتها زوجها بالكذب ووصفها بالزوجة غير المطيعة؟
نتوجه الان الى ضيفنا سماحة الشيخ علي الهويدي الباحث الإسلامي من البحرين لسؤاله عما جاء في الشريعة الإسلامية عن طبيعة العلاقة التي يجب أن تسود الزوجين وكيف يجب أن تكون تصرفات الزوج في ضوء شريعتنا خاصة فيما يتعلق بأذن خروجها من البيت؟ فلنستمع اليه
الهويدي: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
إن خروج المرأة من بيتها يتوقف على اذن الزوج، لايجوز للمرأة أن تخرج من البيت إلا بإذن الزوج ولكن هذا لايعني أن يحرم الزوج امرأته من زيارة أرحامها واهلها وأصحابها وأصدقاءها لأن العلاقة بين الزوجين هي علاقة تقوم على أساس المحبة والمودة والرحمة التي ذكرها القرآن وجاءت في الروايات الشريفة. على هذا الأساس ومن خلال تتبعنا للواقع الملموس في الحياة الإجتماعية نلاحظ بأن الأسرة التي تقوم على أساس التفاهم بعيداً عن الواجبات بغض النظر عن الواجبات، الأسرة التي تقوم على أساس التفاهم والتي تقوم على أساس المحبة والمودة بين الطرفين هي التي تكون اسرة متماسكة واسرة قوية واسرة متلاحمة وهي الأسرة التي تخرج أجيالاً صالحة مؤمنة متفاهمة، أجيالاً ملئها الثقة والقوة والثبات في الشخصية فعلى هذا الأساس نرى أن الواقع يشهد بأن العلاقة بين الطرفين، نعم هناك حدود رسمها الاسلام كوجوب نفقة الزوج على الزوجة، كوجوب طاعة الزوج الى الزوجة بالخصوص في مجال الخروج من البيت ولكن هذه العلاقة لو سادت لوحدها لأصبحت الأسرة جافة وأسرة تحكمها لو أردنا القول، تحكمها العصبية الرجل فقط يركز على الحقوق الواجبة والمرأة فقط نريد النفقة الواجبة وتركز عليها فتكون العلاقة جافة بين الطرفين ولكن عندما تسود هذه العلاقة المحبة والتفاهم مثلاً عندما تريد المرأة الخروج الى السوق، عندما تريد الخروج الى الصالون، الى زيارة أصحابها، أهلها، أقاربها، أرحامها وأن تقوم بالعمل الإجتماعي في المجتمع وأن تقوم بالإصلاح في المجتمع وأن تحضر المحاضرات والصلاة في المسجد وما الى ذلك من أنشطة اجتماعية بتفاهم بين الزوجين بحيث لاتخل بواجبات الزوج فإن هذه العلاقة سوف تكون علاقة طيبة وعلاقة مثالية والمحبة تسود والتفاهم وأجيال صالحة وواعية سوف تخرج من بين هذه الأسرة التي سادت العلاقة بالتفاهم بينها بالتالي لانستطيع أن نقول ولانستطيع فقط أن نحكّم العلاقة الواجبية وفعلاً الواقع يشهد بأن أكثر ما تقوم به المرأة في البيت من أعمال هي أعمال تطوعية يعني أستطيع القول أن ۸٥% من أعمال الزوجة في البيت هي أعمال تطوعية تقوم بها من خلال مودتها ومن خلال محبتها ومن خلال عمق العلاقة مع الزوج والأطفال فتقوم بهذه الممارسات. كما أن الزوج يقوم بالكثير من الأعمال ويؤدي الكثير من الأمور اتجاه زوجته واولاده وهذه الأمور بأكملها خارجة عن نطاق الواجب وإنما هي أمور يقوم بها الزوج إنطلاقاً من المودة والمحبة في أوساط الأسرة لذلك نحن ندعو والواقع يشهد على ذلك بأن الزوج يسمح لزوجته بأن تخرج لممارسة عملها الإجتماعي وزيارة أرحامها وأصحابها، من أجل التسوق، وأشياء عادة المرأة تقوم بها وعلى المرأة أن تراعي حق الزوج في ذلك وأن لاتزيد في ذلك لكي لاينافي حق الزوج وكما قلنا سابقاً بأن العلاقة بين الزوجين هي علاقة تفاهم وعلاقة التفاهم والمحبة هي القادرة على بناء المجتمعات الصالحة.
