خبراء البرنامج: السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من ايران والاستاذة آيات نور الدين الباحثة الاجتماعية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نلتقيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع.
أيها الأحبة تكثر ولازالت هنا وهناك بعض العادات القديمة الموروثة من بعض التقاليد التي خلفتها طبيعة حياة الانسان البسيطة والساذجة احياناً والتي عاشها آباءنا وأجدادنا. من بعض تلك العادات والتقاليد ما كان سبباً في خلق مشاكل وأزمات خاصة بين الأسر التي ترتبط فيما بينها بروابط القرابة والتي أثرت بشكل كبير على حياة المبتلين بها نتيجة عواقب تلك العادات والتقاليد. في قصة اليوم احبتي سنكون بضيافة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من ايران والأستاذة آيات نور الدين الباحثة الاجتماعية من لبنان للحديث عن التداعيات الخطيرة الناجمة عن ممارسة بعض هذه العادات والتقاليد ألا وهي على سبيل المثال إقتصار الزواج بين الأقارب وماينجم عنه من مشاكل تهدد حياة الأسرة بكل تأكيد، اذن دعونا أولاً مستمعينا الأكارم نتابع سوية أحداث قصة اليوم ومن ثم نعود واياكم لتكملة برنامج من الواقع.
دخل خالد في يوم على أبيه وقال له: السلام عليكم ياأبي
أجابه الأب: وعليك السلام ياولدي
قال خالد: أعتقد الوقت قد حان ياأبي لأن أتزوج بإبنة عمي
تهلل وجه الأب فرحاً بطلب إبنه وقال له: أبشر بالخير ياولدي فو الله إنه اليوم الأسعد في حياتي أن أزوجك بإبنة أخي.
سادت الفرحة أرجاء البيت خاصة بعد أن عرفت أم خالد بالأمر وكذلك أخوته وأخواته وفعلاً عند المساء كان الكل في ضيافة شقيق أبي خالد.
رحب كثيراً شقيق أبي خالد بمقدم أخيه وعائلته الى بيته وما إن بادر أبو خالد بطلب إبنة اخيه لإبنه خالد حتى إرتفعت هلاهل وتغاريد النسوة لتملأ البيت وخارجه لكن شقيق أبي خالد توقف لحظة ونظر الى الجميع نظرة شابها شيئاً من القلق.
سأله أبو خالد: ما بك ياأخي؟ لاأراك مبتهجاً كثيراً، هل لديك ما تقوله؟
قال شقيق أبي خالد دون تردد: أنت تعرف جيداً تقاليدنا ياأخي وما دمت تريد إبنتي لإبنك خالد فأنا ايضاً اريد إبنتك عائشة لإبني عطوان.
إستغرب أبو خالد من طلب أخيه المفاجئ رغم أنه إعترف ايضاً بما قاله اخوه فهو ليس بجديد عليه لكنه رد على طلب اخيه بالقول: ياأخي لقد إندثرت مثل هذه التقاليد ولم يعد يتعامل معها الناس وأنت تعلم جيداً مشاكلها ومآسيها لذا أرجوك أن لاتصر على هذا الموضوع وأن توافق على زواج خالد من بثينة.
اجاب شقيق أبي خالد وقال: أرجو المعذرة ياأخي فمطلبي لن أتنازل عنه أبداً !!!
أحبتي ما كان من أبي خالد إلا أن وافق على طلب أخيه بأن يزوج إبنته عائشة لإبن أخيه عطوان ولما حاولت عائشة رفض ذلك صرخ بها أبوها وقال: أتريدين أن أكون صغيراً بعين أخي وعشيرتي؟ منذ متى وبناتنا يرفضن أوامر الآباء؟ هل جننت؟ أتريدين أن يهزأ بي أخي؟ هيا انهضي بسرعة لتلملي أشياءك منذ الآن فغداً ستكونين خادمة مطيعة في بيت أخي.
نهضت عائشة دون أي تعليق منها على كلام أبيها لترضى بإبن عمها زوجاً لها كما طلب ذلك عمها وأبوها. مرت الأيام كما مرت الشهور وأصبح خالد في يوم أباً يعيش بسعادة مع زوجته إبنتة عمه لكن المشاكل الزوجية لاتترك الأزواج أبداً ولاتترك لحظات السعادة لأن تدوم ففي يوم من الأيام حدثت مشكلة ما فإرتفع على أثرها صوت خالد كثيراً وراح يصرخ ويصرخ بل راح يهدد زوجته بضربها وطردها والإنفصال عنها لو تكرر الأمر. لم تجب زوجة خالد بشيء أبداً بل إكتفت بالسكوت تحاشياً لإثارة المشاكل بشكل أكبر ربما تصل الى حد الإنفصال عن بعضهما مثلما هدد بذلك خالد لكن ثورة خالد لم تهدأ أبداً حينما أصر على أسلوبه الهمجي على زوجته واستخدامه الكلمات التي جرحت مشاعر زوجته كثيراً فما كان منها إلا أن إنتفضت وقالت له بالحرف الواحد: ياخالد أنت إبن عمي وزوجي وقد تخلل زواجنا طوال السنين التي مضت أحلى الأوقات وأسعدها كما تخللتها لحظات حب لايمكن نسيانها لكنك تماديت كثيراً بحقي اليوم وتماديت بحق أهلي كلهم لذلك أرجوك أن تكف عن سبهم وشتمهم وإلا...
