خبراء البرنامج: سماحة الشيخ أبو جهاد الشيبي الباحث الاسلامي والخطيب الحسيني من طهران والدكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم النفس الإجتماعي من بيروت
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامج من الواقع والتي تأتيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
مستمعينا الأعزاء سوف نتطرق الى موضوع هو في الحقيقة يعود لأسباب اقتصادية بحتة طالما تدفع المرء الى الهجرة بحثاً عن عمل ما، على أمل أن يعينه ذلك في تخطي أزمته المالية التي يعاني منها رغم المصاعب والمشاكل التي سيواجهها بعد ذلك. قصتنا لهذه الحلقة اعزائي سوف تكون اذن عن الهجرة ومساوئها او مخاطرها وما ينجم عنها من ظروف سيئة تعصف بحياة المهاجر فتضطره الى الصبر والتحمل من أجل لقمة العيش وأحياناً تكون هناك شروط صعبة يفرضها رب العمل للعامل الجديد خاصة العامل الأجنبي. وبهذه المناسبة سوف يكون لنا لقاء مع ضيفين من ضيوف البرنامج هما سماحة الشيخ أبو جهاد الشيبي الباحث الاسلامي والخطيب الحسيني من طهران والدكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم الاجتماع من بيروت لأجل تسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع فتابعونا.
بعد أن ضاقت به السبل ولم يجد لمعضلته المادية أي حل فكر عمران بجد بالسفر الى الخارج لأجل البحث عن عمل خاصة وأنه يسمع دائماً من الآخرين بأن الهجرة تدر أموالاً طائلة في أزمان قياسية لذلك قرر عمران السفر بعد أن ودّع زوجته وابنه الصغير مازن. وفعلاً توجه صوب إحدى البلدان الأوربية التي طالما سمع عنها مايسر القلوب ويشرح الصدور حاملاً معه آمالاً جديدة وطموحات عديدة في أن يعود ذات يوم وهو غني يمتلك مالاً وفيراً سيكون أساساً لمشروعه الذي كثيراً ماكان يحلم به ولما وصل إستغرق أياماً معدودات حتى أسعده الحظ في العثور على مجموعة من الذين وصلوا قبله لذات السبب فأخذ بيده أحدهم في اليوم التالي الى أحد المعامل للإتفاق حول ترتيبات العمل وقد تم له ما كان يحلم به إلا أنه لم يكن يعلم أن أرباب العمل اولئك قد تمرسوا وتدربوا على إستغلال العمال القادمين من البلاد البعيدة أمثل إستغلال بالإضافة الى عدم منح أغلب المهاجرين الحقوق الكاملة وهذه كانت المشكلة الكبرى. باشر عمران منذ اليوم الأول الذي تم الإتفاق فيه مع رب العمل واستمر في ذلك شهوراً عدة وذات يوم تأخر عمران عن عمله ساعة كاملة فما كان من رب العمل إلا أن حذره من ذلك أولاً ثم قام بخصم ثلاثة أيام من راتبه عقوبة أولية له ثانياً. تفاجئ عمران من هكذا اسلوب فهو لم يعهد ذلك في بلده أبداً ولم يفكر في يوم أنه لو تأخر ساعة واحدة لظرف طارئ وبسيط فسوف ينال على أثره خصماً من راتبه لثلاثة أيام مرة واحدة. لم يعر عمران بالاً لهذا الأمر بل حاول أن يتجاوزه بالمواظبة على عمله بالإضافة الى حرصه على عدم الإسراف والتبذير لكل ما كان يتقاضاه كل أسبوع أملاً في توفير مبلغ جيد يقوم بإرساله بين الحين والآخر الى زوجته حسبما إتفق معها والتي بدورها شجعته كثيراً بسبب هذا الإتفاق.