والآن مستمعينا نتوجه الى الدكتورة زهرة بدر الدين الأستاذة في علم النفس التربوي من لبنان لسؤالها عما يمكن أن يخلفه عدم الثقة وعدم إحترام الزوج لزوجته وماذا يمكن أن ينجم من مشاكل عندما يتصرف الزوج مع زوجته كما في القصة، ماهي الأسباب وماهي الحلول إزاء ذلك؟ فلنستمع معاً
بدر الدين: بسم الله الرحمن الرحيم
مسئلة خروج المرأة من البيت دون اذن زوجها او مع اخذ الأذن هي مسئلة كثيراً ما يتحدث بها الرجال وكثيراً ما مطروحة في الأسر الدينية. صحيح أن هناك روايات وردت في زمن رسول الله كانت تمنع المرأة من الخروج من البيت إلا بأذن زوجها ولكن اذا ناقشنا هذه الروايت هل من الممكن أن تكون هذه الروايات يستفاد منها الحكم الشرعي او هي تريد أن تعالج قضية شخصية نتيجة خلاف بين تلك المرأة والرجل فلذلك الرسول قال للمرأة تقع في بيتها ولاتخرج حتى يعود زوجها وكانت هذه الحادثة أن والدها على فراش الموت ولم تذهب الى زيارته ولا حتى تشييعه ولادفنه. هذا الموضوع يناقش فيه فكرياً ولكن عندنا في الروايات ونص الفقهاء العظام أنه لايجوز ولامن حق الزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذنه. الكلام هنا نعم اذا كان هذا حق للزوج لايعني أن يكون هذا تسلط وسوء استفادة من هذا الحق بحيث يكون بمثابة العصا ضد الزوجة وإلا هي ليست حياة، هي مؤسسة ادارية تتبع قوانين وضوابط وتتبع انذارات وعقوبات بل هي مؤسسة تربوية يراد منها تربية الإنسان وتربية المجتمع فبناءاً على هذا الأمر اذا استطاع الرجل أن يتسلح بهذا السلام وهي حق له فقد تلجأ المرأة لإستخدام حقها وتضع العاطفة جانباً وتقول ليس من حقي أن أرضع الولد وليس من حقي أن أطبخ الطعام في المنزل او اكنس او أنظف البيت فكيف يمكن أن نتصور شكل هذه الأسرة وهذا المنزل اذا وصل الحد الى هذا الأمر؟ لن تكن هناك حياة زوجية وسوف تسقط هذه الحياة الزوجية والسكن والمودة التي عبرت عنها الكثير من الآيات الشريفة. نعم جيد جداً أن يستفيد الانسان او يطبق الانسان زوج او زوجة الحقوق الزوجية بناءاً على اخلاقيات، بناءاً على محبة وليس هي استخدام هذا الصوت او هذا السلاح وإلا هذا سوف يؤدي بشكل ما الى فقد الثقة بين الزوج والزوجة. قد تكون الزوجة لأن لديها الجانب العاطفي أكثر حساسة فتظن بأن زوجها لايثق بها ولايطمأن اليها لذلك في نفس الوقت سيخف لديها هذا النوع من العاطفة اتجاه الزوج وسوف لن تكون معه كتلك الزوجة التي يريد وكذلك بالعكس لذلك من المهم جداً أن تكون هناك علاقة ود وعلاقة عاطفة وتعاون وكيف يمكن أن ندمج هذا الحق مع الأخلاق.
في ختام حلقة اليوم نشكر الشكر الجزيل لضيفينا الكريمين حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن الإستماع، شكراً لكم والى اللقاء.