نهض خالد من مكانه ووقف بوجه زوجته معربداً كثيراً هذه المرة وقال: وإلا؟ وإلا ماذا؟ هيا قولي ماذا تريدي أن تفعلي؟ أجيبيني بسرعة؟
قالت له زوجته: نعم سوف أجيبك فأنا انسانة حرة لاتعرف الخوف أبداً لذلك أقول لك لو تعرضت مرة اخرى لي ولأهلي بأي كلمة فأنا التي سأترك لك البيت.
تفاجئ خالد كثيراً من قول زوجته وإتهمها ببعض الكلمات الجارحة وقال لها: منذ اللحظة أنت حرة أخرجي من البيت لاأريدك أن تبقي هنا دقيقة واحدة.
خرجت الزوجة متوجهة الى بيت أبيها وهي تجر وراءها ذيول الخيبة والندم مما قاله بحقها زوجها.
أعزائي حالما دخلت الزوجة بين أبيها حتى ثارت ثائرة أهلها كلهم وحاولت الأم أن تهدأ من الموقف لكن الغضب الشديد عم البيت وعم قلب عطوان الذي نظر على الفور الى زوجته عائشة شقيقة خالد نظرة أرعبتها وأصابتها بقلق وخوف شديدين.
عند المساء وعندما عاد الأب شقيق أبي خالد من عمله وعلم بما جرى غضب كثيراً فنهض من مكانه ودخل غرفته. نادى بعدها على ابنه عطوان. دخل عطوان مسرعاً الى غرفة أبيه وقال له: نعم ياأبي، هل ناديتني؟
قال له أبوه بشدة: أتعرف ماذا عليك أن تفعله الآن؟ وقبل أن يجيب عطوان بشيء أردف أبوه قائلاً: لاأريدك أن تتردد، هيا نفذ ما أريده منك بسرعة، أريد أن أفتخر بك، هيا ارفع رأس أبيك.
خرج عطوان من غرفة أبيه والشرر يتطاير من عينيه. صرخ بزوجته وقال لها: أنت ايضاً عليك العودة الى بيت أبيك، هيا فلا مكان لك هنا بعد الآن، مفهوم؟ هيا أخرجي بسرعة من بيت أبي فنحن لانقبل أن تطرد بناتنا ونسكت.
أحبتي عادت ايضاً عائشة الى بيت أبيها ولما وصلت شاهدها أبوها وعرف ما الذي حصل وما الذي تصرف ازاءه أخوه.
دخلت عائشة الغرفة وهي تذرف الدموع ثم الدموع ولما حاولت امها أن تخفف عنها أجابتها: ماهو ذنبي أن يطلقني عطوان؟ ماهو ذنبي أن أدفع أنا ثمن الشجار الذي إندلع بين أخي وإبنة عمي؟ متى نتخلى عن هذه العادات والتقاليد التي دمرت حياتنا؟
مستمعينا الأفاضل مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. بعد ان تابعنا اعزائي السمتمعين قصة خالد وإبنة عمه وماتبع ذلك من مواقف مؤلمة ومآسي كان سببها بكل بساطة بعض العادات والتقاليد البالية، نتوجه اعزاءنا المستمعين الى سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من ايران لسؤاله عن حكم الشرعية الاسلامية بهذا النوع من السلوك الناجم عن العادات والتقاليد ومارأي الشرع بخصوص ماحصل لعائشة من طلاق لن تكن سبباً او طرفاً فيه إلا بسبب الشجار الذي إندلع بين أخيها خالد وزوجته بثينة إبنة عمهما؟ وماحكم هكذا طلاق في نظر الاسلام؟ فلنستمع معاً.
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله آل الله.