كان عمران سعيداً جداً بعمله رغم أنه كان يصادف كثيراً من المضايقات من قبل بعض العمال ومن أهل البلد انفسهم ورغم أنه ماكان ينال تلك الحقوق التي كان يحصل عليها غيره مثل الإجازات الطبيعية عن العمل والرواتب الإضافية والتشجيعية والمخصصات الأخرى. كان يخرج صباحاً باكراً الى عمله وبيده كيس صغير يحتوي على ما اعده بنفسه من طعام وقليلاً من الخبز فقط لاغير وعند المساء عندما ينتهي من عمله كان يخرج ويتمشى لوحده وأحياناً كان يسير حتى يصل غرفته التي إستأجرها مع عدد من المهاجرين امثاله.
في احد الليالي وبينما كان عمران عائداً الى محل سكنه تعرض الى حادث إعتداء من قبل بعض الشباب المدمنين فأردوه على الأرض وسرقوا منه ما يمتلك ثم إنهالوا عليه بالضرب والطعن بالسكين ثم تركوه. هذا الحادث تسبب في بعض الجروح في جسده نقل على أثرها الى المستشفى وهناك أكد الطبيب الذي عالجه بضرورة أن يرقد الى الراحة مدة شهرين، في هذه الحالة ولما علم رب العمل بذلك تنازل بسرعة عن خدمات عمران وأوعز الى المستشفى بأن يكون علاجه على نفقته الخاصة ولما حاول عمران الإتصال به لكي يرحم بحاله أجابه قائلاً: أنت لاتمتلك حقاً من الحقوق المدنية أبداً كونك لاتمتلك إقامة رسمية تسمح لك بالعمل.
هذا الحادث أعزائي المستمعين أثر كثيراً في نفس عمران فلم يكن يدري ماذا يفعل خاصة بعد أن علم بقرار رب العمل الإستغناء عن خدماته ما إضطره الى إنفاق مال كبير مما كان يدخره لأجل العلاج وبعد شهر واحد أصر على الخروج من المستشفى لأجل إلا ينفق أكثر فيضيع عليه ماإدخره طوال المدة الفائتة.
بعد خروجه من المستشفى بدأ عمران رحلة البحث عن عمل جديد وبعد أسبوع واحد تقريباً تمكن فعلاً من الحصول مرة اخرى على عمل في إحدى المعامل بصفة أجير غير فني. كان عمله هذه المرة يدر عليه راتباً جيداً أي كان أفضل من الراتب قبله ما شجعه على العمل ليل نهار في المعمل وأحياناً أخرى كان يفضل عدم العودة الى محل سكناه بعدما أقنع رب العمل بأن يبقى ساعات إضافية لتعويض ما أنفقه في المستشفى. إستمر عمران في ذلك وكان سعيداً جداً خاصة بعد أن جمع مبلغاً كبيراً هذه المرة وكان كلما يتصل بزوجته ويخبرها ما يقوم به كانت هي الأخرى تشعر بالسعادة القصوى وتقول له: اعمل إعمل بعد يازوجي العزيز فهذه فرصة لاتعوض أبداً فسننتظرك حتى تعود يوماً، أما مازن فقد أصبح أكبر وأجمل. زادت هذه الكلمات من عزيمة عمران وراح يعمل بكل نشاط وبكل قوة. وفي يوم من الأيام إستدعى صاحب العمل عمران الى مكتبه وقال له: منذ غد وانت غير مسموح بالعمل لك هنا!!
تسائل عمران وقال: ولماذا وهل هناك ما غيّر من موقفك تجاهي؟ هل قصّرت معك في شيء؟
أجابه رب العمل قائلاً: الأمر ليس بيدي فالسلطات الرسمية أبلغتني بضرورة كل عامل أجنبي لايمتلك حق الإقامة في البلد لذلك عليك الرحيل وعدم المجئ غداً هنا أبداً. بالإضافة الى أن هناك شيئاً سوف يحزنك بعض الشيء، أرجو أن لاتصاب بخيبة أمل إزاءه.
إندهش عمران مما يسمعه وإمتلكه خوف بسيط. ولما وجه سؤاله الى رب العمل أجابه: هناك غرامة مالية سوف تتحمل دفعها بسبب عملك دون رخصة رسمية لذلك.
غضب عمران كثيراً وإنتابه شعور بالإحباط كبير، ندم حينها على مجيئه وبقاءه طويلاً ليعمل مالا يرضى أن يعمله في بلده بالإضافة الى ضياع أكثر ما إدخره في شهور عديدة وصبره على عدم تمتعه بالحقوق العادية، حاله حال بقية العمال.
مستمعينا الأفاضل ما زلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. بعد أن إستمعنا الى قصة اليوم تبين لنا أن الهجرة ليست باباً مفتوحاً دائماً للعمل خاصة للذين لم يحصلوا على فرصة عمل في بلدهم فهناك أشياء اخرى متوفرة في بلادنا لايشعر بها المرء إلا بعد أن يتورط في عادات وتقاليد وقوانين الدول الأجنبية هي بالأخرى بعيدة كل البعد عن تقاليدنا وعاداتنا الإسلامية والشرقية. نتوجه على هذا الأساس أعزائي المستمعين الى ضيف الحلقة سماحة الشيخ أبي جهاد الشيبي الباحث الإسلامي والخطيب الحسيني من طهران لسؤاله عن الهجرة الشرعية والهجرة غير الشرعية وماهي مساوئ غير الشرعية وماهو موقف الإسلام منها وماهي الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمسلم وهو خارج أرضه وبعيد عن أهله وهل يمكن أن يهجر الزوج زوجته وإبنه في بلاد الغرب؟ فلنتمع معاً
الشيبي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعداءهم اجمعين.
في جوابنا عن الهجرة الشرعية وغير الشرعية وموقف الإسلام منها أولاً الهجرة الشرعية هي الهجرة القائمة على المحافظة على الدين من ضغوط الطغاة والنجاة من الإستضعاف في البلد الذي يعيش فيه الانسان قالوا "كنا مستضعفين في الأرض قل ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" فالهجرة من أجل المحافظة على الدين والعقيدة الحقة واجبة ومندوبة على الإنسان المسلم بشرط مواصلة الجهاد من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل وكذلك من أجل تبليغ الإسلام وهداية الآخرين في بلاد المهجر وأفضل هجرة للإنسان كما جاء في تفسير الهجرة هي أن يهجر الباطل ويلتزم بالحق وأهله. أما الهجرة غير الشرعية فهي الهجرة التي تسمى بالتعرض بعد الهجرة أي أن الإنسان المهاجر الى بلاد الغرب اذا تعرض الى فقد دينه او عقيدته الحقة او تلبس بأفكار الغرب الباطلة، يرتكب محرماً يعاقبه الله عليه لأن مثل هذه الحالة سيفقد الإنسان المهاجر فيها عقيدته الحقة ويتلبس بالضلالة الغربية ويخسر بذلك الدنيا والآخرة. أما الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمهاجر الى خارج أرضه في الهجرة غير الشرعية أولاً فقد دينه وعقيدته، ثانياً فقد العلاقة بوطنه لأن حب الوطن كما جاء في الحديث النبوي الشريف من الإيمان، ثالثاً قطع العلاقة الودية والرحمية مع اهله الذين كلفه الله تعالى برعايتهم والحفاظ على مصالحهم كالوالدين والزوجة والأطفال فلماذا يترك انسان زوجته وعياله من اجل نزوة عابرة او إنخداع كاذب بما في بلدان الهجرة من الحياة التي يتطلع اليها المهاجر بصورة غير شرعية وهي امور لاتدوم وقد يكون لها أثر وضعي ووقتي على المهاجر الذي يترك أهله وعياله ولكن العاقبة في مثل هذا العمل الندم والعقاب الإلهي والعياذ بالله، أعاذنا الله وإياكم من كل هجرة ليس فيها رضى لله ولايرتضيها الشرع المقدس ووفقنا الله وإياكم من الهجرة من الضلالة الى الهدى ونور الحق.