طبعاً انا إستوعبت هذه القصة وهذه حدثت قديماً وتحدث ربما عند مجموعات وأمم متخلفة تماماً وكأنها تعيش في كوكب آخر. بإجمال أقول إن هذه القصة او هذه الحالات إن دلت على شيء فإنما تدل عن الإبتعاد عن الحضارة والمدنية وقيم الأديان والأعراف الدولية وحتى القوانين الأرضية. إن الشرائع السماوية كلها تتفق بما فيها الاسلام على ان الانسان حر ولايمكن لأي جهة أن تجبره على شيء إلا دينه وأوامر الله سبحانه وتعالى أما أن عائشة او فلانة تؤخذ بذنب فلانة هذا خلاف صريح لواقع الاسلام والله سبحانه وتعالى يقول " وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" ( الأنعام۱٦٤- الإسراء۱٥- فاطر۱۸- الزمر۷ ). ثم أن زواج من هذا القبيل في الواقع هو ليس بزواج سيدي الكريم بل هذا صفقة من الصفقات الجاهلية والتي كانت تتعاطاها الأمم المتخلفة من القدم وهي متأثرة بحياة قبلية وهمجية ولاصلة لها بالذوق ولا بالإنسانية، أي زواج يمكن أن نعتبره زواجاً اذا كان قائماً على الإكراه وعلى القسوة وعلى التهديد. كل مايريده الاسلام قيام أسرة سليمة يكون كل أعضاء هذه الأسرة مستأنسين فيما بينهم وأن يكون هذا في ظلال الرحمة والمودة والذوق والتعاطي بالإنسانية والتعاطي بإحترام المشاعر وهذا هو الذي ينشده الاسلام اولاً وآخراً وكل ما ورد في هذه القضية او القصة قلت انا عشتها في الزمن الغابر ولعلها تحدث الآن في الأمم المتخلفة لكن لاقيمة لها إطلاقاً.
بعد أن إستمعنا الى ماقاله السيد حسن الكشميري نتوجه أيها الأحبة الى الأستاذة آيات نور الدين الباحثة الاسلامية من لبنان لسؤالها عن التداعيات النفسية والاجتماعية الذي يخلفه الزواج المشروط بين الأقارب وما يتبع من طلاق على حد الطريقة الشائعة وهي الزواج "كصة بكصة" لنستمع معاً.
نور الدين: بسم الله الرحمن الرحيم
طبعاً عندما نرى مثل هذه الحالات لعلنا نرجع بالذاكرة الى ما نقرأه عن القبائل وكيف كانت تتعاطى مع المرأة، بالنسبة لهذه القبائل كانت تعتبر المرأة مثلها مثل السلع، مثل الماشية يتم تبادلها بين العائلات وبين القبائل فإذا اعطت قبيلة مرأة للأخرى على القبيلة أن ترد هذه المرأة بأخرى فهذه الذهنية لاتزال موجودة للأسف، يتم التعاطي للمرأة ليس كإنسان لها حق الاختيار بالدرجة الأولى، حق إختيار الشريك الذي نجد نحن في الثقافة الاسلامية أن اهم شروط إتمام عقد الزواج هو قبول المرأة والقبول يكون ليس كرهاً وليس إحراجاً وليس غصباً وإنما قبول بكامل قواها وبكامل رضاها العقلية والنفسية والروحية لذلك هذه الحالة تحدث هذه الذهنية التي للأسف نجدها لاتزال موجودة في بعض مجتمعاتنا المسماة اسلامية. المسئلة الأخرى التي نجدها وهي فعلاً مشكلة كبيرة بأن تكون بعض الحالات قد تحصل بشكل تلقائي، إعجاب بين فتاة من هذه العائلة وابن من عائلة اخرى وفتاة من العائلة الأخرى وابن من هذه العائلة بالتالي يكون هذا التبادل تلقائي وعفوي وطبيعي وإنما هو سلبي للغاية وتحدث هذه الحالة التي تفضلتم بتفسيرها وسردها في حلقتكم الى مسئلة "ولاتزر وازرة وزر اخرى" عندما نتحدث عن مسئلة المرأة كزوجة علينا أن نرجع الى المنظومة القيمية التي تحكم العلاقة الزوجية والتي رسخها القرآن الكريم والتي وجدنا منها نماذج اسلامية سواء في زواج السيدة خديجة من النبي محمد او زواج السيدة الزهراء من الامام علي او زواج الأنبياء وكل الأنبياء وكيف بينا لنا سواء القرآن الكريم او السنة النبوية كيفية التعاطي مع المرأة كإنسان، انسان له كامل الاحترام وله منظومة حقوق لذلك فعلاً لعلنا وصلنا الى مجتمعات اسلامية بالإسم ولكن في المضمون نفتقر الى الكثير من القيم التي ترسخ هذا العنوان والتي من ضمنها كيفية التعاطي مع المرأة الزوجة.
في ختام حلقة اليوم أعزاءنا المستمعين نشكر الشكر الجزيل ضيفينا الكريمين سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من ايران والاستاذة آيات نور الدين الباحثة الاجتماعية من لبنان على حسن المشاركة كما نشكركم اعزائي على حسن متابعتكم لبرنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، حتى الملتقى نستودعكم الله والسلام عليكم.