بعدما إستعمنا الى ما قاله سماحة الشيخ أبي جهاد الشيبي نتوجه الآن الى ضيف الحلقة الدكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم النفس الإجتماعي من بيروت لسؤاله عن التداعيات الناجمة عن الإختلاط بالعمال الأجانب الذين ربما يمارسون اعمالاً تنافي عاداتنا وتقاليدنا، فماذا العمل؟ وماذا يجب على المهاجر عمله لكي لايقع المهاجر أحياناً ضحية المستغلين للأيدي العاملة المهاجرة؟ فلنستمع اليه
الحسيني: بالنسبة للهجرة يمكن القول إن للهجرة الى بلد خارجي من أجل العمل لها جانبان، جانب إيجابي وجانب سلبي. الجانب الإيجابي هو أن هذا المهاجر لم يحظى بفرصة عمل مناسبة في بلده وهو يريد أن يحسن اوضاعه المادية فيقصد الى بلد آخر تتوفر فيه شروط إيجابية ولاسيما على المستوى المادي، طبعاً هذا سيعود عليه وعلى عائلته بالفائدة بإعتبار أن إمكانياته ستزداد وبالتالي فرص تقديم خدماته للعائلة وواجباته إتجاهها ستتضاعف هذا من الجانب الإيجابي. أما من الجانب السلبي فإن هذا الشخص ينفصل عن العائلة ويبتعد عن معالجة امورها على نحو يومي ولايختلط بأولاده وعائلته على النحو المطلوب لأن الحاجة اليه كبيرة ضمن العائلة وغياب الأب لفترة طويلة لابد أن يؤثر سلباً على سلوك الأولاد لأن الرقابة ستضعف والتوجيه سيضعف ايضاً وبالتالي من الضروري أن يكون هذا الأب الى جانب عائلته. وثمة جانب آخر سلبي في مسئلة الهجرة هي أن هذا الشخص سيختلط بأناس آخرين من جنسيات مختلفة وعادات وتقاليد مختلفة وهذا سيؤدي الى التفاعل بينه وبين هؤلاء الجماعات وقد يكون من بينهم من تقاليده مختلفة من جهة وعاداته السلوكية مضرة وغير مقبولة فوجوده معهم سيؤدي بالنتيجة الى تأثر بهم فهذا التأثر قد يغير في أشكال سلوكه التي كانت طبيعية قبل هجرته أما الآن فقد بدأ يتأثر بعادات لابد أن تنعكس اولاً على شخصيته ومفاهيمه وتقاليده وايضاً على طريقة سلوكه وحياته مع عائلته في المستقبل أما لمواجهة هذا الوضع ماذا يستطيع أن يعمل؟ أولاً يجب أن يكون مسلحاً بوعيه وبأخلاقه وبضميره وأن يتحاشى الإختلاط في عشرة السوء لأن قد يكون من الزملاء الأجانب ناس من الذين يتمتعون بأخلاق عالية ومنهم من لايتمتع بأخلاق عالية فقدرته على الإختيار هي التي ستساعده على أن يكون في منأى عن التأثر بعشرة السوء أما أنه يتجنب الجميع ولايختلط أبداً مخافة أن ينزلق بهذا الإتجاه او ذاك فهذا غير ممكن لأنه موجود في مكان واحد معهم ولأنه سيراهم وسيراهم بشكل دوري واذا لم تكن لديه المناعة الكافية واذا لم يكن ممسكاً بزمام نفسه على النحو المطلوب سيساق وراءهم بدون أي حساب وبالتالي سيدهور شخصيته وسيدهور عائلته ويدخلها في متاهات تنعكس بعد ذلك على اطفاله وأولاده بالنسبة لأوضاعهم المادية والاجتماعية والاخلاقية وما الى ذلك.
في ختام حلقة اليوم من برنامج من الواقع نشكر ضيفي الحلقة الشيخ أبي جهاد الشيبي الابحث الإسلامي والخطيب الحسيني من طهران والدكتور هاشم الحسيني الأستاذ في علم النفس الإجتماعي من بيروت على حسن مشاركتهما البرنامج والذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء ودمتم في أمان الله وحفظه.